أداة التضليل ذكية، عبارة عن برنامج إلكتروني متطور، يُعرف بـ”جهاز خداع اختبارات الانبعاثات أو “defeat device، استخدم على مدار السنوات الماضية في صناعة حوالي 11 مليون سيارة، بهدف خداع وتضليل برنامج اختبار الانبعاثات الأمريكي.

وراء هذه الأداة أو البرنامج الإلكتروني شركة “فولكس فاجن” الألمانية، ثاني أكبر منتج للسيارات في مستوى العالم، فالفضيحة التي اكتشفت قبل أيام وما تزال تبعاتها مستمرة تشكل ضربة قوية لمبيعات سيارات الديزل في أوروبا، وضربة أقوى للاقتصاد الألماني الذي يعتمد بشكل كبير على صناعة السيارات.

“ساسة بوست” تقف في التقرير التالي على حقيقة وأهداف وتبعيات “جهاز خداع اختبارات الانبعاثات” الخاص بشركة “فولكس فاجن”.

 

ماذا نعرف عن شركة  «فولكس فاجن»؟

 

 

فولكس فاجن التي تعني بالألماني “سيارة الشعب” هي ثاني أكبر منتج للسيارات في العالم، بعد تويوتا، أنشئت في عام 1937، إذ تقع أغلب السيارات الألمانية تحت مظلة فولكس فاجن، ومنها شركة تصنيع السيارات الرياضية “البورشيه”، كما توسعت شركة فولكس فاجن لتطال كبرى شركات تصنيع السيارات، مثل شركة “أودي” وشركة “لامبورغيني”.

وبقيت “فولكس فاغن”  درة الصناعة الألمانية التي ترمز لبراعة الهندسة الألمانية ومتانتها، إذ تستحوذ الشركة على عُشر مبيعات السيارات في العالم، وتوظف 270 ألف شخص، إضافة إلى عدد أكبر يعملون لدى الموردين.

وكانت مجموعة “فولكس واجن”، قد أعلنت نموًا في عائدات المبيعات وأرباحها في الأشهر الستة الأولى من العام الحالي، وسط التحديات القاسية التي تشهدها الظروف الراهنة، وارتفعت عائدات المبيعات في الفترة المذكورة بنسبة 10.1% لتبلغ 108.8  بليون يورو، مقارنة بـ 98.8 بليون يورو في النصف الأول من السنة الماضية.

كيف نجح البرنامج الإلكتروني في تجاوز اختبار انبعاثات النيتروجين؟

 

 

استخدم في سيارات “فولكس فاغن” برنامج كمبيوتر معقد، هدف هذا البرنامج خداع سلطات البيئة الأمريكية فيما يتعلق بالمعايير الخاصة بالانبعاثات،  فالشركة التي اعترفت بوجود حوالي 11  مليون سيارة تحتوي على أجهزة الخداع في العالم، أو ما يُعرف بـ”جهاز خداع اختبارات الانبعاثات أو “defeat device”، طورت برنامجًا إلكترونيًّا يعمل على تقليل انبعاثات الوقود بحوالي 40  ضعفًا عن الانبعاثات الحقيقية.

وكشف تحقيق وكالة حماية البيئة الأميركية أن “بعض السيارات في الولايات المتحدة بعد تزويدها بأجهزة تمكن المحركات من معرفة أوقات اختبار الانبعاثات، ما يجعلها تحسن من أدائها وقت الاختبار من أجل تحسين الأداء لاجتيازه”، وأكدت الشركة التي اُتهمت بانتهاك قانون حماية المناخ الأميركي أن فولكس فاغن زودت 482  ألف سيارة بتلك الأداة التي تخدع أجهزة قياس الانبعاثات في الولايات المتحدة وحدها، من بينها سيارات “أوديA3 ” التي تصنعها فولكس فاغن، طرازات جيتا، وبيتل، وغولف، وباسات.

وتؤكد حماية البيئة أن السيارات المزودة بذلك الجهاز مدعومة ببرمجيات إلكترونية تساعد المحرك على الإحساس بسيناريو اختبار الانبعاثات من خلال رصد السرعة، ووضعية تشغيل المحرك، وضغط الهواء، وحتى وضعية عجلة القيادة، فعندما تعمل السيارة في ظروف معملية مُراقَبة، والتي تتضمن وضع السيارات على منصة اختبارات الانبعاثات في وضع الثبات، تضع أجهزة الخداع السيارة في وضع يشبه وضع “الأمان” في الكمبيوتر ليبدأ المحرك في العمل بمستوى أقل من مستوى القوة العادية له ويظهر أداء أضعف من الطبيعي.

أي أنه حسب تقرير حماية البيئة تكون النتيجة الطبيعية أن يصدر المحرك انبعاثات نيتروجين أقل، ولكن ما أن تنطلق السيارة على الطريق، ترتفع نسبة الانبعاثات مرة أخرى.

ما الذي دفع «فولكس فاجن» للتحايل على اختبار انبعاثات النيتروجين؟

 

 

تناولت مجلة “إيكونوميست” في تقرير لها الأسباب التي دفعت “فولكس فاجن” للتحايل على اختبار انبعاثات النيتروجين، ويذكر التقرير أن “الشركة لديها طموح جامح في زيادة حصتها السوقية للتفوق على منافستها اليابانية “تويوتا” لتصبح أكبر شركات السيارات في العالم، لذلك ركزت الشركة على زيادة حصتها من السوق الأمريكي من خلال زيادة مبيعاتها من السيارات الرياضية التي يفضلها الأمريكيون، والثانية هي إقناع المستهلك الأمريكي بكفاءة سيارات الديزل من حيث المحافظة على البيئة”.

سبب ثانٍ أورده تقرير المجلة، وهو توفير التكاليف الباهظة لمعالجة انبعاثات النيتروجين، فرغم أن “فولكس فاجن” أنفقت استثمارات ضخمة لمعالجة مشكلة انبعاثات، وتمكنت من إيجاد بعض التقنيات لحل المشكلة، لكن هذه التقنيات كانت تزيد معدلات استهلاك الوقود وتقلص الكفاءة الأوتوماتيكية للسيارة وهو ما لا يعجب المستهلك، لذلك لجأت لاستخدام برمجيات معينة ليقتصر العمل بهذه التقنيات على أوقات الفحص دون غيرها.

أما السبب الثالث، فهو يتعلق بالإفلات من العقاب. فإجراءات الرقابة الأمريكية صارمة بسبب وجود وكالة حماية البيئة “EPA”  التي تستدعي عينات عشوائية من السيارات بصورة منتظمة لإجراء اختبارات متقدمة عليها، لبيان مدى مطابقتها مع المواصفات التي أعلنتها الشركات المصنعة، وإذا اكتشفت مخالفتها يتم فرض غرامات مالية على الشركات.

ما هو أثر التضليل في اختبار انبعاث الغازات على شركة «فولكس فاجن» والشركات الأخرى؟

 

بينما كانت شركة “فولكس فاغن” تطمح لتكون أكبر مصنع للسيارات في العالم بحلول العام 2018، هبط قبل أيام سعر سهم الشركة إلى أكثر من 38%، فقد هزت فضيحة الانبعاثات الشركة وقطاع الأعمال والمؤسسة السياسية في ألمانيا.

بل إن الشركة التي باعت حوالي 600 ألف سيارة في الولايات المتحدة العام الماضي (6% من إجمالي المبيعات العالمية) معرضة لمواجهة غرامات تصل قيمتها إلى 18 مليار دولار، أي  أكثر من كل أرباحها التشغيلية للعام الماضي.

ويقول الخبراء أن عملاق السيارات الألماني، قد يتعرض للمزيد من الخسائر حال لجوء العملاء وحاملي أسهم الشركة إلى القضاء للحصول على تعويضات، ويشير الخبير الاستشاري في السيارات لدى شركة فينديجيتال ريتشارد غاين إن “الكشف عن فضيحة فولكس فاغن من الممكن أن يؤدي إلى تراجع حاد في الطلب على سيارات الديزل”، وتابع القول “في الولايات المتحدة، تمثل سيارات الديزل 1% فقط من مبيعات السيارات الجديدة، وهو ما يجعل الزيادة في تلك المبيعات أمرًا غير متوقع على المدى المتوسط.”

أما على صعيد أثر هذه القضية على شركات تصنيع السيارات الأوروبية، فقد نالت الشكوك إمكانية عبثها في نتائج اختبارات الانبعاثات، حيث يرى بعض المختصين، أن منافسي الشركة ربما يكونون متورطين في ممارسات شبيهة، أي يعتقدون أن التلاعب متوطن في هذه الصناعة، ونفت مجموعة من الشركات تلك التهمة، فأوضحت “تويوتا” أنها لم تشارك في أي ممارسة من شأنها أن تعزز أداء انبعاثات محركاتها خلال اختبارات الانبعاثات الدائمة، كما أنها لا تستخدم أي ممارسة من شأنها أن تجعل أداء المحرك مختلفًا خلال هذه الاختبارات.
وأكدت جمعية صانعي وتجار السيارات في بريطانيا إن “الاتحاد الأوروبي يستخدم نظامًا مختلفًا تمامًا في اختبار السيارات المقرر بيعها في الولايات المتحدة مع إجراء الاختبارات الأوروبية للانبعاثات وفقًا لشروط صارمة تفي بمتطلبات القانون الأوروبي، وتحت إشراف وكالة حكومية مستقلة مكلفة بالتصديق على النتائج.”

وتابعت الجمعية القول أن “اختبارات الانبعاثات المطبقة حاليا قديمة، وهناك مساع تستهدف التوصل إلى اتفاقية من قبل المفوضية الأوروبية من أجل استحداث طريقة جديدة لتلك الاختبارات تتضمن تكنولوجيا جديدة لتلك الاختبارات وتختبر السيارة في وضعية السير على الطرق.”

هل ستؤثر فضيحة «فولكس فاجن» على الحكومة الألمانية؟

 

 

تعد صناعة السيارات أكبر قطاع صناعي في ألمانيا، إذ توفر صناعة السيارات خُمس الوظائف في ألمانيا، فواحد من أصل سبعة ألمان يكسبون رزقهم من صناعة السيارات بصورة مباشرة أو غير مباشرة، بالإضافة إلى أن السيارات هي أكثر الصادرات الألمانية نجاحًا حيث شكلت حوالي خُمس إجمالي الصادرات الألمانية، ويساهم هذا القطاع بنسبة 2.7% في الناتج المحلي الإجمالي.

وتعتبر الحكومة الألمانية صناعة السيارات الأهم لاقتصادها، لذلك تتخوف من أن يتجاوز أثر فضيحة “فولكس فاجن” حدود سمعة الشركة إلى سمعة الدولة، إذ تخشى الحكومة الألمانية من تضرر صادراتها في الخارج، وذلك بسبب الشك في جودة ومصداقية الشركات الألمانية بشكل عام وشركات صناعة السيارات كـ”بي إم دبليو” بشكل خاص،  ناهيك عن احتمال حدوث تخفيضات كبيرة في الوظائف.

يقول كبير الخبراء الاقتصاديين ببنك “آي إن جي” كارستن برزيسكي أن “فولكس فاغن أصبحت عامل خطر لتراجع الاقتصاد الألماني أكبر من أزمة الديون اليونانية، فتراجع مبيعات فولكس فاغن في أميركا الشمالية في الأشهر المقبلة لن يكون له فقط تأثير على الشركة ولكن سيمتد ليشمل الاقتصاد الألماني كله”.
من جانبه، أكد مارتن غورنيغ الخبير بشؤون صناعة السيارات لدى مركز “دي آي دبليو” :”أن تراجع مبيعات السيارات قد يلحق أيضًا ضررًا بالموردين ومعهم الاقتصاد برمته”، أما مدير الاتحاد أندريه شوارتز فقد أعرب عن قلقه من أن فضيحة فولكس فاغن قد يكون لها “تأثير الدومينو” على أنشطتها، وقد تؤدي إلى تقويض شعار “صنع في ألمانيا”.

المصادر

عرض التعليقات
تحميل المزيد