منح الهجوم الأخير على صحيفة “شارلي إيبدو” الفرنسية في السابع من الشهر الجاري، من قبل مجموعة مسلحة تابعة لتنظيم القاعدة الفرصة للإسرائيليين لرفع الصوت من جديد في أوروبا بعد سلسلة من الانكسارات المتتالية للسياسة الصهيونية في أوروبا، ولحسن حظ الصهاينة فقد جاء الحدث في فرنسا التي تحتضن إحدى أكبر الجاليات اليهودية، الأمر الذي شجع (إسرائيل) على مطالبة اليهود الفرنسيين بالهجرة إليها.
ليس ذلك فحسب، حيث وظفت إسرائيل ووسائل إعلامها أحداث فرنسا لتبرير جرائمها ضد الإنسانية، لاسيما ما جرى في الأشهر القليلة الماضية من شنها حرب ضروس على قطاع غزة، فضلا عن حشد الرأي العام العالمي ضد ما يسمى بـ«الجماعات الإرهابية».
فضلا عن تحريضهم على الإسلام، واعتبار المقاومة الفلسطينية، والتي أخذت الزخم الإعلامي من وراء الحادث؛ امتدادًا لما فعله المسلحون ضد الصحيفة، وتغطية في الوقت نفسه على جرائم إسرائيل المستمرة ضد الفلسطينيين.
إذن، هذه أبرز الملفات التي وظفها الساسة الإسرائيليون والعسكريون في استغلالهم حادث “شارلي إيبدو”، حيث تعاطفت معها الصحف الإسرائيلية بأبعاد كثيرة، وانعكاسات على مختلف المجالات الإسرائيلية مستقبلا.
1- الحرب على الإسلام «المتطرف»

رؤساء دول عربية وغربية خلال مشاركتهم في مسيرة ضد “الإرهاب”
لعل أهم اقتراح أدلى به رئيس الوزراء الإسرائيلي «بنيامين نتنياهو» كرد فعل على الهجوم هو دعوته للغرب بضرورة شن حرب لا هوادة فيها على ما أسماه بـ «الإسلام المتطرف» على اعتبار أنه «أخطر تهديد تواجهه الإنسانية في العصر الحالي».
ونقلت وسائل إعلام صهيونية عن «نتنياهو» اقتراحه أن يتم تشكيل تحالف إسرائيلي عربي غربي لمواجهة من أسماهم «الإسلاميين المتطرفين»، وفقًا لما ذكرته مصادر صحفية.
وذكرت صحيفة «هارتس» عن «نتنياهو» قوله للرئيس الفرنسي «فرانسوا هولاند»: «إن الهدف الرئيس للإسلام هو اجتثاث ثقافتنا الغربية التي تستند إلى الحرية»، وأنه بدون حرب صارمة لا هوادة فيها ضد الإسلام المتطرف، تتضافر فيها كل جهود أوروبا، فإن الجريمة الفظيعة التي ارتكبت مؤخرًا سوف تتكرر، بحسب قوله.
2- التضييق على المسلمين في أوروبا، وتقليص النفوذ الإسلامي في القارة العجوز
من جانبها دعت صحيفة «معاريف» الحكومات الأوروبية إلى سن قوانين تقلص من قدرة المسلمين والعرب على الهجرة إلى أوروبا، وتسهم في أحكام المراقبة على الجاليات الإسلامية هناك، بالتزامن مع توجه خبراء من جهازي «الموساد» و«الشاباك» العبريين لباريس لتقديم المساعدات الفنية للأجهزة الأمنية الفرنسية لمساعدتها في مواجهة موجة العمليات الأخيرة.
ووفقا للخبراء، يبدو أن إسرائيل قد بدأت تلتفت إلى تنامي نفوذ معادٍ لها في أوروبا بسبب ارتفاع أعداد الجاليات الإسلامية وتنامي نفوذها –رغم أن كثيرًا منها لايزال يعاني بقايا العنصرية وبخاصة منذ اندلاع القتال في سوريا-، الأمر الذي أثمر عن اعتراف عدد من البرلمانات الأوروبية بدولة فلسطين إضافة إلى اعتراف الحكومة السويدية بها لتصبح بذلك أول حكومة غربية تعترف بدولة فلسطين.
3- تعزيز الهجرة إلى إسرائيل

يهود فرنسا خلال مظاهر لهم ضد اللاسامية
أو ما يعرف بخطر الهجرة العكسية التي بلغت عشرات الآلاف منذ عام 2006 إلى الآن (أكثر من 800 مهاجر عكسي خلال عام 2014 وحده)، مما يشكل خطرًا ديموغرافيًا على الدولة العبرية في ظل ازدياد أعداد الفلسطينيين، وهو ما تصفه إسرائيل بالقنبلة الديموغرافية، وهذا هو السبب في تجرؤ إسرائيل على التصريح بأن دول أوروبا صارت غير آمنة، حيث يبدو أن دولة الاحتلال ترى مصلحتها في زيادة الهجمات المسلحة على أوروبا، من أجل استخدامها كفزاعة لتشجيع هجرة اليهود إلى إسرائيل.
4- زيادة الضغط على «حماس» وعكس مكاسبها
مؤخرًا اتخذ البرلمان الأوروبي قرارًا برفع حركة حماس من على قوائم الإرهاب الأوروبية، مؤكدًا أن إدراج الحركة على تلك القوائم قد شابته مخالفات منهجية وتجاوزات، بينما تسعى إسرائيل بشدة للربط بين اسم حركة حماس وبين مسلحي القاعدة وتنظيم الدولة الإسلامية من أجل التضييق عليها في أوروبا.
ويرى المختص في الشؤون الإسرائيلية «صالح النعامي» أن نتنياهو حاول بشكل واضح أن يربط بين أحداث فرنسا والمقاومة الفلسطينية، في مسعى لمراكمة شرعية له في الحرب التي يخوضها ضد الشعب الفلسطيني، زاعمًا أن الانتصار على المقاومة الفلسطينية سيفيد أوروبا ويضمن أمنها.
حتى أن الإسرائيليين أيدوه في ذلك، وذهبوا بالقول إلى أن ما حدث في باريس يدلل على أن إسرائيل كانت في الموقع الصحيح عندما شنت حربها الأخيرة على حركة حماس، في طمس واضح للفوارق المنهجية بين التيارات.
5- رد الضربة لدول أوروبا بعد تصويت بعضها على قانون منع الاحتلال
لم يكن مستبعدًا أن تسعى الصحف العبرية إلى توظيف الحادث الأخير كسلاح مشهر في وجه أوروبا ردًا على دعمها الفلسطينيين في مجلس الأمن والتصويت بشأن قرار إنهاء الاحتلال مؤخرًا (والذي تم رفضه لعدم استكمال النصاب، وبسبب الفيتو الأمريكي) الأمر الذي أثار حفيظة الإسرائيليين.
وفي المقابل سعت إسرائيل لترويج صورة مفادها أن «إرهاب الإسلام» لا يتعلق فقط بقضايا الحدود أو أمن إسرائيل، وإنما إبادة المجتمعات والدول واقتلاع الثقافة الإنسانية القائمة على الحرية وثقافة الاختيار، واستبدالها بالاستبداد المتزمت، كما نقلت المصادر الصحفية.
موضوع الهجرة إلى إسرائيل، كان الشاغل الأكبر لدى المسؤولين الإسرائيليين على خلفية الهجوم، بعد أن دعا نتنياهو اليهود الفرنسيين للهجرة إلى إسرائيل، فضلا عن وجود فريق إسرائيلي للاتفاق على إجراءات لتشجيع هجرة اليهود من فرنسا ودول أوروبية أخرى.
ولفتت صحيفة “الإندبندنت أون صندي” البريطانية نقلا عن “التقرير” أن كثيرًا من اليهود يفكرون بالمغادرة على إثر تفاقم موجة العداء للسامية لهم، حتى وصل الأمر إلى طلب السلطات البريطانية من الكنس إغلاق أبوابها، خشية من أحداث مشابهة.
هذه الخشية، رافقتها أحداث سابقة استهدفت أهدافًا يهودية في فرنسا، إثر الهجوم على مدرسة يهودية في “تولوز” عام 2012 ومقتل أربعة أشخاص، وغيرها من حالات السطو بحق اليهود المقيمين هناك.
ويشار إلى أن عشرات اليهود بدؤوا في التوافد على مكتب تشجيع الهجرة إلى إسرائيل، وسط نشاط الوكالة اليهودية التي تسعى إلى نقل آلاف اليهود من أوروبا لإسرائيل، حيث نقل موقع “التقرير” عن صحيفة “يديعوت أحرنوت” أن التوافد يأتي في ظل حملة إسرائيلية تسعى إلى جذب يهود من أوروبا إلى إسرائيل، ولرفع وتيرة الهجرة إليها.
وبناء على تقرير نشره موقع “الجزيرة نت” أنه خلال العام الماضي أصبحت فرنسا أكبر دول العالم في الهجرة إلى إسرائيل، إذ هاجر إليها سبعة آلاف يهودي؛ أي أكثر من مثلي عدد المهاجرين في 2013، كما قدرت الوكالة اليهودية أن العدد الإجمالي في 2015 سيبلغ عشرة آلاف، لكن المسؤولين يقولون الآن إن العدد قد يصل إلى 15 ألفا نتيجة الهجمات.
لكن، رغم ما يجري في فرنسا، وما جرى مؤخرًا للجالية اليهودية، فإن الأوساط الإسرائيلية تتمتع بنفوذ هائل، في مختلف ميادين الحياة الفرنسية، السياسية والاقتصادية والثقافية، ثمّ الإعلامية تحديدًا وبصفة خاصة.