بدخوله البيت الأبيض في يناير (كانون الثاني) سيرث جو بايدن حربًا عمرها 19 عامًا في أفغانستان.
حضرت وعود إنهاء حرب أفغانستان في حملة بايدن كما جرت العادة في الحملات الانتخابية الأمريكية في السنوات الماضية. وبايدن ليس جديدًا على أفغانستان، فقد كان له تاريخ طويل، سواء في منصبه نائبًا للرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما، أو من خلال موقعه في مجلس الشيوخ لعدة سنوات.
كما كانت له العديد من وجهات النظر والتصريحات المثيرة للجدل بشأن أفغانستان، لكن هل يمتلك خطة واضحة تجاه «الحرب والسلام» في هذا البلد المنهك من الحروب؟
«حروب بلا نهاية»
أعلن الرئيس الأمريكي المنتخب حديثًا عن أجندة السياسة الخارجية، كما تم وصفها على موقعه على الإنترنت، بشعار «عودة أمريكا America is Back»، لقيادة عالم ديمقراطي، واستعادة الاحترام للسيادة الأمريكية على المسرح الدولي.
فيما يتعلق بأفغانستان قال بايدن أنه سينهي الحروب التي لا نهاية لها، في أفغانستان والشرق الأوسط، وسيعمل على إعادة جميع القوات الأمريكية المتمركزة في أفغانستان، مع تركيز المهام على محاربة «تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)»، وتنظيم «القاعدة».
خطة بايدن لسحب كافة القوات الأمريكية في أفغانستان بدأها قبله الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، بمفاوضات السلام مع حركة طالبان، في الدوحة، عاصمة قطر.
فقد وقعت واشنطن بقيادة زلماي خليل زاد، المبعوث الأمريكي الخاص لأفغانستان، مع طالبان الأفغانية «اتفاقية فبراير»، التي من أهم بنودها، موافقة الولايات المتحدة على سحب قواتها مقابل تعهد طالبان بعدم مهاجمة القوات الأمريكية وقوات الناتو.
وتنص اتفاقية فبراير، على إفراج الحكومة الأفغانية عن 5 آلاف سجين من طالبان، الجدير بالذكر أن الرئيس الأفغاني أشرف غني كان قد وافق على هذه الاتفاقية، ولكن على مضض.
ويقول الباحث السياسي الأفغاني فضل الله ممتاز في حديثه لـ«ساسة بوست»: «اتفاقية فبراير (شباط) تمت دون الرضا الكامل من قبل الحكومة الأفغانية، واستطاع خليل زاد المبعوث الأمريكي لأفغانستان، من خلال علاقته القوية بطالبان، الحصول على مزايا لواشنطن دون النظر إلى وضع الشعب الأفغاني».
ومن المفترض، ووفقًا لخطة بايدن التي أعلن عن ملامح منها بخصوص أفغانستان، أن يستكمل تنفيذ اتفاقية فبراير، بين واشنطن وطالبان.
ولكن لدى الباحث ممتاز بعض المخاوف من استكمال الاتفاقية، إذ يقول: إن «الاتفاقية لا تحوي ضمانات كافية للحكومة الأفغانية فيما بعد انسحاب القوات الأمريكية. نأمل أن يتصرف بايدن بحكمة بخصوص هذا الأمر، ولا يترك أفغانستان تحت رحمة طالبان».
لم يزل يتواجد في أفغانستان حوالي 4 آلاف و500 جندي أمريكي، وبعد فوز بايدن، خشي المسؤولون السياسيون في حركة طالبان من عدم التزام الرئيس الجديد بتنفيذ الاتفاقية التي جاءت بعد 18 شهرًا من المفاوضات بين واشنطن وطالبان في الدوحة.
وفي بيان لطالبان أشارت فيه إلى ضرورة الالتزام بتنفيذ بنود الاتفاقية، وسحب القوات الأمريكية، وقالت: إن «الجماعة تود أن تؤكد للرئيس الأمريكي الجديد والإدارة المستقبلية، أن تنفيذ الاتفاقية هو الأداة الأكثر منطقية وفعالية لإنهاء الصراع في أفغانستان»، واكتفت الجماعة بهذه التصريحات حتى اللحظة.
الصورة الأولى: وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو، مع الملا عبد الغني برادر، كبير مفاوضي وفد طالبان. والصورة الثانية: بومبيو، مع منصور نادري، وزير الدولة الأفغاني للسلام.
مخاوف من حرب أهلية جديدة
تحدث كلٌ من الرئيس باراك أوباما، والرئيس الحالي دونالد ترامب عدّة مرات عن ضرورة إنهاء التواجد العسكري الأمريكي في أفغانستان.
وفي حملته الانتخابية وصف ترامب الحرب في أفغانستان بأنها «عقيمة لا نهاية لها»، ويبدو أنه عاقد العزم على سحب أكبر عدد من الجنود الأمريكيين في أفغانستان قبل مغادرته البيت الأبيض.
هذا التصميم من قبل ترامب كان سببًا في الخلاف الذي وصل إلى وسائل الإعلام الأمريكية، بين روبرت أوبراين، مستشار الأمن القومي الأمريكي، وبين الجنرال مارك ميلي، رئيس الأركان الأمريكية، حول توقيت الانسحاب وعدد القوات يفترض انسحابها قبل انتهاء ولاية ترامب.
ومع هذه الخلافات في واشنطن تزداد مخاوف الحكومة الأفغانية من وقوع حرب أهلية في أفغانستان بعد انسحاب القوات الأمريكية.
وفي أكثر من مناسبة تحدث حمد الله محب، مستشار الأمن القومي للرئيس الأفغاني أشرف غني، عن قلقه من احتمال اندلاع حرب أهلية، ويقول: «هناك احتمال كبير لتوقف محادثات السلام بين الحكومة الأفغانية وطالبان. وهناك احتمال أكبر لوقوع حرب أهلية في أفغانستان بعد انسحاب القوات الأمريكية، ولكن الحكومة الأفغانية تحاول منع هذا المسار المأساوي».
وتكاد تكون هذه المرة الأولى التي يستخدم فيها مسؤول حكومي أفغاني لفظة «الحرب الأهلية»، ما يشير لخطورة الأوضاع في أفغانستان، ويوضح مدى قلق القيادة الأفغانية من انهيار محادثات السلام مع جماعة طالبان.
يقول المحلل السياسي المقيم في كابل، رامين أنوري لـ«ساسة بوست»: «تزايد مستوى العنف في البلاد في الشهر الماضي، وتخشى الحكومة من أن تتسبب زيادة معدل الأعمال العدائية من قبل طالبان في غضب وإحباط الناس، وقد تنهار الحكومة في كابل، وتدخل البلاد في حرب أهلية من جديد».
الرئيس الأمريكي القادم جو بايدن، مع الرئيس الأفغاني أشرف غني.
ومن الجدير بالذكر أن آخر حرب أهلية شهدتها البلاد اشتعلت بالكامل عام 1992، بسقوط حكومة كابل المدعومة من الاتحاد السوفيتي، وبعد سنوات من المقاومة ضدّ الوجود السوفيتيّ في أفغانستان تصدّر لها بشكل أساسي جماعات «المجاهدين» التي دعمتها الولايات المتحدة وانخرطت في اقتتال داخلي بينها، لتنتهي الحرب بسيطرة طالبان على عموم أفغانستان صعودًا حتى الغزو الأمريكي.
محادثات السلام بين طالبان والحكومة الأفغانية
يأتي فوز بايدن في وقت تشهد فيه أفغانستان مستويات عنف غير مسبوق في الأشهر القليلة الماضية؛ إذ تعرض مستشفى للولادة تابع لمنظمة «أطباء بلا حدود» لهجوم من قبل مسلحين أسفر عن مجزرة للنساء والأطفال.
وأعلن تنظيم «داعش» مسؤوليته عن إطلاق النار على عشرات الطلاب الأبرياء في جامعة كابل، واغتيل الصحافي الأفغاني الشهير ياما سياو بتفجير سيارته بعد تلقيه تهديدات من جماعة طالبان، التي انتقدته بسبب تغطيته لعملياتها في ولاية هلمند، التي شهدت معارك عنيفة بين طالبان والقوات الأمنية الأفغانية.
ولم تنجح مفاوضات السلام بين طالبان وممثلي الحكومة الأفغانية بالدوحة في وضع حد لأعمال العنف المتزايدة في أفغانستان.
فقد دعت الحكومة الأفغانية إلى وقف إطلاق النار طوال فترة المحادثات في محاولة لإيجاد مناخ موائم للحوار، ولكن لم توافق طالبان على ذلك، رغبة منها في الاتفاق على الخطوط العريضة لتقاسم السلطة في البلاد.
في حديثه لـ«ساسة بوست» يقول أنوري المحلل السياسي الأفغاني: «طوال فترة المحادثات بين طالبان والحكومة الأفغانية، كانت طالبان تتفاوض من موقع قوة، وتلعب ببطاقة العنف، وساعدهم في ذلك تساهل واشنطن مع الجماعة بشكل يعطي انطباعًا بأن ترامب قد سلم أفغانستان لطالبان على طبق من فضة».
لم يتحدث بايدن عن الوضع المأساوي لأفغانستان خلال حملاته الانتخابية، وتركّز حديثه فقط حول انسحاب القوات الأمريكية من البلاد، وضمان عدم خروج هجمات جديدة ضد الولايات المتحدة من الأراضي الأفغانية.
مقترح الفيدرالية
في فبراير 2020 وأثناء مناظرة تلفزيونية مع مرشحين ديمقراطيين آخرين قال بايدن: «من المستحيل أن يتحد هذا البلد، لا توجد إمكانية لتوحيد أفغانستان، ما نستطيع فعله هو اتخاذ المزيد من الإجراءات لمنع المزيد من الهجمات من أفغانستان».
ويبدو أن الرئيس الأمريكي الجديد بايدن يرى أن الحل الأمثل لمعضلة أفغانستان هو تطبيق الفيدرالية، كما سبق وأن طرحها حلًا للعراق بتقسيمه إلى ثلاث حكومات على أسس عرقية وطائفية.
وفي تقدير بايدن للواقع الأفغاني نجد رؤيته متطابقة مع تعليقه السابق، فقد قال في سبتمبر (أيلول) 2019: «عندما تسيطر باكستان على ثلاث مقاطعات أفغانية في شرق البلاد، لا يمكن بناء أفغانستان، حقًا لا يمكن بناؤها».
أثارت تصريحات بايدن في مناظرته التلفزيونية ردود فعل داخل أفغانستان، وصرح صديق صديقي، المتحدث باسم الرئيس الأفغاني، قائلًا: «أفغانستان دولة موحدة قاتلت ووقفت ضد الاضطهاد، مثل الغزو السوفيتي والإرهاب، أفغانستان تحارب ولم تزل في طليعة الدول التي تحمي الدول الأخرى بحربها مع الإرهاب».
ويعلق أنوري على هذا الأمر لـ«ساسة بوست» قائلًا: «كان بايدن معارضًا لأوباما في زيادة القوات الأمريكية في أفغانستان. ونعلم أنه يريد سحب جميع جنوده، لكن إذا كانت هذه هي فكرته عن بلادنا، فمن المؤكد أنه لا مجال لتحقيق السلام في أفغانستان، وبلا شك ستنهار محادثات السلام الحالية في عهده، نأمل في أن يتمكن فريقه الدبلوماسي من إيجاد مسار آخر».
جو بايدن في زيارة لأفغانستان عام 2011، حين كان نائبًا للرئيس الأمريكي باراك أوباما، ويظهر في حديث مع مجنّدين أفغان.
في وقت سابق من 2020 اقترح بايدن أن الحل في أفغانستان يمكن أن يكون بسحب جميع القوات الأمريكية من هناك، وأن تحتفظ واشنطن بقاعدة عسكرية في باكستان حتى تتمكن من منع الهجمات الإرهابية من أفغانستان على الولايات المتحدة، وقال بايدن «إن القوات الأمريكية يمكن أن تواصل مكافحة الإرهاب من باكستان من خلال الطيران».
طالبان: «نظام إسلامي»
في محادثات السلام بين طالبان والحكومة الأفغانية، أكدت الجماعة على إقامة نظام إسلامي في البلاد، وأكدت أنه أمر غير قابل للتفاوض، وحتى الآن لم تُفصح عن تفاصيل وملامح نظام الحكم القادم، وكيف يمكن أن يكون؟ وهل سيتضمن انتخابات أم لا؟
يقول السيد أنوري «إقامة نظام إسلامي يترتب عليه تعديل الدستور الأفغاني، وسوف تتعارض نظرة طالبان لإقامة نظام إسلامي مع الضمانات الدستورية لحقوق الأقليات والنساء، وهذا سيخلق أزمة جديدة تضاف إلى باقي أزمات الشعب الأفغاني».
ولا يمكن التوقع بأن بايدن الرئيس الديمقراطي يظهر اهتمامًا بهذه الأمور في إستراتيجيته تجاه أفغانستان، وقال في 2010 حين كان نائبًا للرئيس أوباما: «لن أرسل ابني هناك – أفغانستان – ليخاطر بحياته من أجل حقوق المرأة!».
يرى أنوري أن أغلب التوقعات تقترح أن بايدن سيترك أفغانستان لطالبان في محادثات السلام مع الحكومة الأفغانية، ويقول: «بايدن سيكمل سياسة أوباما تجاه أفغانستان، وهي سياسية عدم الاكتراث واللامبالاة».
الجدير بالذكر، أن لبايدن تصريحات تؤكد نظرية أنوري؛ ففي عام 2011 صرح بايدن: «طالبان في حد ذاتها ليست عدوتنا».
ثم في زيارة له لأفغانستان في نفس العام قال بايدن للرئيس الأفغاني آنذاك، حامد كرزاي: إنّ «الرئيس أوباما يرى أن باكستان أهم 50 مرة للولايات المتحدة من أفغانستان».
ولكن ما زالت الآمال معلقة على فريق الرئيس بايدن للنظر إلى الشعب الأفغاني. وعبر عدد من نشطاء حقوق الإنسان عن أمله في كامالا هاريس، نائبة الرئيس جو بايدن، في أن تكون مناصرة للمرأة الأفغانية داخل إدارة بايدن، وتبدي اهتمامًا بالحقوق والحريات في أفغانستان.
ماذا عن العامل الباكستاني في المعادلة؟
تعامل بايدن مع باكستان يمكن أن يكون لها تأثير كبير على محادثات السلام بين طالبان والحكومة الأفغانية.
ففي 19 نوفمبر (تشرين الثاني) 2020 زار أفغانستان رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان، وصرح في مؤتمر صحافي مع الرئيس الأفغاني أشرف غني قائلًا: «أؤكد للشعب الأفغاني أن باكستان تبذل كل ما في وسعها لإنهاء العنف في أفغانستان»، واصفًا زيارته بأنها تحقيق لحلمه الذي استمر 50 عامًا.
الرئيس الأمريكي المقبل جو بايدن، مع رئيس وزراء باكستان السابق نواز شريف.
يتمتع بايدن بعلاقة جيدة مع القادة السياسيين في باكستان، ويأمل الأفغان في أن يثمر هذا التعاون عن دعم من إسلام آباد، وأن تؤثر على طالبان لمواصلة محادثات السلام وإظهار بعض المرونة من قبل الجماعة.
يقول السيد أنوري لـ«ساسة بوست»: «من شأن العلاقات الجيدة بين إسلام آباد وواشنطن أن تحقق نتائج إيجابية على محادثات السلام بين طالبان والحكومة الأفغانية، على الأقل حصول القادة الأفغان على ضمانات لوقف إطلاق النار، ومسار تدريجي لتقاسم السلطة بطرق سلمية بين طالبان والحكومة الأفغانية».
فرصة كبيرة
أمام الرئيس الأمريكي المنتخب حديثًا فرصة كبيرة لتحقيق السلام في أفغانستان، دون إرغام الحكومة الأفغانية على الرضوح لجماعة طالبان، وأمامه بالطبع فرصة كبيرة لإنهاء أطول حرب في تاريخ الولايات المتحدة.
ولكن السؤال الأهم الآن: هل سيتمكن بايدن من النجاح في تحقيق هذا الأمر، أم أن وعوده بإنهاء الحرب في أفغانستان حيلة انتخابية لا أكثر؟