استهلّ الرئيس الصيني شي جين بينج الأسبوع الماضي أولى جولاته الخارجية بعد فوزه في الانتخابات الرئاسية لولاية جديدة شهر مارس (أذار) الماضي بزيارة الإمارات العربية المتحدة، حيث وقع الرئيس الصيني على العديد من المعاهدات التجارية بين البلدين.
يأتي ذلك في الوقت الذي تستعر فيه «الحرب التجارية» بين الصين والولايات المتحدة، وفي الوقت الذي تكثف فيه الصين مشروعاتها في منطقة الشرق الأوسط، في الأسطر التالية نضعك في ضوء أبرز الاستثمارت الاقتصادية والمشاريع الضخمة التي استحوذت عليها الصين في المنطقة العربية في السنوات الأخيرة.
في الإمارات.. الصين تنجز أضخم مشروع للطاقة الشمسية في العالم
في أوّل زيارةٍ لرئيسٍ صينيّ للإمارات العربية المتحدة منذ 29 سنة، وقع شي جين بينج الأسبوع الماضي على 13 اتفاقية تعاون بين البلدين، في مجالات الطاقة والتجارة الإلكترونية، والزراعة والثروة الحيوانية والسمكية، إضافةً إلى اتفاق للتعاون في إطار الحزام الاقتصادي لطريق الحرير، ومبادرة طريق الحرير البحري للقرن الواحد والعشرين.
وقبيل تلك الزيارة؛ وقّعت «موانئ دبي العالمية» ومجموعة «تشجيانج تشاينا كوموديتيز سيتي جروب» الصينية اتفاقًا لإقامة أضخم سوق للتجارة الحرّة على مساحة ثلاثة كيلومترات مربعة في المنطقة الحرّة لجبل علي في دبي، وهي أكبر منطقة تجارة حرّة في الشرق الأوسط.
وكانت الصين قد استحوذت على أكبر مشروع في العالم للطاقة الشمسية المركزة بالإمارات العربية المتحدة، بالشراكة مع السعودية، إذ وقّعت كلٌّ من الشركة الصينية «شنجهاي إلكتريك» الصينية؛ المقاول الرئيسي للمشروع، وشركة «أكوا باور» السعودية على عقدٍ مع «هيئة كهرباء ومياه دبي» لإنجاز «مجمع محمد بن راشد آل مكتوم للطاقة الشمسية» أكبر مشروعٍ للطاقة الشمسية في العالم.
ويعد «مجمع محمد بن راشد آل مكتوم للطاقة الشمسية» أكبر مشروع استراتيجي لتوليد الطاقة المتجددة في موقع واحد في العالم وفقًا لنظام المنتج المستقل، إذ سيتم توليد ألف ميجاوات بحلول عام 2020، و5 آلاف ميجاوات بحلول عام 2030. وبدأت المرحلة الأولى من المشروع بقدرة 13 ميجاوات في 2013، باستخدام تقنية الألواح الكهروضوئية.
وتم افتتاح المرحلة الثانية لإنتاج 200 ميجاوات من الكهرباء بتقنية الألواح الكهرضوئية في مارس 2017، على أن يتم تشغيل المرحلة الثالثة بقدرة 800 ميجاوات وبتقنية الألواح الكهروضوئية في عام 2020. وسيتم تشغيل المرحلة الرابعة من المشروع بتقنية الطاقة الشمسية المركزة وبقدرة 700 ميجاوات بدءًا من الربع الأخير من عام 2020.
كما نفذت الشركات الصينية العاملة بالإمارات مشروعات بنى تحتية بقيمة 3 مليارات درهم إماراتي سنة 2018، بلغ فيها عدد العمالة الصينية 10 آلاف عامل صيني، وتضمّنت أبرز المشاريع التي نفذتها شركات صينية مشروع جسر البديع في الشارقة، ومستشفى الأمل للأمراض النفسية بدبي، وإنشاء وإنجاز الإدارة العامة لشرطة الشارقة، ومشروع امتداد الطريق العابر من طريق فلج المعلا شارع الإمارات في أم القيوين.
وتأتي هذه المشاريع الصينية في الإمارات لترفع حجم التبادل بين البلدين في عام 2017 إلى نحو 53.3 مليار دولار، علمًا بأن الصادرات الصينية تشكل نسبة 90% منها، وفقًا لإحصاءات أبوظبي.
مصفاة بسعة 400 ألف برميل.. بشراكة صينية-سعودية
من الإمارات إلى جارتها السعودية، يستمرّ المارد الصيني في توسيع شراكاته مع الجميع في الشرق الأوسط. هذه المرّة المستهدف الصيني كانت شركة «أرامكو» السعودية، إذ وقعّ سنة 2012، عملاق صناعة التكرير في الصين والأكبر في كل آسيا شركة «تشاينا بتروكيميكال كوربوريشن» (سينوبك) على شراكةٍ مع العملاق السعودي «أرامكو» لإنشاء مصفاة تحويل متكاملة تعالج الزيت العربي الثقيل.
وتبلغ حصة ملكية «أرامكو» السعودية في هذه المصفاة العملاقة 62.5%، و37.5% لشركة «سينوبك». ليطلق على المصفاة اسم «ياسرف» -الاسم المختصر لشركة «ينبع أرامكو سينوبك للتكرير المحدودة»- وتمّ تدشين المصفاة من طرف كلٍ من العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز، والرئيس الصيني شي جين بينج خلال الزيارة التي قام بها الأخير إلى المملكة في يناير (كانون الثاني) عام 2016.

الملك سلمان رفقة الرئيس الصيني في افتتاح مصفاة ياسرف
وتعد مصفاة «ياسرف» واحدة من أكبر المصافي إنتاجًا في العالم، إذ تتجاوز طاقتها الإنتاجية 13.5 مليون جالون يوميًا من أنواع وقود النقل فائق النظافة، كما تبلغ الطاقة التكريرية لهذه المصفاة 400 ألف برميل يوميًا من الزيت الثقيل.
وكانت الهيئة العامة للاستثمار قد منحت العام الماضي تراخيص استثمار لأربع شركات صينية، ويتعلّق الأمر بكل من «شركة ريزيل كاتاليستس»، وشركة «عبر آسيا السعودية»، وفرع شركة «سولو التكنولوجيا»، إضافةً إلى فرع شركة «جيانجسو نانتونج سانجيان»، لتتصدر الصين المرتبة الأولى من بين الدول المرخص لها بالاستثمار في السعودية، كما أطلق البلدان العام الماضي مشاريع بقيمة 225 مليار ريال سعودي تشمل البنى التحتية وقطاع المعلومات، وتهدف أن تكون السعودية محطّة رئيسة في مبادرة الحزام الصينية، وفق رؤية السعودية 2030.
العاصمة الإدارية المصرية الجديدة.. صُنعت بأيادٍ صينيّة
لم تسلم مصر هي الأخرى من الزحف المتواصل للاستثمارات الصينية، إذ وقّعت وزارة الكهرباء والطاقة المتجددة المصرية، مطلع سبتمبر (أيلول) من العام الماضي، اتفاقًا استثماريًا مع الصين ممثلًا بالشركة الصينية القومية لنقل الكهرباء «ستيت جريد» لتنفيذ المرحلة الثانية من مشروع زيادة قدرة الشبكة القومية للكهرباء في مصر.
وكانت المرحلة الأولى شهدت اتفاقًا بين البلدين لتنفيذ مشروع إنشاء خطوط شبكات كهرباء جديدة بقوة 500 كيلو فولت وعلى مسافة 1210 كيلو متر، وبتكلفة تبلغ 1.8 مليار دولار.
وفي هذا السياق أوضحت وزيرة الاستثمار المصرية سحر نصر أن «المشروع يأتي في إطار الشراكة الاستثمارية بين مصر والصين، لاستكمال جهود التعاون المميز بين وزارة الكهرباء والشركات الصينية ذات الخبرة والتكنولوجيا المتقدمة، في مجالات نقل الكهرباء وتوزيعها في مشاريع الطاقة بقيمة مليار دولار، وستوضع خطة العمل لتنفيذ العديد من المشاريع بين الجانبين من خلال شراكة استثمارية في قطاع الكهرباء».
وتعدّ المنطقة الصناعية الصينية «تيدا» بمنطقة خليج السويس، أحد أهمّ المشاريع الصينية في مصر التي تهدف إلى استثمار 8 مليارات دولار، إضافة إلى توفير 20 ألف فرصة عمل، كما استحوذت الصين على عدة منجزات خاصة في العاصمة الإدارية الجديدة بالقاهرة، إذ تعكف الشركات الصينية على إنجاز بعض الإنشاءات في العاصمة الإدارية الجديدة بمصر في مساحة تبلغ 700 كيلومتر مربع. ويشمل المشروع إنجاز أعلى برجٍ في أفريقيا، و12 مبنى تجاريًا وخمس وحدات سكنية شاهقة، وفندقين كبيرين بقيمة عقد بلغ 3 مليارات دولار.
وكانت الجمارك الصينية قد أعلنت في مايو (أيار) الماضي أن حجم التبادل التجاري بين الصين ومصر ارتفع بنسبة نحو 26% خلال الربع الأول من العام الجاري، ليصل إلى ما يقارب 3 مليار دولار مقارنة بنفس الفترة من العام الماضي.
المسجد الأعظم والطريق السيّار.. بصمة الصينيين بالجزائر
في الجزائر، تستحوذ الصين على أعظم المشاريع التي تنجزها البلاد، بدايةً بالمسجد الأعظم -ثالث أكبر مسجد في العالم- الذي تنافس على الفوز بصفقة إنجازه 24 شركة عالمية، إلّا أن المشروع في النهاية كان من نصيب شركة «هندسة البناء الصينية»، التي استحوذت على المشروع بقيمة 1.5 مليار دولار.
وكانت الشركة المكلفة بإنجاز المشروع قد أعلنت عن الانتهاء من إنجاز مأذنة المسجد التي تعدّ أعلى مأذنة في العالم، إذ يصل علوها إلى 265 مترًا، وتواصل إنجاز المسجد للعام السادس على التوالي، إذ شرعت في بداية الأشغال سنة 2012 على أن تنتهي الأشغال به سنة 2019، ويتضمّن المشروع إنجاز قاعة للصلاة تسَع لـ120 ألف مصلٍ، كما يضم ساحةً خارجية ومكتبة ومركزًا ثقافيًّا وآخر لتدريس القرآن، إضافةً إلى فضاءات للتجارة ومطاعم وحدائق.

كما تشرع حاليًا الصين في إنجاز الطريق السيّار (شمال-جنوب) على مسافة 550 كلم، وهي في طريقها إلى الانتهاء من مشروع الطريق السيار (شرق-غرب) الذي يمتد لمسافة 1200 كيلومتر بمتوسط تكلفة فاقت 19 مليار دولار.
وكانت الحكومة الجزائرية قد منحت الشركات الصينية إنجاز مشروع أكبر ميناء في البلاد بقيمة 3 مليارات دولار، ويتعلق الأمر بميناء شرشال الذي سيُموَل في إطار قرض صيني على المدى الطويل، على أن يتم إنجازه في غضون سبع سنوات ويرتقب أن يدخل الخدمة تدريجيًا في غضون أربع سنوات، مع دخول شركة صينية «موانئ شنجهاي» التي ستضمن استغلال الميناء حسب تصريحات مسؤولي وزارة القطاع.
جديرٌ بالذكر أنّ الصين اختارت مؤخرًا الجزائر للانضمام إلى طريق الحرير، بعد أن كانت مشاركة البلد في المشروع طي المفاوضات لأشهر، خصوصًا بعد طلب المغرب هو الآخر أن يكون شريكًا في المشروع.
مدينة صناعية بإنجاز صيني في المغرب
وفي المغرب تمتلك الصين عدة مشاريع واستثمارات بحجم مليارات الدولار، أبرزها مشروع إنجاز مدينة صناعية صينية بمدينة طنجة المغربية، وفقًا لاتفاقية وقعت بين مجموعة «هيتي» الصينية والحكومة المغربية لإنجاز المدينة التي ستعدّ أكبر مدينة صناعية في أفريقيا، إذ ستحتضن نحو 200 شركة صينية، ويساهم المشروع في توفير 100 ألف وظيفة جديدة.

كما تعكف المجموعة الصينية «تشانج دونج شانج جانج» الرائدة في صناعة الصلب على إنجاز مشروعٍ بطنجة لتصنيع هياكل وخطوط الأنابيب من الصلب بالمنطقة الحرة في طنجة، بقيمة 1.7 مليار درهم مغربي، وإجمالي إنتاج يفوق 250 ألف طن من أنابيب الصلب.
الكويت.. الصينيون يبنون «مدينة الحرير»
في السابع من يوليو (تموز) الحالي، قام أمير الكويت صباح الأحمد الجابر الصباح بزيارة تاريخية إلى الصين، وأعرب من خلالها عن رغبته في أن «يكون الجانب الصيني شريكًا استراتيجيًا، ومستثمرًا أساسيًا في تطوير البنية التحتية لمدينة الحرير، وإنشاء مناطق صناعية وتكنولوجية متقدمة في منطقة شمال الكويت».
وتعدّ «مدينة الحرير» أحد أضخم المشاريع الكبرى في منطقة الخليج، ويدخل المشروع تحت رؤية الكويت لسنة 2035، وتصل قيمة إنجازه إلى حدود 100 مليار دولار، على أن تتسع المدينة لـ700 ألف مقيم، متضمنةً إنشاء برجٍ بطول كيلومتر إضافةً إلى مرافق أخرى، كما يضمّ المشروع الذي يعتبر أضخم واجهة بحرية في العالم إنجاز رابع أطول جسر بالعالم، والذي سيربط مدينة الحرير والعاصمة الكويت.
جديرٌ بالذكر أنّه يوجد حاليًا في الكويت أكثر من 40 شركة، ومؤسسة صينية تشرف على ما يقرب من 80 مشروعًا في مجالات النفط والبنية التحتية والاتصالات والمال وغيرها.
وكان السفير الصيني لدى الكويت، وانج دي، قد صرّح بأنّ «حجم التبادل التجاري بين البلدين بلغ 12 مليار دولار في 2017، و4 مليارات دولار في الربع الأول من العام الجاري»، وأضاف وانج، إن «إجمالي عقود المقاولات المتراكمة التي حصلت عليها الشركات الصينية في الكويت بلغ 20 مليار دولار، منها 3.6 مليار دولار في السنة الماضية».