ربما نلاحظ دائمًا أننا ننجذب بشكل عام إلى كل ما يحمل قدرًا من الغموض، حتى إنه إذا وجدنا حادثة على الطريق فإن الفضول يقتلنا لمعرفة ما حدث بالضبط. من هنا، تحظى ألعاب الغموض بشعبية كبيرة لدرجة أنها ألهمت أجيالًا من المحققين الهواة.

ينظر البعض إلى مثل هذه الألعاب على أنها مجرد «ألعاب» مثلها مثل غيرها، لكن في الواقع فإنها تتمتع بفوائد عقلية وعاطفية مدهشة. تمثل الشعبية المستمرة لهذه الألعاب لغزًا: ما الذي يحفز الأشخاص العاديين والملتزمين بالقانون على قضاء أمسية في ممارسة لعبة تتعلق بالتحقيق في حالة إراقة دماء وهمية، أو مطاردة قتلة وهميين؟

قد يكون الفضول أحد التفسيرات البسيطة؛ لكن الباحثين يقولون إن هذه ليست القصة الكاملة؛ إذ إن ألعاب الغموض والجريمة والقتل تتضمن مجموعة معقدة بشكل مدهش من القواعد النفسية. لذلك، هي تسمح لنا بتعلم وممارسة مهارات عقلية وعاطفية مهمة، ويمكنها حتى أن تعلمنا عدم إغفال الأدلة المهمة في حياتنا الطبيعية.

1- ألعاب الغموض والقتال والاستعداد للواقع

من بين أبرز أنواع ألعاب الغموض، تلك الألعاب التي يمكننا وصفها بالألعاب المخيفة، التي تتضمن وجود خطر وهمي ما أو عنف. الفكرة الأساسية وراء الانجذاب تجاه هذه النوعية من الألعاب يدور حول أننا نستخدمها وسيلة لمحاكاة سيناريوهات التهديد، ثم نلعب بالطريقة التي نرد بها على ذلك التهديد. يمكن أن تكون استجابتنا في هذه الألعاب سلوكية أو عاطفية فقط، حسب طبيعة تعاملنا مع الخوف.

Embed from Getty Images

هذه الألعاب يمكن تشبيهها بألعاب القتال والمطاردة التي تحدث في القطيع بين الحيوانات، والتي تقوم بها الحيوانات استعدادًا وتهيئة للقتال الواقعي ولصيد الفريسة ومطاردتها. بالنسبة لنا، نحن البشر، في الحياة الواقعية، نحاول دائمًا تجنب المواقف التي تسبب القلق أو الخوف، وهناك سبب وجيه وراء هذا الأمر وهو أننا لا نريد تجربة شيء يثير القلق في الحياة الواقعية، لأن له عواقب حقيقية.

من أجل هذا، وبعكس الحيوانات، نحن لا نتدرب كثيرًا على التعامل مع هذه المشاعر، ونرى أنه يمكننا حقًّا الابتعاد عن هذه المواقف. هنا، يمكن أن يلجأ الإنسان للتدرب على مثل تلك المشاعر في بيئة آمنة يعلم جيدًا أنها لن تحمل له عواقب حقيقية، ومن ثم يحاول الإنسان البحث عن التهديدات الوهمية وممارسة إستراتيجيات التأقلم العاطفي معها.

الأمر ذاته ينطبق على مشاهدة أفلام الرعب، أو زيارة أماكن تدور حولها إشاعات أنها مسكونة، أو لعب ألعاب القتل الغامضة، أو قراءة رواية عن الجريمة، كل تلك الأمور يلجأ لها الإنسان للتدرب.

2- ألعاب الغموض تنظم عامل الخوف

لكن هناك فرقًا بين قراءة رواية مرعبة وبين لعب ألعاب مرعبة. على سبيل المثال، فإن قراءة إحدى روايات سلسلة «ما وراء الطبيعة» للكاتب المصري أحمد خالد توفيق، أقل تأثيرًا من الذهاب إلى بيت الأشباح في الملاهي. لكن هناك من يتحمل قراءة الرواية ولا يتحمل التعامل أبدًا مع بيت الأشباح، فالإنسان يبحث عن درجة أعلى من التدريب على التعامل مع الخوف دائمًا بشرط أن يكون الخوف مثيرًا، لكنه ليس مزعجًا.

بالنسبة للبعض، قد تكون قراءة قصة جريمة كافية لإنشاء سيناريو واقعي في أذهانهم، بينما قد يحتاج البعض الآخر إلى تحفيز أكبر في بيئة غامرة جسديًّا، حيث توجد بقعة جميلة من الخوف، لا يوجد فيها خط فاصل واضح بين الواقع والخيال. وقد أظهرت الدراسات الحديثة بالفعل أن الناس يستخدمون إستراتيجيات عاطفية مختلفة لتنظيم عامل الخوف في تجربة ما والذهاب إلى تلك البقعة الجميلة.

على سبيل المثال، قد يبحث البعض عن تجارب تفاعلية ويتظاهر بأنها حقيقية لزيادة درجة الخوف التي يشعر بها، البعض قد يلجأ إلى مشاهدة فيلم رعب بتقنية خماسية الأبعاد وليس فقط ثلاثية الأبعاد بحيث توجد مؤثرات مادية حوله تجعله يعيش تجربة الخوف أكثر. على سبيل المثال، ظهرت في بريطانيا شركات تبتكر وتدير عروض ألغاز كاملة، حيث يلعب ممثلون أدوارًا لجريمة قتل، ويحاول المتفرجون حل لغز القضية. إحدى الشركات تقدم ما يصل إلى مئة عرض تفاعلي كل عام.

3- تساعد في التعامل مع الكوارث والحوادث

بصرف النظر عن كونها مثيرة، قد تساعد مثل هذه الألعاب والمغامرات المخيفة الناس على التعامل مع العالم الحقيقي، ففي إحدى الدراسات، قال بعض زوار منزل مسكون، إنه علمهم أشياء مفيدة عن أنفسهم، مثل إدراك أنهم تعاملوا مع الخوف بشكل أفضل مما كان متوقعًا.

Embed from Getty Images

أظهرت دراسة أخرى أن عشاق أفلام الرعب تمتعوا بمرونة نفسية أكبر خلال الأشهر الأولى من جائحة كوفيد-19، مقارنة بالأشخاص الذين لم يشاهدوا مثل هذه الأفلام. ليس هذا فحسب، إذ تظهر دراسة أخرى أن النساء، أكثر من الرجال، ينجذبن إلى الكتب عن الجريمة الحقيقية، وأن غرض النساء من القراءة هنا هو تعلم طرق منع الجريمة أو النجاة منها والتعامل مع خوفهم من الجريمة.

4- وألعاب القتل تكشف التحيزات

ألعاب القتل لا تسمح لنا فقط بالتفريغ عن عواطفنا وكشف مهارات التجسس والتحقيق لدينا، بل يمكنها أيضًا الكشف عن تحيزاتنا في العالم الحقيقي ومساعدتنا في التغلب عليها.

إحدى الدراسات تضمنت ثلاثة ألغاز قتل تفاعلية واقعية للغاية للجمهور، لزيادة الوعي حول كيف يمكن للرؤى النفسية أن تحسن التحقيقات الجنائية. على الرغم من أنها كانت مجرد ألغاز، فإن الناس انزلقوا بسرعة إلى تقمص أدوارهم، سواء كان ذلك شهود عيان أو محققين أو محلفين في محاكمة جريمة قتل في الخمسينيات من القرن الماضي.

عكست بعض قرارات المشاركين في تلك الألغاز تحيزاتهم في العالم الحقيقي، مثل التغاضي عن المشتبه به بسبب الطريقة التي يتصرف بها، أو لأنهم يعانون من مرض عقلي.

وهذا ما يعود على الصحة العامة من ألعاب الغموض والرعب

من بين الفوائد الأخرى لممارسة ألعاب الغموض والرعب، تلك الفوائد المرتبطة بصحة الإنسان، وهذه بعض الأمثلة:

1- تحسين المناعة العامة

فقد أظهرت الدراسات أنه عندما يميل الناس إلى مشاهدة أو لعب ألعاب الرعب، فإن أجسامهم تميل إلى إنتاج المزيد من خلايا الدم البيضاء التي تساعد في تحسين الجهاز المناعي للفرد الذي يلعب لعبة الرعب، وكلما كانت اللعبة أكثر ترويعًا، زادت سرعة معدل ضربات القلب لدينا وصحتنا أيضًا.

2- التخلص من التوتر وتحسين المزاج

خلال ألعاب الرعب، نستثمر كثيرًا في اللعبة، لدرجة أننا ننغمس فيها أكثر من الواقع نفسه. عندما نشعر بالخوف وسط هذا الانغماس، يميل جسمنا إلى إنتاج عدد من الهرمونات في دماغنا بينها الدوبامين والجلوتامات والسيروتونين، والتي تعرف بـ«هرمونات السعادة» التي تجعلنا نشعر بتحسن أدائنا.

ترفيه

منذ سنة واحدة
«God of War» عاد من جديد: 7 ألعاب فيديو ينتظرها العالم في 2022

تساعدنا هذه الهرمونات التي تتدفق عبر أجسادنا في التخلص من التوتر الذي شعرنا به، كما تساعدنا في تحويل أذهاننا عن التوتر الذي شعرنا به سابقًا. تساعد ألعاب الرعب أيضًا في إطلاق هذه المواد الكيميائية التي تعمل مثل الأدرينالين الذي يرتبط عادة بمبدأ «القتال أو الهروب» وهو يلعب أيضًا دورًا كبيرًا في تقليل آثار الاكتئاب والقلق.

3- إنقاص الوزن

قد يبدو الأمر سرياليًّا تمامًا، لكنه صحيح. نظرًا إلى الطريقة التي يتفاعل بها جسمنا في الواقع عندما نلعب لعبة رعب، فإننا نميل إلى حرق الطاقة بسبب المشاعر التي نشعر بها، وهذا يحرق السعرات الحرارية بسرعة كبيرة. نحن نميل إلى حرق أكثر من مائتي سعرة حرارية عند لعب ألعاب الرعب، والمفهوم الكامل وراء ذلك هو أنه نظرًا إلى حقيقة أن الدم يضخ في أجسامنا بوتيرة أسرع عند اللعب والإثارة، فإننا نميل إلى التجربة والشعور بالاندفاع، مع ازدياد مستويات هرمون الأدرينالين لدينا. كل هذا يؤدي إلى فقدان الشهية ويزيد أيضًا من معدل الأيض.

المصادر

عرض التعليقات
تحميل المزيد