* مدونة emergency
يعد كتاب حرب العصابات الذي ألفه المناضل الكوبي تشي جيفارا دليلًا عمليًا بشأن كيفية استخدام مجموعة صغيرة من المقاتلين لاستراتيجيات وتكتيكات محددة لمقاومة وهزيمة الدولة القمعية في حرب غير متكافئة. ويستند الكتاب على الدروس المستفادة من جانبه في الثورة المناهضة لحكم باتيستا التي اندلعت في كوبا في عام 1959. فهو يشرح الحالة السياسية للمسلحين، ويوضح خطوة بخطوة كيف يمكن توسيع نطاق التمرد من ناحية العدة والعتاد، والاستفادة من الظروف المحلية والإقليمية، والعلاقة مع السكان المتعاطفين، وتكتيكات الكمائن والتخفي والحرب النفسية. لا يقف جيفارا عند حد الوصف التفصيلي لهذه التكتيكات فحسب، ولكن أيضًا السلوك المثالي للمقاتل في سبيل شن حرب عصابات فعالة.
إن كتاب حرب العصابات لا يكاد يأتي على ذكر الشيوعية أو الاشتراكية، ولا يشير بأي حال من الأحوال إلى ماركس أو لينين. وفي خاتمته، يحذر جيفارا من “أنهم سوف يهاجموننا بوصفنا شيوعيين، لكنهم لن يقضوا علينا كما البلهاء” (ص108). على الرغم من أن الفكر الشيوعي لتشي مستلهم عن ثقافة وتاريخ شعبي، ففي كتابه يعرب جيفارا عن أسفه لأن “كلمة الشيوعية بدأت تحيط شخصيات القادة ومقاتلي حرب العصابات المنتصرين”. حيث تعطي هذه التسمية الولايات المتحدة سببًا لصعودها كقوة “لمكافحة الشيوعية” نيابة عن “جميع من شعروا بالاستياء من فقدان امتيازاتهم الظالمة” (ص100). بدلا من وصفها بثورة شيوعية، يصف جيفارا “حرب التحرير” الكوبية باعتبارها مناهضة صريحة للإمبريالية، حيث يقدم الكتاب مبادئ عامة لحرب العصابات لشعوب الأمريكتين (ص62).
يصف دليل جيفارا الثورة الكوبية باعتبارها “نصر مسلح للشعب الكوبي على ديكتاتورية باتيستا”، ويقدم الكتاب ثلاثة دروس: هي أن “القوى الشعبية يمكنها كسب معركة ضد الجيش” “وأن التمرد في حد ذاته يمكنه تهيئة الظروف لثورة، وأن الريف هو البيئة الأساسية للقتال في الأمريكتين (ص3). يعزي جيفارا الكثير من فضل اندلاع الثورة الكوبية إلى فيدل كاسترو. فقد صرح أنه شخص “مقاتل ورجل دولة” على حد سواء، “والذي بدونه لما انتصر الشعب” (ص63).
لا تتمتع حرب العصابات، بحكم التعريف، بميزة مبدئية تتعلق بالمشروعية السياسية والموارد وقوة السلاح. فهي تواجه “جيشًا محترفًا ومسلحًا تسليحًا جيدًا ومنضبطًا، وفي كثير من الحالات يحصل الدكتاتور على المساعدة الخارجية، فضلا عن مساعدة من الطبقة البيروقراطية” (ص5). لقد ترسخ العدو سياسيًا وعسكريًا، وهو يتمتع بعلاقات مع القوى المحلية والأجنبية. وهكذا فإن الهدف السياسي لمقاتلي حرب العصابات هو نزع الشرعية عن السلطة السياسية للحاكم الظالم، من خلال زيادة المعارضة الشعبية ونشر الدعاية والتخريب والعنف الذي يقوض احتكار الدولة للأمن والقوة. ومع استمرار التمرد في الاتساع، فإن توفير الخدمات الاجتماعية والبنية التحتية الاقتصادية الثورية وفرض قانون العدالة الثورية والنظام في الأراضي المحررة من شأنه أن يساعد على إضفاء الشرعية على النضال السياسي للمقاتلين”.
إن بعض المواقف والسلوكيات التكتيكية تحدد حياة رجل العصابات باعتباره مقاتلا محترفًا. فالهدف الأولي لحرب العصابات هو مجرد البقاء على قيد الحياة، وذلك بإدراك رجل العصابات لنقاط ضعفه في مواجهة الدولة من حيث قوة النيران وتحمل ظروف المعركة القاسية، (ص10). لهذا السبب، من المهم أن يكون لدى المتمردين تقييم واقعي ودقيق لقوة العدو قبل الدخول في المعركة. وكما ذكر جيفارا: “المبدأ الأساسي هو أنه لا يجري الدخول في معركة أو قتال أو مناوشة إلا بعد التأكد من إمكانية الانتصار فيها” (ص7). ومن أجل تجنب المواجهة مع قوات العدو لفترات طويلة، يجب على المقاتلين الانخراط في عمليات الكر والفر أو تكتيكات الكمائن، والتي غالبا ما يتم نصبها ليلاً، بحيث يهجمون “وكأنهم إعصار يدمر كل شيء” (ص33).
في المراحل الأولى من الحرب، يكون المورد الرئيسي للأسلحة والذخيرة للمقاتلين هو العدو نفسه، ولذلك فإن المخزونات المصادرة منه يجب حراستها بشدة. فبالنسبة للمقاتلين، كل رصاصة لها أهمية، وأن “التخلي عن السلاح (في ساحة المعركة) هو جريمة خطيرة” (ص25). عند موت أحد المقاتلين، يجب استرداد سلاحه وذخيرته من قبل رفاقه (ص14). إن الفارق بين القوتين من ناحية كثافة النيران أوضحته حكاية جيفارا عن مقاتل أطلق كمية مفرطة من الرصاص في ظروف اضطرارية على عدو متقدم. أما رفاقه الذين اعتادوا على تتبع مكان تواجد قوات العدو من خلال بقايا طلقاتهم النارية، فقد أصبحوا قلقين من أنهم باتوا في موقف دفاعي (ص14).
إلى جانب الاستخدام المقنن للذخيرة، فإن الوضع النسبي للمقاتلين بالنسبة للعدو ذي العتاد والعدة الأكبر، يحدد تكتيكاتهم بطرق أخرى. لا يجب أبدًا أن يسمح للعدو بالتيقن من نمط حركي أو قتالي للمتمردين؛ “فمن الضروري أن تختلف باستمرار الأماكن المستهدفة وأوقات الهجوم وطرقه” (ص22). والتنقل المستمر هو عنصر حاسم؛ فيتعين على رجل العصابات أن يغطي مسافة 50 كم، سيرًا على الأقدام، في الليلة الواحدة (ص22). ويتكون يومه العادي “من التسلق العالي” من أجل المراقبة، ونصب كمين للعدو، ونقل المراسلات أو المؤن، أو أداء أعمال أخرى (ص37).
إن مرونة التكتيكات أمر مهم أيضًا، حيث يتعين على المقاتل أن يكون قادرًا على “التكيف مع جميع الظروف” (ص14). قد يجد المتمردون أنفسهم يقاتلون في الأدغال والجبال والضواحي والمدن والمزارع أو المصانع. لذا فإن توفير الغذاء والمأوى والكساء الكافي هو جزء من الخطة، لكن لا يمكن ضمان الراحة والأمن على الإطلاق. إحدى نتائج التدريب هي القدرة على “العيش في الهواء الطلق” (ص88). وقد تتراوح تكتيكات القتال نصب الكمائن إلى تخريب المنشآت الصناعية.
يصف جيفارا رؤية رومانسية للمقاتل. إنه “كاهن حقيقي يتصف بالصلاح والزهد” (ص30) “وملاك مرشد وحامل لواء القضية ومصلح اجتماعي” (ص31)، ومنضبط ومتحفظ (ص28). قد تتطلب واجبات المقاتل الانخراط في أعمال إرهابية باعتبارها “تكتيكًا له قيمة” ضد المعارضين ذوي القيمة العالية (ص15)، ولكن يجب التأكد أيضا عند إصابة أحد جنود العدو من “منحه كامل الرعاية والاحترام” (ص33). إن التدريب على حرب العصابات “هو العيش نفسه مع فرقة حرب العصابات” (ص88). ربما يكون من الصعب على أي شخص تلبية توقعات جيفارا.
يعرض جيفارا شروطًا مسبقة لحملة حرب عصابات ناجحة ضد حكومة قمعية هي: “المساعدة الكاملة” من السكان (ص5) والتأقلم على بيئة القتال؛ والمعلومات الاستخبارية بشأن مواقع القوات المعادية وتحركاتها؛ والتمكن من “نقطة تنفيذ الهجمات” (ص17). وقد أقر بأن ثمة شروط معينة يجب الوفاء بها قبل اعتبار العمل الفدائي مشروعًا: “يجب أن يرى الناس بوضوح عدم جدوى الكفاح المدني من أجل الحفاظ على الأهداف الاجتماعية” (ص3). يشير جيفارا إلى أن الثورة الكوبية كانت نتيجة لاستنفاد السبل القانونية للمظالم السياسية. فأوضح أن عدم استجابة الحكومة مهد الطريق لثورة حرب العصابات.
يمثل كتاب جيفارا أهمية كونه لا يعكس تفاؤلاً عامًا في أعقاب الثورة الكوبية. ففي هذه الحالة نجحت المعادلة. إن فكرة حرب العصابات تبدو ساذجة في ضوء الإخفاقات والتنقيحات اللاحقة، ولكن لا تزال التوقعات العامة للمقاتلين المشاركين في الحرب غير المتكافئة قائمة. إن تكتيكات حفظ الذخيرة والتخريب وحتى الإرهاب ضد أهداف مختارة قد يكون لها معنى ضد عدو متفوق عسكريًا.
كيف سيكون رأي تشي جيفارا حول نهاية الحرب الباردة؟ في نهاية الكتاب، يقدم جيفارا صورة واضحة حول تراجع القوى الامبريالية والاستعمارية: “إن الاستعمار (في آسيا وأفريقيا وأمريكا الجنوبية) قد مات أو يتجهز لوفاة طبيعية” (ص105). قد تحاول الولايات المتحدة التدخل عسكريًا بشكل مباشر في كوبا، ولكنها ستواجه “بجيش من ستة ملايين كوبي” (ص109). إن جيفارا مقتنع بولاء شعب كوبا للثورة، ويتوقع أنه نتيجة لذلك، فإن شرارة مناهضة الاستعمار أو الإمبريالية سوف تنتقل إلى مكان آخر.