تأسست علاقتنا بالألوان منذ ظهور البشرية؛ فنحن نلاحظ أن ألوان غروب الشمس لها تأثير مهدئ علينا؛ بينما لألوان الشروق تأثيرٌ معاكس. وقد حاول الأطباء والباحثون وعلماء النفس، وكذلك المتخصصون في التسويق فك شيفرة الطاقة اللونية، وفهم إمكانية استخدامها في الممارسة الطبية والنفسية، وسر تفضيلنا بعض الألوان عن غيرها.
فيمكن لهذا الأمر أن يخبرنا عن علاقتنا الشخصية، وخصائصنا النفسية، ومواقفنا تجاه الحياة، ويحدد الإصابة ببعض الأمراض قبل حدوثها، والمساهمة كذلك في الوقاية منها.
وتعتمد فرضية العلاج بطاقة الألوان ««Chromo/Photo/ Color therapyعلى أن الضوء يتكون من طاقة «كهرومغناطيسية». وأن لكل لون إشعاعًا وذبذبة خاصة به.

ضوء «الفلورسنت» يستخدم لعلاج حديثي الولادة المصابين بالصفراء
وتوجد العديد من الفرضيات والممارسات تقول إن تعريض الجسم المصاب لترددات وذبذبات لون معين تحت ظروف محددة تبعًا لكل مرض تساهم في الشفاء. وأن استخدام ألوان معينة في الطيف المرئي يساهم في تحفيز النشاط الخلوي الحيوي؛ كي تقوم بمهامها بشكل جيد.
ويعد العلاج الضوئي الطريق الأكثر شيوعًا لتقليل مستويات «البيليروبين» «bilirubin» العالية التي تسبب «اليرقان»، أو الصفراء في الأطفال حديثي الولادة؛ حيث يوضع حديثو الولادة في سرير أو حاضنة مغلفة، ويجرى تعريضهم لنوع من ضوء «الفلورسنت» الذي يتم امتصاصه عن طريق جلد الطفل. ويتغير البيليروبين في جسم الطفل إلى شكل آخر يمكن التخلص منه بسهولة أكبر في البراز والبول.
الحضارات القديمة مارست العلاج بالألوان!

الطب اليوناني القديم
مارس قدماء المصريين العلاج بالضوء اعتمادًا على أشعة الشمس، وكذلك الألوان في الشفاء. أيضًا استعمل الإغريق الألوان للشفاء، واستخدموها في الملابس، والزيوت، واللصقات، والمراهم؛ لعلاج المرضى. وكانوا يعتقدون أن لبس المحزون للون الأبيض يجلب له الأحلام السعيدة. كذلك استخدمت الغرف والقاعات الملونة في العلاج في كل من مصر القديمة والصين والهند.
طور «ابن سينا» من عملية الشفاء باستخدام الألوان، وعرض في كتابه القانون في الطب الأهمية الحيوية للون في كل من التشخيص، والعلاج، وخواص كل لون في الشفاء. ووضع مخططًا يربط بين الألوان، ووضع، ودرجة حرارة الجسم؛ فاللون عند «ابن سينا» هو علامة ملحوظة مهمة في تشخيص المرض.
فالأحمر يحرك الدم، والأزرق أو الأبيض يقوم بتبريده، و يساعد الأصفر في تخفيف آلام العضلات، والالتهابات. فلا ينبغي للشخص المصاب بنزيف أنفي أن يحدق في أشياء ذات لون أحمر لامع. وألا يتم تعريضه للضوء الأحمر؛ لأن هذا من شأنه تنشيط التدفق الدموي. بينما يعمل اللون الأزرق على تهدئة النزيف، والحد من تدفق الدم.

مجموعة من الأجهزة التي وضعها نيلز فنسن لعلاج الذئبة
فيما درس العالم الدانمركي نيلز فينسن «Niels Finsen» في عام 1877 إمكانية التئام الجروح بواسطة الضوء المرئي. واستخدم بعدها اللون الأحمر في علاج الجدري، وأسس عام 1896 معهد الضوء لعلاج مرضى السل. وحاز فيما بعد جائزة نوبل عام 1903 لعلاجه مرضى الذئبة باستخدام الشعة فوق البنفسجية.
تحمس بعدها للفكرة مجموعة من العلماء وجهزوا غرفًا زرقاء وخضراء لعلاج الغثيان والاهتياج العصبى، وأخرى صفراء وحمراء لتنشيط المصابين بالاكتئاب والخمول.
هل يمكن التنبؤ بالمرض قبل حدوثه من خلال اللون؟!
تعتمد طريقة العلاج بطاقة الألوان إلى افتراض وجود طاقة كهرومغناطيسية محيطة بجسم الإنسان، وتتوهج حول كل مخلوق. وأن وجودها في هذه الهيئة، أو توهج الطاقة، المسئول عن حفظ الجسم في صحة جيدة. ويؤكد كتاب العلاج بالألوان «Color Therapy» أن «اعتبار جسدنا المادي هو في حد ذاته كل شيء مفهوم خاطئ؛ لكن بدلًا من ذلك يوجد وهج كهرومغناطيسي (هالة) حول الجسم يمنحنا الطاقة، وينقل الصحة أو الأمراض إلينا».
في دراسة مشتركة نظمها عالم وكاتب «روسيد. كونستانتين كوروتكوف» «Konstantin Korotkov».بالتعاون مع الباحث الهندي شاه«Jashvant M. Shah» استخدموا خلالها كاميرا، طورها مصور روسي يدعى«SamuanKirlian» عام1939، ويمكنها التقاط صورة لهالة الإنسان.
قاموا بأخذ صور لتوهج الطاقة الكهرومغناطيسية حول أجساد مرضى بالقلب في مستشفى «بوكروفسكايا»
Pokrovskaya»» بسانبطرسبرج «Petersburg» في روسيا، قبل، وبعد استخدام د. شاه العلاج بواسطة الأحجار الكريمة ـ وهي إحدى الطرق المستخدمة في العلاج بالألوان ـ وحصل 11 من أصل 13 مريض على نتائج جيدة، واستمرت مدة العلاج سبعة أيام.
إلا أنهم اكتشفوا أن المرض ينشأ أولًا في الهالة، ومن ثم ينتقل للجسد. ويمكن باستخدام تكنولوجيا الكاميرا الكيرليانية «Kirlian camera» توقع المرض قبل ظهوره في الجسد بستة، إلى ثمانية، أشهر. وقد أدخل د. شاه هذه التكنولوجيا لأول مرة بالهند منذ عام 2002، مشيرًا إلى أن العلاج بالألوان يمكن أن يتم استخدامه كإجراء وقائي.
قل لي لونك المفضل أقل لك من أنت!
يستعين بعض علماء النفس بالألوان لأغراض علاجية. ويستخدم بعضهم اختبارات الألوان لتحليل الشخصية، ومنها مقياس «Lüscher» اللوني. ويختص الاختبار بقياس الحالة النفسية والجسدية للشخص، وخصائص دوافعه الواعية وغير الواعية، وقدرته على أداء المهام، والتواصل، وتحمل الضغوط من عدمه.
يهدف الاختبار لكشف سبب الضغط النفسي؛ والذي يمكن أن يؤدي إلى أعراض جسدية، وذلك عبر اختيار مجموعة من الألوان. وتحليل مدلولات هذه الاختيارات وفقًا لقاعدة تعريفات، وقياس34 سمة شخصية. تكشف نتيجة التشخيص عن مؤشرات تتعلق بتقييم الشخصية، بجانب توصيات مهنية لتجنب التوتر، والأعراض الجسدية التي يمكن أن تنجم عنه.
يمكنك إجراء الاختبار عبر أحد هذه المواقع التي توفر الخضوع له، وإعطاء النتائج فوريًا عبر الإنترنت.
هل هناك علاقة بين الأمزجة النفسية والألوان؟
في دراسة أخرى خضع خلالها مجموعة من المشاركين، للمشاركة في عدد من الأنشطة تولد حالة نفسية معينة، إما قلقة أو هادئة أو محايدة. وطلب من المشاركين بعدها اختيار مجموعة من الألوان لاستكمال رسم «ماندالا».
وجدت الدراسة أن المجموعة التي خضعت لمهام تبعث على الهدوء؛ كانوا أكثر عرضة لرسم تصاميم خاصة بهم، ورسم أنماط وأشكال وخلط الألوان. بينما كان المشاركون في المجموعة ذات الأنشطة المحايدة أقل ميلًا من السابقة لتغيير تصميماتهم؛ لكنهم قاموا بذلك أكثر من المشاركين في المجموعة القلقة.
وما زالت هناك جوانب كثيرة للعلاج اللوني، ينقصها مزيد من التدقيق وإجراء البحوث العلمية، ولذلك يعده الكثيرون من العلوم الكاذبة. فهل ينجح العلاج بالألوان في انتزاع الاعتراف العلمي بكونه علمًا من علوم الطب؟