مع صعوده كالصاروخ إلى قمة هرم السلطة في السعودية، أشيع أن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان يفضل أن يناديه المقربون منه بالـ«الإسكندر الأكبر»، لم تذكر التقارير الصحافية إلى ما يرمي الأمير الشاب بتشبيهه، لكن السطور التالية تحاول عقد مقارنة بين مسيرة الإسكندر الأكبر، أحد أعظم القادة عبر التاريخ، وبين ولي العهد السعودي الشاب، أحد أكثر الشخصيات إثارة للجدل في العالم الآن، لنرى هل يستحق ابن سلمان لقب «الإسكندر الأكبر» فعلًا؟
«إِذَا اعْتَادَ الفَتَى خَوْضَ المَنَايَا»
في مدينة بيلا شمال اليونان القديمة، عاصمة المملكة المقدونية، ولد الإسكندر المقدوني في 20 يوليو (تموز) 356 ق.م، كان أبوه هو فيليب الثاني ملك مقدونيا، القائد الشاب الطموح الذي كانت حملاته العسكرية ملء السمع والبصر، أما أمه فكانت الملكة أوليمبياس، ابنة نيوبطليموس الأول ملك إبيروس، ويُقال إن أوليمبياس حين ولدت الإسكندر قد أشاعت أن ابنها من نسل الآلهة، وأنه ابن للإله زيوس، وهي الأسطورة التي سيكون أول المؤمنين بها لاحقًا هو الإسكندر ذاته.
اهتم فيليب بتعليم ولده، فعهد به ابتداًء إلى قريب والدته إبيروس ليونيداس الذي علمه الرياضيات والفروسية والرماية، ثم انتقل إلى مربي آخر هو ليسيماخوس الذي علمه القراءة والكتابة، قبل أن يقوم فيليب الثاني بتوظيف الفيلسوف أرسطو لتعليمه في معهد الحوريات، وعلى مدى ثلاث سنوات، تتلمذ الإسكندر على يد أرسطو في الفلسفة والسياسة والشعر والأدب، وقد تأثر بشكل كبير بإلياذة هوميروس التي تحكي قصة حروب طروادة، وألهمته قصة بطلها أخيل، ويُقال إن أرسطو قد صنع نسخة من الإلياذة حملها الاسكندر معه خصيصًا خلال حملاته العسكرية.
أدين بحياتي لأبي.. لكني أدين بالعيش جيدًا لمعلمي *من أقوال الإسكندر المقدوني
أبدى الإسكندر مهارة عسكرية منذ الصغر، وفي عمر 12 عامًا تمكن ببراعة منقطعة النظير من ترويض حصان جامح استعصى على غيره من الفرسان، سُمّي الحصان باسم بوكيفالوس، وقد احتل مكانة هامة في حياة الاسكندر، إذ اصطحبه معه في أغلب حملاته العسكرية، وحين مات بوكيفالوس خلال إحدى المعارك التي خاضها الاسكندر في أقصى الأرض (الهند)، أطلق الإسكندر اسمه على إحدى المدن التي فتحها تخليدًا لذكراه.
في عام 340 ق.م، وفيما كان عمر الإسكندر لا يتجاوز 16 عامًا، استخلفه فيليب على مقدونيا في الوقت الذي سار فيه لغزو بيزنطة، وظنت بعض قبائل تراقيا أنها فرصة سانحة للانقلاب على مُلك فيليب، وتفّهت من شأن الصبي الصغير، لكن الإسكندر تمكن من مفاجأتهم وإخماد ثورتهم، وصار بعدها الإسكندر موضع ثقة والده، الذي اصطحبه في حملاته العسكرية المتعاقبة، ضد طيبة وأثينا وإسبرطة، إلى أن تمكن فيليب – بمساعدة ابنه – من توحيد بلاد اليونان، وأعلن أنه سيولي وجهه صوب الشرق.
على عكس بدايات الإسكندر المقدوني الصاخبة، كانت حياة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان أكثر هدوءًَا، حياة أكثر من «عادية» بالنسبة لأمير من عائلة حاكمة تضم مئات الأمراء، لم يتلق ابن سلمان في صغره تعليمًا خارج المملكة كعادة الكثيرين من أمراء العائلة الحاكمة في السعودية، فدرس في مدارس الرياض، قبل أن يلتحق بكلية الحقوق في جامعة الملك سعود، ويحصل منها على درجة البكالوريوس بترتيب الثاني على دفعته.
كانت بدايات ابن سلمان في أروقة الحكومة السعودية؛ إذ بدأ العمل مستشارًا لهيئة الخبراء في الحكومة السعودية عام 2007، ثم مستشارًا لأمير منطقة الرياض عام 2009، لكن الأضواء بدأت تتلألأ في طريق الأمير الشاب حين توفي عمه سلطان بن عبد العزيز؛ ليصعد والده سلمان بن عبد العزيز درجة في سلم العرش ويصير وزيرًا للدفاع، ويعين ابنه محمد مستشارًا خاصًا له، ولم تمض شهور قليلة حتى عاجلت الأقدار نايف بن عبد العزيز؛ ليخلو منصب ولي العهد للأمير سلمان الذي استمر في تقريب ابنه؛ ليجعله رئيسًا لديوان ولي العهد خلفًا لسعود ابن نايف الذي «أُبعد» إلى منصب أمير المنطقة الشرقية.
«حكّم سيوفَك في رقابِ العذّلِ»
سرعان ما دب الشقاق بين فيليب الثاني وابنه، هجر فيليب أوليمبياس والدة الإسكندر، وهفا قلبه نحو كليوباترا يوريديس التي كانت ابنة أخ أتالوس، أحد جنرالات جيش فيليب، كان هذا يعني أيضًا أن مكانة الإسكندر كوريث وحيد للعرش قد باتت في مهب الريح، لم يمر حفل زفاف فيليب على كليوباترا بسلام؛ إذ تشاجر الإسكندر مع أتالوس وتطاول على والده، فلم يجد أمامه بعد ذلك إلا الهرب مع والدته أوليمبياس خوفًا من انتقام الملك فيليب، فرت الأم باتجاه إبيروس، في حين احتمى الإسكندر بأرض إليريا، حتى خفتت غضبة فيليب؛ ليتم الصلح بين الابن وأبيه بعد شهور قليلة، ويعود الإسكندر إلى مقدونيا.
في عام 336 ق.م، وفيما كان يحضر حفل زفاف ابنته، اغتيل فيليب الثاني على يد أمير مقدوني يُدعى بوسانيوس، لم يكن طريق الإسكندر ممهدًا لخلافة عرش أبيه؛ إذ كان محاطًا بثُلة من الطامحين الطامعين، لكن الفتى الذي لم يتجاوز العشرين من العمر لم يكن مفتقرًا للشجاعة أو الذكاء الذي يؤهله لحسم المعركة لصالحه.
دعم نبلاء مقدونيا، لاسيما قادة الجيش الإسكندر لخلافة فيليب الثاني، كان الإسكندر يسابق الزمن لـ«تطهير» البيت المقدوني، وإسكات كل الأصوات التي قد تنازعه السلطان؛ فقام بإعدام أمراء مقدونيين من لينكستس؛ اتّهموا بالمشاركة في اغتيال فيليب، كما أمر بإعدام ابن عمه، وأتالوس القائد في جيش والده، متسلحًا في ذلك بدعم قادة الجيش، وقد قدمت له أمه أوليمبياس المزيد من الدعم حين دفعت زوجة فيليب الثانية (كليوباترا) إلى الانتحار، وقامت بقتل ابنتها، ليصفو بعدها طريق الإسكندر إلى السلطة.
السماء لا تتحمل وجود أكثر من شمس.. كذلك الأرض لا يمكن أن يوجد فيها إلا سيد واحد *من أقوال الإسكندر
ومجددًا انتفضت بعض المقاطعات ضد حكم الإسكندر الذي كان مجرد «فتى صغير ساذج» بالنسبة لبعضهم، مثل أثينا وطيبة وثلاسيا وتراقيا، لكنه أثبت مع ذلك مهارة فائقة في «ترويض» خصومه، مستعينًا في ذلك بالحلول العسكرية أحيانًا، وبالدبلوماسية أحيانًا أخرى، حتى تمكن في النهاية من إخضاع المدن الثائرة؛ ليتفرغ إلى إكمال الحلم الذي بدأه والده، وباغته الموت قبل أن يحققه: حلم غزو الإمبراطورية الفارسية.
تبدو أوجه الشبه هنا أكثر بين الأمير المقدوني حديث السن، الذي تمكن من إحكام قبضته على مقاليد السلطان في مملكة والده، وسط محيط يزخر بالخصوم، وبين ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، الذي تذكر صحيفة «الإيكونوميست» أنه يحب أن يناديه المقربون منه بـ«الإسكندر الأكبر» كما ذكرنا، ولو كان من تشابه حقيقي بين الإسكندر «الحقيقي» و«الإسكندر» الحالم، لكان التشابه في طريق الوصول إلى العرش أكثر من أي وجه آخر.
وثائقي قصير عن ابن سلمان من إنتاج قناة «العربية» السعودية
متسلحًا بـ«السمع والطاعة» المطلقة التي يحظى بها منصب خادم الحرمين الشريفين في المملكة، راح الديوان الملكي السعودي – منذ وصول الملك سلمان إلى العرش عقب وفاة أخيه عبد الله في يناير (كانون الثاني) 2015 – يصدر الفرمانات التي تصعد بالأمير الشاب محمد بن سلمان بسرعة الصاروخ إلى قمة هرم السلطة في المملكة.
في البداية وُلّي ابن سلمان منصب ولي ولي العهد؛ ليصبح الرجل الثالث في المملكة بعد الملك وولي عهده الأمير محمد بن نايف، قبل أن تتوالى الإقالات التي أضعفت من نفوذ ابن نايف وجردته من رجاله المخلصين واحدًا تلو الآخر، إلى أن جاءت ليلة 21 يوليو (حزيران) 2017، والتي توّجت فيها جهود ابن سلمان ومناوراته بالنجاح أخيرًا؛ بعدما صدر أمر ملكي بإعفاء الأمير محمد بن نايف من منصبه كولي للعهد، واستبدال ابن سلمان به.
لم تهدأ ثورات ابن سلمان بعد توليه ولاية العهد، بل ازدادت حدة وشراسة؛ فتوالت القرارات الملكية التي تجرد الأمراء النافذين من مناصبهم، مركزة كل خيوط اللعبة في يد الأمير الشاب وحده دون سواه، وكان أبرزها حملة الاعتقالات التي طالت عشرات الأمراء ورجال الأعمال والنافذين – كان أهمهم ابن عمه الأمير متعب بن عبد الله نجل الملك السابق الذي كان أبوه يرتبه لخلافته قبل أن تعاجله الأقدار – الذين احتجزوا في فندق «الريتز كارلتون» بالرياض، حيث أجبر الكثير على التنازل عن جزء من ثرواتهم، مع تسويات أخرى ظلت بنودها طي الكتمان.
امتدت سطوة ابن سلمان كذلك إلى خارج منافسيه المباشرين وذوي النفوذ في العائلة المالكة؛ إذ تم اعتقال بعض الدعاة ورجال الدين والمثقفين ذوي التأثير، مثل: سلمان العودة، وعوض القرني، وعلي العمري، وسط غموض يكتنف مصيرهم، كما امتدت قبضة العهد الجديد إلى خارج الحدود بعد اختفاء الصحافي جمال خاشقجي، الذي عرف بآرائه غير المتماهية مع سياسات ولي العهد الجديد في كبرى المنصات الإعلامية العالمية، ثم تأكد بعد ذلك اختطافه وتعذيبه، ومن ثم مقتله داخل القنصلية السعودية في إسطنبول.
لن نضيع 30 عامًا أخرى مع الأفكار المتطرفة.. سندمرهم فورًا *من أقوال محمد ابن سلمان
وكما هو واضح، فليس هناك أحد في السعودية في مأمن من غضب ولي العهد السعودي مهما كانت درجة قرابته أو صلته السابقة بمؤسسات الحكم، تمامًا كما كان حال الإسكندر الذي قتل كليتوس حين تشاجر معه في إحدى الحفلات، وقد كان كليتوس أحد أبرز قادة الإسكندر وأصدقائه، وسبق له أن أنقذ حياته في إحدى معاركه ضد الفرس، لكن ذلك لم يمنحه حصانة من انتقام الإسكندر حين حانت ساعته، ومن الغريب أن الإسكندر قد نعى صديقه بحرارة وندم ندمًا شديدًا على انتحاره.
كما كان المؤرخ اليوناني كاليسثينيس أحد ضحايا الإسكندر، بعدما عذبه وقتله حين وجه إليه بعض الانتقادات في إحدى حملاته، ورغم أن كاليسثينيس كان ابن شقيقة أرسطو أبرز معلمي الإسكندر، فإن الأخير لم يضع اعتبارًا لمعلمه القديم وقتل كاليسثينيس بلا شفقة، ومن حينها فإن كل من حول الاسكندر صاروا يخشون شخصيته الغريبة وجنون العظمة الذي أضحي ملازمًا لتصرفاته.
وكما أن ولي العهد السعودي حريص على أن يحظى «الشرعية الدينية»؛ إذ تتوالى عليه المبايعات على «السمع والطاعة» من رؤوس المؤسسة الدينية في المملكة، باعتباره «ولي الأمر» الشرعي المستحق للطاعة، فإننا نجد أن الإسكندر قد سعى كذلك إلى تطعيم حكمه بالصبغة الدينية حين قام بزيارة إلى معبد الإله آمون، حيث رحب به الكهنة وأعلنوه ابنًا له، وهو الأمر الذي راق للإسكندر الذي أخذ يشيع أنه «ابن آمون»، وأنه نصف إله، وليس بشريًا خالصًا.
«ألقابٌ في غيرِ موضِعها»
لم يكد الإسكندر يفرغ من حملاته العسكرية في الشمال حتى اندفع بجيشه – المكون من عشرات الألوف – عبر مضيق الدردنيل نحو آسيا الصغرى، واجه الإسكندر جيوش الملك الفارسي داريوس الثالث، في معركة إسوس (تقع شمال تركيا حاليًا)، كانت الجيوش الفارسية تفوق قوات الإسكندر من حيث العدد والعتاد، لكن الخبرات العسكرية للإسكندر وجيشه قد مكنت المقدونيين من حسم المعركة لصالحهم، وفر داريوس هربً تاركًا زوجته وعائلته خلفه، حتى أن أمه سيسيجامبيس قد تبرأت منه، وأعلنت أنها تتبنى الإسكندر ابنًا لها.
كانت طموحات الإسكندر بلا حدود، لا تجاريها إلا حماسته لجعل تلك الطموحات حقيقة يلمسها العالم بأكمله، تقدمت جيوش الإسكندر بعد ذلك؛ فحاصر صور، وأسقط المدن الفينيقية الواحدة تلو الأخرى، واستولى أخيرًا على ميناء صور بعد حصار قاسٍ، وواصل الزحف نحو مصر التي استسلمت له دون مقاومة تذكر، وهناك أسس إحدى أشهر المدن التي حملت اسمه، وهي مدينة الإسكندرية على البحر المتوسط، وكان يستهدف جعلها مركزًا للثقافة والتجارية الإغريقية.
لا يخيفني جيش من الأسود يقوده خروف.. ما قد أخشاه حقًا هو جيش من الأغنام يقوده أسد * من أقوال الإسكندر
بعد ذلك واجه الإسكندر جيوش داريوس مجددًا في معركة جواجاميلا عام 331 ق.م، كانت الهزيمة من نصيب داريوس هذه المرة أيضًا، واغتيل الرجل على يد بعض قواته؛ ليعلن الإسكندر نفسه ملكًا على بلاد فارس، حينها حمل الإسكندر لقب «ملك بابل، وملك آسيا، وملك أربعة أرباع العالم».
ولى الفاتح الصغير وجهه شطر الهند؛ فاستسلم له ملكها أومفيس بعدما أدرك أن لا جدوى من المقاومة، لكن بعض القبائل قد تمردت على حكمه؛ فقاتلهم الاسكندر حتى تمكن من هزيمتهم، ثم واجه الإسكندر ملكًا يُدعى بورس في معركة هيداسيبس عام 326 ق.م، وبرغم أن بورس قد هُزم في المعركة، إلا أن الإسكندر قد أعجب بشجاعته واستبساله في القتال؛ فعينه حاكمًا على إحدى المناطق، وصار بورس صديقًا للاسكندر وحليفًا له منذ ذلك الحين.
لم يُهزم الاسكندر في معركة خاضها قط، وقد جابت أخبار فتوحاته العالم، وخُلّدت عبر الزمان؛ ليبقى واحدًا من أشهر القادة العسكريين عبر التاريخ، فهل يمكن لولي العهد السعودي أن يدّعي شبهًا به، وهو الذي لم ينتصر إلى الآن في حرب واحدة خاضها على أية جبهة؟
في مارس (آذار) 2015، وفي محاولة لتقويض النفوذ المتزايد لجماعة الحوثيين عند حدها الجنوبي، أطلقت المملكة العربية السعودية حملة عسكرية في اليمن أسمتها «عاصفة الحزم»، أريد لتلك الحرب أن تكون تدشينًا لبطولات الأمير الشاب الذي أبرزت وسائل الإعلام صوره وهو في غرفة عمليات محاط بقادته العسكريين، يُجرى المكالمات، ويتفقد سير العملية، تعلو وجهه ابتسامات النصر المنتظر.
لكن الرياح قد أتت بما لا تشتهي سُفن الأمير السعودي؛ إذ لم تخلف الحرب بعد أكثر من ثلاث سنوات ونصف على إطلاقها إلا الدمار والكوارث الإنسانية على اليمن، الذي بات منطقة منكوبة وفق الكثير من المؤسسات الدولية، حيث بات نحو 80% من السكان في حاجة ماسة إلى مساعدات غذائية، وعاد وباء الكوليرا إلى اليمن منذرًا بكارثة صحية كبرى، صارت حرب اليمن نقطة سوداء في صفحة ابن سلمان من حيث لم يحتسب، حتى أن الأمم المتحدة قد أدرجت السعودية في قوائمها السوداء بسبب دورها في قتل الأطفال هناك.
كل ذلك كان بلا مردود عسكري يّذكر؛ إذ استمر الحوثيون في أغلب المناطق التي سيطروا عليهم، ومن بينها العاصمة صنعاء، وصاروا ينصبون الفخاخ للقوافل العسكرية السعودية، ويسقطون منهم يوميًا القتلى والجرحى، بل يتوغلون أحيانًا إلى داخل الأراضي السعودية، فضلًا عن استهداف العمق السعودي أكثر من مرة بصواريخ بالستية، ومن بينها منشآت حيوية في العاصمة الرياض.
«إخفاقات» ولي العهد السعودي لم تقتصر على اليمن، وإن تكن أكبر تحدياته، فالحصار الذي قادته المملكة على قطر منذ يونيو (حزيران) 2017 قد فشل في تحقيق أي من أهدافه، وتمكن القطريون من استيعاب الصدمة السعودية، وفق الكثير من الآراء الدولية التي باتت تعتبر الحصار «بلا قيمة» فعلية.
وعلى الصعيد السياسي والدبلوماسي، فالكثير من السياسات السعودية باتت – برأي الكثير من المراقبين – تعاني من انعدام الفعالية أو فقدان الحساب الدقيق لعواقب أفعالها، كما حدث في نوفمبر (تشرين الثاني) حين احتجزت الرياض لبضعة أيام رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري، وأجبرته على الاستقالة، وتحدثت مصادر حينها عن رغبة سعودية في استبدال أخيه بهاء الحريري به، الأمر الذي جر على السعوديين انتقادات جمة؛ باعتباره خرقًا دبلوماسيًا خطيرًا وغير مسبوق في العلاقات بين الدول، والمثير أن تلك «المغامرة» السعودية قد أخفقت – في النهاية – في تحقيق المراد منها؛ إذ أجبرت الضغوط الدولية الرياض على إطلاق سراح الرجل، الذي عاد إلى بيروت، وبقي على رأس زعامته للسنة، وتراجع عن استقالته.
كما يظهر جليًا فشل التعاطي السعودي مع الملف السوري، بعدما تمكن نظام الأسد – بمساعدة إيران عدو السعودية اللدود – من حسم المعارك لصالحه على الكثير من الجبهات، في الوقت الذي بدت فيه السعودية «مشلولة» تمامًا ومفتقدة للكثير من أوراق الضغط على عكس إيران الحاضرة بميليشياتها وبمستشاريها من الحرس الثوري على الجبهة.
لا وجه للشبه هنا إذًا بين الإسكندر الأكبر الذي ملأت فتوحاته الآفاق، وحاز المجد بانتصاراته، وبين ولي العهد السعودي الجديد الذي لم يحقق بعد أي نصر سياسي أو دبلوماسي يُذكر.
أراد الاسكندر مواصلة المسير، وأن يعبر بقواته نهر الجانج، لكن جنوده قد تمردوا عليه بعدما أنهكتهم الحملات الحربية المتواصلة، فما كان منه إلا أن انصاع لرأيهم، لكنه أرسل قسطًا كبيرًا من جنوده عبر الصحراء؛ ما تسبب في هلاك بعضهم، ولا يزال مغزى الإسكندر من تلك الخطوة غامضًا، فهل أراد الانتقام من جنده بسبب تمردهم على أوامره؟ ربما.
وبينما كان يتجهز لغزو قرطاج وروما، توفي الإسكندر فجأة ببابل في يونيو 323 ق.م عن عمر يناهز 32 عامًا، بعد حمى غامضة لازمته 10 أيام، ولا يزال سبب وفاته غامضًا حتى اليوم؛ فالبعض يذهب إلى أنه مات بسبب إصابته بحمى الملاريا، فيما يرجح البعض الآخر وفاته مسمومًا. هكذا كانت نهاية «الاسكندر المقدوني» قبل آلاف السنين، وأسدل الستار فجأة على صفحته دون سابق إنذار، أما «الإسكندر السعودي» فلا تزال صفحته مفتوحة، لا يعلم أحد ماذا قد يُكتب فيها، ولا على أية حال قد تُطوى.
علامات
الاسكندر الأكبر, الاسكندر المقدوني, السعودية, اليمن, اليونان, تاريخ, جمال خاشقجي, سياسة, محمد بن سلمان