مع بداية الانتفاضة السورية ضد حكم الأسد، انتقل العدو الداخلي للصين (الإيغور) إلى سوريا؛ بهدف القتال ضد النظام السوري، وتفضيلًا للعيش على الأرض السورية عن العيش في بيئة القمع التي تنال منهم في إقليم شينجيانج. ورغم إنكار بكين مسبقًا أي تدخل عسكري لصالح النظام، أعلن السفير الصيني في دمشق قبل أيام عن استعداد بلاده للمشاركة عسكريًّا إلى جانب النظام تحقيقًا لهدف التخلص من مقاتلي «الحزب الإسلامي التركستاني» في سوريا.

رحلة «الإيغور» إلى سوريا

20 ألف كم بعدًا عن سوريا لم تمنع بعض سكان من إقليم شينجيانج الصيني ذي الأغلبية المسلمة من الوصول إلى إدلب واللاذقية، وقد سهل عليهم هذا الوصول اعتمادهم على تركيا منذ عام 1950 وطنًا بديلًا لهم؛ باعتبارهم أقلية مضطهدة في الصين.

مسلمو الإيغور يتعرضون للقمع في إقليم شينجيانج (المصدر: الخليج الجديد)

فخلال هذه الرحلة الخطرة يتوجه آلاف الإيغور إلى سوريا بدءً من أفغانستان، ثم جمهوريات آسيا الوسطى، مرورًا بتركيا، ثم يدخلون إلى سوريا من معابر غير رسمية تقع غربي إدلب، وفيما بدأت هذه الرحلات لرجال فرادى، أصبحت الآن عائلية غايتها العيش والاستقرار على الأراضي السورية؛ فهذه العائلات التي أخذ المقاتلون يصحبونها بشكل متزايد فضلت نار الحرب السورية على التضييق والتسلط والقمع الذي ينال منها في الإقليم الصيني.

وتبلغ تكلفة الرحلة لمن يملك أوراقًا ثبوتية تركية 3 آلاف دولار، أما المهاجر الملاحق من السلطات الصينية فتكلفة الرحلة له 9 آلاف دولار، وفيما يتعلق بمدة الرحلة فأقصر مدة هي شهران، وأطولها تسعة شهور، ومعظم مهاجري الإيغور الذين وصلوا جاءوا من ريف إقليم شينجيانج، وليس من المدن الكبرى.

وفي بداية الوصول إلى سوريا سعى «الإيغور» إلى الاندماج مع المجتمع السوري؛ فوقعت حالات زواج بين مقاتلين إيغور وسوريات، إلا أن صعوبة الاندماج أدت في المحصلة إلى انكفائهم وتشكيلهم مجتمعًا مصغرًا في سوريا، فأصبحوا يقطنون في الوقت الراهن في قرى ريف إدلب الحدودية، خاصة في بيوت العلويين الذين نزحوا منها، ويحرصون على تعليم أطفالهم القرآن واللغة العربية في المساجد.

شراسة وتنظيم في القتال 

«الرقم الأول في الجهاد، لا يعرفون العودة إلى الوراء»، هكذا وصف الجهادي عبد الله المحيسني مقاتلي «الحزب الإسلامي التركستاني» أو «الحركة الإسلامية لتركستان الشرقية»، أحد أكثر التشكيلات المقاتلة على الساحة السورية تنظيمًا.

وينتمى هؤلاء المقاتلون الصينيون «الإيغور» إلى الحركة الشرقية التي أسسها حسن معصوم في تسعينات القرن الماضي، وقد تأسست  في أفغانستان في العام 1993 ومارست نشاطًا في الصين، ويعتبر الحزب الذي أعلن عن تشكيله في سوريا مطلع العام 2014 امتدادًا للمنظمة الأم في آسيا الوسطى، ويقوده في سوريا خلفًا لـ«معصوم» «عبد الحق التركستاني»، وهو رجل يبلغ من العمر 53 عامًا، أما القائد العسكري للحزب فهو «أبو ابراهيم»، ولم يتجاوز الأربعين.

ويعُرف عن الحزب قربه العقائدي من «جبهة تحرير الشام» (جبهة النصرة سابقًا) المحسوبة على «تنظيم القاعدة»، حيث يدين قائدهم الثاني عبد الحق التركستاني بالولاء لـ«القاعدة» وكانت له علاقات قوية بالملا عمر؛ فالحزب قد ارتبط بالقاعدة حين صال وجال مقاتلوه في باكستان واتخذوا من أفغانستان مقرًا لهم خلال العقد الماضي.

أما فيما يثار حول علاقة الحزب بـ«تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)» فيعود ذلك لكون الدفعات الأولى التي وصلت سوريا في بداية الأحداث لم تجد أي هيكل تنظيمي خاص بها؛ فالتحقت بفصائل جهادية مختلفة، لكن في منتصف العام 2016، أعلن الحزب عن «عدم شرعية خلافة (داعش)»، ودعا للعمل من أجل «قيام خلافة إسلامية وفق شروطها الشرعية والسياسية الصحيحة».

مقاتلون تركستان في سوريا (المصدر : شبكات التواصل الاجتماعي)

ويدعم الحزب وصول «الإيغور» إلى سوريا، حتى أنه قام مؤخرًا ببيع جزء من سلاحه الذي اغتنمه من معاركه ضد النظام لتمويل هجرة «الإيغور» من تركستان الشرقية إلى سوريا، يقول الصحافي اللبناني سليم العمر: «ليس لدى الحزب في سوريا محاكم خاصة، ولم يشارك في أي اقتتال داخلي، ولا حتى ضد (داعش)، وليس لدى الحزب أي حواجز أو كتائب أمنية، ولم يعرف عنه أبدًا تنفيذ عمليات اغتيال أو اعتقال. وتختلط الأمور بين مقاتلي «الإيغور» والأوزبك والقوقاز بالنسبة للمراقبين الخارجيين. ويساهم في ذلك إقامة العديد من الكتائب الأوزبكية والقوقازية والإيغورية معسكرات مشتركة لأطفالهم الذين تجاوزوا الثانية عشر في ريف دركوش.

ويضيف العمر في «المدن» اللبناني: «تشارك نساء الإيغور في معسكرات خاصة، يتدربن فيها على حمل السلاح. وأبرز سمات مقاتلي التركستاني حمل السلاح ولو على مائدة الطعام. وليس معروفًا عنهم الابتسام؛ فقد فقدوا خلال العامين المنصرمين قرابة 1500 قتيل، دفنوا في مقابر خاصة بهم، وتعرّض العشرات من مقاتلي التركستاني للأسر على يد قوات النظام في جبلي التركمان والأكراد».

هل تتدخل الصين لوقفهم؟

«نعرف أن مكافحة الإرهاب ومعركة سوريا ضد الإرهابيين ليست فقط لمصلحة الشعب السوري، بل لمصلحة الشعب الصيني وشعوب العالم، وقد جرى تعاون جيد بين جيشينا في مكافحة الإرهابيين من كل دول العالم، ومن ضمنهم الإرهابيون القادمون من الصين، وسوف يستمر هذا التعاون بين الجيشين والجهات المعنية»، هذا ما قاله مؤخرًا السفير الصيني في دمشق تشي تشيانجين لصحيفة «الوطن» الموالية للنظام السوري.

ولم يتوان تشيانجين عن تحديد معركة إدلب التي يروج النظام السوري لقرب شنها على معقل المعارضة السورية إدلب كمحطة ربما تستعد الصين للمشاركة فيها عسكريًّا  إلى جانب قوات النظام، محددًا وجود مقاتلين من «الإيغور» كسبب رئيس لهذا الدعم العسكري في إدلب أو غيرها؛ فالجيش الصيني يتعاون عسكريًّا لتحييد من اعتبرهم تشيانجين «إرهابيين» من «الإيغور» يشاركون في الحرب السورية.

ويمكننا إرجاع سبب هذا التصريح النوعي والواضح لمسئول صيني، إلى قوة «الإيغور» العسكرية في إدلب على وجه التحديد، حيث باتوا رأس حربة في الدفاع عن إدلب وأغلب الشمال السوري بعد تحالفهم مع «جبهة تحرير الشام» التي تسيطر تقريبًا على كامل محافظة إدلب، وتعود هذه القوة إلى بدايات سيطرة المعارضة السورية على إدلب؛ فقد تدفق ما يقارب من 5 آلاف من «الإيغور» إلى المحافظة، وقاتل غالبيتهم في صفوف «جبهة تحرير الشام» ضد النظام السوري.

وفي المحصلة سيطر هؤلاء المقاتلون على عدة مواقع استراتيجية في إدلب، ففي العام 2014 تصدروا الهجوم على النظام وسيطروا على مطار أبو الظهور العسكري في ريف إدلب الشرقي، لكن استعادة النظام لهذا الجيب الصحراوي العام الماضي دفع المقاتلين «الإيغور» إلى الدخول في عمق إدلب، بعد أن كانوا يتخذون من ريف اللاذقية الشرقي ملاذًا لهم منذ وصولهم إلى سوريا.

ويتميز مقاتلو «الإيغور» بحنكة سياسة مكنتهم من احتلال الصفوف الأمامية خلال المعارك للدفاع عن المدن الاستراتيجية في محافظة إدلب، مثل جسر الشغور والمناطق المحيطة بها، ووصفوا بأنهم السلاح السري للمعارضة السورية، بعد أن لقنوا النظام درسًا قاسيًا في القتال، وهم الآن يمتلكون العديد من الأسلحة المتطورة، مثل الصواريخ المضادة للدبابات التي استولوا عليها خلال المعارك، حتى أن النظام يتحاشى قتالهم في بعض المناطق، كما حدث في منطقة الجب الأحمر أعلى تلال جبل الأكراد؛ فقد فشل بعد أكثر من 50 محاولة باقتحام المنطقة، وتكبد النظام خسائر بشرية.

 كما يقاتل الحزب التركستاني بالقرب من منطقة جورين شمالي حماة، وهي قاعدة إيرانية زارها قائد الحرس الثورة الإيراني قاسم سليماني سابقًا. وبغض النظر عن مدى الالتزام الفعلي من قبل الصين بقتال «الإيغور» في إدلب تخشى المعارضة السورية من تأزم الوضع عبر تدخل الصين في سوريا بذريعة القضاء على المقاتلين «الإيغور» الذين استهدفوا الصين في عدة مناسبات، ونفذوا عمليات عسكرية على أراضيها.

ألب أرسلان التركستاني، مقاتل فجر نفسه بسيارة مفخخة شمال حماة

دعم سياسي وعسكري للنظام

في نوفمبر (تشرين الثاني) 2017، هدد «الحزب الإسلامي التركستاني» خلال عرض عسكري على الأرض السورية بشكل واضح الحكومة الصينية، كان هذا العرض هو الأول من نوعه، وفيه تم استعرض العشرات من الآليات العسكرية نوع «بيك آب»، ودبابات «T62»، وكذلك رشاشات ثقيلة نوع «23»، وقياس 14.5.

مقاتلون من الحزب التركستاني الإسلامي في سوريا – المصدر: قناة صوت الإسلام في تلغرام

وبرغم أن الحزب لا يخفى دعوته لمحاربة الحكومة الصينية التي تحول – حسب وصفه – دون إنشاء «دولة إسلامية مستقلة في تركستان الشرقية (إقليم شينغيانغ)» – حيث يشهد الإقليم أعمال عنف دامية قتل فيها العشرات منذ عام 2009 – لكن يمكن اعتبار هذا التهديد أحد مظاهر انتقال المعركة بين الحزب والحكومة الصينية إلى الأرض السورية.

فالصين التي تقوم بالتضييق على الهويات الثقافية والدينية والعرقية للغالبية الإسلامية قد اتخذت موقفًا متشددًا من الهجمات المسلحة من «الإيغور»، ومع وجود آلاف الصينيين يقاتلون في سوريا، وجدت بكين نفسها في حاجة ملحة لتعقب هؤلاء، بل إنها تفضل تصفيتهم على الأراضي السورية لمنعهم من العودة إلى أراضيها، وقد دفعها ذلك لتعزيز وتعميق علاقاتها بنظام الأسد وأصبح دافعها الأساسي في سوريا هو محاربتهم.

وتعمل الصين منذ بضعة سنوات على ملاحقة الحزب في سوريا، هذه الملاحقة بدأت بمراقبة لهجرة «الإيغور» إلى سوريا عبر «مكتب التعاون العسكري الدولي» الذي تتعاون معه الاستخبارات الصينية لملاحقة مقاتلي «الإيغور»، كذلك تسعى بكين إلى محاربة «الإيغور» تحت عنوان «الإرهاب»، فوجودهم في سوريا سهّل عليها تأكيد اتهامهم بـ«الإرهاب»، وزاد من قوة حجتها وجود بعضهم ضمن صفوف (داعش)، وقد سُربت أخبار إعلامية تتحدث عن استعداد وزارة الدفاع الصينية لإرسال وحدتين معروفتين باسم «نمور سيبيريا» و«نمور الليل»، لمحاربة الحزب في سوريا.

الإيغور في الصين

وقد عجلت بكين إلى تقديم دعم للنظام السوري، تمثل في إرسال مستشارين عسكريين صينيين ومعدات عسكرية وذخائر، واستخدمت أكثر من سبع مرات حق النقض (الفيتو) في جلسات الأمم المتحدة لإعاقة صدور قرار يدين جرائم النظام السوري، خاصة استخدامه للسلاح الكيميائي ضد المدنيين، وبالرغم من أنها تصر على نفي كل التقارير التي تؤكد على مساعداتها العسكرية للنظام السوري، وتحصر تعاونها مع النظام في توفير الإمدادات الإنسانية فقط، لا يتوانى النظام السوري عن  إعلان دور بكين العسكري للصين بغية تعزيز موقفه الرسمي على الساحة الدولية.

 يقول الخبير في الإسلام السياسي، يورانبو توكيفوف: «الحرب الأهلية في سوريا، وتزايد نفوذ الانفصاليين «الإيغور» في الحركات الجهادية العالمية أجبر بكين على إجراء تعديلات جادة لأهدافها ومهامها فيما يتعلق بالسياسة الخارجية في الشرق الأوسط، ففي شهر مارس (آذار) من سنة 2016 وضع رئيس جمهورية الصين الشعبية، شي جين بينغ، وظيفة جديدة: مبعوث خاص لسوريا، وقد عينت الحكومة الصينية ممثلها الخاص الجديد في مهمة سرية متعلقة بضمان الأمن الداخلي للصين، وبالتنسيق مع الجيش الإيراني، والروسي، والسوري؛ بغية تدمير الحزب الإسلامي التركستاني الذي يقاتل في الأراضي السورية».

ويضيف: «في سوريا تعتمد الصين مبدأ: (عدو عدوي هو صديقي)، وبذلك تدعم بكين بشار الأسد وحلفاءه: روسيا وإيران، ففي 16 من أغسطس (آب) زار وفد عسكري صيني دمشق، وناقش مسألة القضاء على مقاتلي الحزب الإسلامي التركستاني، وآفاق التعاون الثنائي».

وتحاول بكين أن تظهر كمتمسكة بإعادة الإعمار والمساعي الاقتصادية في سوريا، إلا أن تقريرًا لموقع «ميدل إيست آي» يقللّ من جدوى انخراط الصين في مرحلة إعادة الإعمار في سوريا، ويرى أن مصلحة الصين في سوريا تكمن في تحقيق الأمن، بدلًا عن الدعم الاقتصادي، وتحديدًا في منع تنامي قوة مقاتلي «الحزب التركستاني» الذي اكتسب مقاتلوه خبرات عالية بسبب القتال في سوريا.

المصادر

تحميل المزيد