في 16 أبريل (نيسان) 1947، أطلق الملياردير بيرنارد باروشو مستشار الرئيس الأمريكي السابق ويلسون مصطلح «الحرب الباردة»؛ لوصف العلاقات الباردة بين اثنين من حلفاء الحرب العالمية الثانية، الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي. حاليًا يعيش الشرق الأوسط حالة مشابهة، بين دولتين مركزيتين، يملكان ثقلًا سياسيًا واستراتيجيًا في منطقة الشرق؛ هما السعودية وإيران.
«الحرب الباردة في العالم الإسلامي»، هكذا وصفها الكاتب الهنديّ العريق، ديليب هيرو، في كتابه الذي يحمل بين صفحاته سياقًا تاريخيًا للتنافس السياسي بين السعودية وإيران للهيمنة على المنطقة. يبدأ هيرو كتابه بسردٍ تاريخي، لتاريخ السعودية وإيران، ويحاول من خلال تجميعٍ للأحداث التاريخية والمعاصرة، الوصول إلى فهمٍ عام لأسباب التصعيد السياسي بين الدولتين، مثل ظهور النفط، وتضاد الرؤى الدينية.
يحاول أيضًا تفسير أسباب الصعود غير المتوقع لولي العهد، محمد بن سلمان، وريثًا للعرش، بدلًا من ابن عمه، محمد بن نايف، الذي وصفه التلفزيون الإيراني بالـ«انقلاب الناعم». وفهم أسباب التنافس الإقليمي بين الدولتين، في سوريا واليمن والبحرين، ولبنان والعراق. وخارج المنطقة، في أفغانستان وباكستان.
يحمل الكتاب توثيقًا تفصيليًا لتاريخ العلاقة وحاضرها، ويستعرض هذا التقرير تلخيصًا شاملًا لأهم ما ذكر في فصول الكتاب الستة عشر.
الأسد والسيف.. كلاهما يدّعي «الاستثنائية»
يبدأ الكاتب في مقدمته مستعرضًا التناقض بين تاريخ السعودية وإيران؛ وأن هذا التناقض يظهر بشكل كبير في الفروقات بين متاحفها الوطنية. فالمتحف الإيرانيّ يمتلك العديد من قطع الفخار، والمنسوجات، والأسطرلابات التي تعود إلى عصر إيران ما بعد الكلاسيكي، ويستدل الكاتب على أنّه ليس من المستغرب أنّ الإيرانيين يملكون هوية قومية قويّة، فعندما بدأت الحرب العراقية الإيرانية، تطوع عشرات الآلاف من العلمانيين للانضمام لجيش الجمهورية الإسلامية.
على عكس ذلك؛ تجد متحف الرياض الوطني يتضمن ثلاثة أروقة لعصر ما قبل الإسلام، أي قبل ميلاد النبي محمد، ومع نهاية هذه الأروقة، يربطك المتحف ليريك تراثًا من عصر النبي محمد، ومرورًا بالدول الإسلامية انتهاءً بالعثمانية، ويقودك المتحف إلى أحداث صعود الدولة السعودية الأولى عام 1744م التي استمرت إلى 1818م، وبعدها الدولة السعودية الثانية منذ عام 1824 إلى 1891، لينتهي بك الرواق لتصل إلى معرض يسمى «الاتحاد»؛ ويُقصد هو اتحاد نجد ومحافظاتها مع مملكة الحجار الغربية عام 1932م.
مسجد ناصر الملك في مدينة شيراز في إيران
يذكر هيرو أنّ العامل المشترك بين السعودية وإيران، هو أنّ كليهما يدّعي «الاستثنائية». فالهوية الإيرانية تعود إلى ما قبل 6 آلاف سنة؛ بلغتها الفارسية الحديثة والقديمة، وتحول لغتها إلى الحروف العربية فيما بعد، عندما أصبحت اللغة الأساسية للأدبيات الإدارية للإمبراطوريات الإسلامية. وتتميز إيران أيضًا بمعمارها الممتد من آسيا الوسطى إلى جنوب آسيا. وفي يوم 25 أكتوبر (تشرين الأول) عام 1971؛ احتفل محمد رضا بهلوي احتفالًا كبيرًا بمرور 2500 عام على استمرار الملكية، فإيران من الدول الأربعة المسلمة التي لم تخضع للاستعمار الأوروبي، بالإضافة إلى أفغانستان، والسعودية، وتركيا.
أمّا مسوغات السعودية لفكرة الاستثنائية خاصتها فتقوم على أسس مختلفة، فعلى غير عادة أيّ دولة؛ اسم «السعودية» مبنيٌ على اسم العائلة الحاكمة «آل سعود»، وتتميز أيضًا بأنّها ثاني أكبر احتياطي للنفط بعد فنزويلا، إذ تعتبر شركة البترول «أرامكو»، أكبر شركة منتجة للنفط في العالم بأعلى نسبة إنتاج، و«أرامكو» الشركة الوحيدة النفطية التي لا تنشر حساباتها المالية.
وتدير السعودية شؤون الحرمين الشريفين، الحرم المكي والمدني. ويذكر هيرو أنّ الملك عبدالله بن عبدالعزيز عام 2005، خصص يوم 23 سبتمبر (أيلول) للاحتفال بالعيد الوطني السعودي، أي بعد 73 عامًا من تأسيس المملكة العربية السعودية.
أعمدة الصراع السني الشيعي
يذكر هيرو في كتابه أنّ الاختلاف السني الشيعي، قديمٌ ومتجذر منذ عهد الخلفاء الراشدين، فبعد حادثة طعن عمر بن الخطاب من قبل فيروز نهاوندى (أبو لؤلؤة)، وخلاف علي بن أبي طالب مع عثمان بن عفان، وحادثة قتل عليّ بسيف مسموم من قبل عبدالرحمن بن ملجم. اتسع الخلاف يومًا بيوم؛ ليصل إلى اختلافات في الرؤى الدينية، فالشيعة والسنة يختلفون في الطقوس الدينية، والقوانين، والمؤسسات الدينية؛ فمثلًا يعتقد الشيعة بمبدأ الإمامة، أيّ أنّ نسل النبي محمد هم الوحيدون الذين يستطيعون الحكم باسم الله، لأنّهم معصومون روحيًا. وعلى عكس ذلك، فالسنة يعتقدون أنّ العصمة لله فقط.
يُخبر هيرو في كتابه؛ أنّ وجود الشيعة في شبه الجزيرة العربية قديم، وتواجدهم كان في منطقة الإحساء شرق شبه الجزيرة العربية، وعندما استولى ابن سعود على الإحساء، كان عليّه التعامل مع الممارسات الدينية للشيعة، وذلك بسبب تأثره بالدعوة الوهابية، ولكن كان تركيزه منصب على ضم المزيد من المناطق.
وبعد الاستيلاء على الحجاز والبحر الأحمر عام 1924، أمر ابن سعود بهدم المقابر التي يقدسها الشيعة، وأرسل بعدها أتباعه المسلحين الملقبين بالـ«الإخوان» لفرض الوهابية على الشيعة، لم تنجح خطة ابن سعود، فاضطر للسماح للشيعة ببناء مساجدهم، وأعفاهم من تطبيق فقه الميراث الحنبلي. وبقي الشيعة شرقيّ المملكة بلا أي قوة سياسية حتى صعود الجمهورية الإسلامية الإيرانية عام 1979.
آل سعود يحاولون اللحاق بالتاريخ
وصلت الحدود الممتدة لأول مملكة سعودية إلى العراق وسوريا، مما استدعى الخليفة العثماني إرسال حاكم مصر لقمع الحركة الوهابية. فانسحب بعدها عبدالله بن سعود بن عبدالعزيز آل سعود، حفيد مؤسس الدولة السعودية الأولى، من منطقة الحجاز إلى الدرعية. ليزحف جيش عثماني بقيادة إبراهيم باشا عام 1818، فاعتقل عبدالله ونقله إلى القسطنطينية (إسطنبول)، ليحكم عليه بالموت. وفي عام 1824، استطاع ابن عبدالله، تركي، جمع جيش كبير من الوهابيين الأقوياء من نجد، واستعادة درعية من القوات المصرية، التي سميت فيما بعد الدولة السعودية الثانية.
بعد نزاعات كبيرة بين الإخوة حول وراثة الحكم، استطاع عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود السيطرة على الرياض والدرعية. وفي عام 1926، أعلن نفسه ملكًا على الحجاز وسلطنة نجد، وبدأ يسعى للاعتراف الدولي، فاعترفت به بريطانيا حاكمًا للحجاز ونجد.
وفي المقابل، قَبِل عبدالعزيز بريطانيا حامية لعُمان وإمارات الخليج، وإقليم العراق وإمارة شرق الأردن. وفي عام 1932، وبمساعدة بريطانيا، استطاع عبدالعزيز هزيمة الإخوان، (وهي أحد المجموعات الوهابية التي قاتلت مع عبدالعزيز آل سعود ضد آل رشيد في بداية التوسع)، والاستحواذ على 1.12 مليون متر مربع من شبه الجزيرة العربية، معلنًا المملكة العربية السعودية، ومُنصبًا نفسه ملكًا عليها.
جيش الإخوان السعودي، مصدر الصورة: ويكيبديا
ما الفروق الاجتماعية والاقتصادية بين السعودية وإيران؟
يفرق هيرو بين الفروقات الاقتصادية المبنية على الظروف الاجتماعية لكلٍ من السعودية وإيران. فالقبيلة هي أحد المؤسسات السياسية للدولة، ويتفرع منها الفخذ والعشيرة، ويكون تماسكها من خلال الشعور بالوحدة القبلية، ويعرف عن القبائل الشهامة والكرم باعتبارها بناء اجتماعيًّا. ويجمع القبائل من نفس الفئة مجلس تشاوري (فدرالي). وبعد النهضة الاقتصادية للسعودية، بدأت تنخفض أهمية القبيلة اجتماعيًا.
وفي المقابل، يذكر هيرو أنّ «جامعة طهران» أُسست عام 1934، بينما افتتحت «جامعة الطائف» للشريعة 1953. وبعد اكتشاف البترول في السعودية من قبل شركة «أرامكو» عام 1933، واكتشافهم للنفط عام 1938، بدأت وما زالت السعودية تجلب العاملين من الخارج، من مصر، واليمن، وفلسطين. في المقابل، استطاعت إيران تأميم شركة أنجلو الإيرانية البريطانية، ولم تعتمد إلى على نسبة قليلة من العمالة الأجنبية.
«الذهب الأسود».. أمريكا تُشكل حاضر ومستقبل السعودية وإيران
يستعرض هيرو في كتابه كيف تم اكتشاف النفط في إيران من قبل بيرنارد رينولدس، مهندس النفط البريطاني، الذي حمل أدوات التنقيب من الحدود العراقية الإيرانية مرورًا بطريقٍ جبليٍ وعر، وصولًا إلى منطقة ميدان النفط، وأخذت منه عملية نقل الأدوات سنة كاملة، وأكمل مرحلة اكتشافه للنفط في إيران، ليجد حقلًا يحمل ملياري حقل نفط، قرب مسجد السليمان.
المهندس بيرنارد رينولدس ومساعديه في دولة فارس عام 1900
بعد اعتماد بريطانيا طاقة النفط بدلًا من الفحم، لتسريع سفنها وتقويتها مقارنة بالسفن الألمانية، ارتفعت أهمية النفط عالميًا. وقررت بريطانيا امتلاك 51% من شركة «أنجلو الفارسية النفطية (APOC)». ووضعت بريطانيا خطة لتطوير دولة قوية ومركزية في إيران، عندما حفزت عقيد الجيش، ريزا خان البهلوي، انقلابًا على الحاكم الذي أثبت ضعفه، أحمد ميرزا القاجاري، ليفرض عليه أنّ يصبح رئيسًا للوزراء. علت سمعة ريزا خان، وفي أكتوبر (تشرين الأول) 1925، عُيّن ملك الملوك في إيران.
صعّب ريزا خان المهمة على بريطانيا في خطتها لزيادة أرباحها النفطية، وزاد نسبة ربح إيران، وأعاد تسمية الشركة من «الأنجلو الفارسية» إلى «الأنجلو الإيرانية (AIOC)»، واستعمل أرباح النفط لتحديث البنى الاقتصادية، وتقليل نفوذ الملالي من خلال نشر العلمانية.
النفط الإيراني يخلق اضطرابًا للدولة المجاورة
يُخبر هيرو أنّ نجاح بريطانيا في اكتشاف النفط في إيران أثار اهتمام وحسد كل من الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة، خصوصًا بعد فشل «شركة نيو جيرسي الأمريكية» تأمين البترول شمال الولايات. وتمنى ابن سعود رؤية بلاده تنعم بخيرات النفط شرق مملكته، منطقة الحسا، وعقد اتفاقًا مع «شركة آي بي سي البريطانية» التي عملت لسنوات في المنطقة وفي كاليفورانيا، للتنقيب عن النفط.
كانت شركة «آي بي سي» تملك شركة فرعية تسمى «سوكال»، مسؤولة عن منطقة كاليفورانيا، ولكنّها تحت إدارة أمريكية. وعندما لم تجد «آي بي سي» مطالب ابن سعود منطقية، أرسلت «سوكال» لتتولى مهمة البحث عن النفط، لتنجح سنة 1938 باكتشاف النفط في منطقة الدمام، وتأسيس شركة «أرامكو».
اعتمدت الولايات المتحدة وزيرًا لمصر والسعودية. وبالتالي؛ اعترافها الدبلوماسي بالمملكة الذي لم ينقض سبعة أعوام على إنشائها. بينما كانت أمريكا تحارب لأجل الديمقراطية في العالم، وقع الرئيس الأمريكي فرانكلن روزفلت اتفاقية تنفيذية مفادها: «أجد أنّ الدفاع عن المملكة العربية السعودية بأهمية الدفاع عن الولايات المتحدة».
اضطراب النفط يصل إلى الداخل الإيراني
أثناء الحرب العالمية الثانية وبسبب الحياد التام الذي اتخذته إيران من الحرب، اعتبر الحلفاء الغزو الألماني للاتحاد السوفيتي مصيدة سهلة، وفي نهاية أغسطس (آب) دخلت القوات السوفيتية شمال محافظات أذربيجان وخرسان، وأجبروا الشاه على التنحي لأجل ابنه محمد ريزا. ومن أجل تحفيز الاتحاد السوفيتي من أجل سحب قواته من أذربيجان، عقد رئيس الوزراء الإيراني أحمد قوام بتصديق من الشاه محمد ريزا، إنشاء شركة نفطية سوفيتية إيرانية مع ربح 51% للسوفيتيين. وسحب الاتحاد السوفيتي قواته من أذربيجان بعد شهر، بعدما فهم أنّ تصديق البرلمان كفيلٌ بإكمال الصفقة. لكن أقيمت انتخابات «معتمدة» للبرلمان، ونوقشت الصفقة النفطية السوفيتية فيها ورفضها 102 نائبًا.
انقلبت الطاولة في إيران، وصعدت حكومة محمد المصدق، ولم تمرر الحلم السوفيتي بالشركة النفطية. عُرف محمد مصدق بمطالبه بتأميم «الشركة النفطية الإيرانية البريطانية»، وبالتنسيق مع الولايات المتحدة استطاع تأميم الشركة. وبتعاون أمريكي بريطاني، ومباركاتٍ خليجية، عاد الشاه إلى القوة من خلال انقلاب عسكري على حكومة المصدق، وفرض السيطرة الكاملة، ليبارك له الملك سعود، خليفة عبدالعزيز، ويقوم بزيارته عام 1955.
كانت التقلبات السياسية في البيت الإيراني مصدر ربح لـ«أرامكو»، وزيادة في مبيعاتها. وبعد تنصيب الشاه، زادت نسبة الربح الغربي والأمريكي من خلال شركاتها المحلية. كان التدخل الأمريكي جليًا في كل الحياة الإيرانية، ما عدا الدين، الذي كان عنصرًا أساسيًا في التحول الذي شهدته إيران.
أمريكا تزيد نفوذها.. وفيصل يقود انقلابًا ناعمًا في السعودية
بحسب ما ذُكر في الكتاب، لم يبن سعود مؤسسات للدولة؛ فلم يؤسس لنظام مالي، وكان مسرفًا جدًا ما أضعف اقتصاد المملكة. ولأنّ سعود كان يتبنى سياسة التشاركية في القيادة، عيّن فيصل وليًا للعهد. ولم يكن مجلس الأمراء راضيًا عن سياسات سعود الإسرافية. وبعد مرض سعود وذهابه للعلاج في أمريكا، فوض المجلس فيصل بكامل الصلاحيات التنفيذية. وبشكل سريع، عرض فيصل برنامجًا سياسيًا، يتوعد فيه بكتابة دستور وإنشاء مجلس دستوري، وقدم برنامجًا للارتقاء الأخلاقي في المجتمع، وبعض الوعود الاصلاحية للاقتصاد.
استطاع فيصل في النهاية فرض نفسه مع دعم مجلس الأمراء وعلماء الوهابية له، وتنازل سعود عن حكمه ليصبح فيصل ملكًا للسعودية. وخلال هذه الفترة، كانت العلاقات الأمريكية السعودية تقوى شيئًا فشيئًا، وأنشأت قاعدة عسكرية في منطقة الظهران عام 1950، ولكن خوفًا من انتشار الحركة القومية في المنطقة، توقفت المعاهدة عام 1956. وكان اهتمام أمريكا في السعودية يدور حول الجغرافيا السياسية للنفط، وأسست قاعدة بحرية دائمة في البحرين لحماية صادرات البترول.
الأمير فيصل مع الرئيس الأمريكي السابق هاري ترومان، 25 يونيو 1945
فيصل يضع بصمته.. وطموح متهور من الشاه
يُخبر الكاتب أنّ الملك فيصل على عمل تحسين مؤسسات الدولة، وعندما ذُكّر بوعوده حول كتابة الدستور، أجاب بأنّ القرآن هو الدستور. ثم لم يلبث أن عمل على تقوية جهاز المخابرات، وتحالف مع «الإخوان المسلمين» في مقابل صراعه مع الناصرية، وعزز علاقاته الدبلوماسية والتجارية مع الولايات المتحدة في مقابل رفضه للشيوعية وامتدادها في المنطقة. وبعد هزيمة حرب الستة أيام (حرب النكسة) عام 1967، انكسرت شوكة عبد الناصر في المنطقة، وأعاد علاقته مع فيصل في المؤتمر العربي في الخرطوم نهاية أغسطس من العام نفسه.
أُثناء حرب 1967، وبعد قرار بعض الدول العربية إنشاء منظمة الدول العربية المصدرة للبترول، بما فيهم السعودية والكويت، بعد قرار الرئيس الأمريكي نيكسون بإمداد السلاح الجوي لإسرائيل؛ اجتمع وزراء النفط في الكويت يوم 16 أكتوبر، وأصدروا قرارًا ينص على أن: «على جميع الدول العربية المصدرة للبترول خفض نسبة التصدير بما لا يقل عن 5% من إنتاج شهر سبتمبر، والحفاظ على المستوى نفسه حتى تنسحب القوات الإسرائيلية من الأراضي العربية المحتلة خلال حرب 1967 واستعادة حقوق الشعب الفلسطيني». لكن الشاه لم يتبع القرار، وكان المصدر الرئيس للنفط لإسرائيل، والمقابل حرر الشاه «الشركة النفطية الإيرانية» من قبضة التحالف الغربي، وأعلن تأميمها الكامل.
لم يعجب أمريكا سياسة الملك فيصل تجاه الحرب، وتلقى تهديدًا من وزير الخارجية الأمريكية هنري كيسنجر، ما أجبر فيصل على وقف المقاطعة. وفي يوم 25 مارس (آذار) 1975، كانت حادثة اغتيال الملك فيصل على يد فيصل بن مساعد آل سعود، الذي تربى وترعرع في المؤسسات التعليمية الأمريكية، ويخبر الكاتب أنّه من المعتقد أن سبب الاغتيال هو قرار الملك فيصل بقطع تصدير النفط للولايات المتحدة. وبعد استلام الملك خالد آل سعود، زادت أهمية «منظمة الأوبك».
الدور الأمريكي يزيد المشهد تعقيدًا
أصبحت الأجندة السياسية للشاه في إيران محددة من قبل واشنطن، ودعا الرئيس جون كينيدي الشاه لمحاربة الفساد في العائلة الملكية، وإحداث إصلاحات اقتصادية اجتماعية، على مستوى تعزيز دور المرأة السياسي وإصلاحات في الحقول الزراعية. وفي منتصف الستينيات؛ أصبحت العلاقة بين الولايات المتحدة وإيران حديثًا عامًا، وذلك عندما قدمت أمريكا اقتراحًا للمجلس الإيراني التشريعي أو ما يسمى بالبرلمان، يسمح للمواطنين الأمريكان العمل في مشاريع عسكرية في الدولة، وتبعات هذا التشريع أنّ أمريكا ستقرض إيران 200 مليون دولار لشراء الأسلحة الأمريكية، وكان من بين المعترضين لهذا التشريع هو آية الله الخميني.
في هذا السنوات دخلت العلاقة الإيرانية السعودية مرحلة توتر، عندما أصبح الشاه رجل شرطة أمريكا في الخليج الفارسي، وتقارب مع النظام البعثي في العراق.
«الثورة الإسلامية».. قراءة خاطئة من السعودية
يذكر هيرو أنّ والد الخميني قُتل وعمره خمسة شهور. وكابن تربى في بيت محافظ، بدأ بدراسة القرآن في سنة السادسة، وانتقل بعدها في عمر العشرين إلى مدينة قم مع أستاذه آية الله عبدالكريم الحائري، لدراسة الشريعة، والأخلاق والفلسفة الروحية. وبدأ الخميني يصعد في سلم المراتب الشيعية، وكان الخميني معروفًا بعدائه لنظام الملكية، وقدم بديله الذي يسميه «ولاية الفقيه».
استمرت دعوة الخميني ضد الملكية في محاضراته العامة، والأشرطة الموزعة، وقيادته لحجاج مكة المكرمة. ومع قدرة الخميني على إحداث ثورة عام 1979، وإسقاط الملكية، أصيبت المملكة السعودية بتوتر كبير من الأحداث الجارية في إيران، ذلك لأنّها على غير مصر والعراق، ليست انقلابات عسكرية، وإنما ثورة شعبية بامتياز، وكان التخوف أيضًا من انتشار أفكار الخميني وعدائه للملكيات؛ وصول الشعوب لقناعة أنّ الملكيات ليست نظامًا إسلاميًا.
يخبر الكاتب أنّه بعد تبني الملك فيصل السلفية أداة سياسية لمواجهة الفكر العروبي، جاء الملك خالد لمواجهة رمزية الخميني ووقف انتشاره، من خلال الخطاب التفريقي بين السنة والشيعة، وبخطابه الذي يصنف أفعال وأقوال الخميني بأنّ لها صلة في المذهب الشيعي وقوانينه ولا يمت للسنة بصلة، وكان هذا الخطاب فعال بسبب الشعور العام للسنة في الخليج العربي.
كذلك كان الخميني معاديًا للتدخل الأمريكي في الشؤون الإيرانية، فقد أطلق عليها لقب «الشيطان الأكبر». كل هذه التوترات بين نظام الخميني والولايات المتحدة، انتقلت إلى الرياض، وعطلت الخطة الأمريكية ضد الاتحاد السوفيتي في الشرق الأوسط، والتي كانت معتمدة بشكل أساسي على القطب الثلاثي، السعودية وإيران وإسرائيل.
بعد خلع الشاه، استضافت أمريكا الشاه لعلاجه من السرطان، وطلب الخميني من أمريكا إرجاع الشاه لمقاضاته بسبب قتله آلاف المتظاهرين السلميين. وفي الوقت نفسه، انخفض التمثيل الدبلوماسي لأمريكا في إيران، وتقلص حجم السفارة الأمريكية في طهران، من ألف موظف إلى 60، في ربيع عام 1979.
مظاهر بمناسبة الذكرى الـ39 لاحتلال السفارة الأمريكية في طهران، 4 نوفمبر 2018
الثورة الإيرانية الثانية.. وخطر يحيط أبواب الكعبة!
يصف هيرو مرحلة إنهاء التوغل الأمريكي داخل إيران بـ«الثورة الثانية»، التي كان هدفها إنهاء التأثير الأمريكي في الحياة اليومية للإيرانيين، وكان هيرو صحافيًا ينقل الأحداث الجارية في طهران لصحيفة الـ«صنداي تايمز». كان الحدث الأبرز لهذه الثورة سقوط الحكومة العلمانيّة لمهدي بازركان وصعود حكومة يقودها الخميني ومجلس الثورة الإسلامي الذي يضم 13 عضوًا. كانت الثورة حاسمة في مطالبها، وكان احتلال السفارة من قبل الشعب ذا رمزية كبيرة، إذ رُفعت الشعارات التي تطالب بعودة الشاه من دون أي تفاوضات.
جهيمان العتيبي.. الوهابيّ الغاضب
في الوقت نفسه، كانت تعيش السعودية خطرًا داخليًا من جهيمان بن محمد العتيبي، حفيد أحد المقاتلين لطليعة الإخوان المتوفى في أحد المعارك ضد ابن سعود. عام 1954، انضم جهيمان للحرس الوطني السعودي، وانتقل عام 1973 للانضمام للجماعة السلفية في المدينة ليصبح أحد تلاميذ الشيخ عبدالعزيز بن باز.
وفي بداية عام 1977، أصدر وزير الشؤون الدينية قرارًا بإبعاد أعضاء المجموعة السلفية. بعد هذا القرار، قاد جهيمان المجموعة وانتقل مع أتباعه إلى منطقة القصيم. وفي نوفمبر عام 1979، أمر جهيمان أتباعه بإحاطة مكة المكرمة، حيث كانوا منتظرين الملك خالد في المسجد الحرام، وعندما لم يجدوه، أمر جهيمان إمام الكعبة أن يعلن استنكاره وإعلانه فساد العائلة الحاكمة وانحرافاتها الدينية، وبعد رفض الإمام ذلك؛ أمر جهيمان الأتباع بإغلاق الأبواب الـ39 للمسجد وبدأ إطلاق النار.
يذكر الكاتب أنّه عندها أمر الملك خالد الحرس الوطني السعودي بالتحرك، لم يستطيعوا السيطرة على المسجد لقلة خبرتهم. طلب الملك خالد المساعدة من المخابرات الأمريكية، ووفقًا ليورسلاف تروفيموف؛ فقد اعتنق بعض العاملين في المخابرات الأمريكية الإسلام للدخول إلى مكة مع تصديق من الشيخ ابن باز. أدارت المخابرات المعركة مع تنفيذ سعودي، وساندتهم قوات باكستانية بنداء عاجل من ولي العهد الأمير فهد إلى الجنرال محمد ضياء الحق الباكستاني، وانضم عدد من القوات الخاصة الباكستانية، واستطاعوا القبض على جهيمان وإنهاء الحصار.
جهيمان العتيبي أُعدم في 9 يناير (كانون الثاني) 1980- مصدر الصورة ويكيبديا
كانت حادثة جهيمان، كفيلة بتقوية الخطاب الوهابي في المجتمع السعودي، وتفعيل «هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر». وفي الفترة نفسها، وتأثرًا بحركة الإخوان المسلمين، التي انتقل كثير من أعضائها للعمل في السعودية، في القطاعات التعليمية والمالية، ومن هنا، بدأت تنشأ تدريجيًا حركة دينية دعوية أخرى، ما يسمى بالصحوة الإسلامية، التي كان أبرز أعلامها، الشيخ سلمان العودة، وسفر بن عبد الرحمن الحوالي.
شرق المملكة يشتعل.. صوت الخميني حاضرٌ في السعودية
بعد نجاح الثورة الإيرانية، بدأ الملايين من الأقليات الشيعية في المملكة بممارسة طقوسهم في عاشوراء، بعد منع دام 65 سنة، وكان مصدر إلهامهم الرئيس قائد الثورة الخميني، إذ قاد حملة تسمى منظمة الثورة الإسلامية في شبه الجزيرة العربية، التي تضمنت مطالب للسماح للشيعة بنشر كتبهم الدينية وبإنهاء الاستنكار الوهابي لهم.
كان هذا كفيلًا بأنّ يستفز القوات الوهابية للحرس الوطني للإحاطة بالتظاهرات، واستمرت المقاومة من قبل الأقليات لمدة ثلاثة أيام. ووفقًا لمنظمة الثورة الإسلامية في شبه الجزيرة العربية، فقد قتل 60 عضوًا من المنظمة، وأصيب 800 شخص، واعتقل 1200. وبعدها بفترة، انتقلت قيادة المنظمة إلى إيران وبريطانيا لنشر مجلة بالعربية من لندن.
«الضربة التي لا تقتلك تقويك».. حرب صدام والخميني
يعرض هيرو في كتابه أنّه بعد صعود النظام البعثي في العراق باعتباره لاعبًا إقليميًّا ودوليًّا، انتظر صدام حسين من أمريكا أن تسقط نظام حكم الأقلية الدينية (الأوليجاركية) في إيران. أخذ صدام حسين المهمة على عاتقه، وقرر التحرك قبل الانتخابات الأمريكية، خوفًا من يأتي رئيس ينحو منحى طبيعيًّا في العلاقات مع إيران. وفي الوقت نفسه كانت إيران في حالة عزلة دبلوماسية في المنطقة، وعلاقات متوترة مع السعودية، وروسيا، وأمريكا.
استطاع صدام أن يوقع اتفاقات سرية مع السعودية والكويت لدعمه تحركاته العسكرية. ويوم 22 سبتمبر 1980، احتلت العراق جزءًا من الحدود المشتركة مع إيران، وفجرت القواعد العسكرية الإيرانية وأهدافًا اقتصادية. دخلت إيران الحرب بـ100 ألف جندي، مقابل ربع مليون جندي عراقي.
أثناء الحرب العراقية الإيرانية؛ احتلت العراق منطقة مهران، وفي المقابل سيطرت إيران على شبه جزيرة الفاو. وطلب بعدها صدام حسين شبه جزيرة الفاو مقابل مهران، رفضت إيران طلب صدام، واستطاعت إعادة السيطرة على مهران من خلال تكتيكات حرب العصابات.
كانت السعودية والكويت بجانب الولايات المتحدة، يدًا بيدٍ مع العراق، بينما استطاع الخميني التحالف مع الاتحاد السوفيتي في حربه. يذكر هيرو موقفًا عندما كان صحفيًا يغطي الحرب، وكان هذا الموقف بالنسبة لهيرو نقطة قوة للإيرانيين في الحرب، وهي أنّه لا فرق بين الخطيب والمحارب في القتال، فبينما كان العلماء يخطبون في الجنود مساءً، كانوا يقاتلون صباحًا بجنب الآخرين. فقد كان موقف العلماء محفزًا أساسيًا للقتال، وظهرت العديد من الحركات التطوعية الجهادية مثل «حركة الباسيج».
سببت الحرب العراقية الإيرانية انتكاسة كبيرة في سوق النفط في العراق وإيران، وعليه انخفضت نسبة صادرات «منظمة الأوبك» النفطية، مما تسبب في رفع سعر برميل النفط إلى 47 دولارًا (أي ما يعادل اليوم حوالي 125 دولارًا). وسجلت شركة «أرامكو» السعودية رقمًا قياسيًا في أرباح النفط بقيمة 129 مليار دولار. وفي عام 1983، خسرت «منظمة أوبك» احتكارها وعليه أصبح سوق النفط، سوقًا حرًا يعتمد على العرض والطلب.
جعلت الحرب إيران تكتفي بذاتها من حيث الصناعة، والتوجه إلى أسواق أخرى شرق آسيا، وشجعت أمريكا هذا التحرك التجاري لإيران بشكل خفي، وذلك لتجعل دول الخليج أكثر اعتمادًا على واشنطن من ناحية الحماية الأمنية في المنطقة.
يذكر هيرو أنّ من أهم النتائج الأساسية للحرب، هو الإحكام الداخلي لحكومة الخميني، وبسبب العزلة الدولية أُجبرت إيران على الاعتماد على كفاءاتها. وبالرغم من فشل صدام في إزالة الخميني من الحكم، إلا أنّه نجح في وقف تمدد الثورة الإيرانية في الدول العربية. ومن بعدها بدأ التسابق والتنافس الإقليمي في المنطقة.
حرب الكويت تُجلس المتنافسين على طاولة واحدة
بدأ الغزو العراقي للكويت في عام 1990، ويذكر هيرو أنّه كان حدثًا محوريًا بالنسبة للسعودية والكويت وإيران، وحدث فيه تحول وتقارب سعودي إيراني. وبعد مساندة الكويت العراق في حربها ضد إيران، أرسل الأمير الكويتي وزير خارجيته إلى طهران لتقديم اعتذار رسمي بسبب دعم دولته لصدام أيام الحرب العراقية. أثناء الغزو الكويتي، استطاع الرئيس جورج بوش إقناع السعودية بدخول قواته البرية من خلال الأراضي السعودية، والذي قابله رفض كامل من قبل علماء الصحوة الإسلامية، ورفضٍ إيراني أيضًا، وقدمت مبادرة لتشكيل حلف إسلامي كحلف الناتو.
تحسنت العلاقة السعودية الإيرانية بعد انتهاء حرب الخليج، وحدث تقارب بين حكومة الرفسنجاني والملك فهد. وفي عام 1990، حضرت إيران مراقبًا في اجتماع «منظمة التعاون الخليجي» في الدوحة، وزادت السعودية في هذا العام، حصة إيران في الحج من 45 ألف حاج إلى 115 ألف إيراني.
وحينها زار وزير الخارجية الإيراني الملك فهد، بطلب توسيع عضوية منظمة التعاون وضم إيران، بهدف ردع أي محاولة اعتداء على دول المنظمة. وفي الفترة نفسها، كانت الولايات المتحدة تعمل على ترتيبات أمنية وعقد اتفاقيات دفاعية مع السعودية، مما أنهى الحلم الإيراني بأن تكون جزءًا من الترتيبات الأمنية في المنطقة، لأنّ سياستها معارضة لوجود القوات الأمريكية في المنطقة.
انفراجة في العلاقة السعودية الإيرانية
يعرض هيرو أنّ حكومة علي أكبر رفسنجاني انتهجت النهج الليبرالي في الاقتصاد، وعليه فقد شهدت إيران ما بين عام 1990 إلى 1991، نموًا سنويًا بنسبة 10.5%، وانخفاض في معدل التضخم بنسبة 8%. وفي هذه السنة، انقضى موسم الحج بشكل سلميّ من قبل الحجاج الإيرانيين، حيث لم تشهد السعودية أي شعارات أو تظاهرات داخل الحرم الشريف. وبعد تصدر رفسنجاني الحكم، عمل على تقوية العلاقات مع ولي العهد السعودي عبدالله بن العزيز آل سعود. وحسب هيرو فقد كان عبدالله بطبيعته مصلحًا، إذ عمل على كثير من الاصلاحات السياسية والدينية داخل السعودية.
وفي صيف عام 1994، أرسل الرفسنجاني ابنه مهدي، للقاء ولي العهد السعودي عبدالله، في المغرب، برفقة السفير الإيراني في ألمانيا حسين موسويان، وتباحثوا العلاقات السعودية الإيرانية. وتبع هذا اللقاء، لقاء آخر في جدة، واتفق ثلاثتهم أنّ العراق هي الملف الاستراتيجي للرياض وطهران وعليهم التعاون ما بينهم في هذا الملف. عقب هذا اللقاء مؤتمرات عدة، ولقاءات بين وزراء الخارجية، واتفقوا على إنشاء لجنة أمنية مشتركة، وأهدى عبدالله قطعة من كسوة الكعبة لإيران. ولكن الملك فهد كان قلقًا من أنّ هذه العلاقات قد تضر بمصلحة الرياض مع «الدولة الأخرى»، مشيرًا إلى الولايات المتحدة.
تفجيرات أبراج الخبر.. أشباح الماضي
كان يوم 25 يونيو (حزيران) عام 1996، يومًا عصبيًا على العلاقات الإيرانية السعودية؛ إذ شهد تفجيرات أبراج الخبر التي يسكن فيها أفراد من القوات الجوية الأمريكية بالقرب من قاعدة ظهران الأمريكية. ونتج عن الحادث مقتل 19 طيارًا وإصابة 372 آخرين.
كشف هذا الانفجار وجود القوات الأمريكية في السعودية بعد ما تم التضليل عليها لسنوات، ووجهت واشنطن أصابع الاتهام إلى طهران، وكان هذا الاتهام كفيلًا بتعطيل عملية تحسن العلاقات بين الرياض وطهران. ومع غياب الدليل القاطع لأمريكا التي اتهمت طهران، قرر ولي العهد الأمير عبدالله آنذاك التقليل من التركيز على أهمية الحادث.
بعد ساعات من الحادث، وصل نائب ومساعد لوزير الدفاع الأمريكي بتقرير على أنّ مرتكب الحادثة هو أحمد إبراهيم المغسل، شيعي يسكن في القطيف، والقائد العسكري لجماعة «حزب الله الحجاز»، أو ما يعرف بـ«حزب الله السعودي». ولكن إيران نفت انخراطها في هذا العمل.
برج الخبر بعد حادث الانفجار
في عام 1997، صعدت حكومة إيرانية أخرى يقودها سيد محمد خاتمي، وكان لخاتمي قبول كبير في الغرب وحكومة كلينتون خصوصًا. وعُرف عن خاتمي بندائه لـ«حوارٍ بين الحضارات»، في خطابه الشهير في المجلس العمومي للأمم المتحدة. استقبلت الرياض خبر تعيينه بشكل إيجابي، وسمحت للطيران الإيراني باستئناف رحلاته إلى المملكة.
وفي 26 نوفمبر 1997، قدم خاتمي دعوة للملك فهد لحضور مؤتمر «منظمة التعاون الإسلامي» في طهران، وحضر بديلًا عن الملك فهد ولي عهده عبدالله، وذلك بسبب ظروفه الصحية. كان خطابه خطابًا متفائلًا ومناشدًا بالدور الإيراني في سعيه للسلام، وذكر أهمية التفاهم بين دول العالم الإسلامي. وكانت سياسة خاتمي تحاول استرضاء واشنطن، وانعكس ذلك من خلال خطاباته ولقاءاته التلفزيونية، ففي لقاء الختامي مع قناة «سي إن إن»، نادى خاتمي لإعادة بناء الشعور الثقة بين طهران وواشنطن، وخرج المتحدث باسم الحكومة الأمريكية جيمس روبين مرحبًا بالمبادرة الإيرانية. تلقى خاتمي عام 1998 دعوة من السعودية لحضور الحج.
في مايو (أيار) 1998، أصدرت أمريكا تقريرها السنوي للدول الداعمة للإرهاب بموجب القانون الأمريكي، وكانت إيران أحد هذه الدول، ووصف التقرير إيران بأنّها الأكثر تمويلًا للإرهاب الدولي عام 1997، وأنّها تمول بالمال والسلاح حركتي «حماس» و«الجهاد الإسلامي». وأنّ عملاءها نفذوا ما لا يقل عن 13 اغتيالًا لقادة حركة «مجاهدين خلق» و«الحزب الكردستاني الديمقراطي» في إيران. ولكن لم يكن لهذا التقرير تأثير على العلاقة بين السعودية وإيران.
الهجرة إلى جنوب آسيا.. سنوات الدم
عمل الملك فيصل على تعزيز علاقاته مع باكستان وأفغانستان، واستطاع من خلال علاقته القوية ودعم باكستان في برنامجها النووي، ودعم الجماعات الإسلامية في باكستان والجمعيات الخيرية، كسب حلفًا قويًا في باكستان. وكانت رمزية فيصل كبيرة لدرجة أنّه بُني مسجد كبير على اسمه «فيصل باد»، وعمل عليه المعماري التركي فيدات دالوكاي، الذي صممه على شكل خيمة، بدون قبب.
مسجد فيصل في منطقة إسلام آباد عاصمة باكستان
أفغانستان.. ساحة الحرب الجديدة
وُفقًا لهيرو فقد كان دعم ولي العهد الأمير عبدالله لطالبان كبيرًا، ففي أبريل (نيسان) 1996، عُيّن ملا محمد عمر قائدًا لـ1200 عالمًا سُنيًا وزعيمًا لقبائل جنوب مدينة قندهار. وفي منتصف يونيو 1996، وصل الأمير تركي آل سعود إلى قندهار ليلتقي مع زعماء طالبان، وطلبوا من السعودية خدمات لوجيستية من المخابرات الباكستانية. وقد فرت لهم الرياض بعد اللقاء 400 سيارة من نوع تويوتا ومساعدات مالية. واستطاع الملا عمر فرض سيطرته على المنطقة، وفرض أفكاره الدينية، مثل فرض النقاب لباسًا للمرأة، وإجبار الرجال على إطلاق اللحى، وإغلاق مدارس الإناث.
لم يُعجب طهران، وروسيا، ودول وسط آسيا، سيطرة طالبان على الحكم في أفغانستان، وكان تعليق المتحدث باسم البيت الأبيض جلين دافيس أنّه لا يوجد شيء يستحق «الاعتراض» حول السياسات المحلية لطالبان.
أسامة بن لادن يدخل إلى المشهد
عندما أحكم ملا عمر سيطرته على كابول، دعا زميله أسامة بن لادن المنفي الخارج من السودان للانتقال إلى كهوف تورا بورا، وأصبح الملا عمر وبن لادن أصدقاء أعزاء. استمر الدعم السعودي والموافقة الإماراتية للملا العمر، وعيّن محمد رباني رئيسًا للوزراء، وسافر إلى الرياض في أبريل عام 1997، لطلب المزيد من الدعم السعودي. وقال حينها: «المملكة العربية السعودية هي مركز العالم الإسلامي، ونرغب بالدعم السعودي». لقى الطلب من الملك فهد القبول خصوصًا بعد سياسات طالبان لفرض «الشريعة» في أفغانستان.
في هذه الفترة، أعلن بن لادن عن رؤية «تنظيم القاعدة» استهداف الأمريكان واليهود في العالم وتحرير الأماكن الإسلامية المقدسة من العائلة المالكة في السعودية. ما اضطر الملك فهد إلى إرسال الأمير تركي إلى قندهار في يونيو 1998 للتباحث مع الملا عمر لتسليم بن لادن للسعودية.
في هذه الفترة، كانت الحرب الأهلية الأفغانية مشتعلة، بدعمٍ سعودي باكستاني، واستولت طالبان على 28 محافظة، بينما بقيت أربع محافظات تحت سيطرة المعارضة وقوات دستوم. وفي السياق العام، قسم ظهور طالبان أفغانستان إلى مخيمين، المخيم الأول بدعمٍ من باكستان والسعودية، والآخر بدعمٍ من إيران، وسط آسيا، روسيا، والهند.
إيران وطالبان رأسًا برأس
بعد سيطرة طالبان على مدينة مزار شريف في أفغانستان، اختفى 10 دبلوماسيين وصحافي واحد في القنصلية الإيرانية. وأعلنت طالبان أنّ هؤلاء الأفراد كانوا متورطين في نقل السلاح لأعدائهم، وأنّهم هربوا من مزار شريف. وتبعها تصريحات من طهران أنّهم أٌخذوا إلى قندهار مركز الملا عمر. تبع ذلك رفض كبير في إيران وصرح الرفسنجاني في خطبة الجمعة: «نحن نرفض أيديولوجيا طالبان وتجارتهم في الحرب». وفي 7 أغسطس 1998، انفجرت قنابل كبيرة في السفارات الأمريكية في نايروبي ودار السلام، وقتلت 227 منهم 12 أمريكيًّا. اتهمت إدارة كلينتون بن دلان وطلبت من طالبان تسليمه. ورفض الملا عمر تسليمه، قائلًا أنّ بن لادن ليس فقط ضيفًا للحكومة بل للشعب الأفغاني.
بعد عدة هجمات على السفارات الأمريكية في كينيا وتانزانيا، أرسل ولي العهد عبدالله الأمير تركي إلى قندهار لمقابلة الملا العمر، وكان ذلك بطلبٍ أمريكي، وعرض الأمير تركي أدلة الإف بي آي على الملا عمر على أنّ تورط «القاعدة» في هذه الهجمات. ووفقًا لتركي، فإنّ الملا عمر نفى نيته عن تسليم بن لادن، واستنكر كيف أنّ السعودية «لا تريد تحرير العالم الكفار». وتبين لتركي أنّ الملا عمر مسحورٌ ببن لادن، وأخفضت السعودية المستوى الدبلوماسي مع أفغانستان.
2001.. فصل جديد في رواية الصراع
بعد أحداث 11 من سبتمبر، والهجمات على البرجين، أعلنّ جورج بوش الحرب العالمية على «الإرهاب»، كان موقف إيران الرفض الكامل للهجمات، ووقفت الجموع الإيرانية في استاد طهران دقيقة صمت على قتلى الحادث. كما قابلت الهجمات رفضًا من المسؤولين السعوديين. يذكر هيرو أنّه كان يوجد اعتقاد سائد عند الأمراء السعوديين؛ بأنّ الهجمات جزء من المؤامرة الصهيونية لدفع الولايات المتحدة لإعلان حملة عالمية للحرب على «الإرهاب الإسلامي».
ويقول روبريت جوردان، وهو محام بارز من تكساس، أثناء زيارته للرياض في أكتوبر 2001: «كان العديد من الأمراء مؤمنين بأنّها مؤامرة يهودية»، وأضاف:«لقد ذكر وزير الداخلية الأمير نايف في خطابٍ عام له بأنّ الهجمات هي من المؤامرة الصهيونية حتى أنّ ولي العهد الملك عبدالله كان شاكًا في الأمر».
ومحاولة لاسترضاء أمريكا؛ قرر ولي العهد عبدالله زيادة حصة السعودية من النفط من «منظمة الأوبك» إلى 500 ألف برميل في اليوم، وأرسل زيادة 700 ألف برميل خلال ناقلات سعودية إلى أمريكا. ونتيجة عن ذلك، انخفض سعر برميل البترول من 28 دولارًا إلى 20 دولارًا في خلال أسابيع. على خلاف عبدالله، لم يبد على الأمير نايف اقتناعه في الرواية الأمريكية، ويبدو أنّه كان متفق مع الملا عمر عندما ذكر أنّه لا يمكن أنّ يكون بن لادن مسؤولًا، إذ أنه يملك طائرات. وذكر الملا عمر: «لا يوجد فرصة في أفغانستان للتدريبات المتعلقة بالطائرات».
البنتاجون يكشر عن أنيابه
لم يعجب طهران استغلال أمريكا لهذه الحادثة، لوضع موطئ قدم في وسط آسيا وطلب مساعدات من الدول المجاورة لأفغانستان. ويبدو أنّ الخامنئي بدأ يتذكر كرهه الدفين للولايات المتحدة، وتساءل خامنئي: «كيف يمكن لأمريكا العبث بمصالح إيران، وطلبها من إيران المساعدة للهجوم على الضعفاء والمساكين والمسلمين في أفغانستان؟».
بعد تفعيل المادة الخامسة من حلف الناتو، والتي تستدعي أنّ أي هجمة على عضو من أعضاء الحلف تستدعي أن يسمح له الأعضاء الآخرين باستخدام القواعد العسكرية، والمضائق البحرية، والدعم اللوجستي بشكل غير محدود، جهز البنتاجون نفسه للعمليات غير المحدودة لبدء الهجوم على أفغانستان. وكانت أمريكا تستخدم قاعدة الأمير سلطان الجوية، الذي أحرج الأمير نايف حين ناقض تصريحاتهم العلنية.
يذكر هيرو أنّ السعودية كانت متوجسة من ردة فعل شعبية حول قتل المسلمين في أفغانستان من قبل «النصارى». إذ أنّ استبيان لوزارة الداخلية أشار إلى وجود ما يقارب 95% من الشعب يساندون قضية أسامة بن لادن.
شبح القنبلة النووية يطل على المنطقة
يُخبر هيرو أنّه في أغسطس 2002، كشف مجلس المقاومة الوطني الإيراني في أحد المؤتمرات الصحفية في واشنطن، أنّ إيران تخبئ منشأة ضخمة لتخصيب اليورانيوم ومواقع أخرى من الوكالة الدولية للطاقة الذرية في فيينا. وتقع المنشأة تحت الأرض في مدينة نطنز شمال أصفهان. كان هذا المؤتمر أول خطوة لحكومة جورج بوش الثاني لمحاولة التخريب على إيران، كما جعل الإعلان الرياض قلقة من الطموح الإيراني في الشرق الأوسط.
في ليلة 12 يناير 2010، اغتيل علي المحمدي، بروفيسور الفيزياء النووية الإيراني، وتبعه عالم النووي ماجد الشهرياري. وجهت المخابرات الإيرانية أصابع الاتهام إلى إسرائيل معلنةً أنّ الحادثتين من تخطيط الموساد. بعد شهر من حادثة اغتيال الشهرياري، ألقت السلطات القبض على ماجد جمالي فاشي الذي اعترف في مقابلة تلفزيونية في يناير 2011 أنّه جُنِّد من قبل إسرائيل.
وذهابًا للتحالف السعودي الباكستاني؛ ففي مؤتمر منظمة التعاون الإسلامي في لاهور عام 1974، وفي اجتماع مغلق، تحدث رئيس الوزراء الباكستاني ذوالفقار علی بھتو مع الملك فيصل عن أهمية تصنيع قنبلة نووية في دولة إسلامية في ظل وجود القنابل النووية في الهند وإسرائيل. وافق الملك فيصل على توفير الأموال في مقابل وجود مظلة حماية للسعودية من قبل مشروع إسلام أباد النووي. وتبع هذا الاتفاق، اتفاق الطرفين على بروتوكول عسكري لمدة ثلاث سنوات في ديسمبر 1982.
يُشير هيرو أيضًا إلى النفوذ الذي عملت عليه إيران في المنطقة، فبعد سقوط حكومة صدام حسين، صعدت حكومة شيعية بتحالف كردستاني، ودعم إيراني ما أدى إلى توغل نفوذها، ودعمت الجماعة المسلحة في لبنان «حزب الله». وفي المشهد الفلسطيني، قدمت دعمًا كبيرًا لحركة «حماس» في بداياتها وعند سيطرتها على غزة.
الربيع العربي ونقيضه.. الثورة المضادة تقودها السعودية
يذكر هيرو أنّه بعد اندلاع الثورة في تونس ومصر، لعبت السعودية دورًا قويًّا لتحييد الربيع العربي، وبعد خلع الرئيس المخلوع بن علي، استقبلته الرياض، كما أرسلت دعوة أخرى لحسني مبارك لكنه رفض الدعوة بشكل لطيف وأبدى رغبته بالتقاعد في قصره في شرم الشيخ. وبعد أحداث الربيع العربي، برز قطبان دعويان في داخل السعودية، الأولى المدرسة الدينية الداعمة للسلطة متمثلة بمفتي الدولة عبدالعزيز الشيخ، والذي كان يصف التظاهرات بالفوضى، وعلى نقضيه الشيخ سلمان العودة، الذي كان معارضًا لسياسة المملكة، وأعلن دعمه للربيع العربي.
في 9 فبراير 2011، شكل تسعة من الأكاديميين، والمحامين، والنشطاء الاجتماعيين حزبًا أسموه حزب «الأمة الإسلامي»، مستلهمين من الربيع العربي، ونادوا بمقولات إصلاحية داخل المملكة. وأخرج مؤسسوا الحزب «عريضة» تطالب بترخيصٍ من الديوان الملكي السعودي، وبعد أسبوع اعتقل سبعة من الموقعين.
وفي الوقت نفسه خرجت عريضة أخرى تحت عنوان «تجاه دولة مؤسسات وحقوق»؛ تحمل نفس شعارات «حزب الأمة»، ولكنّها وُقعت من قبل 30 مفكرًا، من مختلف المجموعات السياسية، وتضمنت العودة ووليد أبو الخير.
عندما شعر الملك عبدالله بخطر جارف من الأحداث الأخيرة، أعلن يوم 22 فبراير، عن دعم لموظفي الدولة، والشباب، والفقراء بمبلغ 37 مليار دولار. وبعد محاولات عديدة لتخفيف أثر الربيع العربي والإعلان عن منح مالية للشعب، انطلقت مظاهرات سلمية أخرى؛ ولكنّها من الشيعة السعوديين مستلهمين من حراك الربيع في البحرين، ومطالبين بإصلاحات سياسية شرقي المملكة.
أبدع النظام استراتيجية شاملة لتجاوز التحدي، وبدأ بتوظيف المؤسسة الدينية وأجهزتها الدعائية بجانب أجهزتها الأمنية لإجهاض التظاهرات. وخرجت حينها هيئة كبار العلماء بتصريح بأنّ التظاهرات محرمة شرعًا. وخربت الأجهزة الاستخباراتية بعض صفحات «فيسبوك» الحاملة للتظاهرات نفسها، واخترقت بعضها. وبعد هذه الأعمال، أعلن الملك عبدالله عن مكافأة لموظفي الدولة بقيمة 93 مليار دولار.
بعد سقوط حكومة حسني مبارك وصعود محمد مرسي للسلطة، انتهج مرسي سياسة خارجية أكثر استقلالية من سلفه، فبدلًا من أن يجعل رحلته الأولى إلى أمريكا، ذهب إلى بكين، وحضر مؤتمرًا في طهران أغسطس عام 2012. ودعا طهران لحضور مؤتمر منظمة التعاون الإسلامي في فبراير 2013 بالقاهرة.
لم تعجب هذه التحركات ولي العهد الأمير سلمان، ورئيس المخابرات مقرن بن عبدالعزيز؛ اللذين كان تركيزهما منصبًا على زعزعة استقرار حكومة مرسي بجانب الإمارات والدولة العميقة في مصر. وأثناء أحداث 30 يونيو، خرجت بعض الشائعات التي تقول بتمويل السعودية والإمارات محاولة انقلابية في مصر. الأمر الذي تأكد في مارس 2015؛ بعد تسريب محادثة هاتفية بين رجال السيسي، الجنرال عباس كامل وصدقي صبحي.
حرب الوكالات.. السعودية وإيران في سوريا
كان لإيران دور آخر في سوريا، فبحسب هيرو أمدت طهران دمشق بنصائح للتحكم في الجماهير، وتقنيات تساعدها على مراقبة الإنترنت، كما دعمت قوات القدس الإيرانية، -إحدى فرق الحرس الثوري- قوات الأسد في إجهاض الاحتجاجات، إلا أنّ هذا الدعم في البداية لم يشكل فارقًا كبيرًا. وللعلاقة الإيرانية السورية تاريخ كبير منذ أيام حافظ الأسد، امتدت إلى بشار، إذ وقع الطرفين على اتفاقيات دفاع مشتركة عام 2005، واتفاقية تعاون عسكري في عام 2006.
اعتمد الأسد نهجًا مشابهًا لأبيه، في التعامل مع المحتجين والثوار. ففي خطاب مطول له في يناير 2012، شبه بشار الأسد المسئولين عن الانفجار الأخير في العاصمة بتمرد الإخوان المسلمين الفاشل عام 1980 على نظام الأسد العلوي. حينها كانت عضوية الإخوان المسلمين جرمًا كبيرًا، وكانت قوات الأمن تجهز بالقانون على كل من تشك فيه حتى اختفى الإسلاميون من سوريا. كذلك أعلن بشار الأسد أن كل الثوار السوريين، وأغلبهم من السنة، إرهابيون وخائنون ويجب التعامل مع الإرهاب بيد من حديد. من هنا بدأ عصر جديد من العنف في سوريا، خصوصًا مع تدخل العديد من القوى الأجنيبة في الحرب بالوكالة، والتي كان أهمها إيران.
وبحسب هيرو؛ بدأت قطر في دعم قوات محلية مناهضة للأسد بالأسلحة بشكل سري عن طريق تركيا، وعملوا مع الاستخبارات التركية لتقرير أي من الجماعات الثورية ستستقبل هذا الدعم. وفي المقابل، وحتى لا تتخلف عن جارتها ضئيلة الحجم، سعت السعودية إلى توفير أسلحة ومعدات لقوات معادية للأسد مثل الجيش السوري الحر منذ نوفمبر 2012 وما بعده، وكانت هذه المعدات تنتقل لسوريا عن طريق الأردن أو تركيا. وفي عام 2013، بلغ عدد حمولات الطائرات المحملة بالأسلحة والمعدات العسكرية 3500 حمولة، بتقدير متحفظ، في تعاون لوجيستي سري مخطط ومنظم له بشكل جيد.
وفقًا لوثيقة في غاية السرية مسربة من وكالة الأمن القومي الأمريكية، فإن الهجوم الصاروخي على القصر الجمهوري ومطار دمشق الدولي ومقر الأمن الحكومي في ذكري الثورة الثانية كانت من تخطيط الأمير سلمان بن سلطان شخصيًا، ابن وزير الدفاع حينها.
كما عملت القوات المناهضة للنظام على تكثيف تحركاتها لطرد قوات الأسد من أغلب مناطق سوريا الريفية. في حين كان العديد من صناع القانون والظباط الأمريكيين وكذلك القادة المعارضين للأسد متفقين على أن إمداد القوات المحلية المعارضة للنظام بالأسلحة، أمر ضروري بسبب إمداد روسيا وإيران النظام السوري بالأسلحة.
بدأ «تنظيم الدولة الإسلامية» في العراق تحت قيادة أبو بكر البغدادي، انتهاز حالة الحرب الأهلية في سوريا ليوسع نطاق نشاطه العنيف إلى سوريا، حتى أعلن قيام دولته الإسلامية في العراق وسوريا في أبريل (نيسان) 2013، مما عقد الحرب الأهلية في سوريا بحضور «داعش» باعتباره فاعلًا رئيسيًّا فيها، وبإعلانهم الرقة عاصمة لهم في عام 2014.
كانت الانقسامات في المعسكر الجهادي عمومًا في صالح النظام السوري، وساعدته على استعادة حقلي غاز من سلطة داعش، مما قواه ماليًا. صعد الملك سلمان بن عبد العزيز بعد توليه الحكم المنافسة مع إيران، وفي الفترة نفسها أدى القذف الجوي ضد داعش من قبل القوات الأمريكية أو الإيرانية، دون تنسيق عسكري أو استخبراتي فيما بينهما كما ادعى الطرفان، إلى إفقاد «داعش» قدرتها على التوسع في سوريا والعراق.
المشروع النووي الإيراني مستمر
بحسب هيرو فقد اعتمدت الولايات المتحدة خطة محكمة لخنق شريان الحياة للنفط الإيراني، وذلك بإحكام الحصار الاقتصادي على إيران وتوقيع عقوبات على البنك المركزي الإيراني، كذلك أوقفت خدمة (SWIFT) العالمية من جميع البنوك الإيرانية. أوقف الاتحاد الأوروبي استيراده النفط الإيراني في يوليو (تموز) 2012 بعد أن فشلت إيران في إقناع العالم بأن طبيعة برنامجها النووي السلمية، على حد تعبير وزير خارجية الاتحاد الأوروبي. في الوقت نفسه، أكدت السعودية استعدادها لإمداد السوق العالمي بأي كميات نفطية إضافية لتعويض النقص في النفط الإيراني.
وبعد سلسلة طويلة من المفاوضات واللقاءات في جينيفا عام 2013، توصل وزير خارجية إيران والمفوض السامي للشئون الخارجية للاتحاد الأوروبي، كاترين أشتون، إلى اتفاق ينص على خفض إيران معدل تخصيبها لليورانيوم إلى 5% على أن يتم فك الأصول الإيرانية المجمدة حول العالم المقدرة بحوالي 7 مليار دولار، في حين بدأ أفق تهدئة التوتر بين إيران والقوى العالمية تزداد، وكانت احتمالية التوصل لتسوية نهائية بخصوص الطاقة النووية الإيرانية مقلقة بالنسبة للسعودية. اعتمدت كل من السعودية وإسرائيل استراتيجية في التعامل مع هذه الاحتمالية، وهي الضغط على واشنطن للتعامل مع إيران بالقوة لمنعها من أن تصبح دولة نووية.
الرئيس الإيراني السابق محمود أحمدي نجاد يستعد لتوقيع الأمم المتحدة لتخصيب اليورانيوم
ساحات الحروب الباردة بين السعودية وإيران
يذكر هيرو أنّ الملك سلمان تقلد منصب حاكم الرياض لمدة 48 سنة منذ عام 1963 حتى عام 2011، مما أمده بمعرفة نافذة بخريطة العلاقات والقوة في بيت آل سعود. وسعى الملك منذ توليه الحكم في 2015 إلى تغيير الطريقة التقليدية الحذرة التي حكمت بها المملكة منذ نشأتها. وكان محمد بن سلمان حينها رئيس الديوان الملكي الحكومي ووليّ لولي العهد محمد بن نايف وزير الداخلية.
كان ابن سلمان يتعمد إخفاء أمور ذي أهمية قصوى عن محمد بن نايف حينها، فمثلًا قاد ابن سلمان حملة جوية في مارس 2015 للقضاء على الحوثيين في العاصمة صنعاء متجاهلًا إشراك ابن نايف أو متعب بن عبد الله رئيس الحرس الوطني السابق في صنع القرار.
وفي 21 يونيو 2017، رقى الملك سلمان ابنه محمد بن سلمان وليًّا للعهد عوضًا عن ابن عمه محمد بن نايف، الذي جُرد كذلك من منصبه وزيرًا للداخلية. كما أسس الملك سلمان رئاسة أمن الدولة لتتعامل مع أمور مثل مكافحة الإرهاب والاستخبارات وتحقيق القانون، على أن ترفع هذه المؤسسة تقاريرها مباشرة للملك. في هذه الأثناء تظاهر ابن سلمان وابن نايف بتضامنهما سويًا بشكل بارع، إلى حين عودة محمد بن نايف لقصرة في جدة ليجد طاقم حرس جديد يدين بولائه لابن سلمان وكذلك منعه من السفر.
اليمن وسوريا.. رؤية سعودية منعدمة واستغلال إيرانيّ
ويوثق هيرو في كتابه أنّ احتجاجات الربيع العربي أدت إلى خلع الرئيس اليمني علي عبد الله صالح بعد 32 سنة في الحكم، في فبراير 2012. وتولي نائب الرئيس عبد ربه منصور، منصب رئيس الجمهورية بعد انتخابات كان هو المرشح الوحيد فيها، وعمد منصور إلى إقامة مؤتمر شعبي يهدف إلى حل الأزمة السياسية للبلاد إلا أنها كانت مهمة شاقة عليه لعدم كفاءته السياسية.
كذلك فشل منصور في كسب ولاء الجيش، ومن ناحية أخرى ارتفعت أسعار النفط بشكل هائل بعد رفع الدعم الحكومي مما أدى إلى تصاعد وتيرة التظاهرات المعارضة له في العاصمة. لم يتقبل الحوثيون هذا الوضع واستولوا على العاصمة دونما أي مقاومة من الجيش المفكك والمرتبك أساسًا.
بعد انخراطه المتعجل في الحرب اليمنية المعقدة، وجد ابن سلمان نفسه بدون استراتيجية واضحة أو خطة للخروج من المأزق. ادعى ابن سلمان أن قرار التدخل في الحرب اتخذ من قبل مجلس الوزراء ومجلس الشؤون السياسية والأمنية وصدق عليه من طرف الملك سلمان، وأنّ كل ما فعله بصفته وزير الدفاع هو تنفيذ هذا القرار. إلا أن تصريحه تتناقض مع حقيقة أن الأمير متعب بن عبد الله كان خارج البلاد عندما اتخذ القرار ولم يتم إعلامه أو استشارته مسبقًا من طرف ابن سلمان.
أخطأ ابن سلمان خطأ فادحًا بألا يتبع غارته الجوية بتدخل بري حاسم ليسطر على أرض أخذها من يد «عدو»، وانتهى به الحال لتحويل ساحة اليمن إلى مستنقع وحشي يزيدها فقرًا ويكلف الخزانة السعودية 6 مليار دولار شهريًا.
خلال هذه الأعوام، صعّدت حادثة الفرار الجماعي التي راح ضحيتها 2411 حاجًا من بينهم 464 حاجًّا إيرانيًّا، التوترات بين السعودية وإيران، إذ طالبت إيران بتحقيق دولي إسلامي في الحادث وتجاهله ابن سلمان، ودعت إيران إلى تحويل مسؤولية الحرمين إلى إشراف دولي إسلامي، سارعت الرياض في رفضه. على إثره أعلنت الحكومة السعودية في مايو (أيار) 2016 أن الإيرانيين ممنوعون من المشاركة في موسم الحج القادم.
على الجانب السوري، تضاءل اهتمام إدارة أوباما بإسقاط نظام الأسد بعدما أعلن أوباما في يونيو 2014 أن عدو أمريكا الأول هو «تنظيم الدولة الإسلامية»، وعليه حث دول الخليج على إرسال وحدات عسكرية لمعاونة الحكومة العراقية، إلا أنهم تجاهلوا الأمر. وفي أواخر عام 2014 أدرك صناع سياسة أمريكا أن الخيار الواقعي الوحيد بعد سقوط نظام الأسد، هو نظام يهيمن عليه الجماعات الجهادية المتطرفة.
وكانت هذه الأخبار مخيبة لآمال السعودية التي اشتكت من أن حاجة الولايات المتحدة لعون إيران في مواجهة «داعش» في العراق وتفاؤلها بخصوص التوصل إلى اتفاق تسوية لبرنامجها النووي؛ جعلتها تفقد عزمها لإسقاط حليف إيران في سوريا، أيّ بشار الأسد. نتيجة لذلك، اتجه ابن سلمان لإنشاء جيش الفتح وهي هيكل قيادي لسبع جماعات جهادية في سوريا، وذلك لتدعيم موقف بلاده في الحرب الأهلية السورية.
ضم هذا الجيش «جبهة النصرة» و«أحرار الشام» مكونين بذلك 90% من محاربي «جيش الفتح» الذي أثبت فاعليته، كما دعمه ابن سلمان بصواريخ مضادة للدبابات مما ساعده على السيطرة على إدلب ومدن أخرى على الحدود مع تركيا.
كانت المفاوضات بين إيران ومجموعة الدول الخمس +1 (P5+1) الدائمين في مجلس الأمن (الولايات المتحدة، وفرنسا، وبريطانيا، وروسيا، والصين، وألمانيا) تسعى للتوصل إلى اتفاق نهائي بخصوص برنامج إيران النووي على مدار عام 2014. وكانت هذه الدول، رغم اختلاف تفضيلاتها بخصوص تفاصيل وبنود الاتفاق المنتظر، متفقة على إبقاء إيران على الأقل عامًا واحدًا قبل استطاعتها إنتاج وقود نووي كاف لإنتاج أي سلاح.
كانت المفاوضات تدور بشكل رئيسي حول ثلاث نقاط محورية: مدة تطبيق القيود على برنامجها النووي ضمن الاتفاقية، وشكل وسرعة إنهاء عقوبات الأمم المتحدة الواقعة على إيران، والعقوبة المحتمل توقيعها في حال عدم امتثال إيران للبرتوكول المتفق عليه.
ويذكر هيرو من خلال أمثلة مفصلة وكثيرة، أنّ القوات البحرية الأمريكية اعترضت سفن ومراكب شراعية محملة بالأسلحة الثقيلة من إيران، لمد الحوثيين بالسلاح وقوات صالح في اليمن بين عامين 2015 و2016. وبين أحداث حرب اليمن، استغلت إيران التقارير المتزايدة حول الخسائر البشرية وتدني الأوضاع المعيشية نتاجًا على التدخل السعودي العسكري، بمساعدة القوات المقاومة في اليمن في وقت كانوا في أمس الحاجة إليه.
ترامب يشعل الحرب الباردة
يذكر هيرو أنّ عام 2017 كان مليئًا بالتغيرات على المستوى الدولي، وكان صعود ترامب من أبرز التغيرات. فلأول مرة في تاريخ أمريكا يصبح رجل أعمال رئيسًا، لم يسبق له تقلد أيّ منصب سياسي، ولا انخراطًا في الشأن العام. وبعد حملته العنصرية على المسلمين وفرض قانون «جاستا» الذي يمنع دخول المسلمين من عدة دول الأراضي الأمريكية، بدأ ترامب حملته لجمع الأموال من السعودية، حيث صرح في يناير 2017 أنّ واشنطن تخسر الكثير من الأموال من أجل حماية المملكة. كما أيدت الرياض سياسة ترامب الخارجية التي تناقض سياسة الرئيس السابق باراك أوباما، وخصوصًا فيما يتعلق بالاتفاق النووي، وتركيز حكومة أوباما على استهدافات السعودية للمدنيين في حربها في اليمن.
في يوم 20 مايو من العام نفسه؛ استقبل الملك سلمان وولي عهده محمد ابن سلمان ترامب في الرياض، حيث وجد الضيوف الأمريكان، الشوارع مزينة بأعلام السعودية وأمريكا، وصور ترامب وسلمان مكتوب عليها شعار «العزم يجمعنا». وبعد هذا اللقاء اجتمع الرئيس ترامب والملك سلمان ووقعوا اتفاقية أسلحة بلغت 350 مليار دولار خلال العقد القادم.
صورة لترامب والملك سلمان في قمة الرياض 2017
ابن سلمان لا يتماهى مع إيران.. وحصار قطر لم يحصد ثماره
في 19 مايو من العام نفسه، انتخب الشعب الإيراني مرة أخرى رئيسهم حسن روحاني، ولم يعتمد ولي العهد محمد ابن سلمان سياسة التماهي والحوار مع إيران، وإنما حدد موقفه في مقابلة تلفزيونية في «قناة العربية» عندما سُئل إذا كان هناك نية لحوار مفتوح مع إيران، فأجاب قائلًا: «كيف يمكن لي التفاهم مع شخص أو نظام يرتكز على الأفكار المتطرفة؟».
فتح محمد بن سلمان جبهة أخرى عند حصاره لقطر، بتعاونٍ من الإمارات والبحرين ومصر، والذي بدأ يوم 23 مايو عند اختراق «وكالة الأنباء القطرية». وادعاء دول الحصار أنّ السبب الأساسي للحصار هو دعم قطر للإرهاب، وإعلانها عدة مطالب لوقف الحصار، والتي كان أحدها إغلاق «قناة الجزيرة». ومنعت السعودية الطيران القطري من التحليق فوق أراضيها، كما أوقفت الإمداد الغذائي البري.
كان حصار قطر كفيلًا بتقوية العلاقات بين أنقرة والدوحة، إذ تعهدت تركيا بالإمداد الغذائي مقابل نشر قواتها في قاعدتها العسكرية التركية في قطر، كما عززت الأزمة علاقة قطر مع إيران. ووقع القطريون مع إيران وتركيا اتفاقية نقل تجاري. وشهد هذا العام أحداثًا كثيرة، مثل استقالة الحريري في الرياض وسحب استقالته عند عودته إلى لبنان، ونقل السفارة الأمريكية إلى القدس، والتي كان للسعودية والإمارات دور كبير في إتمام هذه العملية. يعرض هيرو أنّ ابن سلمان يؤمن أنّه مع وجود دعم إدارة ترامب، ستستطيع السعودية وحلفاؤها العرب بناء تحالف قوي ضد إيران.
وبدعمٍ من الرئيس دونالد ترامب المعادي لإيران؛ حاول ابن سلمان مقاومة الهيمنة الإيرانية، مع نجاح قليل إلى الآن. وتحولت حربه في اليمن المكلفة، إلى مستنقع ليس من السهل الخروج منه، ولا يظهر أنّ حصاره على قطر قد أعطى ثماره إلى الآن. فما زالت خطة قطر لاستضافة كأس العام 2022 قائمة مع شركات بناء تركية عملاقة. وفشلت محاولته في زعزعة استقرار لبنان التي تحكمها حكومة الوفاق الوطني مع وزراء داعمين لـ«حزب الله» اللبناني. كما أنّه خسر ثقة حليفه التاريخي باكستان، عند محاولته طلب الدعم الباكستاني في اليمن، إذ تلقى النداء السعودي رفضًا من صانعي القوانين في إسلام أباد، لإدراكهم لأهمية الأقلية الشيعية في باكستان ونفوذها.
علامات
أمريكا, إيران, الثورات المضادة, الربيع العربي, السغودية, السنّة, الشيعة, النووي الإيراني, باكستان, بشار الأسد, محمد بن سلمان