لطالما اقترن الحديث عن الألم بكل المشاعر السلبية، فلا نذكره إلا ونحن نحاول التخلص منه، لكن صدق أو لا تصدق، فالألم هو أحد أسلحة الجسد البشري للبقاء على قيد الحياة، سواء بإبعاده عن خطر خارجي أو تنبيهه لحدوث خلل داخلي. وعندما يفقد الإنسان الشعور بالألم في أحد أعضاء جسده، يصبح هذا العضو أكثر عرضة للإصابات وتفاقمها إلى حد قد يودي بحياة الإنسان ككل. لكن الألم مثل أي شيء في حياتنا، إذا زاد عن حده فسينقلب إلى ضده، وإذا زادت شدته أو طالت مدته؛ سيتحول إلى أحد أكبر منغصات الحياة، والتي قد تدفع أصحابها إلى إنهاء حياتهم في بعض الأحيان!

يتعرض الإنسان إلى الألم منذ أولى لحظات حياته، وحتى مع مولد طفل سليم معافى، قد يأتي الألم مع جرعة «فيتامين هـ» الوقائية التي يتلقاها بالحقن أو تحليل الغدة الدرقية الذي يستلزم وخز كعب القدم، مرورًا بالأمصال واللقاحات الروتينية، ثم ظهور أسنانه واحدًا تلو الآخر، ثم استبدال أسنانه الدائمة بأسنانه اللبنية، وصولًا إلى تعثره بالدرج، ثم سقطاته من فوق الدراجة.

نستعرض في السطور التالية بعض أشهر أسباب الألم عند الأطفال، والتي قد لا تكون بالضرورة أسبابًا مرضية، وسنلقي الضوء على أفضل وأسهل طرق التعامل معها.

صحة

منذ 4 سنوات
مترجم: الولادة كانت مجرد دغدغة! ما سر هذه المرأة التي لا تشعر بالألم إطلاقًا؟

الألم يبدأ مُبكرًا.. في أثناء الولادة!

قد يبدأ الألم مع اللحظات الأولى في عمر الإنسان، فقد ذهبت بعض الدراسات إلى أن الولادة في حد ذاتها قد تكون أول تجربة مؤلمة يمر بها الطفل في حياته، بل إن الأجنة في بطون أمهاتها قد تشعر بالألم! لكن الثابت أن الأطفال تتعرض بالفعل لتجارب مؤلمة في أيامهم الأولى، الأمر الذي قد يُحدِث آثارًا طويلة المدى جسديًّا ونفسيًّا إذا تكرر لفترات طويلة. بالطبع لا يحدث إيلام الرضّع عن عمد، لكن بعض الإجراءات الطبية الضرورية قد تكون مؤلمة.

Embed from Getty Images

المؤسف في الأمر هو ألا يتعامل الطاقم الطبي مع آلام الرضع بالجدية الكافية، كما يفعل مع البالغين أو حتى المسنين، سواء كان التعامل بطرق دوائية أو غير دوائية. بل المفجع أن المجتمع الطبي حتى ثمانينيات القرن الماضي كان يعتبر مستقبلات الألم لدى حديثي الولادة غير متطورة بما يكفي للشعور بالألم، وبالتالي لم يهتموا بإعطائهم ما يكفي من مسكنات الألم حتى في أثناء الجراحات! حتى دُحضت هذه الفرضية بنجاح، فانصب الاهتمام على محاولات تخفيف آلام حديثي الولادة بالطرق غير الدوائية، والتي أثبتت فاعليتها بشكل كبير.

الجانب المشرق في الأمر هو أن معظم هذه الطرق يمكن تقديمها للرضيع عن طريق أسرته ولا تحتاج إلى تدخل طبي، وبالتالي يمكن تنفيذها مع الأطفال في منازلهم لتخفيف آلام المغص أو ما بعد التطعيمات، وعند تطبيقها مع الأطفال في المستشفيات لن تثقل الطاقم الطبي بمهام جديدة. ويأتي على رأس هذه الطرق: الرضاعة الطبيعية، ووضعية الجلد للجلد (Skin to skin)، والقماط (Swaddling) وغيرها الكثير.

كيف نتعامل مع آلام الرضع؟

هناك بعض الطرق التي يمكن اللجوء لها بعد التأكد من أن رضيعك لا يبكي من جوع أو مرض، وبعد استبعاد أسباب الضيق المعتادة مثل الحفاض المتسخ، أو الملابس الضيقة، أو الأجواء الحارة والباردة، أو الضوضاء والأضواء الساطعة، ومن هذه الطرق:

1. «أنْ أرْضِعيه».. للرضاعة الطبيعية فعل السحر

الرضاعة الطبيعية في حد ذاتها تقلل من إحساس الطفل بالألم. وعندما يتعرض طفلك لتجربة مؤلمة – مثل التطعيم بالحقن مثلًا- ربما تلاحظين استمراره في مص ثديك الفارغ حتى بعد انتهاء وجبته، لمجرد التخلص من الإحساس بالألم فيما يعرف باسم «non-nutritive suckling»، قد يزعج هذا الأمر بعض الأمهات ظنًّا منهن أنه يزيد من اعتماد الطفل عليها في كل شيء، لكن الحقيقة أن إرضاع الطفل لمجرد راحته هو أمر يحقق في النهاية راحة للجميع.

2. القماط.. أنت ما تزال آمنًا في الرحم يا صغير!

يمكن تقليل آلام الرضع ببعض طرق محاكاة بيئة الرحم الهادئة الدافئة، على رأس هذه الطرق هو ما علمتنا إياه جداتنا وثبتت فاعليته علميًّا، وهو القماط أو «Swaddling» . فقد وُجِد أن العلامات الحيوية المصاحبة للألم تقل بشكل ملحوظ عندما يشعر الطفل بالإحاطة الكاملة التي تحتوي حركة أطرافه كما يحدث في القماط. ينصح باستخدام القماط لفترات قصيرة متقطعة في الأسابيع الست الأولى من عمر الطفل، ويجب التوقف عن استخدامه بمجرد أن يتمكن الطفل من التقلّب على جانبه حتى لا نؤثر على أمنه ولا على نموه الحركي.

3. الحضن الدافئ.. الجنة في أحضان الأمهات

ليس مصطلحًا مجازيًّا، بل مجرد وضع طفلك في أحضانك يقلل من شعوره بالألم بالفعل، خاصة كلما تلامس جلدك مع جلده لفترات طويلة. فمجرد وجوده بين ذراعيك وتعرفه إلى رائحتك يرفع من تركيز مادة الكوليسيستوكاينين في جسمه، والتي تقلل من شعوره بالتوتر والألم. ربما الجنة في أحضان الأمهات بالفعل.

Embed from Getty Images

4. التدليك.. طفلك الصغير يحب «المساج»!

مرة أخرى مع وصايا الجدات الصائبة، فبعض الضغطات الرقيقة على عضلات وأطراف طفلك قد تقلل من إحساسه بالألم وتزيد من شعوره بالاسترخاء، وتشغل حواسه ومستقبلاته العصبية بإحساس الضغط واللمس المحبب بدلًا من الألم، فاستغلي الأيام التي ما يزال حجم رضيعك فيها صغيرًا بما يكفي لتدلكي جسده كله في خمس دقائق أو أقل.

5. آلام المغص والغازات.. فلنبدأ التمارين!

المغص ضيف ثقيل يلازم طفلك بضعة أسابيع من عمره ويجب التعامل معه حتى تمر مرحلته بسلام. أنجح طرق التعامل مع مغص الرضع هو التأكد من عدم بلع دفقات من الهواء في أثناء الرضاعة، وذلك بإحكام وضعية شفتيه حول ثدي الأم بحيث لا تصدر أصوات مص أو طقطقة، فقط أصوات التنفس والبلع هي علامة الالتقام الجيد. ثم مساعدة الطفل على التجشؤ أثناء الرضعة وبعدها بحمله في وضعية رأسية.

إذا لم تنجح هذه الخطوات في الوقاية من المغص، نتجه إلى تدليك البطن في حركات دائرية من يمين الطفل إلى يساره، وتحريك فخذيه في وضعية قيادة الدراجة لتضغط على بطنه وتساعده على إخراج الغازات والانتفاخات من أمعائه. كما يمكن حمل الطفل وهدهدته برفق في وضعيات تضغط برفق على بطنه، كالطريقة الموضحة في الصورة مثلًا.

6. التسنين وآلامه.. فرك لثة طفلك بالماء البارد

بضعة أشهر تمر من عمر طفلك لتبدأ معها أعراض التسنين، والتي قد تبدأ من الشهر الرابع. يمكنك تقليل الإحساس المزعج لخروج السن بتدليلكها بإصبعك النظيف بعد غمسه في ماء بارد خاصة قبل الرضاعة، حتى إن بعض الأمهات لجأت إلى تجميد حليبها نفسه كما لو كان مثلجات تقدمها لصغيرها لتساعده على تخطي صعوبات التسنين، دون الحاجة لاستخدام أطعمة خارجية، وبعد شهره السادس يمكن أن نلجأ إلى تجميد بعض أكلاته المفضلة، مثل الموز، أو الخيار، أو الخبز، ومساعدته في مضغها لتريح لثته المتألمة. وبشكل عام لا ينصح باستخدام أدوية أو لهايات وقلادات التسنين، لما قد تحدثه من آثار جانبية، أو خطر التعرض للاختناق.

7. آلام النمو.. الدفء هو الحل!

«مبروك رجلك بتطول»

الجدات من جديد. تلك الجملة التي سمعناها كثيرًا من جداتنا ربما لا تجانب الصواب، فقد يتألم طفلك أحيانًا بسبب نمو عظامه الطويلة. آلام النمو هي أوجاع متقطعة عادة ما تحدث في الساقين، أو الفخذين، أو الركبتين، عادة ما تحدث ليلًا وقد توقظ طفلك من نومه. يتحسن الألم عادة بالتدليك أو تدفئة الطرف المؤلم.

لكن.. كيف أعرف أن صغيري يتألم؟

قد يبدو السؤال عجيبًا للوهلة الأولى، لكن الحقيقة أن البكاء لا يعني بالضرورة الشعور بالألم، فالرضع يستعملون البكاء للتعبير عن احتياجاتهم المختلفة. كما أن الألم لا يُعبّر عنه فقط بالبكاء خاصة في الأطفال الأكبر. هناك علامات تخبرك أن طفلك يتألم حتى لو كان صامتًا.

  1. أن يُفضّل ساقًا على أخرى في المشي، أو ذراعًا على أخرى في الحركة.
  2. يئن ويتأوه ويهلث أو يعبس، أو يتعرق، ويتنفس بصعوبة.
  3. تغير في نشاطه اليومي ونمط نومه وشهيته.
  4. تغير في نمط بكائه واستمراره لفترات أطول، وبنبرات حادة، خاصة في الرُّضّع.
  5. عندما يخبرك طفلك أنه يشعر بصداع، أو أن بطنه تؤلمه، فهو يعني شيئًا ما بالفعل، حتى لو كان تعبيره هذا انعكاسًا لشعور نفسي؛ فيجب أن تؤخذ شكواه على محمل الجد، خاصة لو تكررت.

متى نراجع الطبيب؟

هناك دائمًا الإخوة الأشرار، كلما قابلت أحدهم عليك فورًا إبلاغ الطبيب، ناهيك عن إذا قابلتهم مجتمعين، وهم:

  • حرارة مرتفعة لمدة تزيد عن 48 ساعة، أو لا تستجيب لإجراءات خفض الحرارة المعتادة، أو صاحبها تشنج.
  • نزف دموي من أي مكان بالجسم.
  • ألم مستمر لا يختفي ويؤثر في ما يفعله الطفل في يومه.
  • خمول شديد وعدم القدرة على ممارسة الأنشطة اليومية العادية.

في النهاية علينا ألا نغفل الأثر النفسي للألم الجسدي في الطفل، ففي الأطفال الصغار قد يكون أكثر ما يزعجهم هو عدم قدرتهم على التعبير عن آلامهم والإشارة إلى موضع الألم وطلب المساعدة، لو تخيلنا أنفسنا في موضعهم لشعرنا بالإحباط. وكذلك الأطفال الكبار الذين قد يعيقهم الألم عن الاستمرار في اللعب، أو عن التركيز في دروسهم. فلا تنسَي أثناء تطبيق الطرق السابقة أن تهتمي بدفع الأثر السلبي للألم في نفسية طفلك.

صحة

منذ 4 سنوات
«الجارديان»: هل يصاب الأطفال بالأرق وماذا تفعل إذا كان طفلك يعاني منه؟

المصادر

تحميل المزيد