أصبح جيف سيشنز، النائب العام ووزير العدل الأمريكي مهددًا بالإطاحة به من منصبه ، بعد أقل من شهر منذ توليه بسبب اتهامه بالكذب بشأن تواصله مع مسؤولين روس أثناء الانتخابات الرئاسية.
وهي اتهامات نفاها سيشنز، وأدت إلى مطالبات باستقالته، في ظل تمسك الرئيس الأمريكي دونالد ترامب به، ومخاوف من أن يلقى نفس مصير مستشاره السابق للأمن القومي الذي خرج من منصبه بسبب قضية تدخل الروس في الانتخابات، والتي تشكل حساسية كبيرة في الولايات المتحدة الأمريكية.
تعيين سيشنز المتشدد في تطبيق قوانين الهجرة وزيرًا للعدل
في 31 يناير (كانون الثاني) الماضي، وبعد أقل من أسبوعين، من تنصيبه رئيسًا لأمريكا أقال ترامب، سالي بيتس القائمة بأعمال وزير العدل؛ بسبب رفضها قرار ترامب بمنع مواطني سبع دول ذات أغلبية مسلمة من دخول أمريكا، وإصدارها تعميمًا على المدعين العامين في أمريكا بعدم تطبيق قرار ترامب.
وهي أسباب كانت كفيلة لترامب بأن يطيح بسالي من منصبها الذي تولته بالوكالة لأيام قليلة، ليرشح بعد ذلك ترامب أحد كبار المسؤولين في حملته الانتخابية، والمعروف بموقف المتشدد بشأن تطبيق قوانين الهجرة، وهو الجمهوري جيف سيشنز الذي كان عضوًا بمجلس الشيوخ آنذاك قبل أن يرشحه ترامب ليكون أكبر مسؤول عن إنفاذ القانون في البلاد .
وقبيل تنصيب سيشنز وزيرًا للعدل في أمريكا، مثُل الرجل أمام لجنة استماع خاصة في الكونجرس لتعيينه في منصبه الجديد، ووجه إليه أعضاء اللجنة تساؤلات بشأن تواصله مع مسؤولين روس أثناء انتخابات الرئاسة الأمريكية خلال العام الماضي، لينفي سيشنز بدوره اتصاله بالروس، ليصدّق في النهاية مجلس الشيوخ على تعيينه وزيرًا للعدل في الثامن من فبراير (شباط) الماضي بأغلبية طفيفة تمثلت في تأييد تعيينه من 52 عضو، في مقابل 47 رفضوا تعيينه.
سيشنز تواصل مع الروس مرتين أثناء انتخابات الرئاسة
وفي أول أيام الشهر الجاري، وبعد أقل من شهر من موافقة الكونجرس على تعيينه، أثيرت الضجة والجدل مجددًا حول تواصل سيشنز مع مسؤولين روسيين، عندما كشف مسؤولين بوزارة العدل الأمريكية لصحيفة «واشنطن بوست» الأمريكية، عن تحدث سيشنز مرتين العام الماضي مع السفير الروسي في واشنطن سيرجي كيسلياك، وعدم كشف سيشنز عن ذلك عندما سئل عن إجراء أي اتصالات بين الحملة الانتخابية لترامب ومسؤولين روس.
وذكرت الصحيفة الأمريكية أن أحد هذين الاتصالين اللذين جمعا بين سيشنز وكيسيلاك، وقعا في سبتمبر (أيلول) بمكتب سيشنز بمجلس الشيوخ «في أوج ما يصفه مسؤولون مخابرات أمريكيون بأنها حملة روسية إلكترونية للتأثير في الانتخابات الرئاسية» على حد تعبير موقع الحرة الأمريكي، ذلك بالإضافة إلى لقاء آخر جمع بينهما أثناء لقائه بنحو 25 سفيرًا آخر في الصيف الماضي.
تصعيد ديمقراطي.. «عليه أن يستقيل»
من جانبهم، صعّد النواب الديومقراطيون بالكونجرس الأمريكي ضد سيشنز، متهمين إياه بتضليل مجلس الشيوخ أثناء جلسة المصادقة عليه، ودعوه لتقديم استقالته؛ إذ قال الديموقراطي آدم شيف، ورئيس لجنة المخابرات بمجلس النواب الأمريكي: إن سيشنز «ضلّل مجلس الشيوخ أثناء تفسيره لما حدث، وببساطة شديدة، كان حديثه خاليًا من المصداقية».
وبلهجة أكثر حدة، أصدرت نانسي بيلوسي، زعيمة الديموقراطين في مجلس النواب الأمريكي، بيانًا مساء الأربعاء الماضي، دعت فيه سيشنز لتقديم استقالته «بعدما حنّث باليمين أمام الكونجرس بشأن اتصالاته مع الروس» على حد تعبير نانسي التي أكدت على وجوب استقال سيشنز، باعتباره غير مؤهلًا ليكون أعلى مسؤول عن إنفاذ القانون في أمريكا.
وطالب نواب ديموقراطيون أيضًا بتنحي سيشنز عن التحقيقات التي يجريها مكتب التحقيق الفيدرالي (إف بي آي) بشأن التدخل الروسي في الانتخابات الأمريكية.
سيشنز يقر باللقائين وينفي علاقتهما بالانتخابات
واستجاب سيشنز لآخر مطلب، وأعلن تنحيه والنأي بنفسه عن أي تحقيقات حالية أو مستقبلية من مكتب التحقيق الفيدرالي حول التدخل الروسي في انتخابات الرئاسة الأمريكية، ولكنه نفى أي اتهامات بالكذب أثناء جلسة التصديق عليه في الكونجرس عندما قال إنه «لا يوجد أي اتصالات مع الروس»، مؤكدًا، الخميس الماضي، دقة حديثه وصدقه وفقًا لما فهمه من الأسئلة التي وجهت إليه في تلك الجلسة.
وأعرب سيشنز عن تفهمه لآراء البعض حول ما وصفوه بكذبه قائلًا: «لكن هذا ليس قصدي، هذا غير صحيح». سيشنز أقر بملاقاته بالسفير الروسي مرتين، بصفته عضوًا في الكونجرس، وليس مسؤولًا بحملة ترامب، لافتًا أن الحديث دار بينهما حول محاربة الإرهاب وأوكرانيا .
ترامب متمسك بسيشنز.. «رجل أمين»
بدوره، أظهر الرئيس الأمريكي تمسكًا بسشنز، معربًا عن ثقته «الكاملة» فيه، ووصفه بالرجل «الأمين»، ونفى الرئيس الأمريكي علمه بلقاءات سيشنز مع السفير الروسي العام الماضي، ولم يخلُ تعليق ترامب على تلك القضية من الهجوم على الديموقراطيين، معتبرًا هجماتهم على سيشنز استغلالًا للفرص، مُضيفًا «الديمقراطيين خسروا الانتخابات وخسروا معها استيعابهم للحقائق».
[c5ab_tweet c5_helper_title=”” c5_title=”” link=”https://twitter.com/realDonaldTrump/status/837492425283219458″ ]
[c5ab_tweet c5_helper_title=”” c5_title=”” link=”https://twitter.com/realDonaldTrump/status/837491607171629057″ ]
وكتب ترامب عدد من التغريدات عبر موقع التواصل الاجتماعي «تويتر»، دافع فيها عن سيشنز من بينها تغريدة كتب فيها:
«ما يجب أن يُناقش هو ما إذا كانت تلك الاجتماعات قد شهدت تسريبات غير قانونية لمعلومات سرية أو غيرها من المعلومات«.
وتجدر الإشارة إلى أن المحققين، في أزمة سيشنز يحتاجون أن يثبتوا بالدليل تعمد كذب سيشنز في جلسة المصادقة عليه، وتضليلهم حول حقيقة لا جدال فيها لإدانة سيشنز بشكل كامل.
حساسية التدخل الروسي في الشأن الأمريكي
تعد قضية التدخل الروسي في الشأن الأمريكي، وبالأخص السياسي منه، قضية شديدة الحساسية في أمريكا؛ بسبب الخلاف التاريخي المعلن بين البلدين، ودائمًا ما وجهت الاتهامات للجمهوريين في الآونة الأخيرة للتعاون السري بشكل أو بآخر مع الروس.
وقبل أزمة سشنز، وقع مايكل فلين مستشار ترامب السابق للأمن القومي في أزمة مشابهة، بعد ورود أنباء عن إجراء فلين اتصالات مع كيسيلياك أيضًا، وقد دفعت الأزمة في النهاية إلى استقالة فلين، وهو ما أثار مخاوف لدى الجمهوريين من أن يلقى سيشنز نفس مصير فلين.
وفي أحد أقوى الخطوات التصعيدية التي اتخذها أمريكا بشأن التدخل الروسي في انتخابات الرئاسة الأمريكية، طرد الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما 35 دبلوماسيًا روسيًا، لاتهامهم بالتدخل في الانتخابات الأمريكية، وجاء قرار أوباما في آخر أيامه بالبيت الأبيض، وقبل نحو ثلاث أسابيع من تنصيب ترامب رئيسًا لأمريكا.
وجاء القرار على خلفية تقارير لأجهزة الاستخبارات في أمريكا، أفادت بتورط روسيا في عمليات اختراق لأنظمة الحزب الديموقراطي، بهدف التأثير في الانتخابات الرئاسية لصالح ترامب، على حساب منافسته الديموقراطية هيلاري كلينتون، وألمح أوباما إلى إمكانية تورط الرئيس الروسي نفسه فلاديمير بوتين بإعطاء أوامر لعمليات الاختراق تلك، أو الموافقة الضمنية عليها.