في عام 1973 أصبحت بريطانيا عضوًا في الاتحاد الأوروبي وأهم دولة بين الدول الأعضاء البالغ عددهم 28 دولة، ومنذ فاز رئيس الوزراء ديفيد كاميرون بانتخابات 2013، وهو يعد بالتفاوض على شروط عضوية بريطانيا في الاتحاد أو الخروج منه.
وحدد عام 2017 لإجراء استفتاء حول هذا الخروج من عدمه، حيث يرى الخبراء أن هناك فرصة واقعية بأن يكون التصويت لمصلحة خروج بريطانيا من الاتحاد، خاصة وأن آخر استطلاعات الرأي البريطانية تشير إلى أن البريطانيين يؤيدون الانسحاب من الاتحاد الأوروبي.
عدة تساؤلات يطرحها تقرير «ساسة بوست» حول قرار بريطانيا بالخروج من الاتحاد الأوروبي وانعكاس ذلك.
لماذا تريد بريطانيا الخروج من الاتحاد الأوروبي؟
“الاتحاد أصبح أكثر تدخلًا وتقييدا لحياة الأوروبيين مما كان متوقعا، أو بمعنى آخر أصبح عبئا كبيرا عليهم، ما يستوجب إعادة التفاوض حول شروطه”، هذا ما قاله رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون مرارا وتكرارا في تبريره لرغبة بريطانيا بالخروج من الاتحاد الأوروبي.
كاميرون يريد استعادة بعض السلطات التي تخلت عنها بريطانيا للاتحاد الأوروبي، من ذلك تحديد ساعات العمل، والاتفاقيات المتعلقة بالجوانب الأمنية وتبادل المجرمين.
ومن ضمن الأسباب التي تدفع بريطانيا نحو هذا القرار، هو تخوفها من سيطرة دول منطقة اليورو الـ 17 على مجريات اتخاذ القرار في الاتحاد الأوروبي، إذ يعاني الاتحاد الأوروبي من ضعف في التنافسية حتى قبل أزمة قروض منطقة اليورو التي شلت الاقتصاد الأوروبي، إذ يؤكد الخبراء على أن الاتحاد النقدي الذي رفضت بريطانيا الدخول فيه، أصبح محور اتخاذ القرار في الاتحاد الأوروبي، وأصبحت جميع القرارات تتطلب تفاوضا من قبل أعضائه في البداية، ثم يتم عرضها بعد اتفاق الأعضاء في منطقة اليورو على دول الاتحاد الأوروبي مجتمعة، وتتوقع بريطانيا أن نمو الاقتصاد الأوروبي من خلال الاتحاد قد توقف تقريبًا في مقابل نمو اقتصادات صاعدة مثل الصين والهند.
سبب رئيس آخر، هو الهجرة، تلك المشكلة الأكبر التي تواجه المجتمع البريطاني، إذ أنها السبب الرئيسي للانقسام بين الأشخاص المولودين في المملكة المتحدة وبين المهاجرين، وتري بريطانيا أن قوانين الاتحاد الأوروبي هي السبب في تدفق المهاجرين إليها، هؤلاء الذي أثروا على مستوى المعيشة والنسيج الاجتماعي، وتشير الأرقام الصادرة أخيرًا عن «لندن سكوول أوف إيكونوميكس» “أن عدد المهاجرين غير الشرعيين يناهز 863 ألف مهاجر في المملكة المتحدة، وهم يشكلون عبئًا ماديًّا على الخدمات العامة كالتعليم والصحة تبلغ قيمته 3,67 مليارات جنيه إسترليني سنويًّا”.
وطالبت بريطانيا بوضع آلية للتحكم في حركة المهاجرين الوافدين إلى المملكة المتحدة من بلدان أوروبا والسيطرة على الحدود الإنجليزية، إلا أن مطالبها لم تنفذ.
ماذا ستخسر بريطانيا في حالة خروجها من الاتحاد الأوروبي؟
سيمنى الاقتصاد البريطاني بخسائر متعددة في حال خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، إذا أنه سيسجل نموًا بوتيرة بطيئة في أعقاب فقدانه المزايا التجارية مع الشركاء الأوروبيين، هذا ما أكدت دراسة خاصة كشفت أن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي سيكلفها خسائر تقدر بنحو 224 مليار جنيه إسترليني.
فاقتصاديًا، سيخسر البريطانيون خاصة في الشركات الكبرى التابعة للاتحاد الأوروبي فرص عمل قدرت بالملايين، وكما ذكرت صحيفة “الإندبندنت” البريطانية فالقطاعات التي ستكون الأكثر تضررا في بريطانيا من فقدان الصلة مع السوق الموحدة للاتحاد الأوروبي، هي المواد الكيميائية والخدمات المالية والسيارات والهندسة الميكانيكية، فعلي سبيل المثال، سيواجه منتجو السيارات الكثير من المشكلات؛ لأن الاستثمارات الأجنبية تعتمد على افتراض أن بريطانيا جزء من السوق الأوروبية الموحدة.
عسكريًا، يقول الخبراء إن بريطانيا سوف تخسر تأثيرها العسكري والدولي، إذا ينظر لها على أنها حليف عسكري أساسي في حال خروج الأخيرة من الاتحاد الأوروبي.
سياسيا، كما يقول المعارضون البريطانيون للخروج من الاتحاد الأوروبي، أن واشنطن الحليف المهم ستحرص على استمرار الشراكة مع الاتحاد في مواجهة قضايا سياسية كبيرة كقضية الشرق الأوسط، بينما سينعدم تقريبا دور البريطانيين فيها في حال خروجهم من الاتحاد.
هل سيتضرر الاتحاد الأوربي من خروج بريطانيا؟
تؤكد صحيفة “الدايلي تلغراف” البريطانية بأن “الأضرار ستمتد لتطال الاتحاد الأوروبي كذلك، لأن المملكة المتحدة هي أكبر شريك تجاري لمنطقة اليورو، ومعروف أنها تشكِّل 4 % من الناتج المحلي الإجمالي للمنطقة بأسرها”.
يقول رئيس منظمة “برتلسمان ستيفتونج” دي جيوس إن “خروج بريطانيا سيكون لعبة خاسرة للجميع في أوروبا من منظور اقتصادي واحد، وخاصة بالنسبة للمملكة المتحدة، ولكن بغض النظر عن العواقب الاقتصادية، سيكون بمثابة انتكاسة مريرة وخاصة بالنسبة للتكامل الأوروبي، وكذلك دور أوروبا في العالم، حيث إن تحديد المسار لخروج المملكة المتحدة في انتخابات عامة من شأنه أن يضعف الاتحاد الأوروبي”.
وعلى سبيل المثال، توضح دراسة منظمة “برتلسمان ستيفتونج” البحثية الألمانية أن :”الاقتصاد الألماني سوف يتكبد خسائر تتراوح قيمتها من 6.2 مليار إسترليني و41 مليار إسترليني إذا ما خرجت بريطانيا بالفعل من تحت عباءة الاتحاد الأوروبي، لكن أيرلندا ولوكسمبورج وبلجيكا ومالطا وقبرص سوف تواجه كلها خسائر تزيد على المتوسط”.
ماذا عن موقف الداخل البريطاني من هذا القرار؟
من يقف وراء خيار الخروج من الاتحاد البريطاني هو حزب المحافظين البريطاني، فهذا الحزب برئاسة كاميرون وعد أنه سيعيد التفاوض على شروط عضوية بريطانيا في الاتحاد الأوروبي قبل عقد استفتاء بحلول عام 2017م.
ويعارض هذا القرار عدة أحزاب ومؤسسات بريطانية، أبرزها حزب الديمقراطيين الأحرار المعارض، حيث نقل عن زعيمه “نيك كليج” القول : “الاقتصاد البريطاني قد يؤذي نفسه إذا انفصلت بريطانيا عن الاتحاد الأوروبي، وأن الخطوة قد تهدد تعافي الاقتصاد”. واتهم كليج أن الكثير من أعضاء حزب المحافظين وحزب الاستقلال البريطاني بأنهم يسعون إلى فصل إنجلترا عن “أكبر سوق في العالم”.
على المستوي الشعبي، بقيت مؤشرات استطلاعات الرأي ترجح بفارق بسيط رفض الخروج من الاتحاد الأوروبي، باستثناء استطلاع نوفمبر 2012 الذي سجل العدد القياسي للراغبين في الخروج من الاتحاد، إذ بلغ 56 % ممن شملهم الاستطلاع، ثم جاء الاستطلاع الأخير لتغلب موافقة البريطانيين على الخروج من الاتحاد الأوروبي، إذا أظهر هذا الاستطلاع أن 51% ممن شملهم الاستطلاع، يرغبون في ترك الاتحاد الأوروبي، بينما أبدى 49% رغبتهم في البقاء (أجرته مؤسسة «سيرفيشن» ).
السيناريوهات المتوقعة
في ظل إصرار بريطانيا على انتزاع ضمانات بعدم تغول سلطة الاتحاد الأوروبي في الشؤون البريطانية، يبقى الأوروبيين غير مستعدين للتوصل إلى تسوية حول كل المطالب البريطانية، خاصة المعاهدات الأوروبية المتعلقة بحرية الحركة التي تعتبر واحدة من أهم ركائز الاتحاد.
وفي هذا الصدد، توقعت منظمة “برتلسمان ستيفتونج” البحثية الألمانية ثلاثة سيناريوهات لعام 2030 في حال خروج بريطانيا من مظلة الاتحاد الأوروبي.
حيث خلصت دراسة “برتلسمان ستيفتونج” إلى أن السيناريو الأفضل، أنه في حالة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوربي في عام 2018 ، ستتمكن بريطانيا في أفضل الأحوال من الفوز بوضع مشابه لسويسرا واتفاقية تجارة مع شركائها السابقين في الاتحاد الأوروبي.
أما السيناريو الأسوأ، فهو أن بريطانيا ستفقد اتفاقيات التجارة الحرة، حيث ستبلغ الخسارة في الناتج المحلي الإجمالي لكل فرد بين 0.6 % و 3 % وسيكلف هذا السيناريو الأسوأ اقتصاد المملكة المتحدة 224 مليار جنيه إسترليني حسب ما جاء في الدراسة.