موقع «ويكيبيديا» الشهير هو الموقع الذي يحتل المركز الخامس في قائمة المواقع الأكثر شعبية، وطبقًا لبيانات الموقع فقد جرت فيه عملية تكديس لأكثر من 40 مليون عملية إدخال منذ منذ انطلاقه عام 2001، لكن تحت كل هذه المعلومات المجانية تدور رحى حرب إلكترونية فريدة من نوعها.

قام باحثون بعملية تحليل للسنوات العشرة الأولى لويكيبيديا؛ ليجدوا أنفسهم أمام أعداد كبيرة من البرمجيات الآلية «البوت» – وهي خوارزميات تحرير وتعديل مدعومة من الذكاء الاصطناعي (AI) – توجد بينها نزاعات ملحمية مستمرة، تحاول باستمرار إجراء التعديلات على بعضها البعض في محاولة يائسة؛ ليكون لكل منها الكلمة الأخيرة.

حرب خفية

وقال الباحث «طه الياسري»، من جامعة أكسفورد في المملكة المتحدة في تصريحاته لصحيفة الجارديان البريطانية: إن المعارك بين «البوتات» يمكن أن تكون أكثر دوامًا واستمرارية بكثير من تلك الحروب التي نراها بين الناس. وأضاف: «البشر عادة ما يهدأون بعد أيام قليلة، ولكن حرب البوتات قد تستمر لسنوات دون توقف أو هوادة».

وفي تحليلاتهم، تتبع الياسري وزملاؤه الباحثون عمليات التحرير في موقع ويكيبيديا في الفترة بين عامي 2001 و2010، وفي حين أن كمية ودرجة نشاط البوتات في السنوات الأولى لانطلاقة الموقع كانت منخفضة بشكل واضح، إلا إن كمياتها نشطت وانطلقت بسرعة الصاروخ مع استمرار نمو الموقع وتطور تكنولوجيا البوتات يوم بعد يوم. وحتى عام 2014، كانت توجد بوتات مسؤولة عن عمليات التحرير في نحو 15% من جميع التعديلات التي تجري في الموقع في جميع أقسام المواقع وبمختلف اللغات الخاصة بهذه الموسوعة، ويأتي هذا على الرغم من أن هذه الخوارزميات تمثل نسبة 0.1% فقط من محرري ويكيبيديا.

وتقوم هذه البوتات التحريرية بعدد من الأدوار في الموقع تزامنًا مع القيام بإجراء تعديل محتوى ويكيبيديا، بما في ذلك وقف عمليات التخريب، وفرض الحظر، والتدقيق الإملائي، وخلق الصلات، واستيراد المحتوى الجديد تلقائيًا. وتهدف هذه البوتات خيرة ونافعة، كما تهدف لدعم مستخدمي ويكيبيديا من البشر والتعاون معهم – ولكن هذا الخير لا يستجيب دائمًا لهذا الكائنات السيبرانية.

بوتات محددة

هناك اثنان من هذه البوتات على وجه الخصوص، «Xqbot» و«Darknessbot»، اللذان اشتبكا سويًا على أكثر من 3600 مقالة حول مجموعة مختلفة من المواضيع، بدءًا من الإسكندر اليوناني، وحتى فريق أستون فيلا الإنجليزي لكرة القدم. بين عامي 2009 و2010، عكست بوت «Xqbot» أكثر من 2000 من التعديلات التي كان بوت «Darknessbot» قد قام بها؛ ليقوم البوت الأخير برد الجميل إلى «Xqbot» ويقوم بعكس 1700 من التعديلات التي كان الأخير قد قام بها بالفعل.

هناك اشتباك ملحمي آخر شهدته أروقة ويكيبيديا بين بوتات تدعى «Tachikoma» و«Russbot»، والتي قام خلالها كل بوت بعكس أكثر من ألف تعديل كان البوت الآخر قد قام بها بالفعل.

وجاء هذا النوع من المعارك بمثابة صدمة للباحثين، نظرًا لأن البوتات في الواقع لا تقصد لأن تعارض بعضها البعض، ولكنها تدخل في هذا النوع من المعارك عن طريق الخطأ في حلقات ناجمة عن طبيعة برمجته التي تجعل من قدراتها القتالية أمرًا لا مفر منه. وقال الياسري «كان لدينا توقعات منخفضة للغاية لرؤية أي شيء مثير للاهتمام، وعندما كنت تفكر في هذه البوتات، فستقول: إنها في الغالب مملة للغاية».

وأضاف أن حقيقة ما رأيناه هناك بكل هذه الصراعات التي لا تتوقف الموجودة خلف صفحات ويكيبيديا الهادئة كان مفاجأة كبيرة بالنسبة لنا. هذه البوتات في الواقع هي بوتات جيدة، وهي تقوم بما تقوم به بناء على حسن النوايا، وهي قائمة على نفس التكنولوجيا مفتوحة المصدر.

وكانت هناك مفاجأة أخرى وجدها الباحثون، وهي كيف أن هذا الصراع بين البوتات لعب بشكل مختلف على مجموعة من إصدارات اللغات الأجنبية المختلفة للموقع. فقد كانت كانت الطبعة الألمانية من ويكيبيديا تحوي أقل عدد من صراعات البوتات بإجمالي 24 انتكاسة أو عكس تعديلات للتقارير لكل بوت في المتوسط ​​على مدى فترة الدراسة التي استمرت لقرابة عشر سنوات. بينما كانت النسخة البرتغالية من ويكيبيديا صاحبة العدد الأكبر من الاشتباكات، والتي وصل إجماليها في المتوسط حوالي 185 انتكاسة لكل بوت. في حين انخفضت نسخة اللغة الإنجليزية إلى المنتصف بمعدل 105 انتكاسة لكل بوت خلال هذه الأعوام العشرة.

وأوضحت أحد أعضاء الفريق البحثي، ميلينا تسفيتكوفا، في بيان صحفي، «نجد أن البوتات تتصرف بشكل مختلف في بيئات ثقافية مختلفة، وصراعاتها هي أيضًا مختلفة جدًا عن تلك الصراعات التي تحدث بين المحررين البشريين». وأضاف أن هذا له انعكاسات ليس فقط في كيفية تصميمنا لهؤلاء الوكلاء عن الذكاء الاصطناعي، ولكن أيضًا في كيفية دراستها. فنحن بحاجة إلى مزيد من الأبحاث في علم الاجتماع الخاص بالبوتات.

وفي الوقت الذي يصبح فيه الذكاء الاصطناعي أكثر انتشارًا وأكبر قوة، فإن النظر في التصرفات الثقافية (وربما القتالية) لهذه البرمجيات ربما يكون شيئًا علينا الانتباه له بكثير من الاهتمام أيضًا.

خلاف ذلك، فإن المستقبل سيسير في طريق يجعلنا نتنتهي أمام مثل هذا المثال:

البوت

والبوت هو: اسم مستعار مشترك لروبوتات البرمجيات «software robot»، ويمثل أداة آلية أو شبه آلية تقوم بتنفيذ المهام المتكررة والدنيوية عبر الإنترنت. عادة، يقوم البوت – عبر برمجته – بأداء المهام التي هي على حد سواء بسيطة ومتكررة هيكليًا، بمعدل أعلى بكثير مما هو ممكن للإنسان وحده. وربما الاستفادة الأكبر من البوتات يكمن في عملية فحرسة صفحات الإنترنت (web crawler)، والذي يقوم خلاله البرنامج الآلي بجلب وتحليل المعلومات والملفات من خوادم الشبكة بسرعات أكبر بكثير من التي يقوم بها البشر.

يذكر أن أكثر من نصف جميع حركات المرور على شبكة الإنترنت تتكون من بوتات.

ومثلها مثل البشر، يمكن أن تكون البوتات سلاحًا ذو حدين، فبعضها جيد والآخر مؤذٍ طبقًا لطريقة برمجتها. الجانب الجيد لها يظهر في نمو استخدام البوت المفيد بشكل كبير خلال العام الماضي، فهو المسؤول الآن عن إدارة تصفحنا للإنترنت وتحسينها، بينما بقي حجم تدفق البيانات من البوتات الضارة في نفس العام ثابتُا دون تغيير ملحوظ.

ويمكن أن يقوم البوت الضار بعمليات سيئة على شبكة الإنترنت، مثل سرقة المحتوى واكتساح خوادم الويب أو سرقة معلومات تحليلية من شركاء غير مؤمنة بشكل كاف، وهو ما يتسبب في خسائر للأعمال التجارية بأكثر من سبعة مليارات دولار سنويًا.

عرض التعليقات
تحميل المزيد