تسبب حديث بيل مار اللاذع الأخير حول الإسلام إلى تفجير جدال حول مشكلة العنف المتستر خلف الدين، خاصة عندما يتعلق الأمر بالإسلام. عبر بيل مار – الذي يعتقد أن الإسلام دين لا مثيل له فهو أشبه بالمافيا – عن استيائه من تأكيد باراك أوباما من التنظيم الإرهابي المعروف باسم “الدولة الإسلامية” لا يمثل الإسلام. ففي نظر السيد مار، فإن بين الإسلام والتنظيم تشابه كبير للغاية.

أدت تعليقات مار إلى عاصفة من ردود الأفعال ربما كان أقواها رد الممثل بن أفليك، الذي انتقد مار في برنامجه الخاص واصفا إياه بالفظ والعنصري تجاه عموم المسلمين.

لكن الطرفين يفتقدان للبصيرة عندما يتعلق الأمر بمناقشة إشكالية الدين والعنف. فمن ناحية، يحاول معتنقو الديانات أن ينأوا بأنفسهم عن المتشددين في مجتمعهم، نافين أن يكون للعنف باسم الدين أية مسوغات دينية. وهذا الأمر ينطبق على المسلمين أيضا.

من ناحية أخرى، يميل منتقدو الأديان إلى إظهار عدم القدرة على فهم الدين بعيدا عن دلالاته المطلقة. فهم يقولون إن النصوص المقدسة تحمل طابع الهمجية ويشيرون إلى أمثلة متطرفة عن الوحشية الدينية، وذلك لتعميم سبب القمع عبر العالم.

وما يفوت كلا الفريقين استيعابه هو أن الدين يتعدى كونه مجرد معتقدات وممارسات، بل هو مسألة هوية. فقولك “أنا مسلم” أو “أنا مسيحي” أو “أنا يهودي” لا يوضح معتقدات الشخص أو الطقوس التي يتبعها، أو كيف ينظر الإنسان إلى موقعه من هذا العالم.

فبالنسبة للهوية، لا يمكن فصل الدين عن كل العناصر الأخرى التي تشكل فهم الإنسان لذاته. فما يسميه أحد مريدي الكنيسة في تكساس بالمسيحية، يختلف ما يعتقده صانع القهوة في غواتيمالا عن المسيحية. كما تختلف نظرة المسلم في السعودية إلى المرأة في المجتمع بشكل كبير عن نظرة المسلمين لها في البلدان الأكثر علمانية وانفتاحا مثل تركيا.

لا ينشأ الدين في الفراغ. بل على النقيض من ذلك، يتجذر الإيمان في التربة التي زُرع بها. إن من الخطأ الاعتقاد أن الناس يستقون قيمهم من الكتب المقدسة، العكس هو الصحيح، يزرع المؤمنون قيمهم في كتبهم المقدسة بقراءتها من منظورهم الثقافي والعرقي. فالكتب المقدسة لا قيمة لها دون ترجمتها إلى أفعال.

إن الطبيعة الملزمة للنصوص المقدسة لا تعتمد على الحقائق التي تسردها بقدر ما تعتمد على قابلية تطويعها، وقدرتها على التشكل على الهيئة التي يريدها العابد. فالإنجيل الذي يأمر اليهود “أحب جيرانك كما تحب نفسك”، هو نفسه من يحثهم “اقتلوا كل رجل وامرأة وطفل ورضيع وثور وغنمة وجمل وحمار يشرك بالله”. والمسيح – عليه السلام – الذي قال “امنحه خدك الآخر” هو نفسه من قال “لم أبعث لجلب السلام بل السيف”.

إن الطريقة التي يتعامل بها العبد مع هذه الأوامر المتضاربة تعتمد على معتقداته. فإذا كان من المقتنعين بالعنف، سيجد كثيرًا من النصوص التي تدعم توجهه، وإذا كان من المسالمين، فسيجد نصوصًا تدعم قناعاته.

وهذا يعني أن على معتنقي الديانات الكف عن النأي بأنفسهم عن المتشددين. وفي نفس الوقت، يجب على منتقدي الدين الكف عن التعميم السطحي على أتباع الديانات.

لبيل مار الحق في إدانة الممارسات التي يقوم بها أصحابها باسم الدين والتي تنتهك حقوق الإنسان الأساسية. وعلى المجتمعات الدينية مواجهة تفسير المتشددين لمعتقداتهم.

فيديو للمشادة بين بيل مار وبن أفليك

عرض التعليقات
تحميل المزيد