المريخ من أكثر الكواكب تداولًا في روايات الخيال العلمي، ويحلم البشر منذ زمن باستيطانِه باعتباره كوكبًا بديلًا عن الأرض، في ظل المشكلات البيئية والتغيرات المناخية التي يشهدها كوكبنا. فما هي طبيعة كوكب المريخ؟ وما مدى قابليته لاستضافة الحياة البشرية؟ وكيف يسعى العلماء لإرسال البشر إلى الكوكب الأحمر؟ وهل نرى قريبًا مدنًا يسكنها البشر على سطح المريخ؟ وكيف تنوي الإمارات خوض هذا السباق المحموم؟
المريخ.. حقائق وأرقام عن الكوكب الأحمر
المريخ هو رابع كواكب المجموعة الشمسية المُلقب بالكوكب الأحمر؛ إذ تظهر الصخور والتربة والسماء عليه باللون الأحمر أو الوردي. يبدو المريخ بهذا اللون نتيجة تفاعل الحديد في تربته السطحية، مع كمية الأكسجين المتاحة على الكوكب مما جعلها تصدأ، ويبلغ حجمه نصف حجم الأرض تقريبًا، وتبلغ كتلته 0.107 من كتلة الأرض. ويملك غلافًا جويًّا رقيقًا جدًا، يتألف في الغالب من ثاني أكسيد الكربون المكون الرئيسيّ له، بالإضافة إلى النيتروجين والأرجون، يليه الأكسجين والماء بنسب ضئيلة.
Embed from Getty Images
يبلغ متوسط درجة الحرارة المسجلة على سطح المريخ 63° مئوية تحت الصفر، مع درجة حرارة قصوى تبلغ 20° مئوية، وحد أدنى 140°مئوية تحت الصفر، ويُقدّر طول اليوم على سطحه بـ24.6 ساعة أرضية، ويُكمل دورة حول الشمس كل 687 يومًا أرضيًّا.
يدور حوله قمران طبيعيان هما فوبوس وديموس، ويحتوي فوبوس على حفر وأخاديد عميقة على سطحه، بالإضافة إلى ذلك، يمتلك المريخ بعض التضاريس المتنوعة والمثيرة للاهتمام أكثر من أي كوكب أرضي آخر. على سبيل المثال، جبل أوليمبوس مونس الذي يُعد أكبر جبل في النظام الشمسي. يبلغ ارتفاعه نحو 22 كم، ويبلغ قُطر قاعدته أكثر من 500 كم.
ما الذي يجب أخذه بالاعتبار قبل التفكير في استعمار الكوكب الأحمر؟
في البداية، يجب أن نعرف أن الوصول إلى سطح الكوكب الأحمر ليس بالمهمة اليسيرة؛ إذ تُقدّر نسبة النجاح الإجمالية في العالم من بعثات المريخ منذ عام 1960 بأقل من 50%، إلا أن وكالة الفضاء الأمريكية (ناسا) تتميز بأفضل نسبة نجاح تصل إلى حوالي 70%. وقد أُرسلت 21 بعثة إلى المريخ منذ عام 1960، لم تنجح منها سوى ست بعثات فقط.
يرجع ذلك إلى طبيعة الكوكب القاسية، من درجات حرارة متطرفة إلى ضغط منخفض؛ إذ يُقدّر متوسّط الضغط على سطحه حوالي سبعة مللي بار فقط (أقل من 1% من ضغط الأرض). هذا بالإضافة إلى عدم توافر مركبة فضائية قادرة على إنزال البشر على المريخ حتى الآن؛ فالغلاف الجوي الرقيق للمريخ لا يمكنه نفخ مظلّات كبيرة جدًا بسرعة، وهو الأمر المطلوب لإبطاء مركبة فضائية كبيرة تحمل بشرًا إبطاءً كافيًا.
مع ذلك، يجري السباق نحو استعمار المريخ على أشده، كما كان يجري السباق للوصول إلى سطح القمر في القرن الماضي؛ ما يعني أن البعض منّا قد يشهد وصول البشر إلى الكوكب الأحمر، ويرى رواد الفضاء يخطون بأقدامهم عليه في العقود القادمة.
إن فكرة استعمار المريخ تبدو مثيرة وطموحة للغاية، طموحة لدرجة أنها قد تُعمي أصحابها من فرط التشوق والحماس لها، وتجعلنا ننسى أن نطرح الأسئلة الضرورية، ونُقدّر عواقب الهبوط على سطح الكوكب.
ويعتقد بعض علماء الفلك أنه ينبغي لنا أن نتريث قليلًا، ونكتشف أولًا ما إذا كانت هناك حياة على سطح جارنا الرابع قبل أن يُدمّرها استِكشافنا. وبالنسبة لوجود أي نوع من أشكال الحياة النشطة على المريخ -بغض النظر عن مدى بدائيتها-؛ فإن الخطوة الأولى تتمثل في العثور عليها وفهمها ودراستها، ثم بعد ذلك يمكننا محاولة اتخاذ قرارات مستنيرة حول الفعل الصحيح الذي نستطيع القيام به.
كذلك، سيكون ما جمعناه حوله من معرفة ذا قيمة كبيرة في مساعدتنا على فهم أنفسنا، ومن أين أتينا، واحتمالات وجود أشكال للحياة في الكون خارج الأرض والمريخ.
المريخ 2030.. خطط ناسا لإرسال البشر إلى المريخ
يظل الهبوط البشري على سطح المريخ هدف وكالة الفضاء الأمريكية (ناسا) الأكبر، الذي تسعى إليه منذ خمسينات القرن الماضي. وقد كان هبوط المركبة الفضائية كيوريوستي الناجح في أغسطس (آب) عام 2012، الذي قال عنه تشارلز بولدن مدير الوكالة حينها إنّه بدأ بشقّ الدرب لأقدام الإنسان على سطح المريخ، أملًا كبيرًا للاستمرار في مواصلة الجهود، وتمهيدًا لإرسال البعثات البشرية.
تهدف ناسا إلى إرسال البشر إلى المريخ في وقت ما في ثلاثينيات الألفية الراهنة، وتنقسم خطّة ناسا إلى ثلاث مراحل: في المرحلة الأولى التي تجري حاليًا، تختبر ناسا سُبُل دعم الحياة، وتقنيات الاتصال، والحفاظ على الصحة البشرية أثناء تواجد الرواد في بيئة المريخ القاسية، من خلال تجاربها في محطة الفضاء الدولية.
Embed from Getty Images
وفي المرحلة الثانية، ستختبر ناسا طريقة قيادة المركبات الفضائية، ومرافق السكن اللازمة للرحلة، كما تطور الكبسولة أوريون التي ستحمل أفراد الطاقم، داخل صاروخ ضخم يُطلق عليه «نظام إطلاق الفضاء» (SLS)، والذي سينطلق بهم إلى المريخ. وقد أجرت ناسا اختبارًا لأوريون في عام 2014، وأجزاء من «SLS» في صيف عام 2016، ومن المقرر إجراء أول رحلة اختبار متكاملة لهما خلال العام الجاري 2018.
أما عن المرحلة الثالثة، والمقرّر تنفيذها خلال عام 2030، فستُرسل ناسا رواد الفضاء من البشر إلى الكوكب الأحمر. ومن المحتمل أن تستمر تلك الخطط في التغيّر والتكيّف طِبقًا لنتائج إرسال البعثات الروبوتية إلى المريخ، وما تعود به من معلومات جديدة عن الكوكب الأحمر.
وفي صيف عام 2020، تعتزم ناسا إرسال مركبة روبوتية جديدة إلى الكوكب الأحمر تُسمى «المريخ 2020»، والتي ستحمل على متنها جهازًا جديدًا يُدعى «MOXIE»، جرى تصميمه لتحويل ثاني أكسيد الكربون الموجود في الغلاف الجوي للمريخ إلى أول أكسيد الكربون والأكسجين، وبذلك يمكن استخدامه في توليد طاقة اندفاع ذاتي من أجل رحلة العودة إلى الأرض.
مستعمرة تتسع لـ80 ألف شخص.. خطة إلون ماسك لاستعمار المريخ
لا يطمح إلون ماسك، الملياردير والرئيس التنفيذي لشركة «سبيس إكس»، التي تُعد أول شركة فضاء خاصة في الولايات المتحدة تسلم البضائع إلى محطة الفضاء الدولية، إلى مجرد إرسال رائد فضاء إلى المريخ، بل يرغب في إنشاء مستعمرة بشرية على سطح الكوكب الأحمر تستوعب 80 ألف شخص.
وقد أعلن في السابق رغبته في توفير رحلات إلى المريخ، تتكلف نحو 500 ألف دولار للشخص الواحد. ومؤخّرًا، صرّح عن تخطيطه لبناء مستوطنة صغيرة الحجم على الكوكب الأحمر، تبدأ بإرسال طاقم مكون من 10 أشخاص في غضون 50 إلى 150 عامًا المقبلة؛ للبدء في إنشاء وبناء البنية التحتية للمستوطنة.
وبعد إنشاء المستعمرات، يخطط ماسك لإرسال 100 شخص إلى المريخ على متن مركبة متطورة للغاية، تستغرق نحو 80 يومًا للوصول إلى المريخ، ومن ثم إبقاء هؤلاء الأشخاص في مستعمرات هناك مدة 30 يومًا. أما عن برنامج إطلاق الرحلات، فستنطلق الرحلة كل عامين عند اقتراب كوكب المريخ من الأرض؛ وتكون المسافة بينهما نحو 57.6 مليون كم فقط. ووفقًا للخطة؛ فإن أولى خطوات البناء والاستعمار في المريخ، ستبدأ في عام 2022 أو 2023.
وحتى ذاك التاريخ، ما زال أمام ماسك العديد من التحديات قبل أن يصبح مثل هذا المخطط حقيقة، بما في ذلك معرفة كيفية هبوط البشر على سطح الكوكب، وكيفيّة إبقائهم على قيد الحياة هناك، فضلًا عن كيفية التعامل مع الإشعاعات الضارة في الطريق إلى المريخ؛ إذ إنّه بمجرد الخروج من المجال المغناطيسي الحامي لكوكبنا، سيبدأ الإشعاع الشمسي بالتراكم في جسم رواد الفضاء، مسبّبًا خطر تعرضهم للإصابة بالسرطان، كما يُمكن للانفجارات مثل التوهّجات الشمسية، أو الجسيمات النشطة قذف جرعات مميتة من الإشعاع بالمركبة الفضائية.
المشروع الإماراتي «المريخ 2117»
في السياق ذاته، تستخدم الإمارات العربية المتحدة للدخول في السباق العالمي نحو المريخ برنامجًا فضائيًّا محليًّا، إذ صرّحت العام الماضي خلال القمة العالمية للحكومات في دبي، بأنها تسعى لبناء مدينة صغيرة على سطح المريخ بحلول عام 2117، باعتباره جزءًا من برنامجها الوطني لـ100 عام من أجل فهم أفضل للكوكب الأحمر. وتخطّط لإطلاق أوّل مهمّة لها إلى الكوكب الأحمر بحلول عام 2021، وتأمل في توطين البشر هناك بعد 99 سنة من الآن.
أعلن المشروع الذي يحمل اسم «المريخ 2117» الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة ورئيس مجلس الوزراء وحاكم دبي، والشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي. وسيعمل المشروع على تمكين البشر من العيش على المريخ، وتوفير الغذاء، وإنتاج الطاقة على سطح الكوكب الأحمر.
وقال الشيخ محمد بن راشد خلال عرض المشروع: «هدفنا أن تقود دولة الإمارات العربية الجهود الدولية لجعل هذا الحلم حقيقة واقعة»، وأضاف أن دولة الإمارات تأتي ضمن الدول التسع الأكثر أهمية في العالم في الاستثمار بمجال علوم الفضاء.

غرفة التحكم بالأقمار الصناعية في مركز محمد بن راشد للفضاء بدبي- المصدر: CNN
وقد انضمّت الإمارات إلى نادي النخبة الذي يحاول إرسال البشر إلى المريخ، والذي يضم كلًّا من: الولايات المتحدة، والصين، وروسيا، ومجموعة من الدول الأوروبية، جنبًا إلى جنب مع الجهود الذاتية لرجل الأعمال الأمريكي إلون ماسك وشركته الخاصة سبيس أكس. وتأمل الإمارات أن تصبح أول دولة عربية تُرسل مهمة إلى الكوكب الأحمر، وذلك من خلال تصميم مسبار، وتطويره، وإرساله إلى الكوكب الأحمر.
واستثمرت الدولة الخليجية حتى الآن 20 مليار درهم (5.4 مليار دولار) في برنامجها الفضائي، بوصفه جزءًا من خطة لتنويع اقتصادها بعيدًا عن النفط والغاز، من خلال تطوير مجالات جديدة من الخبرة. وتخطط لإرسال مركبة فضائية أطلقت عليها «مسبار أمل المريخ» في عام 2020؛ كي تصل إلى المريخ وتدور حوله بحلول عام 2021؛ تتزامن مع الذكرى الخمسين لتأسيس دولة الإمارات العربية المتحدة.
وسيعمل مسبار أمل المريخ على دراسة الغلاف الجوي للكوكب في أوقات مختلفة من اليوم، وخلال مختلف الفصول، وستكون البيانات التي يجمعها متاحة دوليًّا لتُفيد العالم كله. وإذا سارت الأمور كما هو مخطط لها، فبعد قرن من الآن؛ ستصبح الإمارات قادرة على بناء مدينة متكاملة تستوعب 600 ألف شخص على سطح المريخ.
علامات
إلون ماسك, الإمارات, الاستيطان, المجموعة الشمسية, المريخ, المريخ 2117, تغيرات مناخية, خيال علمي, سبيس إكس, علوم, فضاء, كواكب, مشكلات بيئية, ناسا