«لقد كان حمام دماء، كانت مذبحة، القتلى كانوا في كل مكان» * أحد الناجيات من الهجوم
«في غزوة مباركة يسَّر الله لها أسباب التوفيق، انطلقت ثلةٌ مؤمنة من جند الخلافة أعزها الله ونصرها، مستهدفين عاصمة العهر والرذيلة، وحاملة لواء الصليب في أوروبا: (باريس)» *من بيان الدولة الإسلاميَّة
بينما تنعم مدينة النور«باريس» مساء أمس الجمعة بليلة رائقة من لياليها، المنتخب الفرنسيّ يواجه نظيره الألمانيّ في مباراة وديَّة حضرها الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند. والبعض من سكان باريس يحضر حفلة موسيقية لفرقة “روك أند رول” أمريكية في مسرح «باتاكلان». سمع أولًا الجمهور في الاستاد صوت تفجيرات مدوِّية، تفرَّقَ بعدها الجماهير في الملعب، كانت التفجيرات التي طالت أكثر من مكان بباريس، وتبادل إطلاق النار الذي حدث لدقائق أيضًا.
لقد كانت معضلة؛ فالتَّفجيرات كانت قريبة من الاستاد الذي كان يحضر فيه الرئيس الفرنسيّ، القتلى تجاوزوا 153 بينما المصابون وصلوا 200 مصاب، منهم 80 في حالة خطيرة، فما الذي حدث بالضبط؟
لحظة سماع دويّ الانفجار:
https://www.youtube.com/watch?v=CQzjniEOwEE
-
1- بدايةً ما الذي حدث؟
«الإجراءات الأمنيَّة التي اتخذتها فرنسا في هذه الأحداث لم تتخذها منذ حرب الجزائر 1954» *فرانس24
بعد نصف ساعة من المباراة المقامة بين فرنسا وألمانيا استعدادًا لبطولة أمم أوروبا 2016 ، والتي ستقام في فرنسا، سمع الجميع دويّ انفجارين على الأقلّ في الاستاد، هرول الجميع من مقاعدهم، بينما كانت المهمة الرئيسة الآن للدولة الفرنسية الحفاظ على سلامة الرئيس أولاند الذي فوجئ هو أيضًا بدويّ الانفجار. في الخارج كان أربعة فرنسيين قد قُتلوا خارج الاستاد. التفجيرات استهدفت ست مناطق مختلفة في باريس.
على الجانب الآخر كان مسرح باتاكلان الذي كان يستضيف فرقة روك أند رول الأمريكية، هذا المسرح قتل فيه على الأقلّ 112 شخصًا، تفجيرات أخرى طالت مناطق عدَّة في باريس، منها: مطعم يسمى «كمبوديا الصغيرة» قتل فيه ما لا يقلّ عن 14شخصًا كذلك، وحانة لا بيلا إيبويب التي قتل فيها ما لا يقل عن 19، وميدان الجمهورية الذي قتل فيها على الأقل أربعة مواطنين وفقًا لـ CNN.
التفجير الأكثر دمويَّة كان على مسرح باتاكلان، حيث يحمل المسرح أكثر من ألف مُشاهد، التفجيرات واقتحام المسرح كان في التاسعة بتوقيت فرنسا، لكنّ المسرح الذي يحمل 1000 إنسان ظلّ في قبضة المهاجمين حتَّى الثانية عشر ودقائق حين اقتحمته قوات النُّخبة الفرنسية التي استطاعت تحريره من المهاجمين. قتلت القوات الفرنسية واحدًا من المهاجمين، بينما فجَّر السَّبعة الآخرون أنفسهم بأحزمة ناسفة. بالطبع تضاعف عدد الضحايا بعد اقتحام القوات الفرنسية للمسرح.
ملعب باريس بعد هرولة المشجعين بعد سماع الانفجار
https://www.youtube.com/watch?v=XbhJym0nuCE
الرئيس أولاند وجَّه خطابًا للأمَّة الفرنسيَّة مساء الجمعة؛ أعلن فيه عن تفعيل قانون الطوارئ، وهي المرة الأولى التي تعلنها فرنسا منذ العام 2005 كما أغلق الحدود كذلك. كما اتخذت الحكومة الفرنسية إجراءات صارمة: فطلبت من سُكَّان باريس البقاء في منازلهم، ونشرت حوالي 1500 من قوات الجيش في جميع أنحاء باريس، كما تمّ إغلاق المدارس والمتاحف والصالات الرياضية والمكتبات والمسابح والأسواق اليوم السبت، كما تم إلغاء جميع المباريات الرياضية في المنطقة المتضررة من باريس.
-
2- إلى أين تتوجَّه أصابع الاتِّهام؟ وهل أعلن أحد مسئوليته؟
«المدن الأمريكية الكبرى، مثل: نيويورك، تعزز إجراءات الأمن عقب هجمات باريس» * كاتيا ادلر- محررة الشئون الأوروبية في بي بي سي
في وقتٍ سابق بعد الهجوم توقع مسئولون أن يكون الهجوم والتفجيرات من تخطيط «داعش» أو «القاعدة». فوفقًا لأحد الخبراء الذين أجرت معهم CNN اتصالًا، فالتكتيك المتَّبع في هذه الهجمات هو تكتيك «داعش» في الهجوم، ويعتمد على هجمات تكتيكية صغيرة تُوقع ضحايا في أماكن عديدة، خلافًا لتكتيك القاعدة: التي تقوم بعمليات نوعية كبيرة وواضحة توقع عدد ضحايا كبيرة مرةً واحدة.
كان هذا قبل أن تُعلن داعش مسئوليتها عن التفجيرات منذ ساعتين تقريبًا. في وقتٍ سابق كانت داعش قد نشرت – صباح اليوم – فيديو بلا تاريخ يتوعد فيه أحد أعضائها فرنسا: بأنها لن تنعم بالسلام، قائلًا:
«ما دمتم تقصفون لن تعرفوا الأمان وستخافون من مجرد الخروج إلى الأسواق.»
وهذا ما حدث بالفعل بعدما طلبت فرنسا من سكَّان باريس عدم النزول من بيوتهم، جدير بالذكر أنّ فرنسا تشارك في الغارات الجوية المكثفة التي تستهدف داعش في سوريا، والتي تحمل حاليًا اسم «موجة المدّ الثانية» التي ركَّزت على منشآت نفطيَّة في دير الزُّور التي يأتي منها ثلثا إيرادات التنظيم من النفط، الناجون من الضحايا سمعوا بعض المهاجمين وهم يقولون: إنّ هذا خطأ الرئيس أولاند، وأنه يجب عليه ألَّا يتدخل في سوريا!
من جانبٍ آخر أعلن الرئيس أولاند اليوم أن الدولة الإسلامية في العراق والشام “داعش” هي المسئولة عن التفجيرات التي وقعت مساء أمس. كما أعلن أنّ الحرب على الإرهاب لن تتوقف وأعلن الحداد ثلاثة أيَّام.
بيان الدولة الإسلامية “داعش”:
-
3- هل هي التفجيرات الأولى في فرنسا؟
«إنه خطأ من أولاند، إنه خطأ من رئيسكم، لا ينبغي عليه أن يتدخَّل في سوريا» * أحد المهاجمين أثناء احتجاز الرهائن.
شهدت فرنسا ثلاثة عمليات إرهابيَّة بداية العام الحالي، بعد حادثة تشارلي إيبدو ، كانت هناك حادثتان أقلّ ضررًا وتأثيرًا، لتأتي هذه السلسلة من التفجيرات المرعبة التي أوقعت عددًا هائلًا من الضحايا. وتعتبر هذه التفجيرات هي الأقوى والأكثر دمويَّة منذ أربعين عامًا في أوروبا، وقد تجاوزت بشاعة تفجيرات مدريد 2004 التي راح ضحيتها 191 قتيلًا.
في نفس السياق كانت وسائل إعلام ألمانية قد أعلنت ظهر الجمعة أن السلطات الفرنسية أخلت الفندق الذي يقيم فيه المنتخب الألماني في باريس بعد بلاغ يفيد بوجود قنبلة. لكن لم تعلن فرنسا عن حالة طوارئ ولم تلغِ المباراة. كما كانت الأجهزة الأمنية قد أحبطت مخططًا لتنفيذ اعتداء يستهدف عسكريين فرنسيين في مدينة تولون الساحلية نهاية أكتوبر الماضي.
-
4- هل هناك تداعيات دوليَّة للتفجيرات؟
كخطوة مبدئيَّة عززت بلجيكا من نقاط التفتيش على حدودها، وبخاصة مع فرنسا عقب الهجمات. كما اجتمع رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون مع لجنة الطوارئ الأمنية “الكوبرا”؛ لمتابعة التداعيات بعد هجمات باريس. ما بدا أنّ حكومات أوروبا تخشى من تنفيذ مثل هذه الهجمات في عواصمها. فقد أعلنت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل: أنها ستقوم بعقد احتماع وزاري طارئ؛ لبحث التطورات في فرنسا، وكل المسائل المرتبطة به. كذلك عززت الولايات المتحدة من إجراءاتها الأمنية في نيويورك وواشنطن.
في سياقٍ آخر كانت “داعش” قد بثَّت فيديو يهدد فيه أحد أعضائها روسيا بأنّ داعش ستقوم بتنفيذ عمليات تفجيرية في الداخل الروسي قريبًا. تم بث الفيديو الخميس أول أمس، وعلى إثر تفجيرات باريس أعلنت وزارة الداخلية الروسية حالة التأهب القصوى بين قوات الأمن في أنحاء البلاد. وقد يكون للتفجيرات تداعيات كبرى في موقفها من سوريا، حيث إنّ داعش لم تعد تقصف فقط عبر الطائرات، وإنما صارت تقوم بتنفيذ عمليات نوعية في عواصم الدولى العظمى التي تقود التحالف ضدها!
يمكننا الآن السؤال عن موقف أوروبا في سوريا، وهل يمكن أن تؤثر هذه التفجيرات – التي يبدو أنها ستكون متلاحقة بعد تهديدات داعش لروسيا أيضًا – في موقف أوروبا من الحادث في سوريا؟ ما يمكن أن يضئ بعض الخطوط في هذا السياق تصريح بشار الأسد الذي خرج به اليوم، حين أدان التفجيرات “الإرهابية” التي جعلت الشعب الفرنسي يعاني منها. مضيفًا أنّ “وحشية الإرهاب” التي عانت منها فرنسا أمس يكابدها الشعب السوري منذ خمس سنوات. بالطبع يمكن قراءة تصريح الأسد بأنه إشارة صريحة لمشاركة فرنسا في العمليات العسكرية في سوريا.
-
5- ماذا عن المسلمين في فرنسا، والعائدين من القتال؟
يُعتبر الإسلام الدين الثاني في فرنسا، ويصل عدد المسلمين في فرنسا، حسب إحصاءات غير رسمية؛ إلى 5 ملايين مسلم، لكنَّ تقديرات أخرى تحصيهم كأربعة ملايين فقط. أوضاع المسلمين في فرنسا تحظى بعدد كبير من الأعداء، اليمين المتطرف تحديدًا، والذي يدعوا لإجلاء المسلمين من فرنسا؛ لأن المسلمين يشوهون المجتمع الفرنسي وقيم الأمَّة الفرنسية. تصاعدت موجات العداء بداية العام الجاري، خصوصًا بعد حادثة تشارلي إيبدو. الهيكل الإداري بالدولة يعجّ كذلك ببعض المعاديين للمسلمين، من ضمن هؤلاء عمدة مدينة نيس الذي يعتبر المسلمين كطابور خامس يتسلل عبر أقبية الفرنسيين في أماكن سريَّة، يُتوقَّع أن تزيد حدَّة العداء تجاه المسلمين في فرنسا بالتأكيد، كما يحدث وراء كل تفجير يكون المسلمون هم المتهم الأساسي فيه، حتى لو لم يكونوا منتمين لتنظيم داعش.
القضية الأخرى الهامة، والتي قد تتأثر بتفجيرات أمس، قضية الفرنسيين العائدين من الجهاد في سوريا. وفقًا لمجلس الشيوخ الفرنسي فإن حوالي 1500 فرنسي قد غادروا منذ 2012 إلى سوريا للمشاركة في القتال، حوالي 200 منهم قد عادوا لاحقًا إلى بلادهم. أحد أهم القضايا التي ثارت خلال السنة الماضية هي كيفية تقديم هؤلاء للعدالة؟ خصوصًأ أنّ أغلبهم ليست لدى السلطات الفرنسية اتهامات ثابتة ضدة، فأجهزة الاستخبارات يتوقف عملها رغمًا عنها في مناطق داعش ولا تمتلك أية أدلة أو تحقيقات في الداخل السوري.
إلى أيّ مدى يمكن أن تؤثر تفجيرات أمس على أوروبا؟ المسلمين في فرنسا؟ الجهاديين الفرنسيين العائدين؟ روسيا؟ الوضع في سوريا؟ سننتظر لنرى!
اقرا أيضًا: الهجوم على صحيفة تشارلي إيبدو: 6 أسئلة ستشرح لك كل شيء