أعلنت الصين حظرًا على جميع الأنشطة التجارية، وأنشطة المعالجة الخاصة بمنتج العاج، بحلول نهاية عام 2017، وأشادت جماعات الحفاظ على البيئة بهذا القرار الذي وصفته بأنه «تاريخي»، ويعني أن قواعد اللعبة قد تغيرت بالنسبة لمستقبل الفيلة.
ورحبت إحدى الجماعات المعنية بالحفاظ على الفيلة بهذا الخبر، قائلة: «إنه إعلان تاريخي، يشير إلى نهاية سوق العاج القانوني الرئيسي في العالم؛ مما يمثل دفعة قوية للجهود الدولية لمعالجة أزمة الصيد غير المشروع للأفيال في أفريقيا».
وتأتي هذه الخطوة في أعقاب قرار اتخذ في مؤتمر التجارة الدولية للأنواع المهددة بالانقراض (سايتس) في جنوب أفريقيا، والذي عقد في شهر أكتوبر (تشرين الأول) 2016.
الصين والعاج
وأعلن مجلس الدولة الصيني تفاصيل الحظر يوم 30 ديسمبر (كانون الأول) 2016. وأوضح أن عمليات التجهيز التجاري، وبيع العاج سوف تتوقف قبل يوم 31 مارس (آذار) 2017، وستجري بعد ذلك –تدريجيًّا- عملية سحب للرخص من التجار المرخص لهم سابقًا التجارة في العاج، ليتوقف هذا السوق بالكامل عن العمل بنهاية عام 2017.
الصين لديها أكبر سوق للعاج في العالم، إذ تشير بعض التقديرات إلى أن أكثر من 70% من تجارة العالم للعاج تنتهي في الصين، التي يمكن أن يصل فيها سعر الكيلوجرام الواحد من العاج إلى 1100 دولار أمريكي، وهناك عدد لا يحصى من ورش العاج وصالات العرض، أغلبها قانوني.
في السنوات العشرة الماضية، ذبحت عشرات الآلاف من الفيلة في جميع أنحاء أفريقيا لتغذية نهم الصين للعاج. اختفت قطعان بأكملها من الفيلة بين الجابون إلى تنزانيا. حتى الفيلة الصغار قُتلت من أجل استئصال الأنياب الصغيرة من العاج الخاصة بها. هذا الأمر جعل العلماء يقولون إن الحفاظ على الفيلة من الانقراض في أفريقيا سيكون في أيدي الصين.
يقول الخبراء إن هذا القرار لا يشترط أنه سيحمي الفيلة، فكل هذا يتوقف على السعر، وإذا أغلقت الصين بالفعل أبواب تجارتها القانونية للعاج، فعليها أن تفعل الكثير من أجل مكافحة الاتجار غير المشروع أيضًا، وإلا سيظل سعر العاج مرتفعًا (كما ذكرنا فإن سعر الكيلوجرام يساوي 1100 دولار)، وهو ما سيعطي الصيادين حافزًا لاستمرار قتل الفيلة.

رسم توضيحي 1 محلات العاج منتشرة بشكل قانوني في الصين
غالبًا ما سيزداد سعر العاج خلال عام 2017؛ لأن جعل تجارة العاج غير قانونية في الصين، سيؤدي إلى خلق سوق سوداء ترتفع فيها الأسعار بشكل كبير، تمامًا مثل الأدوية غير القانونية، وغيرها من السلع.
عامل آخر مهم للغاية سيؤثر في مدى فعالية تطبيق هذا القرار، وهو الأسواق المجاورة للصين التي ستكون ذات أهمية بالغة، فإذا لم تتخذ فيتنام وميانمار والفلبين وغيرها خطوات مماثلة، فإن العديد من الصينيين سيلجؤون ببساطة إلى شراء العاج من أماكن أخرى، والتي سوف تبقى مرتفعة الطلب.
وتواجه الفيلة الأفريقية تهديدات أخرى، بما في ذلك تدمير بيئتها، والاتصال القاتل المستمر، والمتزايد مع البشر. على سبيل المثال، في كينيا، تسببت شاحنة مسرعة باتجاه أسفل الطريق في الاصطدام بفيل وقتلته مؤخرًا، كما أن عمليات الصيد لا تجري كلها من أجل العاج فقط، فهناك عمليات صيد تستهدف لحوم الفيلة، وهو ما سيجعل قرار الصين الجديد غير مؤثر بشكل كبير.
لكن إذا كانت الحكومة الصينية ستلتزم حقًّا بمكافحة تجارة العاج، فإن سعر العاج سيتهاوى بشكل كبير، وهو ما سيجعل الكثير من المنظمات الإجرامية والصيادين يتخلون عن الأعمال التجارية الخاصة بالعاج، وسيمكننا أن نسترد من جديد قطعان الفيلة في أفريقيا للمرة الأولى منذ سنوات.
تجارة العاج
العاج يأتي من أنياب الفيلة، وهو ما يعادل الأسنان القاطعة الخاصة بها، وقد كان العاج مطمعًا منذ آلاف السنين كونه مادة قوية وجميلة، ويسهل نحتها نسبيًّا.
في القرن الـ19، استخدمت الدول الأوروبية العاج لصناعة كرات البلياردو ومفاتيح البيانو وأزراره، وصناديق الزينة والأسنان البديلة. هذا الأمر تسبب في قتل أعداد لا تعد ولا تحصى من الفيلة في وسط أفريقيا، ويعتقد العلماء أنه قبل جنون العاج في القرن الـ19، جابت أكثر من عشرة ملايين من الفيلة سطح الأرض. لكن اليوم، هناك حوالي 500 ألف فيل فقط.
وبحلول عام 2002، بدأت جماعات الحفاظ على البيئة في جميع أنحاء أفريقيا تلاحظ نفس الشيء: نسب متزايدة من الفيلة النافقة جرى قطع وجوهها بالمناشير مع أنياب مفقودة. في الوقت نفسه، كان الاقتصاد الصيني قد بدأ في الازدهار.

رسم توضيحي 2 يستخدم العاج في كثير من المنحوتات القيمة في الصين
في الصين، العاج هو رمز للمكانة العالية، فبدأت عمليات نحته إلى الأساور والنظارات والتماثيل والعيدان والأمشاط وأشياء أخرى كثيرة، كما نمت الطبقة المتوسطة في الصين إلى مئات الملايين، وهو ما كثف الإقبال بشكل متزايد أكثر وأكثر على العاج.
وساعد تفشي الفساد والفقر المدقع في القارة السمراء على التحريض على انتشار تجارة العاج، وهو ما أدى إلى تفشي الجماعات المسلحة في العديد من المناطق الأفريقية، حيث تجوب قطعان الفيلة كبيرة.
وهناك العديد من الطرق التي يلجأ إليها هؤلاء الصيادون لقتل الفيلة. في جمهورية الكونغو الديمقراطية، تجري عملية إطلاق النار من قبل الصيادين من المروحيات، وفي كينيا تستخدم الأقواس والسهام غالبًا، وهي طريقة أكثر هدوءًا وأقل جذبًا للانتباه. في ملاوي، توزع حاويات طعام مسمومة في مناطق تواجد الفيلة.
وتتنوع مجموعات الصيادين المنتشرة في أفريقيا بين من يتخذها مهنة أساسية لتوفير قوت عيشه، وبين الجماعات المتمردة والجيوش الأفريقية الحليفة للقوات الأمريكية.
المشكلة الأبرز هنا أن التهديدات لا تطال فقط الفيلة، ففي السنوات الأخيرة، أعلنت الحكومات الأفريقية أن الصيادين قتلوا العشرات من حراس الحياة البرية.
وتقوم عصابات إجرامية متخصصة بعد ذلك بشراء العاج من الصيادين، وشحنه إلى آسيا، كما تقوم برشوة المسؤولين الحكوميين على طول الطريق، ودائمًا ما تقوم هذه العصابات بشحن العاج بعد خلطه مع الأنشوجة، أو الفلفل الحار؛ للتخلص من الكلاب البوليسية التي يستخدمها موظفو الجمارك وموظفو إنفاذ القانون.
في الصين في الوقت الراهن، تأتي قطع كبيرة من العاج المسمى بالقانوني متشحًا بوثائق مصطنعة تثبت أنه جرى الحصول عليه، قبل حظر 1989 في جميع أنحاء العالم على تجارة العاج، أو أنه جاء من أحد البائعين المرخصين بعدما سمح لعدد قليل من البلدان الأفريقية ببيع العاج من مخزوناتها الموجودة بالفعل.
لكن العديد من خبراء الحياة البرية يقولون إن هذا النظام يعد مهزلة، فيمكن تزوير أوراق العاج بسهولة، والعاج الموجود في المحلات العامة غالبًا ما جرى تهريبه من فيلة جرى قتلها حديثًا، ثم استيرادها بطريقة غير مشروعة عن طريق الاحتيال.