في ولاية «كاليفورنيا» تتحقَّق أحلام الآلاف من المهووسين بالتكنولوجيا والاختراعات التي تقلب حياتنا رأسًا على عقب، وأحلام جنرالات الجيش الأمريكي أيضًا.

«وادي السيليكون»، كعبة المهتمين بالتكنولوجيا والإنترنت وريادة الأعمال، لكنه ليس مجرد «فيس بوك» و«جوجل» فحسب؛ فقد كانت نشأة «الوادي» نفسه، والكثير من الشركات العاملة فيه بعد ذلك مغامرة استخباراتية وعسكرية ناجحة.

لطالما كان البحث العلمي، والاتجاه إلى الإنفاق في تطوير التكنولوجيا مرتبطًا بالوضع العسكري للولايات المتحدة الأمريكية. بدأ تمويل الجيش الأمريكي لمشروعات بحثية ضخمة، في مجالات ليست بالضرورة متعلقة بالحرب والأسلحة، إبَّان فترة الحرب الباردة مع الاتحاد السوفيتي؛ ولم يتوقَّف إلى اليوم.

مع نهاية عام 2014، ذهبت مجموعة من أرفع قادة الجيش الأمريكي إلى «وادي السيليكون» لتشجيع ودعم أفكار الشركات الناشئة التي لم تتعامل مع الحكومة الأمريكية من قبل في المجالات التكنولوجية التي قد تخدم الأمن القومي الأمريكي، وتطوير القدرات العسكرية للجيش الأقوى في العالم بحلول عام 2030.

ما معنى كل ذلك؟ دعنا نبدأ القصَّة من البداية.

 

In-Q-Tel: ذراع الاستخبارات في وادي السيليكون

في عام 1999، وبعد ظهور الإنترنت، كان لدى وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية (CIA) الكثير، الكثير جدًا من البيانات. رأت الوكالة حينها أنها لا تملك التكنولوجيا اللازمة لفهم تلك البيانات وتحليلها، وأن القدرات الاستخباراتية والبحثية التابعة للحكومة لا تستطيع إنتاج مثل هذه التكنولوجيا؛ فقرَّرت إنشاء شركة «In-Q-Tel» (حرف Q الإنجليزي إشارةً إلى شخصية المخترع في أفلام «جيمس بوند» التي تحمل الاسم نفسه) بهدف تحديد الشركات والأفكار التي قد تطور من عمل وكالة الاستخبارات (CIA)، ودعمها، والاستثمار في الشركات الناشئة التي تقدم حلولًا تكنولوجية لقضايا الاستخبارات والمعلومات.

بدأت ميزانية الشركة حينها بـ 30 مليون دولار أمريكي، تصاعدت تدريجيًا حتى وصلت الآن إلى أصول تُقدَّر بأكثر من 250 مليون دولار أمريكي، وتمويل سنوي يقارب 50 مليون دولار من ميزانية CIA، بالإضافة إلى منحٍ ومساهمات تصل إلى 65 مليون دولار سنويًا.

تُضخ هذه الأموال في أكثر من 180 شركة ناشئة تدعمها In-Q-Tel في مجالات مختلفة: الاتصالات، والأمان الرقمي، وتحليل البيانات، والمواد والطاقة، والتصوير والفيديو، والبنية التحتية. بعض هذه الشركات أثبت نجاحًا كبيرًا حتى في الدوائر غير العسكرية، مثل Keyhole، التي اشترتها «جوجل» فيما بعد لتكون ما نعرفه اليوم بخدمة Google Earth، والعديد من شركات تتبُّع المكالمات مثل CallMiner، ومراقبة شبكات التواصل الاجتماعي مثل Visible Technologies، وتحليل بيانات مواقع الإنترنت والمدوَّنات مثل Inxight، بالإضافة إلى صلات مباشرة بـ«جوجل»، وغير مباشرة بـ «فيس بوك».

تعرَّف إلى بعض هذه الشركات من هنا


وكالة الاستخبارات ليست الهيئة الحكومية الأمريكية الوحيدة التي تهتم بالتكنولوجيا والتعاون مع شركات القطاع الخاص وتمويلها؛ فقد أدركت الهيئات الحكومية في أمريكا أن دفع المال للشركات الناشئة وللقطاع الخاص أفضل كثيرًا من محاولة إنتاج التكنولوجيا بأنفسها لأغراض غير تجارية. بعد In-Q-Tel، أنشأت وزارة الدفاع الأمريكية شركة OnPoint Technologies لدعم احتياجات الجيش الأمريكي، وأنشأت وكالة الفضاء الأمريكية (NASA) شركة Red Planet Capital لتمويل الشركات التي تنتج التكنولوجيا التي تدعم أعمال الوكالة.

Palantir: شركة العملاء المرعبين المحدودة


تتعامل شركات التكنولوجيا الأمريكية عادة مع الحكومة بحذر، لكن Palantir Technologies كان لديها وجهة نظر أخرى منذ بدايتها في 2004: أجهزة الاستخبارات الأمريكية، والجيش الأمريكي، والهيئات الحكومية عملاء ممتازون.

تحصل Palantir، المتخصصة في تحليل البيانات وربطها، منذ يومها الأول على دعم «شركائها»: وكالة الاستخبارات المركزية (CIA)، ومكتب التحقيقات الفيدرالي (FBI)، ووزارة الدفاع الأمريكية، والمارينز، والقوات الجوية، وغيرهم الكثير؛ فهي متخصصة في إنتاج برامج الحاسوب لأغراض تحليل وإنشاء قواعد البيانات، وربطها بطريقة تُمكِّن الهيئات التي تعمل على «مكافحة الإرهاب» في أمريكا (أُنشئت الشركة بعد أحداث 11 سبتمبر) من التعاون ومشاركة البيانات والتصرُّف بناءً عليها.

اقرأ أيضًا: تعرًّف إلى 17 وكالة استخبارات أمريكية غير «سي آي إيه»

كانت خدمات الشركة حتى مرحلة سابقة مقتصرة على قواعد البيانات وتحليلها، لكن عدة تقارير صحفية أمريكية قالت إن التوصُّل إلى مخبأ «أسامة بن لادن» تم بمساعدة مباشرة من Palantir Technologies؛ مما يشير إلى دورٍ أكبر لمثل هذه الشركات في المجالات العسكرية في المستقبل.

قيمة الشركة الآن تُقدَّر بأكثر من 9 مليار دولار أمريكي؛ وتطلب العديد من الشركات خدماتها في مجالات مختلفة.

المصادر

تحميل المزيد