يأتي فيلم «الجمال الجانبي – Collateral Beauty»، كاستمرار لتقليد راسخ في صناعة السينما الأمريكية بتقديم مجموعة من الأفلام في موسم نهاية العام، وأجازات الكريسماس، وعادة ما يكون لهذه الأفلام طابع خاص، متنوعةً ما بين خفيفة الظل التي تحتفي بفرحة وبهجة موسم الأعياد، مثل سلسلة «Home Alone» وسلسلة «Bad Santa»، وأفلام أخرى تهتم بإبراز المشاعر والعواطف الإنسانية الأسرية في دعوة للناس للتقرب إلى عائلاتهم وأحبائهم ومشاركتهم هذه المناسبة الخاصة التي تأتي مرة واحدة في العام، مثل أفلام «Love Actually» و«The Holiday».
ينتمي «Collateral Beauty» إلى النوع الثاني من «أفلام الكريسماس»، والذي تميزه هو الآخر مجموعة من الخصائص، أولًا لاحتوائه على عدد كبير من نجوم الصف الأول، سواء أمريكيين أو بريطانيين، فعلى سبيل المثال فيلم «New Year’s Eve» (2011) مكتوب على «الأفيش» الرسمي الخاص به أسماء 18 ممثلًا شهيرًا، تبدأ القائمة بهالي بيري وجيسيكا بيل وتمر بروبرت دي نيرو وكاثرين هيجل، وصولًا إلى ميشيل فايفر وزاك إيفرون.
ولا تعتمد طبيعة تلك الأفلام على حبكة معقدة، وإنما على مجموعة لقصص متداخلة وخفيفة في الإطار العام لجو الأعياد، والخصيصة الثالثة أن العالم سيبدو متألقا في تلك الأفلام التي غالبا ما يتم تصويرها في مدينة كبيرة مثل نيويورك أو شيكاجو أو لندن، كل شيء لامع ومتألق ونظيف، والناس في قمة الأناقة والسعادة، ولن تجد فقيرًا أو محتاجًا وستختفي الجريمة والفقر والمخدرات والجنس الذي تعج به الأفلام الأمريكية الأخرى مؤقتا. كل شيء يدور على أكمل وجه، فيما تنساب موسيقى الكريسماس الوديعة الحالمة في الخلفية، «كله نظيف كله نحيف كله مهفهف كله لطيف»، كما تقول الكلمات الساخرة في أغنية المطربة اللبنانية ياسمين حمدان.
شركة ناجحة على وشك الانهيار
يروي الفيلم حكاية أربعة أشخاص يديرون شركة كبيرة للتسويق في حي «ماديسون آفينيو»، وهو حي وكالات التسويق والإعلان الأمريكية العملاقة، في مدينة نيويورك.
تبدو الشركة على أحسن ما يكون تحت إدارة الشريكين الرئيسيين هوارد (يؤدي دوره ويل سميث) وويت (يؤدي دوره إدوارد نورتون)، وبمعاونة اثنين من كبار التنفيذيين بالشركة، كلير (تؤدي الدور كيت وينسليت) وسايمون (يؤدي الدور مايكل بينا).
الكل سعيد وأسهم الشركة على البورصة تحلق في سماء وول ستريت، وكبرى الأسماء الاستهلاكية تسعى للتعاقد مع شركة «هوارد وويت»، للترويج لبضائعها عبر وصفة لا تخيب مكونة من ثلاثة مفاهيم تجريدية يؤمن بها هوارد: الحب والزمن والموت. الكل يسعى للحب، ويخشى الموت، وفيما بينهما يمضي الزمن، الذي هو السلعة الرئيسية الأعلى ثمنًا في الحياة كلها، فهي كفيلة أن تقربك أو تبعدك عن الحب والموت.
تنهار تلك الصورة الجميلة والمثالية فجأة إثر فقد هوارد لابنته ذات الست سنوات بعد أن تغلب عليها مرض نادر، يصاب هوارد بصدمة بالغة ويظل شهورًا طويلة لا يستطيع القيام بأي عمل منتج، كل ما يفعله في يومه هو الذهاب إلى المكتب ليقوم بقضاء اليوم بأكمله في رص قطع الدومينو في تراكيب هندسية ضخمة ومعقدة يظل يعمل فيها ثلاثة أو خمسة أيام ثم يقوم بدفع قطعة دومينو بإصبعة فينهار البناء بأكلمه في شكل متسلسل خلال ثوانٍ، ليبدأ هوارد في البناء الجديد صباح اليوم التالي. أيضا يقوم بقيادة دراجته بشكل متهور عكس الاتجاه ليلا، وفي عطلات نهاية الأسبوع يجلس في حديقة واسعة يراقب الكلاب التي أتى بها أصحابها للتنزه. كما يداوم على شيء آخر غريب، يكتب رسائل غاضبة ويضعها في صندوق البريد بشكل دوري، رسائل لا يوجهها لأشخاص، وإنما يوجهها لمفاهيمه الثلاثة المجردة، فيكتب للحب، والموت، والوقت.
يمر الوقت، وتخسر الشركة عملاء هوارد الذين يصرون على التعامل معه فقط أو سحب أعمالهم من الشركة، بجانب خسارة طاقته ومجهوده وشخصيته ذات الكاريزما التي اعتمدت عليها الشركة في النجاح، كما تصبح أسهم الشركة أيضًا مهددة بالانهيار.
الأزمة بحاجة لحل سريع
في نفس الوقت يمر الشركاء الثلاثة الآخرون بأزمات مختلفة، ويت كان قد انفصل عن زوجته مؤخرًا ويمر بأزمة كبرى في علاقته بابنته الصغيرة التي ترفضه، وتحمله مسؤولية هدم الأسرة. كلير المرأة الأربعينية تبدو في أمس الحاجة للإنجاب قبل أن يتقدم سنها ويصبح الأمر متأخرًا للغاية، وتحاول بشتى الطرق الاستعانة بعيادات التخصيب لزيادة فرصها للحصول على طفل. أيضًا سايمون لديه مشاكل صحية كبيرة ويبدو وكأنه يحتضر، وفي نفس الوقت لديه أسرة يشعر بالقلق على مستقبلها إذا ما أصابه سوء.
الثلاثة في أزمات، مع «االوقت» و«الحب» و«الموت»، والثلاثة يأتيهم عرض مغرٍ من شركة كبرى بشراء شركتهم بسعر عالٍ للسهم الواحد، مع الاحتفاظ بجميع الموظفين وطاقم العمل، والثلاثة في حاجة إلى المال، والثلاثة عاجزون عن إقناع هوارد باتمام الصفقة، لا يبدو هوارد مهتما ودائما يعزل نفسه عن العالم وكأنه في مكان آخر بعيد.
بمصادفة بحتة تخطر لويت فكرة بعد أن يعلم بموضوع رسائل هوارد التجريدية، يقنع شركاءه باستئجار ثلاثة ممثلين يقومون بأدوار الموت والحب والوقت، ويتم ترتيب مواقف مجهزة مسبقًا ليتعامل هؤلاء مع هوارد. يستطرد ويت في شرح فكرته لشركائه وسط دهشتهم، فيخبرهم أنه من المتوقع أن يستفز ذلك هوراد للقيام بأمور حمقاء، ثم يُسجّل هو كل ما يقوم به هوارد بالفيديو وعرضه على مجلس إدارة المستثمرين في الشركة ليتخذوا قرارًا بعدم أهلية هوارد باتخاذ القرارات، وبالتالي تكون ممانعته أو اعتراضه على بيع الشركة لأخرى أكبر لا محل لها، وبالتالي يمكنهم البيع، وتحقيق المال الذي يحتاجه ثلاثتهم.
تبدأ الخطة عبر استئجار ثلاثة ممثلين مسرحيين عاطلين ومتوسطي الموهبة، وهم بريجيت (تؤدي الدول هيلين ميرين) التي تختار لعب دور الموت، وإيمي (تؤدي الدول كييرا نايتلي) في دور الحب، ورافي (يؤدي الدور جاكوب لايتمور) في دور الوقت.
وعبر مواقف مرتبة بدقة تقوم بريجيت بمقابلة هوارد حيث تجلس بجانبه على مقعد في الحديقة التي يداوم على زيارتها، وتخرج له أحد خطاباته، التي يحصل عليها ويت برشوة ساعي البريد، وتخبره أنها الموت وأنها ترفض خطاباته المليئة بالغضب، وأنها لا علاقة لها بمعاناته، وإنما يأسه من العالم ورفضه للمضي قدمًا هما سبب أزمته، فلينظر إلى كل ما يمتلكه من أسباب لرغد العيش، وكل من حوله من أصدقاء محبين، وسيفهم أن الغضب أعماه عن نعم كثيرة يمكنها مساندته في أمته.
يبدو هوارد رافضًا لمنطق بريجيت، وكذلك منطق إيمي (الحب) ورافي (الوقت)، ويستفزه حديثهم فيصرخ، ويصيح بصوت عالي، بل ويكسر الأشياء من حولهم أيضًا. كل ذلك يُسجّل على كاميرا تتابع هوارد لحظة بلحظة، أما الأخطر فهو أن ويت سيقوم بمسح الشخصيات الثلاثة رقميًا من الفيديو، ليبدو هوارد مجنونًا يكلم نفسه ويصرخ في الهواء ويضرب الفراغ، وبذلك يضمن نجاح خطته.
تقديم متواضع لفكرة متميزة
رغم حداثة الفكرة، وتميّزها، واعتماد الفيلم على مفاهيم مجردة، إلا أن التنفيذ كان متواضعًا، بل ربما لم يكن موفقًا أن يُنتج بالهيئة المتماشية مع نوعية أفلام الكريسماس الخفيفة. وربما كان الأكثر حداثة أن يستثمر المخرج ديفيد فرانكيل وقتًا ومجهودًا أكبر في العمل، مثلما فعل من قبل في أفلام استثنائية مثل «The Devil Wears Prada» لميريل ستريب وآنا هاثواي (رشحت ستريب لنيل الأوسكار عن دورها)، و«The Big year» للثلاثي جاك بلاك وأوين ويلسون وستيف مارتن، حيث وضعهم فرانكيل في أدوار لم يعتدها المتفرج من هؤلاء الكوميديين.
في المقابل، جاء أداء جميع الشخصيات في الفيلم نمطيًا ليناسب نوعية أفلام الكريسماس، التي لا يمكن أن نتوقع منها أكثر من ذلك، إلا أن دور هوارد المركب فرض على ويل سميث حدًا أدنى من براعة الأداء لم ينجح في تقديمها في الفيلم فجاء أداؤه محبطًا.

(المصدر: catholicphilly.com)
ويل سميث بطبيعة شخصيته يحب اختيار الشخصيات التراجيدية، شخصية «الشهيد» الذي يقابل المأساة وحيدًا ويقبل العذاب عن طيب خاطر، لعب ذلك في أكثر من فيلم منها «Seven Pounds» و«I Am Legend»، وأيضًا «Hancock»، الذي قدم فيه (ضمن مرات قليلة في السينما الأمريكية) فكرة البطل الخارق الذي يرفضه الناس، فيحبس نفسه عنهم، ويجتر ذكرياته ويغرق في شرب الخمر، لكنه لا يمنع نفسه من مساعدة الناس على الرغم من علمه أنهم سيلعنونه بعد ذلك.
فرص ويل سميث الضائعة
مشكلة ويل سميث في هذا الفيلم، أن شخصيته فيه، كانت تفرض صمتًا طويلًا أثناء المشاهد التي ظهرت فيها، بعكس باقي الشخصيات التي كتب لها حوارًا طويلًا، مما ألزم سميث باستخدام لغة الجسد وتعبيرات الوجه طوال الوقت، لكنه قدم ذلك بشكل فقير.
ويبدو ويل سميث بارعًا في اختيار الفرص الضائعة طوال الوقت، فباستثناء فيلمي «Ali» من إخراج مايكل مان في 2002، والذي لعب فيه سميث دور أسطورة الملاكمة محمد علي كلاي، وفيلم «The Pursuit of Happiness» لجابريل موشينو (2007)، المأخوذ عن قصة حقيقيها كتبها للسينما ستيف كونراد، الذي سبق وكتب سيناريو فيلم نيكولاس كيدج «The Weather Man»؛ باستثنائهما يبدو سميث غير قادر على استيعاب الأدوار الدرامية التي تسند إليه، وتقديم أداء مبهر يؤهله لنيل جائزة الأوسكار التي اقترب من نيلها مرتين (عن دوريه في الفيلمين السابقين)، ويظل سميث متألقًا في أدوار الكوميديا الاجتماعية وكوميديا الأكشن، وبعيدًا عن دور درامي مبهر منذ آخر أداء درامي جاد قدمه مما يقرب من 10 سنوات.
الشخصية الوحيدة التي لعبت دورًا متميزًا كانت ماديلين (تؤدي الدور نعومي هاريس)، والتي تظهر في الفيلم بعدما يتوجه هوارد في إحدى الليالي إلى مكان يجتمع فيه أشخاص فقدوا أطفالهم. مجموعة دعم تشرف عليها ماديلين، فتدعوه للدخول وتقديم نفسه والمشاركة في الحديث، إلا أنه يكتفي بإخبار اسمه، ولا يجيب عن باقي الأسئلة وخصوصًا اسم طفلته، ويوشك على المغادرة، فيما تستبقيه ماديلين بصبر ومحبة وهدوء. وتحاول أن تدعمه خلال أزمته حتى نهاية الفيلم، على الرغم من أنها فقدت أيضًا طفلة في وقت ليس ببعيد.
وفيلم الجمال الجانبي، بمثابة شريط سينمائي لم يقدر له أن يصبح فيلمًا مهمًا، رغم توفر الفكرة الرائعة، وطاقم العمل المتميز، ومخرج ناجح.
يبدو الفيلم مشوشًا ونمطيًا مع عدد لا بأس به من المغالطات المنطقية، فرضتها قصة خفيفة صيغت ونفذت على عجل في إطار ما يُعرف بـ«الواقعية التجريبية» التي تبرر أشياء مثل مراسلة هوارد لمفاهيم مجردة، وبنائه هياكل من الدومينور وهدمها مرة أُخرى بشكل غير مبرر.
إلى جانب ذلك، لا يبدو أن عنوان الفيلم مفهوم، فما المقصود بالجمال الجانبي في سياق الفيلم؟ ردًا على هذا السؤال قدّم الفيلم إجابة مختزلة، وغير مقنعة، على لسان مادلين، التي أخبرت هوارد أنه أثناء احتضار ابنتها، كانت هناك سيدة عجوز بجانبها في المستشفى، نظرت إليها في عينيها وقالت لها: «احذري ألا يفوتك ملاحظة الجمال الجانبي». قالت ذلك وسكتت، ولم يفهم الجمهور، ولم يبدُ على مادلين نفسها أنها فهمت أيضًا.