«سمعتم جميعًا أن ترامب قال إن ابن بايدن لديه شركات أوراق مالية في جميع أنحاء العالم. لكن منْ ساعد ابن بايدن في بناء شركاته العالمية؟»

جاء هذا السؤال على لسان الأكاديمي الصيني، دي دونج شنج، أثناء كلمته في منتدى ضم المديرين العامين السابقين لبنك التنمية الآسيوي، والإدارة الدولية للبنك المركزي الصيني، ولا يُعد دونج شنج، العميد المشارك في جامعة «رنمين» النخبوية في بكين، التي تضم خريجين بارزين في الحزب الشيوعي والحكومة، مجرد أكاديمي فقط، إذ عمل أيضًا مع أجهزة الدعاية الرسمية للحكومة الصينية، لنشر مواد مؤيدة لبكين في الولايات المتحدة. 

وجاءت تلك التصريحات في 28 نوفمبر (تشرين الثاني) 2020، بعد أسابيع فقط من الانتخابات الرئاسية الأمريكية، حين أشار دونج شنج إلى أن لدى بكين «أصدقاء قدامى داخل دائرة القوة الأساسية لأمريكا» مؤكدًا أن بكين يمكنها تسوية القضايا مع «الناس في القمة» في الولايات المتحدة.

اغتنام استخباراتي؟ أموال الصين وعائلة بايدن

في عالم التجسس، يستخدم مصطلح «الاغتنام» لوصف الجهود الناجحة لشراء أعضاء قيادة في أيِّ بلد، فماذا لو كانت الصين قد استطاعت «اغتنام» أقوى رجل في العالم وأسرته، وجعلهم أقل انتقادًا لبكين وتحويلهم إلى دعاة لسياسات الصين ومواقفها؟

في منتصف أكتوبر (تشرين الأول) 2020، وقبل أسابيع قليلة من الانتخابات الأمريكية، أعاد مكتب التحقيق الفيدرالي الأمريكي، فتح قضية التهرُّب الضريبي لنجل المرشح الديمقراطي لرئاسة الولايات المتحدة، جو بايدن، (هانتر) وكانت التحقيقات قد بدأت في عام 2018، للاشتباه في تهرُّب ضريبي يتعلق بالصفقات التجارية المتعلقة بالصين، إلا أنّ القضية أقفلت سريعًا.

Embed from Getty Images

جو بايدن وابنه هانتر

وأطلت القضية برأسها مرة أخرى، في لحظات حاسمة في صراع المرشحين دونالد ترامب، وجو بايدن، وهما في طريقهما نحو البيت الأبيض، وكان الفضل يرجع لصاحب ورشة إصلاح حواسيب في مدينة ديلاوير، ونشرت حينذاك صحيفة «نيويورك بوست» تقريرًا وردت فيه القصة، حين «قرر صاحب الورشة في أبريل (نيسان) 2019، تسليم لاب توب كان قد تركه هانتر بايدن، وبعد أن فشل مرات عدَّة في التواصل مع هانتر، سلم الجهاز لمكتب التحقيقات الفيدرالي الأمريكي، عندما علم بفتح تحقيق ضد نجل جو بايدن بشبهة التهرب الضريبي»، واحتوى كمبيوتر نجل بايدن على بيانات، دفعت مكتب التحقيق لإعادة فتح التحقيق، ليصدر هانتر بايدن بيانًا يؤكد بأنه يأخذ التحقيق «على محمل الجد».

وحصل مكتب التحقيق من جهاز بايدن على أكثر من 25 ألف رسالة، تعود إلى فترة ما بين عامي 2009 و2019، تحديدًا فترة تولِّي جو بايدن، منصب نائب الرئيس الأمريكي، باراك أوباما، وفرضت حينها مواقع تواصل اجتماعي منها «تويتر» و«فيسبوك» قيودًا لمنع تداول الأنباء عن لابتوب هانتر بايدن، الأمر الذي أشار إليه دكتور القانون في جامعة تينيسي، جلين هارلان رينولدز، في 17 ديسمبر (كانون الأول) 2020، ضمن مقال في صحيفة «نيويورك بوست»، لكن بعد وصول الرئيس الأمريكي الحالي، جو بايدن، للحكم، خفَّ الحديث عن القضية إعلاميًّا. 

لكن القضية عادت مرة أخرى للسطح عقب صدور كتاب «اليد الحمراء» للصحافي الأمريكي، بيتر شفايتزر، رئيس معهد المساءلة الحكومية المستقل، إذ ركَّز الكتاب على هانتر بايدن، وَخَلُصْت الأبحاث التي أجراها شفايتزر على مدار عامين، إلى أن عائلة بايدن جنت «نحو 31 مليون دولار من رجال الأعمال الصينيين الذين تربطهم علاقات مع الرتب العليا في المخابرات الصينية، أثناء فترة ولاية جو بايدن نائبًا للرئيس وبعدها».

يقول شفايتزر: «في الواقع، حتى كتابة هذه السطور، لا تزال بعض تلك العلاقات المالية سليمة، لكن الأمر المذهل هو نوعية العلاقات الاستخباراتية من طرف رجال الأعمال الذين يعقدون هذه الصفقات مع نجل بايدن؛ إذ تصل هذه العلاقات إلى أعلى مستويات الاستخبارات الصينية، بما في ذلك الرئيس السابق لوزارة أمن الدولة، ورئيس تجنيد العناصر الأجنبية للمخابرات الصينية، ومجموعة من منظمات الجبهة المتحدة».

وقد أظهرت الرسائل المحفوظة على جهاز نجل بايدن وجود شخص يطلق عليه اسم «الرئيس الفائق»، وستلعب تلك الشخصية الغامضة دورًا مركزيًّا في تأمين صفقة كبيرة بين الصينيين ونجل بايدن، إلا أنَّ شفايتزر سيتمكن من كشف الغطاء عن تلك الشخصية وأن «الرئيس الخارق» ما هو إلا تشي فنج، رجل الأعمال الصيني صاحب العلاقات الوثيقة بالمخابرات الصينية، وكان تشي فنج، ابن جندي من جيش التحرير الشعبي الصيني، وهو رجل أعمال ناجح وسيطر على العديد من الشركات، وسيصبح لاعبًا رئيسيًّا في العلاقة بين هانتر وبكين.

وقد وُصف تشي فنج في الصحافة الغربية بأنه «مستثمر غامض وسري»، وربما كان بحاجة إلى البقاء في الظلال، وإخفاء سلطته الكبيرة بسبب أصدقائه وأفراد أسرته الأقوياء جدًّا، فقد كان والد زوجته محافظ بنك الشعب الصيني، ورئيس المجلس الوطني لصندوق الضمان الاجتماعي، وصندوق التقاعد الحكومي في الصين، الذي سيصبح لاحقًا مستثمرًا في صفقة هانتر للأسهم الخاصة.

ووفقًا لمراسلات البريد الإلكتروني في اللابتوب الخاص بهانتر مع عائلته وشركائه، في أكتوبر (تشرين الأول) 2011، فقد طار هانتر وشركاؤه إلى هونج كونج ضيوفًا على تشي فنج، ووضعهم رئيس مجلس الإدارة الأعلى، في فندق فورسيزونز الفاخر من أجل إجراء مزيد من المناقشات حول الفرص التجارية.

وكانت إدارة «صندوق الحصاد» الصيني واحد من «بيوت التمويل» الكبيرة، والتي ترأستها شخصية صينية رئيسية أخرى في صفقات عائلة بايدن مع الصين، وهو «تشاو شويجون» المعروف أيضًا باسم «هنري تشاو» رئيس شركة «هارفست»، وهو يملك علاقات مع قمة المخابرات الصينية.

على الجانب الآخر كان هانتر بايدن متحمسًا لتلك الصفقات، فكتب له أحد شركائه الصينيين في سبتمبر (أيلول) 2011، «تخيَّل أننا سنجلس في المجلس نفسه مع «CIC» أو غيرها من الاستثمارات الضخمة الصينية أو بيت (بيوت) الصناديق!».

يستمر شفايتزر في كتابه، في تتبع المدفوعات والهدايا التي تسلمها هانتر بايدن وشركاؤه من مستثمرين أجانب، منها ألماس أهداه رجل أعمال صيني إلى نجل الرئيس الأمريكي الحالي، بالإضافة إلى أنشطة هانتر بايدن المتعلقة بشركة «Burisma Holdings» شركة الطاقة الأوكرانية، بالإضافة لصفقة أبرمها مع شركة «CEFC» الصينية، مؤكدًا أنه تسلم بموجبها 5 ملايين دولار.

وكانت الصين على غير العادة، لا تخفي تلك العلاقة، خصوصًا حين تصدر التصريحات من أشخاص نافذين في السلطة، فعندما طرح تساؤل حول الصفقات مع عائلة بايدن، في المنتدى السابق ذكره، ضحك دي دونج شنغ حينها قائلًا إن «هناك بالفعل معاملات شراء وبيع هنا.. لذلك أعتقد في هذا الوقت بالذات أنه من الأهمية الإستراتيجية والتكتيكية بالنسبة لنا إظهار حسن النية».

قلب الطاولة.. الصين من الاحتواء إلى الهمينة المضادة 

«يمر العالم بتغيُّرات كبيرة لم يسبق لها مثيلًا منذ قرن، وهذا الزخم إلى جانبنا. هذا هو المكان الذي توجد فيه قوتنا وحيرتنا، وهو أيضًا المكان الذي يوجد فيه تصميمنا وثقتنا» *الرئيس الصيني، شي جين بينج مع الرئيس الأمريكي جو بايدن

ويقول كلايف هاميلتون وماريك أوهلبرج مؤلفا كتاب «اليد الخفية: الكشف عن كيفية قيام الحزب الشيوعي الصيني بإعادة تشكيل العالم»، إن الصين عملت في السبعينيات والثمانينيات، من القرن الماضي، حليفًا فعليًّا للولايات المتحدة في خضم السنوات الأخيرة من الحرب الباردة.

وبعد سقوط الاتحاد السوفيتي واصل العديد من النخب الأمريكية، حسب الكتاب، سياسة «احتواء» الصين، والتي كانوا يأملون أن تؤدي إلى نظام سياسي صيني أكثر انفتاحًا، وخلق سوق ضخمة للبضائع الأمريكية، إلا أنَّ ما يظهره التنافس اليوم بين الدولتين، هو الشعور العميق لدى أمريكا بالتهديد من إزاحة الصين لها من على قمة العالم، بعد أن زاحمتها لسنوات على هيمنتها.

دولي

منذ سنة واحدة
«واشنطن بوست»: ودٌّ حَذِرٌ.. هل تُصلِح قمةُ بايدن-شي العلاقات الصينية الأمريكية؟

وقد حظي كتاب «اليد الخفية» باهتمام ملحوظ في الأوساط السياسية الأمريكية، وكذلك الأمر مع كتاب بيتر شفايزر، الذي حصل أيضًا على الكثير من الاهتمام بعد أسبوع من صدوره، ليصعد لقمة قائمة «New York Times» الأكثر مبيعًا، خاصة أن الكتاب، يتهم العديد من السياسيين وكبار رجال الأعمال الأمريكيين المشهورين، بمن فيهم عائلة الرئيس الأمريكي جو بايدن وعائلات الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش، بإثراء أنفسهم من خلال تعزيز مصالح الصين.

ويقول شفايزر: «قام المسؤولون الصينيون، بنسج هذه العلاقات التجارية [مع عائلة بايدن] لأكثر من عقد من الزمان» مضيفًا: «منذ أن انتشرت القصة لأول مرة حول هذه الروابط في عام 2018، تمكنت من الوصول إلى وفرة من الأدلة الوثائقية الجديدة»؛ إذ تمكن شفايتزر من الحصول على التفاصيل الدقيقة للطرق العديدة والمتنوعة التي أثر بها «الحزب الشيوعي الصيني (CCP) في النخب الأمريكية بطرق تفيد الصين اقتصاديًّا وسياسيًّا وعسكريًّا».

Embed from Getty Images

جو بايدن في ضيافة شي جين بينج

فعلى سبيل المثال، عاد هانتر بايدن إلى بكين في ديسمبر (كانون الأول) 2013،  وهذه المرة وصل إلى مقر سلاح الجو الصيني مع والده، وكان بايدن يتجادل بحدة مع الصينيين حول العديد من القضايا بين الولايات المتحدة والصين، وعقد اجتماعات رفيعة المستوى مع المسؤولين الصينيين، بينما لم يعرف أحد فيم قضى هانتر وقته، ومع ذلك، اعترف نجل الرئيس لاحقًا بأنه قدم والده إلى شريكه التجاري، جوناثان لي، الذي سيصبح بعد أيامٍ الرئيس التنفيذي لشركة «BHR».

وبعد عشرة أيام من تلك الواقعة جرى تسجيل شركة «BHR» في بكين، وقد عُرِض على هانتر في وقت لاحق حصة 10% في الأعمال التجارية للشركة، ومقعد في مجلس إدارتها، وتطلبت حصة الأسهم منه الكثير من رأس المال، ولكن يبدو أنه لم يكن لديه ما يكفي، فمنحه المديرون التنفيذيون الصينيون قرضًا، مما يضمن له حصة في شركة الاستثمار التي تزيد قيمتها على مليار دولار.

ويقول شفايزر، بالنظر إلى العلاقات الاستخباراتية والسياسية لأولئك المشاركين في إنشاء شركة «BHR»، لا ينبغي أن يكون مفاجئًا أن «صندوق هانتر الاستثماري» بدأ في الشراء أو الاستثمار في شركات ذات أهمية إستراتيجية في الصين والولايات المتحدة، فكان أحد استثماراتهم المبكرة في الشركة الصينية العامة للطاقة النووية (CGN).

وعلى مدى صفحات الكتاب، واصل شفايزر تتبع المال الصيني في الولايات المتحدة الأمريكية، الأمر الذي دفع السيناتور الأمريكي، مارشا بلاكبيرن، والنائبة إليز ستيفانيك، للطلب من المدعي العام، ميريك جارلاند، تعيين مستشار خاص للنظر في الادعاءات الواردة في الكتاب، حول التعامل التجاري لأفراد عائلة الرئيس الأمريكي جو بايدن مع أفراد لهم صلات مباشرة بـ«أعلى مستويات جهاز التجسس الصيني».

المصادر

تحميل المزيد