يبدو أن الهدنة الروسية التركية على الأراضي السورية لم تصمد طويلًا، مع استمرار انتهاكها من النظام وحلفائه، بشكل دفع فصائل معارضة لتجميد مشاركتها في مفاوضات أستانة للسلام، وهو ما يعني ضمنًا تعليق نجاح الهدف الرئيسي للهدنة المتمثل في بدء مفاوضات، تمهد للوصول لحل سياسي للأزمة السورية، وهو ما يمثل على ما يبدو إعادة لسيناروهات الهدن السابقة في سوريا.

ترحيب من معسكري النظام والمعارضة بالهدنة

بدأت الهدنة في الساعات الأولى من يوم 31 ديسمبر (كانون الأول) 2016، وتضمن المشروع الروسي التركي بشأن الهدنة، وقف إطلاق النار في كافة الأراضي السورية بين المعارضة، ونظام بشار الأسد وحلفائه، بضمانة روسية تركية، باستثناء المناطق التي يسيطر عليها تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، وجبهة فتح الشام (النصرة سابقًا قبل أن تعلن انفصالها عن تنظيم القاعدة)، ووحدات حماية الشعب الكردية من وقف إطلاق النار.

واستهدفت الهدنة بدء مفاوضات سلام بين النظام، والمعارضة في أستانة عاصمة كازاخستان، إذ تضمن مشروع القرار الروسي التركي، تشكيل النظام السوري وفدًا تفاوضيًّا مع نهاية العام الماضي، وتشكيل المعارضة المسلحة وفدًا تفاوضيًّا مستقلًا بحلول 16 يناير (كانون الثاني) القادم، تمهيدًا لبدء مفاوضات الأستانة في 23 يناير (كانون الثاني) المقبل، وفقًا لقرارات الأمم المتحدة بشأن سوريا، بما فيها بيان جنيف1، للوصل لحل سياسي للأزمة السورية.

وحاز مشروع القرار الروسي التركي بشأن سوريا، على موافقة مجلس الأمن بإجماع الدول الأعضاء فيه، ورحبت روسيا وتركيا وأمريكا بوقف إطلاق النار، بالإضافة إلى المبعوث الأممي إلى سوريا ستيفان دي ميستورا، كما رحبت الأطراف التي شملتها الهدنة محليًّا بالاتفاق، بما فيها النظام السوري وحلفائه، والمعارضة المسلحة التي هددت بالانسحاب إذا استمر القصف الحكومي، فيما أكدت جبهة فتح الشام مواصلتها لقتال نظام الأسد معتبرةً أن الحل السياسي بناءً على هذه الهدنة «سيعيد إنتاج نظام مجرم».

ما لا يقل عن 100 خرق من النظام وحلفائه للهدنة

ومع الساعات والأيام الأولى من بدء الهدنة التي لم تكمل أسبوعها الأول، انهالت الاتهامات من المعارضة على النظام وحلفائه بانتهاك الهدنة وخرقها، وهي اتهامات حاول أن ينفيها النظام دون تبادلها رسميًّا مع المعارضة.

ووثقت الشبكة السورية لحقوق الإنسان في عدة تقارير لها، ما لا يقل عن 100 خرق للهدنة خلال أول أربعة أيام من بدئها، نفذها النظام السوري وحلفاؤه، وتباينت الخروقات بين عمليات قتالية، وعمليات اعتقال، في المناطق التي شملتهم الهدنة، بعيدًا عن المناطق الخاضعة لسيطرة «تنظيم الدولة»، ووقعت معظم الخروقات في مناطق حلب، وحمص، وإدلب، ودرعا، وحماة، وريف دمشق.

وأوصت الشبكة في تقريرها، روسيا بالضغط على النظام السوري وحلفائه الميدانيين من جماعات إيرانية وشيعية، للالتزام الجدي ببنود الاتفاق، حتى لا يكون «مصيره الفشل الحتمي»، لافتةً إلى أن خرق روسيا للاتفاق «ينسف مصداقية أي رعاية روسية مستقبلية» للاتفاق.

الهدن السورية: الهدنة الحالية تتفوق في الضحايا المدنيين

وفي سياق متصل، وثق المرصد السوري لحقوق الإنسان، الخسائر البشرية للمدنيين لأول أربعة أيام من الهدنة الحالية، وقارنها بأول أربعة أيام من هدنتين سابقتين شهدتها سوريا خلال العام الماضي، إحداها بدأت 27 فبراير (شباط) الماضي، والثانية بدأت في 12 سبتمبر (أيلول ) الماضي، وأظهرت المقارنة أن الخسائر البشرية لأول أربعة أيام من الهدنة الحالية، كانت أكبر من نفس الفترة في الهدنتين السابقتين.

ففي أول أربعة أيام في الهدنة الحالية قتل النظام السوري وحلفاؤه ثمانية مدنيين، بينهم طفلان، أما عن نفس الفترة من هدنة 12 سبتمبر (أيلول)، فقد قُتل فيها سبعة مدنيين، في حين بلغ عدد الضحايا المدنيين في هدنة 27 فبراير (شباط) 2016، مقتل مدنيين فقط.

وشهد اليوم الخامس للهدنة الحالية، الموافق الثالث من يناير (كانون الثاني)، استمرار خروقات النظام، ووقوع المزيد من الخسائر البشرية في صفوف المدنيين، بمقتل أربعة مدنيين بينهم سيدتان، إحداهما حامل، وإصابة عشرة مدنيين بينهم سيدتان وطفلان، وفقًا لتوثيق المرصد السوري لحقوق الإنسان، وبذلك يبلغ عدد الضحايا المدنيين خلال خمسة أيام منذ بدء الهدنة، 12 قتيلًا وعشرة مصابين، أكثريتهم في وادي بردي.

وفي هذا الصدد، أفادت الخارجية الأمريكية على لسان المتحدث باسمها أمس الثلاثاء، إن الهدنة السورية تأخذ طريق سابقاتها، وقال جون كيري المتحدث باسم الخارجية الأمريكية في مقابلة صحافية مع شبكة «سي إن إن» الأمريكية إن: «نظام الأسد وداعميه يستغلون ببساطة ما يسمى بوقف إطلاق النار هناك (في سوريا) للاستمرار بضرب المعارضة»، ولفت إلى أن المعارضة ستقول ما قالته سلفًا: «إن تواصلت عمليات استهدافنا، واستمر قصفنا فعليه، ومن الطبيعي أن وقف إطلاق النار بلا معنى، وسنمضي قدمًا، ونستمر بالقتال».

الجيش الحر و12 فصيلًا معارضًا يعلقون مشاركتهم في المفاوضات

يبدو أن مصير الهدنة السورية لم يبتعد كثيرًا عما تنبأت به الخارجية الأمريكية، إذ أعلن الجيش السوري الحر المعارض، أمس الثلاثاء، في بيان وقع عليه 12 فصيلًا معارضًا، تجميد مشاركته في مفاوضات الأستانة، أو المشاورات المتعلقة باتفاق وقف إطلاق النار حتى تنفيذه بالكامل، بسبب «استمرار الخروقات الكبيرة» التي نفذها النظام وحلفاؤه في الهدنة، بحسب البيان الذي أشار إلى استهداف النظام لعين الفجة التي يشرب منها ستة ملايين سوري في دمشق.

وأفاد البيان باستمرار تلك الخروقات بالرغم من تكرار الطلب للطرف الضامن للنظام السوري وحلفائه (أي روسيا) بوقف تلك الخروقات، وأكد البيان التزام المعارضة بالهدنة.

نسخة من بيان الجيش السوري الحر ( المصدر: المرصد السوري لحقوق الإنسان)

وأعلن الجيش الحر، في البيان الذي جاء تحت عنوان «خرق اتفاق وقف إطلاق النار يهدد بانهياره»، أن إحداث معسكر النظام أي تغييرات على الأرض، أو إخلاله ببند جوهري في الاتفاق، يجعله بحكم المنتهي ما لم تعاد الأمور فورًا إلى ما كانت عليه قبل توقيع الاتفاق، محملًا روسيا مسؤولية ذلك، متسائلين حول قدرة روسيا (الطرف الضامن) على إلزام حلفائها بأي التزامات مبنية على الاتفاق.

عرض التعليقات
تحميل المزيد