هل أنت مصاب بمتلازمة «المشاهدة الشرهة»؟
بدايةً من «نتفليكس» ونهايةً بجائحة كورونا، تداخلت العديد من العوامل لتعيد البريق من جديد لشاشة التلفاز التي ربما كان البعض بدأ يهجرها لصالح الهواتف والحواسيب المحمولة. اليوم، هناك الملايين الذين يستهلكون بانتظام مسلسلاتهم وبرامجهم المفضلة عبر شاشات التلفاز التي تحولت من شاشة لعرض القنوات التليفزيونية إلى شاشة لعرض محتوى خدمات البث مثل «نتفليكس» و«شاهد» و«apple tv».
فانتشار خدمات البث على مدار السنوات الأخيرة، جعل من السهل على الناس العودة إلى شاشة التلفاز الكبيرة لمشاهدة الأفلام والمسلسلات وقتما يحبون، وبالكمية التي يرغبون بها. بعض الناس يمكنهم مشاهدة موسم كامل لأحد المسلسلات في يوم أو يومين. وبالطبع، ساهمت عمليات الإغلاق والحجر المنزلي خلال جائحة كورونا في البقاء أمام الشاشات لفترات أطول من المعتاد، كما أظهرت الأبحاث.
والسؤال هنا: هل هذه العادة المرتبطة بالبقاء طويلًا أمام الشاشة يمكن أن تصبح إشكالية؟ هل يمكن أن نتحول إلى مدمنين لهذه العادات مثلًا؟ متى تعرف أن مشاهدتنا تجاوزت الحد؟ وما خطورة هذا على صحتنا؟ وماذا يمكنك أن تفعل لتوقف هذا الأمر قبل استفحاله؟
المشاهدة الشرهة للمحتوى الترفيهي
نأتي هنا إلى مصطلح جديد ظهر منذ سنوات، وضمه الباحثون إلى القواميس الإنجليزية تمامًا مثل مصطلح «سيلفي – selfie» الخاص بالتصوير الذاتي بكاميرات الهواتف المحمولة، هذا المصطلح هو «Binge-watching» أو المشاهدة الشرهة أو المفرطة. يقصد بهذا المصطلح تلك الممارسة المرتبطة بمشاهدة محتوى ترفيهي أو إعلامي لفترة طويلة، وعادة ما يكون العرض التليفزيوني نفسه حلقات متتالية.
أصبحت عادة المشاهدة الشرهة ظاهرة ثقافية ملحوظة شائعة مع ظهور خدمات بث الفيديو منذ عام 2007، مثل «نتفلكس» و«أمازون برايم» و«هولو»، والتي من خلالها يمكن مشاهدة البرامج التلفزيونية والأفلام عند الطلب. على سبيل المثال، قال 61% من مشاركين في استطلاع أجرته شبكة «نتفليكس» في فبراير (شباط) 2014 أنهم يقومون بهذه العادة بانتظام. وتظهر الأبحاث الحديثة أن أكثر من 64% من عملاء شركات البث يقومون بهذه العادة مرة واحدة خلال العام.
بالنسبة لمشكلة المشاهدة الشرهة هذه، فالبعض يربطها بعدد الحلقات التي يشاهدها الناس، ففي الاستطلاع الذي أجرته شبكة نتفلكس، حدد 73% من الأشخاص «المشاهدة الشرهة» على أنها مشاهدة ما بين حلقتين إلى 6 حلقات من البرنامج التلفزيوني نفسه في جلسة واحدة.
جادل بعض الباحثين بأنه يجب تعريف المشاهدة الشرهة بناءً على السياق والمحتوى الفعلي للبرنامج التلفزيوني. واقترح البعض الآخر أن ما يسمى عادة المشاهدة الشرهة في الواقع تشير إلى أكثر من نوع واحد من سلوك مشاهدة التلفزيون، مقترحين أن تتوسع فكرة المشاهدة الشرهة لتشمل كلًّا من الجلوس المطول (مشاهدة ثلاث حلقات أو أكثر على التوالي في جلسة واحدة) والاستهلاك المتسارع لموسم كامل (أو عدة مواسم) من نفس العرض، بمعدل حلقة واحدة في كل مرة، على مدار عدة أيام.
المشاهدة الشرهة والإدمان
ينظر بعض الباحثين إلى أن تحديد مشكلة المشاهدة الشرهة لا يكون من خلال عدد الحلقات أو عدد الساعات التي يقضونها أمام شاشة التلفزيون، بل بالسلوكيات الأخرى التي تسبب الإدمان، إذ إن الأهم هو ما إذا كانت المشاهدة الشرهة هذه لها تأثير سلبي على جوانب أخرى من حياة الشخص.
فجميع السلوكيات التي تسبب الإدمان تتكون من ستة مكونات أساسية. وإذا ما طبقناها على المشاهدة الشرهة، فإن هذه المكونات تصبح:
1- البروز: أي أن المشاهدة بنهم هي أهم شيء في حياة الشخص.
2- تعديل الحالة المزاجية: أي ينخرط الشخص في المشاهدة بنهم باعتبارها طريقة موثوقة لتغيير مزاجه، فيشعر بتحسن على المدى القصير، أو للهروب مؤقتًا من شيء سلبي في حياته.
3- الصراع: أي أن المشاهدة الشرهة تعرض الشخص للخطر في الجوانب الرئيسية من حياته، مثل العلاقات والتعليم أو العمل.
4- التحمل: أي أن الشخص يزيد عدد الساعات التي يقضيها في المشاهدة الشرهة كل يوم بشكل ملحوظ بمرور الوقت.
5- الانسحاب: أي أن الشخص يعاني من أعراض انسحاب نفسية أو فسيولوجية، إذا كان غير قادر على القيام بسلوك المشاهدة الشرهة.
6- الانتكاس: فإذا تمكن الشخص مؤقتًا من التوقف عن هذا السلوك، ثم ينخرط فيه مرة أخرى، يعود مباشرة إلى نفس الدورة التي كان عليها سابقًا وذكرناها في النقاط السابقة.
وبالتالي، فإن أي شخص تنطبق عليه هذه المكونات الستة، فإنه سيكون مدمنًا على المشاهدة الشرهة. بينما الشخص الذي تنطبق عليه بعض المكونات وليس كلها، فلن يكون مدمنًا، لكنه سيكون صاحب إشكالية حقيقية.
لكن.. لماذا يلجأ الإنسان لهذا السلوك؟
وجد باحثون أن هناك بعض العوامل المرتبطة بهذا السلوك وتنبئ بتحوله إلى مشكلة. من بين هذه العوامل وجود صعوبات عند الشخص في التحكم في الانفعالات، هذا عامل من العوامل التي تنبئ بتوجه الشخص إلى سلوك المشاهدة الشرهة. كما أن هناك عاملًا ثانيًا يرتبط بنقص «سبق الإصرار»، أي أن الشخص لديه صعوبات في التخطيط وتقييم عواقب سلوك معين.
كذلك، من بين العوامل أو السلوكيات التي توجه الشخص نحو المشاهدة الشرهة، اللجوء إلى الهروب ونسيان المشاكل، فتلك العوالم الموجودة في المسلسلات تمثل فرصة لإبعاد المح عن التفكير في المشاكل المحيطة، أضف إلى هذا أن البعض يلجأ إلى المشاهدة الشرهة لتجنب الشعور بالوحدة.
هناك عامل مهم آخر، فقد أفاد باحثون في دراسة سابقة أن إشكالية المشاهدة الشرهة لها ارتباط كبير بمتلازمة القلق والاكتئاب، فكلما زادت أعراض القلق والاكتئاب عند الإنسان، زاد توجهه نحو المشاهدة الشرهة.
هذه آثار المشاهدة المفرطة السلبية التي قد لا تعرفها
يمكننا أن نعدد أبرز التأثيرات السلبية للمشاهدة الشرهة في النقاط الآتية:
1 – المشاهدة المفرطة تضعف القيمة الاجتماعية للتلفزيون، إذ تقل الفرص لتوقع ما سيحدث في الحلقات القادمة ومناقشتها مع الأصدقاء. هل تتذكر كم النقاشات التي كانت تحدث بعد كل حلقة أسبوعية للمسلسل الشهير «Game of Thrones»؟
2- الإفراط في مشاهدة التلفزيون يرتبط بالاكتئاب.
3- تعزيز مشاعر الوحدة.
4- نقص مهارات التنظيم.
5- زيادة معدلات السمنة، إذ ترتبط مشاهدة التلفزيون بتناول الطعام والمسليات.
6- تأثير سلبي على جودة النوم.
7- زيادة الأرق والتعب.
كيف نتمكن من وقف هذه العادة السلبية؟
نأتي الآن إلى السؤال الأهم: كيف يمكن وقف هذه العادة السلبية؟ إذا كنت ترغب في تقليل عدد الحلقات التي تشاهدها خلال جلسة واحدة، فهناك قاعدة ذهبية يوصي بها بعض الباحثين، ألا وهي التوقف عن المشاهدة في منتصف الحلقة وعدم الانتظار حتى نهاية الحلقة. لماذا؟ ببساطة لأن نهاية الحلقة غالبًا ما تحمل شيئًا جاذبًا يجعلك تريد بشدة معرفة ما حدث بعده.
يمكنك أيضًا وضع حد يومي واقعي للمشاهدة. على سبيل المثال، يمكنك تحديد وقت المشاهدة خلال اليوم بـ ساعتين ونصف، إذا كان لديك عمل في صباح اليوم التالي، أو خمس ساعات إذا كان يومك التالي بلا عمل. أيضًا، يمكنك اتباع فكرة المكافأة، بمعنى أنك لا تبدأ في المشاهدة إلا مكافأة لنفسك بعد أن تفعل كل ما عليك القيام به، سواء العمل أو الالتزامات الاجتماعية.