واحدة من أكثر صور ضحايا النظام السوري تأثيرًا، صورة ستبقى عالقة في أذهان العالم كرمز لمعاناة سوريا، أطلق عليها السوريين لقب «أيقونة الثورة»، إنها صورة الطفل الحلبي ذي السنوات الأربع من العمر «عمران قديش». فبعد قصف الطائرات الروسية والسورية لحي القاطرجي في حلب في أغسطس (آب) عام 2016، التقط مصور «مركز حلب الإعلامي» صورة لطفل وجهه مغطى بالغبار والدموع والدم، جالسًا على كرسي إسعاف لا يبدى أيه ردة فعل بعد إخراجه من تحت الأنقاض.

هذه الصورة استغلتها قبل أيام شركة (زين) الكويتية للاتصالات: إذ بثت إعلان موجه ضد الإرهاب ظهر فيه عمران كضحية لـما سُمي «إرهاب» الجماعات المسلحة في سوريا، وبينما شن قطاع من المعارضين السوريين حملة لكشف ما اعتبروه تزييف الشركة لحقيقة حادثة الطفل التي ارتكبها النظام، تفاجأ هؤلاء في الساعات الأخيرة بخروج عدة تسجيلات مصورة لوالد الطفل «عمران» مع إعلاميي النظام يحول فيها تهمة إصابة ابنه إلى المعارضة السورية.

عائلة عمران في «حضن النظام»

قبل نحو السبعة شهور، تهامس مواطنون سوريون فيما بينهم، قالوا: «أبو عمران راح على حضن النظام»، حدث ذلك بالفعل عندما انتقلت عائلة الطفل «عمران» إلى مناطق النظام السوري في حلب، مع آلاف المدنيين الذين اختاروا هذه المناطق عقب سقوط الأحياء الشرقية للمدينة منتصف ديسمبر (كانون الأول) 2016، وتوقيع اتفاق إخلاء المعارضة السورية من حلب.

إلى لحد ما، عاش هؤلاء صدمة انضمام أسرة «عمران» إلى مناطق النظام بصمت، وحاولوا الحفاظ على صورة الطفل الذي أصيب في قصف قوات النظام وحلفائه لحي «القاطرجي» في أغسطس (آب) عام 2016، كصورة صادمة هزت العالم، وأجبرته على إدانة النظام السوري، لكن الصدمة الأكبر التي تلقاها السوريون كانت في الساعات الماضية؛ عندما تواصل خروج تسجيلات مصوّرة نشرها إعلاميو النظام السوري، ويظهر فيها والد «عمران» وهو يُمّجد قوات النظام، دون أن يشير إلى من يقف وراء الجريمة المرتكبة بحق أسرته، بقوله «صارت الضربة»، إذ لا يمكنه نفي قصف النظام لحلب الواقعة تحت سيطرة المعارضة حينها.

قال والد عمران: «كنا في المنزل ولم نسمع صوت طيران ولا أي شيء، وقد كان «عمران» جالسًا معي، فيما إخوانه كانوا في المطبخ، وقد أصيب، وهم لا يزالون يتاجرون بدمه»، وتحدث الرجل عن اضطراره لتغيير اسم «عمران» وقص شعره حتى لا يتعرف عليه أحد، مضيفًا: «الأمور معروفة، صوروا وأصبحوا يتاجرون بدمه (عمران) ويزيفون له صورًا، وأنا حلقت شعره (عمران) وغيرت اسمه؛ كي لا يكملوا تمثيليتهم، وبالرغم من ذلك زيفوا صورًا ليكملوا تمثيليتهم» مؤكدًا أنه قد تعرض للتهديد، مضيفًا: «قد ساعدني أهل المنطقة ومنعوا المسلحين من الاعتداء علينا، حتى أتى الجيش السوري وخرجنا من المنطقة»، ولم يتوان والد عمران عن اتهام جهات في المعارضة السورية، من أمثال الإعلامي «موسى العمر» بعرض الأموال عليه بغية المتاجرة بقضية طفله.

النظام يستكمل مسلسل إعلان «زين»

ما لبث أن يهدأ سخط السوريين الحانقين على النظام من إعلان شركة (زين) الكويتية للاتصالات، والذي تم فيه ربط ظهور الطفل عمران بالمشهد الانتحاري، وإلقاء تهمة إصابته عن كتف النظام السوري، حتى تتابعت تسجيلات مصوّرة، والتي أخرجها النظام ليدعم رواية شركة (زين).

وفي إطار الدعاية الممنهجة لتجميل صورة النظام السوري، جاءت سلسلة الفيديوهات الخاصة بالطفل «عمران»؛ إذ يحاول النظام استغلال التشكيك الذي تبع الإعلان الرمضاني لشركة (زين) منذ 27 مايو (أيار) الماضي لصالحه، ويؤكد الناشط الإعلامي السوري «خلف جمعة» أن غاية النظام السوري هي تأكيد الكذب – بحسب وصفه – الذي جاء في إعلان (زين) بأن ثمة اعتداء إرهابيًا من قبل مسلحي المعارضة تسبب في إصابة «عمران» واستشهاد شقيقه، ويقول لـ«ساسة بوست» : «التوقيت له علاقة بإعلان زين، إذ عجل النظام إلى تأكيد التهمة التي جاءت في الإعلان بأن إصابة «عمران» نتيجة هجوم شخص متطرف فجر نفسه، وخرج ليؤكد ويدعم كذب الإعلان بأن الإرهابيين هم سبب إصابة عمران واستشهاد شقيقه».

وبحسب «جمعة»، فإن والد «عمران» فرض عليه كلام معين؛ بهدف تأكيد كذب النظام بأن ما انتشر من صور حول عمران وعائلته تزييف وتضليل إعلامي من المعارضة السورية، وتابع القول: «عمران ضحية لقصف النظام وحلفائه، ووالده شاهد زور على نفسه».

في حوار سابق مع قناة SRF1 السويسرية، قال رئيس النظام السوري «بشار الأسد»: إن صورة «عمران» مزوّرة، ووعد الصحافي الذي أجرى اللقاء معه بـ«تزويده بعدة صور لعمران وشقيقته وهما يمثلان دورًا آخر كضحايا ضمن مقاطع مزورة تقوم بها منظومة الخوذ البيضاء».

من جانبه، يقول الصحافي «رزق العبي»: إن «عمران وأهله، ظهروا على وسائل إعلام القاتل مجبرين أو طوعًا، لا يهمّ، المهم أنّ النظام، عفّش اليوم موقفًا جديدًا، وعارًا جديدًا، لن تنساه أجيال من السوريين، يضاف إلى قائمة التعفيشات التي ارتكبها النظام ماديًا ومعنويًا بحقّ سوريا وأهلها»، مضيفًا في مقاله المعنون بـ«حينَ عفّش النظام عمران دقنيش»: «لا يجب أن نرفع التهمة عن شركة زين بعد هذا الحدث، فظهور عمران لا يرفع التهمة عن بشار الأسد وإيران وروسيا، الذين قتلوا آلاف الأطفال، على مدى سنوات».

«براءة» بشار الأسد من الجرائم التي وصم بها

أما وسائل الإعلام الموالية للنظام، فلم تتردد في مهاجمة الصورة، حتى أنها قالت إن الغبار على شعر عمران هو ماكياج، فلا يوجد «غبار أبيض ينتج عن قصف»، وذلك بالرغم من أن سكان مدينة حلب يستعملون الحجر الأبيض في أبنيتها.

يقول الصحافي السوري «فراس ديبة»، إنه في وقت سابق، قال رئيس النظام إن الصورة مفبركة وكاذبة، ويخرج الآن إعلام هذا النظام ليقول إن الصورة حقيقية، وقد تم استغلالها من قبل المعارضة، وتابع القول: «بسبب ضغط وتأثير حملة النشطاء السوريين على شركة (زين) اضطر إعلام النظام لتكذيب رئيسه، أري أن هذا الأمر يمكن البناء عليه كثيرًا واستثمار في حملة تكذيب إعلان زين، وتكذيب بشار الأسد شخصيًا من خلال الاستدلال بما تم عرضه على تلفزيون النظام».

ويشير «ديبة» إلى أن النظام استثمر الحملة التي أطلقها النشطاء السوريين ضد إعلان شركة زين، بعد أن أصبح هاشتاغ «زين تشوه الحقيقة» عالميًا وجاءت فيديوهات والد «عمران» ضمن محاولة النظام التصدي للضجة التي تمكن النشطاء من تحقيقها، وبدأت تأتي أكلها بحذف شركة زين مقطع الطفل «عمران» من الإعلان الترويجي، ويوضح «ديبة» خلال حديثه لـ«ساسة بوست» أن «لعب النظام في ورقة عمران، بالرغم من أن عائلته متواجدة في مناطق سيطرة النظام منذ سبعة أشهر، ليقول أن ادعاءات المعارضة هي ادعاءات كاذبة».

أما المحلل السياسي «جميل عمار»، فيرى أن النظام السوري الآن يشعر أنه منتصر، فدول الخليج مشغولة بنفسها، وتركيا كذلك، وعلى أرض المعركة هناك تقدم لصالحه في بعض المناطق، كما أنه يعتبر مناطق «خفض التوتر» هي المناطق التي تخرج عن سيطرة لكن بقية المناطق يملك فيها حرية الحركة، موضحًا لـ«ساسة بوست»: «في ظل ذلك يريد هذا النظام الظهور حاليًا كمن يخرج من معتقل، يبحث عن أن يكون مظهره جيدًا، يسعى لتبرئة نفسه، وتنظيف ثيابه من كل التهم التي كانت تلتصق به في الفترة السابقة، وهو يحاول التنصل منها بإظهار بشار الأسد والمقربين منه بمظهر البريء من الجرائم التي وصم بها».

«شماتة» إعلاميي النظام

في إطار الصراع بين إعلاميي النظام ومعارضيه، حملت إعلامية النظام السوري «كنانة علوش»، أو إعلامية «سيلفي الجثث» كما يطلق عليها قطاع كبير من السوريين، الطفل عمران، وبابتسامة عريضة أمام الكاميرا التقطت صورة سيلفي، معلنة عن لقاء مع عائلة الطفل سيبث قريبًا على التلفزيون الرسمي.

والد الطفل عمران في مقابلة مع إعلام النظام السوري (المصدر:الفيسبوك)

لم تكن كنانة الوحيدة؛ فالعديد من إعلامي النظام السوري، اجتهدوا في إجراء أكثر من مقابلة مصورة مع والد عمران؛ للخروج بشهادات عدة من الرجل تحقق هدفًا واحدًا، هو: تبرئة النظام من جريمة عمران، وبأن الطفل وعائلته يعيشون الآن في كنف القائد والجيش السوري.

فمراسل تلفزيون العالم الإيراني «حسين مرتضى»، أبرز إعلاميي النظام، نشر لقاءً سريعًا مع والد عمران، قال فيه الرجل إنه تعرض لضغوط من أجل اتهام النظام، وأنه: «يعيش في بيته الذي لم يتضرر ولم يصب بالقصف، وأن ما حصل لابنه كان تزويرًا إعلامية، وأن الإعلامي موسى العمر عرض عليه – عن طريق وسطاء – مبالغ مالية وصلت إلى 10 آلاف دولار».

المصادر

تحميل المزيد