«دكتور ساسة»، سلسلة علمية طبية، يُقدمها «ساسة بوست»، أسبوعيًّا، كل أربعاء. تتناول السلسلة في كل مرة، مرضًا مُختلفًا؛ لتعرض بصورة مُبسطة ماهيّته وأسبابه وأعراضه، وطرق الوقاية والعلاج منه، والأهم من ذلك أشهر المفاهيم الخاطئة عن هذا المرض. «دكتور ساسة» لا يعدك بخدمة بديلة عن استشارة الطبيب، لكنّه يعدك بخدمة معرفية، قد تُساعدك على الوقاية من الأمراض، أو الكشف عن الإصابة بها مُبكرًا، بما يكفي لعلاجها.

يسود اعتقاد لدى قطاع كبير من الناس في العالم، عن قدرة الأعشاب والنباتات الطبية على علاج أغلب الأمراض الموجودة في عصرنا الحالي، كما كانت تعالج الأمراض منذ آلاف السنين.

هذا الاعتقاد يتضح بشكل أكبر في منطقتنا العربية، وخصوصًا بين فئات المجتمع الأقل معرفًة: فيقولون إن النباتات الطبية كانت تستخدم في العلاج في زمن النبي «محمد» والأنبياء السابقين، وخلال فترات مختلفة من عصر البشرية، وبالتالي فهي أيضًا قادرة على العلاج، والتعامل مع جميع الأمراض الموجودة في عصرنا الحالي.

وقد لعب العديد من الانتهازيين على هذا الأمر؛ فنلاحظ وجود عشرات الإعلانات التي تتحدث عن أعشاب طبية؛ تستخدم في علاج أمراض مزمنة، مثل السكري والقلب، وأمراض أخرى، استعصى العلم الحديث عن إيجاد علاج نهائي لها، مثل السرطان والإيدز وغيرها.

وسواء نتيجة لقلة المعرفة، أو نتيجة لليأس في الوصول للعلاج، فإن هناك أعدادًا ليست قليلة، تتجه إلى عدد ممن يصفون أنفسهم بأنهم خبراء في الأعشاب الطبية، وأنهم دكاترة مميزين في هذا المجال، على الرغم من عدم امتلاكهم لأي مقومات أو شهادات معتمدة. بل إن البعض ربط بين العلاج بالأعشاب وبين الدين؛ فتجد البعض منهم على هيئة شيوخ يجيدون العلاج بالأعشاب الطبية.

وقبل أن نوضح طبيعة الأساطير المحيطة بالعلاج بالأعشاب والنباتات الطبية، علينا في البداية وضع بعض الأسس الطبية الخاصة بهذا النوع من العلاج.

ثلاثة استخدامات للأعشاب الطبية

بشكل عام، فإن العشب، أو النبات الطبي، يقصد به أي نبات يستخدم في الطعام، أو كمكسبات للنكهات، أو في الطب، أو العطور. وفي الطب، فإنه يجري إطلاق كلمة عشب على أي جزء من أجزاء النبات له فائدة طبية، مثل الجذور أو الأوراق أو البذور أو الأزهار.

وتقوم جميع النباتات، الموجودة على سطح الأرض، بإنتاج مواد كيميائية؛ كجزء من عمليات «الأيض» الخاصة بها، بعض هذه المواد يمكن أن يسبب تغيرًا في وظائف أعضاء جسم الإنسان، وبالتالي يمكن استخدام الأعشاب في الطب؛ للعلاج والتعامل مع بعض الحالات المرضية، وهو ما كان يحدث بالفعل على مدار آلاف السنين.

ويجب أن نعلم هنا، أن القاعدة الأساسية في التعامل مع الأعشاب الطبية، هي أنه ليس لها إلا ثلاثة استخدامات طبية فقط لاغير: الاستخدام الأول، هو ما يطلق عليه اسم «علاج الخلل الوظيفي»: ففي الطب يجب علينا أن نفرق بين مصطلحين هامين: الأول هو المرض (disease)، وهو الناتج عن إصابة الإنسان بعدوى معينة من بكتيريا أو فيروس أو الإصابة بنوع من الديدان أو فشل عضلة القلب أو ضيق في الشرايين التاجية أو تدمير لخلايا الكبد أو الكلى أو حدوث سرطان في عضو ما.

والثاني هو الخلل الوظيفي (disorder)، وهو عبارة عن خلل مؤقت في أداء عضو ما بالجسم لوظيفته، بالشكل الصحيح والمطلوب، مما يتسبب في ظهور أعراض بسيطة على الإنسان. من أكثر أمثلة الخلل الوظيفي شهرة، حدوث إسهال أو إمساك دون وجود ميكروب ما؛ فهذا ناشئ عن سرعة أو بطء في حركة القولون؛ نتيجة لمؤثر ما، مثل نوع معين من الطعام أو فرط العصبية.

الأعشاب الطبية

الأعشاب لا تعالج الأمراض المزمنة


الأعشاب لا يمكنها أن تعالج المرض (disease)، لكن يمكنها أن تعالج خللًا وظيفيًا ما. وأشهر مثال على ذلك هو استخدامنا لنبات «الكركديه» في علاج ضغط الدم المرتفع الأساسي (essential)، وهو ضغط الدم الناتج بسبب العصبية أو التوتر أو المجهود الزائد أو الإرهاق، وليس الناشئ كعرض معين لمرض ما، مثل خلل في «الهرمونات» أو عضلة القلب أو الكليتين.

الاستخدام الكبير الثاني للأعشاب والنباتات الطبية يكمن في الوقاية: فهي تستخدم بشكل كبير في الوقاية من الأمراض، وليس فقط الخلل الوظيفي. المهم في هذا الاستخدام هو عامل الوقت؛ فالإنسان لن يقي نفسه من مرض؛ لأنه تناول نبات طبيًا ما لمرة أو مرتين، لكن يجب استخدام هذا النبات لفترات طويلة؛ حتى يحقق الغرض من الوقاية.

المثال هنا هو استخدام الثوم في الوقاية من ارتفاع ضغط الدم؛ فقد لوحظ أن أولئك الذين يستخدمون الثوم بانتظام في طعامهم، لا يصابون إلا نادرًا بارتفاع ضغط الدم، وهو ما دفع شركات الأدوية لأخذ خلاصة نبات الثوم، وإنتاجه في صورة أقراص ثوم. مثال ثانٍ هو غذاء ملكات النحل الذي يقي من العديد من الأمراض بالفعل؛ بسبب مساعدته على رفع جهاز المناعة لجسم الإنسان، بشكل عام؛ مما يعطيه القدرة على محاربة الأجسام الغريبة و«الميكروبات» بصورة أكثر كفاءة.

الاستخدام الثالث والأخير لهذه الأعشاب، هو كعلاج مساعد بجانب الأدوية التقليدية في بعض الحالات، فمثلًا يمكن استخدام نبتة «الكركم» لمرضى الكبد، بشرط تناولهم لعلاجهم التقليدي.

أساطير حول الأعشاب الطبية

هذه مجموعة من أبرز الأساطير ذائعة الصيت عن الأعشاب الطبية، والتي لا تمت للصحة بصلة:

1- الأعشاب الطبية ليست مضرة لأنها طبيعية

صحيح أن هذه الأعشاب هي جزء من الطبيعة، ولكن هذا لا يعني ـ ببساطة ـ أنها ـ جميعًا ـ غير ضارة، أو آمنة. فإذا نظرنا جيدًا، فسنلاحظ أنه يتم الحصول على جميع الفواكه والخضروات التي نتناولها من الطبيعة، ولكن هذا لا يعني أنها لا يمكن أن تسبب مشاكل لجسمنا، بل إن بعضها قد يكون سامًا. وبطبيعة الحال، فإنه حتى البصل يمكن أن يسبب مشاكل في معدتك؛ إذا تناولته بكمية كبيرة.

ومن المعروف، أنه تم الحصول على العديد من الأدوية الحديثة من النباتات الطبية. فإذا كانت الأعشاب الطبية لا تستطيع أن تسبب أي ضرر؛ بسبب وجود مواد طبيعية بها، أو ليس من الغريب أن تلك المواد ذاتها، عندما تقوم شركات الأدوية بعزلها، ووضعها في أقراص، أن تصبح ضارة، وربما قاتلة، في بعض الأحيان؟

2- الأعشاب الطبية ليس لها أعراض جانبية

بدون أي هجوم أو إساءة للسمعة، هذه المعلومة الخاطئة هي بمثابة كذب صارخ من قبل الشركات المصنعة لهذه العلاجات؛ بغرض الترويج لمنتجاتها. فبالطبع، يمكن للأعشاب الطبية أن تتسبب في آثار جانبية خطيرة. وفي الواقع، فإن غالبية الممارسين، من ذوي الخبرة، يشعرون بالقلق إزاء بعض الآثار السلبية الخطيرة لها، مثل «التهاب الجلد، وانثقاب القولون، وتسمم الكبد، والغيبوبة، وحتى الموت».

«الجنسنج»، على سبيل المثال، يمكن أن يسبب اضطرابات في النوم، وصداعًا كأشهر الأثار الجانبية له. ومن الآثار الجانبية الأقل شيوعًا يوجد النزيف «المهبلي، وألم الثدي، وبعض أمراض الحساسية»؛ والسبب أنك لاتعرف شيئًا عن هذه الآثار الجانبية، يرجع لعدم الكفاءة التنظيمية؛ فمنظمة «الغذاء والدواء» الأمريكية (FDA)، والسلطات التنظيمية الرئيسة الأخرى في جميع أنحاء العالم، لا تطلب الكشف عن الآثار السلبية في دراسة المنتجات العشبية المقدمة لترخيص هذه المنتجات، مما يؤدي إلى عدم وجود أي التزام للشركات المصنعة لتوعية المستهلكين حول الآثار الجانبية المحتملة المرتبطة بمنتجاتها هذه.

الأعشاب الطبية

لكل عشب أعراضه الجانبي تعرف عليها قبل تناولها


3- مكملات غذائية

البعض ينظر للأعشاب الطبية على أنها ليست أحد أنواع الدواء، وهذا يعود – كما ذكرنا – إلى خلل تنظيمي كبير في أن إدارة الأغذية والأدوية حول العالم، مازالت تعتبر المنتجات العشبية نوع من المكملات الغذائية، بدلًا من العقاقير. وهذا يعني أن الشركات المصنعة لا تحتاج لتقديم أي أدلة على سلامة وفعالية منتجاتها قبل طرحها في السوق. فهم فقط بحاجة لإثبات أن منتجاتهم آمنة للاستهلاك البشري.

4- لا تداخل بين الأعشاب وبين الأدوية المعتادة عند الاستخدام

هذه واحدة من الأساطير الشائعة، لكنها مخيفة جدًا. فهناك بعض التفاعلات الخطيرة التي تتم بالفعل عند تناول أعشاب طبية مع أدوية معينة، وليس كما يعتقد الناس. وقد أظهرت العديد من الدراسات أن عددًا من المستحضرات العشبية يمكن أن تتفاعل مع أدوية أخرى، وهو ما قد يؤدي إلى تغير الفعالية والكفاءة والتركيز الخاص بالأدوية.

5- لا داعي للطبيب

تقول الأسطورة إنه لا داعي للمريض أن يستشير الطبيب عند رغبته في تناول أحد الأعشاب الطبية؛ والسبب وراء هذه الأسطورة يعود إلى أن العديد من المنتجات الطبيعية والأعشاب الطبية متاحة، دون وصفة طبية؛ فالمرضى في كثير من الأحيان قد يظنون أنهم ليسوا بحاجة إلى وصفة طبية؛ وبالتالي فهم ليسوا في حاجة إلى مناقشة الأمر مع الطبيب. وفي الوقت نفسه، أظهرت الدراسات أن الأطباء غالبًا لا يدركون أن مرضاهم يستخدمون المنتجات الطبيعية أو غيرها من أشكال العلاج بالأعشاب.

لكن، ولأن العديد من المنتجات الطبيعية لها آثار سلبية معروفة، وتفاعلات مع العقاقير الأخرى – كما ذكرنا سابقًا، فهناك حاجة ـ بالطبع ـ إلى استشارة الطبيب أو الصيدلي، لمعرفة مدى تناسب المنتج الطبيعي مع حالة المريض، والأدوية الأخرى التي يتناولها.

6- الصيدلي مجرد بائع

الصيادلة ـ غالبًا ـ يكونون آخر الأشخاص في سلسلة الرعاية الطبية والصحية التي تواجه المرضى قبل تناول الأدوية أو الأعشاب الطبية؛ ولهذا، فإن الصيادلة يعتبرون ـ في نظام الرعاية الصحية ـ بمثابة شبكة الأمان الخاصة بتفاعلات العقاقير والآثار الجانبية المحتملة.

وما لا يعرفه الكثيرون، فإن الصيادلة هم أكثر فروع الطب إلمامًا وعلمًا بالأعشاب والنباتات الطبية؛ بحكم دراستهم. فكما أن الصيادلة لم يدرسوا أسس تشخيص الأمراض، مثلما فعل الأطباء، فإن الأطباء لم يدرسوا مناهج الأعشاب والعقاقير الطبيعية، كما فعل الصيادلة. وبالتالي فإن الصيادلة أفضل من يمكن أن تستشيرهم؛ عندما تفكر في تناول نبات طبي معين.

7- اغل الأعشاب ثم اشربها

من الضروري جدًا أن تعرف أن هناك طرقًا مختلفة لتحضير الأعشاب الطبية، وأن الموضوع ليس مجرد غليان للعشب في الماء فقط. فيعلم الكثيرون منا، أن نبتة الكركديه تستخدم في علاج ارتفاع ضغط الدم الأساسي؛ لذلك يقومون بغلي أوراق الكركديه في الماء، ثم يصبونه في زجاجات، ويضعونها في الثلاجة لاستخدامها عند الحاجة.

حسنًا، هناك خطأ كبير ارتكب؛ فطريقة تحضير النبات؛ كي يتمكن الإنسان من تناوله، هي عامل أساسي في الاستفادة من المواد الفعالة الموجودة به.

فالمادة الفعالة الموجودة في الكركديه، والتي تقوم بخفض ضغط الدم، تتكسر؛ إذا تم غليان أوراق الكركديه؛ وبالتالي، يجب الأخذ في الاعتبار أن أوراق الكركديه تحضر عبر النقع، وليس الغليان، سواء النقع على البارد (إناء ماء به مياه من الصنبور توضع به أوراق الكركديه وتترك لمدة ساعة) أو النقع على الساخن (مثل تحضير الشاي الفتلة).


المصادر

عرض التعليقات
تحميل المزيد