على عكس ما هو متوقع، خرجت أكاديمية نوبل اليوم في شخص أمينها العام، سارة دنيس، لتكشف النقاب عن اسم الفائز بجائزة نوبل للآداب اليوم، لتطرح اسم المغني والشاعر الأمريكي «بوب ديلان» باعتباره الفائز في هذا العام، الأمر الذي أثار استغراب الكثيرين، خاصةً وأن ديلان ليس فقط خارج قائمة الأسماء التي كان من المنتظر أن نسمعها في الإعلان، لكنه أيضًا يعتبر أول كاتب أغنيات يفوز بجائزة نوبل للآداب منذ إنشائها، والوحيد بعد جورج برناند شو الذي جمع بين الأوسكار ونوبل.

أسطورة الروك، كما أطلقت عليه «بي.بي.سي» في خبرها عن فوزه بالجائزة، البالغ من العمر 75 عامًا فاز بها للتعبيرات الجديدة التي أضافها للأغنية الأمريكية التقليدية، بحسب ما قالته سارة دنيس، الأمينة العامة للأكاديمية، والتي قالت في تصريحات مصورة نقلتها صفحة الجائزة على «تويتر»، أن ديلان شاعر عظيم في الأغنية التقليدية، وأنه خلال 54 عامًا كان دائمًا يقوم بإعادة اكتشاف نفسه.

وشبهت دنيس المغني وكاتب الأغاني الأمريكية بهوميروس وسافو، قالت دنيس: «لقد كتبوا نصوصًا شعرية كان مقدرًا لها أن يستمع إليها وأن تؤدّى، وهو نفس الأمر مع ديلان»، تضيف دنيس: «نحن ما زلنا نقرأ هوميروس وسافو».

بوب ديلان أو روبرت ألان زيمرمان، وهو اسمه الحقيقي، ولد في العام 1941 في بلدة صغيرة بولاية مينوسوتا الأمريكية علىى الحدود مع كندا، والداه من اليهود المولودين في الولايات المتحدة لمهاجرين أوكرانيين، تعلّم عزف الجيتار وتحوّل إلى عازق محترف عليه وعلى الهارمونيكا قبل بلوغه الـ18 من عمره.

كمراهق في سنه، كان ديلان مهتمًا بموسيقى «الروك آند روول»، لكن سرعان ما تلاشى هذا الاهتمام لصالح الموسيقى الشعبية الأمريكية، أو ما يطلق عليها موسيقى «الفولك»، كان هذا الارتباط في مدينة مينيابوليس، ليقرر بعدها الشاب الانتقال إلى مدينة نيويورك، حاملًا جيتاره بعد أن ضاق ذرعًا بالغناء في بارات المدينة الصغيرة.

اقرأ أيضًا: المهرج واللص.

في نيويورك التقى ديلان بنجمه المفضل مغني الفولك وودي جوثري، الذي كان يتميز عن بقية المغنيين بدفاعه عن الطبقات العمالية والمضطهدين، وفي غضون عام واحد اكتسب ديلان شهرة متعاظمة في المدينة، ليغير اسمه في العام الذي يليه إلي بوب ديلان، تيمنًا بالشاعر ديلان توماس ويصدر ألبومه الأول الذي لقي نجاحًا كبيرًا، وكان اسمه على اسم صاحبه «بوب ديلان»، وهو ما قالت عنه «الجارديان» البريطانية أنه كان مولدًا للغز.

يتميز الشاعر الأمريكي بأنه يكتب من واقع حياته وتجاربه الشخصية وما يتعلمه منها، فأحد أغنياته «All along the watchtower»، كانت بعد تعرضه لحادث دراجة نارية كاد يودي بحياته، لكنه أيضًا صنع له رؤية محتلفة في الحياة، تدور قصة الأغنية حول حوار بين شخصين «المهرج واللص»، حول ما تعلّمه ديلان في تجربته مع الاقتراب من الموت، أن الحياة ليست شيئًا هينًا، وأن البشر لا يدركون قيمتها.

ديلان أثار عددًا كبيرًا بأغنياته وألهمهم، فأعادوا تقديمها، كجيمي هينريكس الذي أعاد تقديم هذه الأغنية، وأيضًا المغنية اللبنانية كاميليا جبران، التي قامت بإعادة تقديم نفس الأغنية لكن على العود.

ديلان له تحولات عديدة ومثيرة في مسيرته الغنائية، فقد بدأ بحب الروك آند رول في صباه، لينتقل بعدها إلى الموسيقى الشعبية الأمريكية، ويسحر العديد بما استطاع فعله بها، وما قدمه لها، ليقوم بأخذ القرار بعد ذلك ويتحول إلى الموسيقى الإلكترونية.

يقول ديلان في حوار لمجلة «بلاي بوي» ترجمه موقع «قل»، أنه لايعترف بما يسمى موسيقى الروك آند رول، ولا يدرك ما هيتها، وأنه لا يعترف بما يسمى «جيل الشباب»، كما قال أنه لم يهتم كثيرًا أثناء قرار تحوله من الموسيقى الشعبية إلى الروك الشعبي.

يقول ديلان: «أنا لست مهتمًا بنفسي باعتباري مؤديًا. المؤدون هم أناس يؤدون لأناس آخرين. على عكس الممثلين، أعرف ما أقول. إنه بسيط جدًا في عقلي، لا يهم نوع رد فعل الجمهور الذي قد يحصل. ما يحدث في المسرح واضح، ولا أتوقع من خلاله أي جوائز أو أشياء جيدة من أي نوع من مثيري الشغب. الأمر فائق البساطة، وسوف يكون موجودًا لو كان هناك من يشاهد أو لا».

ما زال المغني وكاتب الأغنيات ذائع الصيت ينتج ألبومات وأغنيات تلعب على أوتار موسيقى الروك، من خلال ألبومه «في ظلال الليل» الذي أطلق في 2015، لكنه وعلى غير العادة لم يحوِ على أغنية من كلماته، لكنه اعتمد على الأغنيات الشعبية الأمريكية المعروفة وأعاد توزيعها، لتحمل من روح موسيقى العشرينات وروح موسيقى الستينات الذي هو نجمها، كما يصف الموقع المتخصص في الموسيقى، معازف.

يتذكر محِبُّو ديلان له عدة أغنيات هي الأشهر والأنجح بين ميراثه، مثل «أطرق السماء» و«مثل حجر يتدحرج»، وفي «مهب الريح»، وأغرم به مخرجون كثر وصنعوا أفلامًا عنه وعن حياته وتحولاتها؛ أفلامًا منها الوثائقي ومنها الروائي، منهم فيم المخرج تود هاينس، الذي جسد حياة ديلان في فيلمه «I’m not there» من خلال تأملات لستة جوانب مختلفة من هذه الحياة، مثلها عدد من الشخصيات، منها كيت بلانشيت، والتي أدت أحد أدوار المغني في الفيلم.

نهج مختلف

هذا وكانت اختيارات لجنة نوبل للآداب اتخذت نهجًا مختلفًا منذ العام الماضي، حينما منحت للكاتبة والصحفية البيلاروسية «سفيتلانا أليكسيفيتش»، وذلك لـ«كتاباتها متعددة الأصوات التي تمثل معلمًا للمعاناة والشجاعة في زماننا»، بحسب وصف المنظمين للجائزة.

وأليكسيفيتش في أعمالها أقرب للصحافية منها إلى الأديبة، حيث تدور أغلب أعمالها عن تسجيل اللحظات الإنسانية في فترات ما بعد الحرب العالمية الثانية، وانهيار الاتحاد السوفيتي، وقد عملت مراسلةً في الصحف المحلية، وحققت نجاحًا كبيرًا بنته على المقابلات التي أجرتها مع شهود عيان على الأحداث المثيرة في البلاد، مثل الحرب العالمية الثانية والحرب السوفيتية الأفغانية، وسقوط الاتحاد السوفيتي، وكارثة مفاعل «تشيرنوبل»، وميزت الأعمال والكتب التي نشرتها باحتوائها على أصوات واقعية وقصص من التجارب التي خاضتها في عملها الصحفي.

هذا النهج كان محل انتقادات البعض، وتأييد آخرين، خاصة هذه المرة بعد الإعلان عن اسم بوب ديلان بوصفه فائزًا بنوبل للآداب، فقد كتب الروائي البريطاني من أصول هندية، سلمان رشيدي، يحيي هذا الاختيار بقوله أن الشعر والأغنية كانا دائمًا مرتبطان، وأن ديلان وريث رائع لهما.

بينما اتخذ الروائي البولندي، إيرفين وليش اتجاهًا آخر، رغم حبه لديلان، فقد كتب عبر صفحته على تويتر معبرًا عن استيائه من اختياره للجائزة، واصفًا الجائزة بأنها «نوستالجيا متخيلة».

بينما سخر مؤسس «Polis books»، دار نشر، قائلًا إنه إذا كان بإمكان ديلان أن يحصل على نوبل للآداب، فهو يظن أنه يجب ترشيح ستيفن كينج لـ«قاعة مشاهير الروك آند روول».

وشاركت صانعة الأفلام الكندية والكاتبة «ناعومي كلين» خبر فوز ديلان بنوبل للآداب معبرة عن فرحتها بالخبر بقولها «هذا رائع: بوب ديلان يفوز بنوبل للآداب للعام 2016».

بينما يتعرض عبد الخالق حسن، أستاذ النقد الأدبي بجامعة بغداد، إلى نقطة مختلفة يعبّر عنها فوز المغني وكاتب الأغنيات الشعبية الأمريكية بوب ديلانن بالجائزة الرفيعة، فقد قال حسن: إن فوز ديلان يعبر عن انتصار لفكرة النقد الثقافي، الذي يهتم بالأدب الهامشي أو الأدب غير الرسمي، الذي لاتحترمه مؤسسة النقد الرسمي للأدب.

عرض التعليقات
تحميل المزيد