محبون للوطن بإخلاص شديد كما يبدو، دشّنوا هاشتاج باسم #الكيمتريل_يقتلنا. ظلّ الهاشتاج لأيامٍ محدودَ الانتشار على عدد من مستخدمي شبكة التواصل الاجتماعي فيسبوك، قبل أن يشهد أخيرًا رواجًا لفت الانتباه.

الفكرة الرئيسية للهاشتاج ببساطة أنّ هُناك غازًا ما يُسمّى الكيمتريل تستخدمه “قوى الشر” للسيطرة على المناخ بادئ ذي بدء، قبل أن تستخدم سيطرتها هذه في إحداث ظواهر طبيعية تتحكم فيها أيضًا، فضلًا عن نشر أمراض معينة مُعظمها مُرتبط بالعقل، وبعضها بالجهاز التنفسي.

وجاء تدشين الهاشتاج مُصاحبًا لموجة الأمطار التي شهدتها مصر الأسابيع الماضية مُؤدية لغرق العديد من المدن والمحافظات، كان أكثرها تأثرًا على الإطلاق محافظة الإسكندرية، التي أثار غرق شوارعها موجة استياء كبيرة إعلاميًا وجماهيريًا.

اقرأ أيضًا: عندما تآمرت شبكة الصرف الصحي على مصر

المتفاعلون عبر الهاشتاج يُفسرون أزمة غرق المحافظات بهذا الغاز، الذين يقولون إنّ جهاتٍ مجهولة (وأحيانًا يُشار إلى الولايات المتحدة الأمريكية) تقوم برشّه على ارتفاعات عالية ليشمل أكبر مساحة ممكنة من سماء البلاد، وأيضًا لكي يستحيل رصده. كما يتم رشه أحيانًا على ارتفاعات مُنخفضة عبر طائرات صغيرة يتم التحكم فيها عن بعد. وبحسبهم أيضًا فإنّ استخدام غاز الكيمترل يأتي في إطار ما يُعرف بحروب الأجيال المتعاقبة.

وفضلًا عن الهاشتاج، أُنشئت صفحات خاصة لكشف المُؤامرة المُحاكة حول سماء مصر، وللمناشدة بإنقاذ مصر. من بينها صفحة يُطالب القائمون عليها الرئيس المصري، عبدالفتاح السيسي، بمقابلتهم “فورًا لإنقاذ مصر قبل فوات الأوان”.

ويشترك المتفاعلون بجدية عبر الهاشتاج في عدة أمور، منها الإصرار على حسهم الوطني وإخلاصهم لبلادهم في مُقابل تخوينهم لمعظم الناس، بالإضافة إلى اشتراكهم في الاحتفاء بروسيا الاتحادية ورئيسها فلاديمير بوتين في مُقابل الهجوم اللاذع على الولايات المتحدة الأمريكية ورئيسها أوباما، فضلًا عن دول أوروبا وعملائها هنا وهناك.

صفحة “مصر في خطر” من بين الصفحات المتصدية لقضية غاز الكيمتريل. الصورة الرئيسية للصفحة عبارة عن كاريكاتير يُمجد بوتين في مقابل السخرية من أوباما


العلاقة بين الكيمتريل والمجلس الأعلى للعالم

بعد الحديث حول حروب الجيل الرابع وحروب الجيل الخامس، سلط الإعلام الضوء على ما أسماه بالحرب الكونية التي يقف خلفها “المجلس الأعلى للعالم” إلى جانب دولٍ مثل الولايات المتحدة فضلًا عن سياسيين ورجال أعمال. وبحسب الإعلامي المصري تامر أمين فإن “المجلس الأعلى للعالم” استطاع تطوير تكنولوجيا تُمكّنه من تدمير دولٍ دون دخول حروبٍ عسكرية معها. هذه التكنولوجيا قادرة على إحداث كوارث طبيعية كالزلازل والأعاصير والتسونامي. واستشهد تامر أمين بتصريحاتٍ لخبير عسكري يدعى “حُسام سويلم” حول قدرة هذه التكنولوجيا “السرية” على توجيه النيازك والأجسام الفضائية لضرب منطقة ما كبديلٍ عن الصواريخ.

بعض التقارير الصحافية التي تناولت حديث تامر أمين بالنقد وربما السخرية، فسّرت ترويجه لنظرية “المجلس الأعلى للعالم” بنسب مشاهدة برنامجه الضعيفة وبالتالي قلة الإعلانات عليه. لكن في المقابل هناك وجهة نظر أُخرى تذهب إلى أنّ تامر أمين يسير على ذات الدرب الذي مهد له الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بتصريحاته عن تعرض مصر لحروب الجيل الخامس التي تستهدف “هزّ إرادة المصريين وزعزعة الاستقرار”، على حد تعبيره.

وكحلقة في سلسلة هذه النظريات التي تستخدم لتفسير معظم الأشياء، بدأ الترويج لاستخدام غاز الكيمتريل في إطار التكنولوجيا التي تعتمدها “قوى الشر” أو في قول آخر المجلس الأعلى للعالم والولايات المتحدة الأمريكية. لكن في الحقيقة، الحديث عن غاز الكيمتريل ليس وليد اللحظة التي تمر بها مصر، إذ يُمثّل نظرية تُعبّر عن وجهة نظر قطاع لا يُستهان به من سُكّان العالم، قد شغلت، في فترات ماضية؛ الرأي العام في بعض البلدان. حتى في مصر نفسها، لم تكن هذه المرة الأولى التي يتم فيها الحديث عن الكيمتريل وأخطاره، إنما بدأ ذلك منذ سنوات خَلت.

هل هو سلاح سريّ أم نظرية مُؤامرة أُخرى؟

ويقصد بالكيمتريل السحب البيضاء التي تظهر في السماء على هيئة خطوط شبه مستقيمة أشبه بنفث الطائرات. وعلميًا لا وجود لشيء يُسمّى الكيمتريل، أي أن هذا الاسم ليس علميًا وإنما هو اختصار لعبارة Chemical trail أي الأثر الكيميائي، وهي عبارة مُتأثّرة بمصطلح condensation trail والتي تستخدم للإشارة إلى نفث الطائرة أو الغيمة التي يُخلفها عادم مُحركها، وهو التفسير الأكثر علمية في مُواجهة نظرية غاز الكيمتريل.

مثل هذه السحب الخطية هي التي يُشار إليها على أنها غاز الكيمتريل


على المستوى الرسمي أيضًا، تُنكر أغلب حكومات العالم أن يكون هناك وجود حقيقي لما يسمى بغاز الكيمتريل، بعد أن أُثيرت قضيته عدة مرات في دول مُختلفة، تأتي على رأسها الولايات المتحدة نفسها، التي يُروّج في مصر أنّها مَن تقود الحرب الكونية التي تستخدم – من بين ما تستخدم – ما يسمى بغاز الكيمتريل.

ومنذ منتصف التسعينيات والعديد من البلاغات تُقدم لجهات حكومية مُطالبة بتفسير واضح لظاهرة الغيوم الخطية، رغم كونها ظاهرة مُصاحبة لأي طائرة تعبر في السماء. ويُرجّح أن الأمر بدأ عندما قُدمت بلاغات تتهم القوات الجوية الأمريكية برش مواد كيميائية غامضة في الأجواء، الأمر الذي دفع وزارة الدفاع إلى الإعلان عن أن هذه الاتهامات “مُجرد سخرية”، وأنها قد أجرت تحقيقات عنها لتصل في النهاية إلى دحضها جُملةً وتفصيلًا.

لكن المثير للاهتمام في هذه الاتهامات أنها استندت على ورقة بحثية بعنوان “امتلاك الطقس 2025” أُجريت تحت إشراف القوات الجوية الأمريكية في نفس العام. وفي عام 2001 تقدمّ السيناتور الأمريكي دينيس كوسينيتش (وكان مُرشحًا مُنافسًا داخل الحزب الديمقراطي لخوض انتخابات الرئاسة عامي 2004 و2008) بمشروع قانون تحت اسم “المحافظة على الفضاء لعام 2001“، تضمّن ذكرًا لغاز الكيمتريل كجزء من “الأسلحة الغريبة” التي يقترح مشروع القانون استخدامها.

ورغم أنّ مشروع القانون قد قوبل بالرفض من قبل أغلبية أعضاء الكونجرس، إلا أنّه لم يُقابل بالرفض تمامًا من قبل الرأي العام الذي أثاره الأمر. فيما اعتبر المعتقدون في نظرية غاز الكيمتريل أن ورود اسم الغاز في مشروع القانون دليل على أنّه يتجاوز كونه مجرد نظرية مُؤامرة. وما عزز من موقفهم أن السيناتور الأمريكي برر ذكره لاسم الغاز في قانونه المقترح، بأن هناك برنامجًا كاملًا ترعاه وزارة الدفاع الأمريكية لتطوير هذه النوعية من الأسلحة. وفي عام 2003 عاد نفس السيناتور ليؤكد أنّ “الكيمتريل حقيقة”!

مع هذا لا يمكن ترجيح صحة المقولات المروجة للكيمتريل، فللآن يرفض المجتمع العلمي إلا أن يعتبر القضية محض نظرية مؤامرة لا يوجد ما يدلل على صحتها، أو على الأقل صحة ما يُتداول على أنّ الكيمتريل قادر على فعله، بعد أن ذهب البعض إلى الربط بينه وبين التجارب العلمية لاستمطار السماء باستخدام بعض المركبات الكيميائية في ظل ظروف مناخية خاصة.

وفضلًا عن العلماء، تُصر الحكومات والجهات الرسمية الدولية على رفض إثبات وجود الكيمتريل، فهذه لجنة الشؤون البيئية في البرلمان البريطاني أصدرت قرارًا يرفض الاعتراف بالكيمتريل كظاهرة علمية، مُؤكدة على أنه ليس إلا أثر عوادم الطائرات. واستند القرار على تقرير علمي نُشر عام 1999 ينفي أن يكون لعوادم الطائرات نفسها أي أثر على المناخ أو الغلاف الجوي حتى عام 2050، بخاصة وأنها آنذاك لم تُغطِّ سوى 0.1% من سطح الغلاف، على أن تزيد في 2050 إلى 0.5%.

تغطي عوادم الطائرات مساحة 0.1% فقط من الغلاف الجوي


لماذا يتآمر الجميع على مصر؟

يبدو أن الكثيرين في مصر يؤمنون حقا بأن هناك مؤامرة، لا تقودها فقط الدول الأجنبية أو حتى جماعة الإخوان ولكنها تمتد إلى صفحة شبكة طقس على فيسبوك!

خلال أمطار أكتوبر الماضي، شهدت مدينة دمياط تكوّنَ قُمعٍ مائي على سواحلها، ثُمّ تكرر الأمر في مدينة الإسكندرية قبل نحو أسبوع مع موجة الأمطار الثانية، ما أثار الرعب في قلوب المواطنين الذين اعتقدوا أنّه إعصار.

هذه الظاهرة دفعت بسيدة تُدعى نيللي الشافعي، تصف نفسها بأنّها خبيرة في مجال حروب الأجيال المتعاقبة، إلى تدشين هاشتاج #الكيمتريل_يقتلنا، بعد أن نشرت على موقع إلكتروني تديره تفسيرها للظاهرة بأنها افتعال من قبل “خلايا تتبع التنظيم الدولي للجماعة الإرهابية (جماعة الإخوان المسلمين)”، وأنّ هذه الخلايا قامت برش غاز الكيمتريل ثمّ سلطت عليه شحنات عالية من أجهزة كهرومغناطيسية، ما أدى لتشكل هذه الأقماع المائية، أو ما أسمتها هي بالأعاصير.

وردًا على الهاشتاج وعلى تفسيرات خبيرة حروب الأجيال المتعاقبة المزعومة، نشرت صفحة شبكة طقس، المختصة بتوقعات الطقس وعلوم المناخ؛ توضيحًا لحقيقة الأقماع المائية والفرق بينها وبين الأعاصير.

[c5ab_facebook_post c5_helper_title=”” c5_title=”” url=”https://www.facebook.com/egypt.weather.network/photos/a.283667968337283.59672.283559388348141/942109892493084/?type=3&permPage=1″ width=”” ]

بدورها أسرعت نيللي الشافعي بتوجيه التهم لصفحة شبكة طقس بأنّها “من تُسيّر مجموعات الإرهاب المُناخي” على حد تعبيرها. وهذه في حد ذاتها ظاهرة تستحق إلقاء الضوء عليها، فالشافعي ليست وحدها من تخوض هذه المعركة، فهناك الكثيرون في مصر ممن دأبوا إلى تفسير أي ظاهرة أو حادثة إلى مُؤامرة تُحاك على مصر، مستدلين على جُملة من المقولات أو التوقعات دون مصدر مرجعي غالبًا؛ حتى وإن نفت الجهات الرسمية المختصة وجود أي مُؤامرة، وهو ما حدث عندما نفت هيئة الأرصاد الجوية المصرية على لسان رئيسها أحمد عبد العال، ما أسماها “شائعة تحكم بعض الدول الكبرى في حالة المناخ وفي درجات الحرارة عن طريق استخدام التكنولوجيا المتطورة”.

 

عرض التعليقات
تحميل المزيد