ولدوا داخل سجون، لآباء وأمهات معتقلين سياسيين في الغالب، ثم خرجوا رضعًا ومارسوا حياتهم، ظروف الميلاد رغم أنها قاسية إلا أنها أضفت عليهم “بصمة” الإنسانية التي جعلتهم يقدمون شيئا مميزًا للإنسانية أو الوطن، ذاك الوطن الذي ظلم حكامه أهليهم وأنفسهم.
«ساسة بوست» تستعرض في التقرير التالي أربع حكايا لأشخاص ولدوا داخل السجون وخرجوا ليتركوا شيئا في الحياة.
السجن وروايات ضد «إيران»
ولدت الإيرانية سحر دليجاني عام 1983 في سجن “ايوين ” بطهران، فأمها وأبيها كانا معتقلين آنذاك لمعارضتهما لنظام حكم الشاه الذي أسقطته الثورة الإسلامية عام 1979وأيضا لحكم الخميني الذي تلا هذه الثورة، فقد أصبحا كما العديد من الثوار الإيرانيين في دائرة الاضطهاد بعد نجاح الثورة، بل تمكن هذا النظام من إعدام عمها عام 1988.
خرجت الأسرة من هذا السجن، ثم سارعت للهجرة إلى الولايات المتحدة الأمريكية التي كبرت وتعلمت فيها دليجاني، وهي الآن تعيش في إيطاليا مع زوجها، تعيش لتكتب عن الحرية المكبوتة في إيران من واقع التجربة، فهي دائما تؤكد على أن سجن “أيوين” يشكل جزءا أساسيا من تاريخ عائلتها، وتقول دليجاني: “كلمة ايوين في قاموس العائلة تكاد تعني البيت أو المدرسة، ويشكل هذا السجن لدي ذكرى ساخرة وحزينة في وقت واحد”.
دليجاني تعمل حاليا على كتابة رواية جديدة تقص فيها حكاية سجين سياسي يخرج من المعتقل ويبدأ مسار بناء حياته من الصفر، وكانت روايتها “تحت ظل الشجرة البنفسجية” التي صدرت عام 2014 و استلهمتها من حياتها، وتروي وقائع الثورة الإيرانية واضطهاد نظام الثورة الإسلامية للثوار، لاقت إقبالًا كبيرًا – رغم أنها لم توزع في إيران – ففيها أحداث إيرانية هامة ساعدها على تسجليها أبويها الذين عاشا تجربة متكاملة، فقد ترجمت الرواية إلى 28 لغة ونشرت في 70 بلدا.
تقول سحر أن “الشباب الإيرانيين هم تماما بعكس ما يريد النظام أن يكونوا، فهم مثقفون وحيويون، ولا يمكن أن تبقى الأمور معهم على ما هي عليه”. وتضيف سحر: “الدعاية المركزة للقيم التي تفرضها الجمهورية الإسلامية في المدارس قد فشلت في أداء مهمتها”.
اعتقلت جنينا ثم شابة
داخل أسوار السجن بسوريا، ولدت ماريا بهجت شعبو عام 1988 لناشطين سياسيين، وذلك عندما كانت والدتها تقضي فترة عقوبة لأربع سنوات على خلفية نشاطها السياسي، ولم يتمكن والدها من إخراجها إلا عندما أصبح عمرها عاما ونصف، حيث تولى تربيتها لحين خروج والدتها، وفعلا خرجت أمها لكن لم تنعم الأسرة باجتماع طويل حيث سرعان ما اعتقل والدها واستمر اعتقاله 10 سنوات بتهمة الانتماء إلى حزب العمل الشيوعي، الذي كان ناشطا ومعارضا للنظام في الثمانينات والتسعينات.
ثم بعد مرور 26 سنة – العام الماضي – عادت ماريا إلى سجون النظام السوري بعد أن وجهت إليها ذات التهمة التي تسببت في اعتقال والديها وهي “المشاركة في نشاط سياسي”، ماريا التي اعتقلت على أيدي عناصر من المخابرات السورية عند الحدود لدى دخولها إلى سورية قادمة من لبنان المجاور، هي طبيبة، وكانت تزور والدتها لكن النظام السوري الذي أطلق سراحها فيما بعد قال أنها كانت في مؤتمر للمعارضة السورية.
حابس الذي أسر شارون
ولد داخل زنزانة في سجن “معان” لأول سجينة سياسية في الأردن زمن الحكم التركي عام 1910، أنه القائد العام السابق للجيش الأردني حابس المجالي الذي تحفظ الأتراك على والدته وخالته – أول سجينتين سياسيتين في الشرق الأوسط – كونهن من أهل الكرك الذين ثاروا ضد ظلم الحكم التركي (هبة الكرك).
خرج حابس مع والدته من السجن أواخر عام 1911 عندما أعلنت الحكومة العثمانية عفوا عامًا عن أهالي الكرك والدروز والحورانيين بعد احتلال إيطاليا لطرابلس الغرب، فنشأ حابس في بيت زعامة، وتخرج عندما كبر من مدرسة السلط الثانوية ثم التحق بالجيش العربي الأردني عام 1932، فبرز قائدًا عسكريًا كبيرًا و تدرج في المواقع العسكرية حتى وصل إلى مراتب عليها منها قائد للجيش ووزير للدفاع.
وقيل أن حابس في معركة اللطرون قاد القوات الأردنية في مواجهة شرسة ضد جيش الاحتلال وكانت من نتائج هذه المعركة أن أسر حابس المجالي 200 جندي يهودي كان من ضمنهم (أرئيل شارون) الذي كان قائدًا للقوات الإسرائيلية في تلك المعركة، ونُقل إلى معسكر الأسرى في مدينة المفرق الأردنية.
واعتبر المجالي – الذي كتب الشعر أيضًا – المسؤول العسكري الوحيد الذي صدر له نظام خاص سمي «نظام المشير»، وهو نظام أتاح له التمتع بامتيازات خاصة وهو على رأس عمله قائدا عاما للقوات المسلحة الأردنية بما فيها حرسه الخاص.
كانهايا ينقذ الكثير في «سجون الهند»
بعد أربعة أشهر من سجن أمه ولد هو في غرفة ضيقة بهذا السجن، ثم خرج ليقضي معظم طفولته متنقلا بين العديد من بيوت الأحداث، لم تتأثر إنسانيته بهذه الحياة البائسة، فقد أصبح همه الكبير أن يجمع ثمن الكفالة اللازمة لإخراج أمه من السجن.
ومجرد أن بلغ كانهايا 18 عاما، وحصل على تدريب للعمل في مصنع للملابس، بدأ يدخر المال لمساعدة أمه في الخروج من السجن حتى استطاع مؤخرًا أن يوكل محاميا للدفاع عنها ومن ثم إطلاق سراحها، يقول كانهايا: “كنت دائما أفكر فيها وأبكي، لقد كانت في السجن بمفردها، ولم يكن أحد يزورها، وقد أدار والدي لها ظهره”.
أدينت الأم فيجاي كوماري، بتهمة قتل عن طريق الخطأ، وقد حصلت على حكم يتيح لها الخروج من السجن بكفالة، لكنها لم تكن تملك 10 آلاف روبية (180 دولار) لسداد الكفالة، حيث هجرها زوجها وهي حامل بكانهايا، ولم يأت أحد ليسأل عنها أو يدفع لها الكفالة.
وقد تسبب هذا الموقف النبيل من كانهايا، في إحداث صدمة من السلوك “القاسي وغير المكترث” من قبل السلطات الهندية، التي اضطرت بسبب تلك الحادثة إلى إجراء مسح لكل السجون في الولاية لمعرفة ما إذا كانت هناك قضايا مماثلة لقضية أم كانهايا، حيث يقدر الحقوقيون أن هناك ما يقدر بنحو 300 ألف شخص في السجون الهندية، ومن بينهم 70 % لم يحاكموا بعد، وقضى العديد منهم فترات احتجاز طويلة، وهذا انعكاس للنظام القانوني البطيء والمضطرب في الهند، حيث قد تستغرق القضايا سنوات من أجل البت فيها والتوصل لحكم نهائي في شأنها.