توترت العلاقات بين الحكومة المركزية في بغداد وإقليم كردستان، الذي يتمتع بحكم ذاتي منذ عام 1991، بعد إصرار الإقليم على إجراء استفتاء الانفصال عن العراق في 25 سبتمبر (أيلول) 2017. وبعد إجراء الاستفتاء اتجهت العلاقة بين الجانبين إلى حد المواجهة العسكرية التي بدأتها حكومة بغداد في 16 أكتوبر (تشرين الأول) 2017، باستعادتها لمدينة كركوك التي كانت تخضع آنذاك لـ«قوات البيشمركة الكردية» منذ يونيو (حزيران) 2014.
نستعرض في هذا التقرير حيثيات العلاقة بين الجانبين، والأسباب التي ما زالت تحول دون توصلهما إلى اتفاق ينهي الأزمة.
اقرأ أيضًا: ما حققوه في 14 عامًا فقدوه في 14 يومًا! هكذا أصبح «حلم دولة الأكراد» شبه مستحيل
النفط والمعابر والموازنة: أهم نقاط الخلاف بين الجانبين
بالرغم من تأكيد الإدارة السياسية في إقليم كردستان على لسان رئيس حكومة الإقليم «نيجرفان برزاني»، على احترام الإقليم لقرار المحكمة الاتحادية الرافض للاستفتاء، إلا أن العلاقة بين بغداد وأربيل لم تزل متأزمة؛ إذ طالب برزاني الحكومة الاتحادية بإلغاء آثار ما بعد الاستفتاء بحسب قرار المحكمة.
رئيس وزراء إقليم كردستان نيجرفان برزاني
النائب في البرلمان العراقي وعضو اللجنة القانونية فرح السراج تقول لـ«ساسة بوست»: «إن الموضوع معقدٌ جدًّا، وعلى الرغم من إصدار قرار من المحكمة الاتحادية برفض نتائج الاستفتاء، إلا أنه وحتى الساعات الأخيرة لم يعلن رئيس حكومة الإقليم نيجرفان برزاني أو نائبه كوسرت رسول صراحة عن إلغاء نتائج الاستفتاء، وحجتهم في ذلك أن قوانين وقرارات المحكمة الاتحادية لا تجري أحكامها على الإقليم، على اعتبار أنهم إقليم بحكم ذاتي».
اقرأ أيضًا: انفصال كردستان العراق ليس حتميًا وإلغاء الاستفتاء ما زال خيارًا واردًا.. بشرط
وأضافت فرح «أن الحكومة العراقية ترى أنه لم يحن الوقت بعد للدخول في مباحثات عميقة مع الإقليم، واقتصار كل الحوارات السابقة على العلاقات العسكرية، ومحاولات عدم الصدام بين الجيش العراقي والبيشمركة». وأوضحت السراج أن إحدى نقاط الخلاف الرئيسة بين الجانبين هي المناطق المتنازع عليها، حيث لم تتمكن الحكومة من استعادة 3 وحدات إدارية، منها «قضاء الشيخان» الغني جدًا بالنفط، والذي يحظى بمطامع كردية – بحسب قولها – من مجموع 16 وحدة إدارية كانت تحت سيطرة الأكراد.
مسعود برزاني خلال مشاركته في التصويت على استفتاء الإقليم
وفي الوقت نفسه ترى فرح أن رئيس الوزراء حيدر العبادي يعمل حسب توقيتات دقيقة، وأن التعامل مع حكومة الإقليم لم يحن وقته. وأكدت أن من بين المعوقات الكبيرة التي تقف حائلا أمام توصل الطرفين إلى توافق هو قضية الموازنة العامة للعراق لعام 2018، والتي ستعرض أمام البرلمان خلال أيام للمصادقة عليها، والتي قلصت فيها الحكومة العراقية حصة الإقليم من 17% إلى ما دون 12%.
وفيما يخص التوقيتات التي يعتمدها رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي في المفاوضات مع أربيل، جاء في تقرير نشر على موقع «أتلانتيك كاونسل» أن بغداد قد تعقد مفاوضات مع وفد ممثل للقيادة السياسية في الإقليم، بشرط أن يضم الوفد جميع الفصائل الكردية الرئيسة.
ويضيف التقرير أن الحد من نفوذ الحزب الديمقراطي الكردستاني – ومقره أربيل – مصلحة مشتركة بين بغداد وكلٍّ من: حزب الاتحاد الوطني الكردستاني وحزب جوران، ومقرهما السليمانية. ويبدو أن هذه السياسة استفادت من ضعف مسعود برزاني وابنه مسرور، اللذين أصرا على إجراء الاستفتاء. وبحسب التقرير، فإنه ما لم تحل الخلافات الرئيسة بين الأكراد أنفسهم، فلن يستطيعوا تشكيل وفد على قلب رجل واحد، بمطالب موحدة.
اقرأ أيضًا: صدام حسين ومسعود البرزاني.. كيف استثمرت أمريكا عنادهما في تحقيق مآربها؟
ويضيف التقرير أن أحد أهم نقاط الخلاف بين الأكراد وبغداد هي حصة الإقليم من الموازنة الاتحادية، حيث إن مشروع الموازنة يضعف حكومة إقليم كردستان باستخدام مصطلح «محافظات إقليم كردستان» بطريقة تنطوي على تعدد الجهات الكردية الفاعلة داخل الإقليم.
ومن خلال ما سبق، تبدو بغداد على استعداد للتعامل مع محافظات الإقليم بصورة مباشرة، إذا لم تتعاون حكومة إقليم كردستان.
رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي
وتجدر الإشارة إلى أن بغداد كانت قد وضعت بعض الشروط قبل الشروع في أية مفاوضات، والتي تتلخص في: «تسليم إيرادات النفط، وتسليم المعابر البرية والمطارات». فيما استجابت حكومة الإقليم من جهتها لهذه المطالب، وأبدت استعدادها لتنفيذها، شريطة أن تبقى حصة الإقليم من الموازنة الاتحادية 17% دون تغيير.
أما تعهُّد الحكومة المركزية بدفع رواتب الموظفين الحكوميين في الإقليم، فمشكلة أخرى لا تقل أهمية عن سابقاتها. فالبرغم من تعهد حكومة بغداد بذلك، إلا أنها شككت في أعداد الموظفين الذين زودتها بها حكومة الإقليم والبالغ أكثر من مليون و200 ألف موظف ومتقاعد، وقررت بغداد تشكيل لجنة مشتركة لتدقيق أعداد الموظفين ورواتبهم، ولم تظهر نتائج اللجنة حتى الآن.
مبادرات ووساطات تجري على قدمٍ وساق
وفي سعيٍ حثيث لرأب الصدع بين بغداد وأربيل، يلعب رئيس جمهورية العراق فؤاد معصوم دورًا مهما في هذا الشأن. ففؤاد معصوم كردي، وفي الوقت ذاته رئيس الجمهورية؛ مما يجعله أقرب شخصية سياسية في بغداد للإقليم.
وفي محاولة منه لحل الأزمة بين الحكومة الاتحادية في بغداد وحكومة إقليم كردستان في أربيل، يزور رئيس الجمهورية فؤاد معصوم إقليم كردستان، حيث أعلن مكتب رئيس الجمهورية أن زيارة معصوم إلى الإقليم جاءت للبحث في ثلاثة ملفات رئيسة: «العلاقة بين أربيل وبغداد وملف كركوك وملف الخلافات داخل حزب الاتحاد الوطني الكردستاني الذي ينتمي إليه معصوم».
رئيس جمهورية العراق فؤاد معصوم
يقول الصحافي العراقي أحمد سعيد لـ«ساسة بوست»: «إن مبادرة الرئيس معصوم هي مبادرة داخلية للبيت الكردي، من أجل تجاوز الخلافات بين أحزاب الإقليم -وتحديدًا بين حزبي الاتحاد الوطني والديمقراطي الكردستاني – فيما يخص الانشقاقات، ورفض أربيل لمرشح السليمانية «رزكار علي» الذي رشحه حزب الاتحاد لشغل منصب محافظ كركوك، فضلًا عن محاولة الخروج برؤية موحدة للتفاوض مع بغداد».
وأضاف أيضا: أن «أربيل ترغب في الوصول إلى حل مع بغداد، لكن الصورة النهائية لهذا الحل بين بغداد وأربيل هو موضع الخلاف؛ حيث لا تريد أربيل أن تظهر بمظهر الخاسر أمام الشارع الكردي، خاصة وأن حزب مسعود برزاني كان قد تبنى مشروع الاستفتاء منذ سنوات».
اقرأ أيضًا: 3 أسباب تجعل من استقلال إقليم كردستان عن العراق أمرًا شبه مستحيل
هل ستنجح الوساطة الأمريكية؟
تناقلت وسائل إعلام أنباءً عن وساطة أمريكية بين بغداد وأربيل بالتزامن مع مبادرة الرئيس معصوم، لدفع الجانبين إلى استئناف المفاوضات. فيما أكدت رئيسة كتلة التغيير بمجلس النواب العراقي سروة عبد الواحد، في تصريح لصحيفة الشرق الأوسط: «أن أي موعد لم يحدد بعد لإرسال الوفد الكردي الى بغداد للتفاوض، وأن الحكومة الاتحادية ما زالت مصرة على موقفها بضرورة تغيير التشكيلة السابقة لوفد الإقليم، وألا يقتصر الوفد فقط على أطراف الحكومة المحلية، بل يجب إشراك جميع القوى السياسية الكردية بالوفد، وهذا شرط من شروط الحكومة الاتحادية».
خريطة للعراق توضح موقع أهم المدن في العراق ومنها كركوك
من جانبه يرى الدكتور علي أغوان، الباحث والأستاذ في العلاقات الدولية، أن الجانبين الآن في خضم مفاوضات برعاية أمريكية، وأن المفاوضات تتمحور حول: «ملف النفط، والمعابر، ومن سيدير المناطق المتنازع عليها، فيما إذا كانت مشتركة بين بغداد وأربيل، أم بيد بغداد فقط». ويضيف أغوان لـ«ساسة بوست» أن هذه الملفات العالقة ستحل في غضون شهرين على أبعد تقدير، مُرجعًا ذلك إلى قرب الاستحقاق الانتخابي. ويرى أغوان أن العلاقة الظاهرة بين بغداد وأربيل متوترة جدًا، إلا أنها في الحقيقة أقل وطأة مما تبدو عليه.
وفيما يخص الانتخابات المقبلة، يعتقد أغوان أن المشاكل العالقة ستحل بضغط أمريكي على الطرفين، وأن الأمريكيين يضغطون باتجاه دعم الأكراد للعبادي لتولي رئاسة الوزراء لولاية ثانية. ويختم أغوان حديثه لـ«ساسة بوست» بأن من مصلحة الأكراد التصالح والتحالف مع العبادي لمواجهة الحلف الإيراني الذي يقوده المالكي والحشد الشعبي في الانتخابات المقبلة، وأن العبادي، يُعد الاختيار الأفضل كرئيس وزراء قريب للأكراد، وذلك لطبيعته الدبلوماسية الهادئة، وتجنبه للتصعيد العسكري، بحسب أغوان.
جلسة تصويت في مجلس النواب العراقي
الصحافي العراقي المقيم في تركيا أحمد سعيد، يقول لـ«ساسة بوست»: «إن الأمريكيين يدفعون باتجاه عودة الإدارة المشتركة للمناطق المتنازع عليها، وخاصة في كركوك، بعد أن اتهم الأكراد الحشد الشعبي بتنفيذ تطهير عرقي في بعض المناطق. مضيفًا أن حل الأزمة يعتمد على الدور الأمريكي، خاصة بعد أن دفعت القوات الأمريكية قواتها للتمركز في قاعدة (K1) في كركوك، وأن هذا الدور سيمهد لتطبيع الأوضاع في المناطق المتنازع عليها، وعودة تدريجية للبيشمركة إلى كركوك لتطبيق إدارة مشتركة».
علامات
أربيل, أكراد, أمريكا, إقليم كردستان, السليمانية, العراق, المناطق المتنازع عليها, النفط, بغداد, كركوك, مبادرات