ما زالت دراسة قوانين السفر عبر الزمن وقوانين الزمن الأخرى ملفًا مفتوحًا لم يغلق حتى الآن، وفي بعض الأحيان يختلف العلماء حول نظريات متعلقة بهذا الشأن، وفي المجمل وعلى أرض الواقع قد يشعر الإنسان أن إدراكه للوقت مختلف ونسبي، على سبيل المثال: المرور السريع للوقت إذا كان الإنسان يقضيه في فعلٍ يحبُّه ويجذب اهتمامه، ومروره البطيء في اللحظات المملة أو الحزينة، ولكن هذا الفارق في إدراك الوقت يعتبر نفسيًّا بالمقام الأول، لكن هناك نظريات علمية أو دراسات حاولت تفسير السفر عبر الزمن أو المتغيرات التي تحدث لقوانين الزمن في حالة تغير أي من العناصر الفيزيائية من حوله؛ هذا ما سنتحدث عنه في هذا التقرير.
1- الثقب الدودي.. هل يمكن لابنتك السفر عبر الزمن لتكون جدّتك؟
تخيل معي للحظة؛ إذا تزوجت ورزقت بطفلة جميلة، عمرها الآن خمس سنوات، ولكن لسوء الحظ – بشكل ما – خُلق ثقبٌ أسود بجوار منزلك، وابنتك الصغيرة وهي عائدة من المدرسة تلعب ببراءة؛ لفت انتباهها هذا المكان المظلم، وبفضول الأطفال تدخل تلك المنطقة المحظورة التي قد تمكنها من السفر عبر الزمن.
وفي غمضة عين تجد نفسها في الماضي، ربما 50 أو 60 عامًا للوارء، وبعد الخوف والرعب وكل ردود الأفعال الممكنة؛ تتأقلم الطفلة الصغيرة وتتبناها إحدى الأسر الطيبة ومن ثم تقابل طفلًا آخر لطيفًا، ولكن هذا الطفل هو جدك في الماضي، تتربى ابنتك في الماضي مع جدك وهو طفل، يكبران سويًا، يقعان في الحب، يتزوجان، يرزقان بطفلٍ جميل؛ هذا الطفل هو والدك. إذن السؤال هنا؛ تلك الطفلة: ابنتك أم جدتك في الأصل؟
تلك النظرية خيالية، وربما تكون مضحكة للبعض، ولكن دعونا نشرح ما قاله العلم عن علاقة الزمن بالثقب الأسود.
في البداية يجب أن نشرح ماهية الثقب الأسود وهو كما ذكر في التعريف العلمي لوكالة ناسا: «الثقب الأسود هو مكان في الفضاء حيث يكون للجاذبية فيه قوة شدّ كبيرة لا يستطيع حتَّى الضوء الهروب مِنه وهذا يمكن أن يَحدُث عِندما يموت نجم»، ولتبسيط الأمر؛ تخيَّل أن الثقب الأسود هو مقبرة النجم المنفجر/ المتوفّى، ويمكنك أن تتخيل النجم مثل القط في أفلام الرسوم المتحركة «Tom & Jerry»؛ عندما يعلم أن نهايته قادمة فيحفر لنفسه حفرة في مكانه ويدفن نفسه بها.
للثقوب السوداء أحجام وأنواع أيضًا، والثقب الأسود كبير الكتلة المندرج تحت نوع الثقوب النجمية؛ موجود في مجرة درب التبانة – التي تتضمن مجموعتنا الشمسية – ويطلق عليه العلماء «Sagittarius A» وله كتلة تعادل 4 ملايين شمس مجتمعة. وقد يتسع ليحوي كرة كبيرة جدًا تحوي بضعة ملايين من الأراضي، ويرى العلماء أنّ هذا الثقب النجمي نشأ عن انفجار نجم كبير.
هذا الثقب الأسود يحوي الثقب الدودي والذي عرفته وكالة ناسا بكونه: «عبارة عن ممرات تخيلية موجودة داخل الثقوب السوداء لكنها تظل أسيرة للحسابات الرياضية والنظريات الافتراضية، لكن لم يتم رصدها بأي وسيلة ممكنة، لسببين: الأول: أنه ليس لدينا أي وسيلة لرصد ما يوجد داخل الثقب الأسود، والثاني: لأنه لم يدخل أي بشر إلى الثقب الأسود، ولا نعلم ما إذا كان سيخرج منه إن دخل أساسًا»، وعندما يخبرك العلم أن هناك مكانًا يمكن أن يوفّر السفر عبر الزمن – نظريًا – ومن ثم لا يعطيك نتائج مؤكدة عن طبيعة هذا المكان؛ فهو يفتح أبوابًا من الاحتمالات والنظريات الغريبة والمعقدة.
الزمن مثل المحيط.. ونحن لم نرَ منه سوى السطح فقط.
مقولة لعالم الفيزياء كيب ثورن.
ومن هنا نعود إلى قصة ابنتك التي ربما هي جدتك أيضًا، وبما أن الثقب الأسود الذي يحوي الثقب الدودي؛ يحدث نتيجة انفجار نووي قوي والثقب الأسود الموجود بالفعل في الكون يبعد عن كوكب الأرض 3 آلاف سنة ضوئية، ولكن ماذا لو حدث انفجار نووي كبير على الأرض، وتسبَّبَ في خلق ثقبٍ أسود ومن ثمَّ ثقب دوديّ، وقتها يمكن لهذه الحكاية الخيالية أن تحدث! وتلك هي الفرضية التي بُنى عليها مسلسل الخيال العلمي الألماني والذي أثار الكثير من الجدل؛ DARK، والذي طرح فرضية السفر عبر الزمن وإمكانية لقاء الإنسان لنسخته الحية في الماضي أو المستقبل.
2- نظرية المعكرونة.. انهيار قوانين الفيزياء
من الصعب على العقل البشري تخيل قصة مخيفة مثل السفر عبر الزمن خاصة عندما تصبح الطفلة جدة والدها؛ ولذلك دعنا نوضِّح كينونة الزمن داخل الثقب الأسود والثقب الدودي. يؤكد علم الفيزياء أن كلّ قوانينها تنهار بمجرَّد دخول هذا الثقب، في داخل هذا الظلام الغامض؛ عالم قد يكون أكثر جموحًا وخيالًا من أفلام الخيال العلمي، ولكنَّنا لم نعرفه بعد، ولكن ما طرحه علماء الفيزياء أن هناك ظاهرة فيزيائية متوقع حدوثها إذا دخل إنسان بجسده لهذا الثقب وهي ظاهرة «spaghettification» وهي مأخوذة من كلمة «سباجتي» أي معكرونة طويلة، وهذا عائد للشكل الذي سيأخذه جسم الإنسان إذا دخل الثقب، ثم يتفتت ويموت.
وهذا التمدد لا يحدث للكتلة والأجساد فقط داخل الثقب، بل يحدث أيضًا للزمن.
أنت تعلم أن الزمن عبارة عن خط مستقيم يربط ثلاث نقاط وهم الماضي والحاضر والمستقبل، ولكن تخيل معي هذا الخط المستقيم داخل الثقب، يتحرك ويتمدد حتى يتحول إلى دائرة وليس خطًا مستقيمًا، في تلك اللحظة يتحول الزمن إلى حلقة مفرغة تنهار فيها قوانين الفيزياء والطبيعة التي تعوَّد عليها العقل البشري، وتلك الدائرة إذا وجدت على كوكب الأرض قد تبلع من حولها في معضلة مستمرة بلا نهاية، حيث تذهب ابنتك إلى الماضي وتكبر لتكون جدتك ومن ثم تتزوج أنت وتنجبها، ويظل السؤال المحير: هل الماضي هو ما أثَّر في المستقبل أم المستقبل هو ما ترك تأثيره على الماضي؟ نفس معضلة البيضة أولًا أم الدجاجة؟ تلك أسئلة لن نعرف إجابتها مثل الأمور الغامضة حول الثقب الأسود حين حدث تضارب في المعلومات حول هذا الثقب والتي أطلق عليها العلماء «information paradox» أو تضارب المعلومات.
3- نسبية الوقت.. هل يمكن أن تسبق أخاك التوأم في العمر؟
وصلت للحياة ووجدت أن هناك انعكاسًا لك في الحياة غير المرآة؛ أخًا توأمًا.
ملامحكما واحدة وعمركما أيضًا واحد، ولكن هناك واحدًا منكما كان سعيد الحظ وحقَّق حلمه بأن يكون رائد فضاء، وانطلق في الفضاء في تجربة علمية فريدة من نوعها لاستكشاف الفضاء، وبعد أن ودَّعته بأسبوعٍ واحد؛ وجدت رجلًا عجوزًا يقف على باب بيتك، يشبهكَ كثيرًا، ومن ثمّ يخبرك أنَّه أخوك التوأم ولكنَّه كان في مكانٍ تختلف قوانينه عن قوانين الأرض، أو العكس تمامًا، قد يسافر أخوك ويعيش أسبوعًا واحدًا في الفضاء «بالنسبة له» ولكنَّه عندما يعود يجدك عجوزًا ورزقت بأحفاد بينما هو لا يزال شابًا، هل من الممكن أن يحدث هذا دون السفر عبر الزمن بشكل ما؟ نظريًا نعم! الزمن نسبي بالفعل، وقد تكون سمعت تلك القصة أو رأيتها في أكثر من فيلم خيال علمي ربما أقربهم لذاكرتك قد يكون «Interstellar»، ولكن كيف يحدث هذا وفقًا لقوانين الفيزياء؟
تعلمنا في الرياضيات أن السرعة تساوي المسافة على الزمن، والعلم أثبت أن المسافة نسبية، فإذا مشيت ثلاث خطوات الآن من مكتبك لباب الغرفة ستكون المسافة التي مشيتها بالنسبة لزميلك في الغرفة هي على سبيل المثال مترًا، ولكن إذا كان هناك شخص يراقبك من الفضاء فستكون المسافة التي مشيتها مجموعة مع حركة دوران الأرض حول نفسها؛ فيراك هذا الشخص تتحرك في مسافة متر ونصف؛ إذن المسافة بالفعل نسبية.
وما يجب أن تعرفه أن السرعة أيضًا نسبية وأقرب مثال لهذا الأمر هو قيادة سيارة بجوار سيارة أخرى، بالنسبة لك السيارة الأخرى لا تتحرك لأنكم تسيرون على نفس السرعة، ولكن بالنسبة للشخص الواقف في الطرقات ينتظر مروركما حتى يعبر الطريق؛ السيارة التي تراها لا تتحرك بجوارك؛ بالنسبة له تتحرك بسرعة.
في النهاية، ومع إدراك أنّ سرعة الضوء ثابتة تمامًا لا يمكن أن تتغير أيًّا كان مكانها في الكون الفسيح؛ فإذا طبقنا قانون السرعة المعتاد على سرعة الضوء فهذا معناه أن سرعة الضوء الثابتة تساوي أيضًا المسافة على الزمن، وحتى تظل السرعة ثابتة – علميًا – يجب أن يكون في هذه الحالة الزمن أيضًا نسبيًا مثل المسافة وهذا هو الإثبات الرياضي بأن الوقت نسبي.
ولكن ما معنى أن الوقت نسبي إذا أردنا فهمه بعيدًا عن النظرية أو المعادلة الرياضية؟
تخيل معي سفينة فضاء طويلة جدًا ثابتة في مكانها في الفضاء الخارجي، والمسافة ما بين مقدمتها ونهايتها ثانية ضوئية واحدة، بمعنى أن لو هناك رجل يقف في مقدمة السفينة وفي نهايتها رجل آخر، والرجل في مقدمة السفينة معه كشّاف ضوئي، وعند إضاءته يصل الضوء للرجل الآخر في ثانية.
والآن تخيل السفينة الثابتة بدأت في التحرك بسرعة كبيرة في اتجاه واحد حتى تخلق نوعًا من أنواع الجاذبية في الفضاء بسبب التحرك السريع، وفي هذه الحالة تبدأ قوانين نسبية الوقت في العمل، وحين يصل الضوء القادم من الرجل في المقدمة للرجل في نهاية السفينة؛ في وقت أقل من الثانية بنسبة ضئيلة جدًا، ونفس القانون يتحقق إذا وصلت تلك السفينة إلى سطح الأرض ووقفت رأسيًا بحيث تكون نهايتها هي التي تلتصق بالأرض، وفي هذه الحالة تمثل الأرض عنصر الجاذبية، ويحدث هذا الفارق الزمني الضئيل بين إطلاق الإشارة الضوئية من المقدمة واستلامها في النهاية؛ بسبب أن الجاذبية تبطئ الوقت، وكلما كان المكان به قوة جذب أكثر خُلقت تلك الفجوة الزمنية البسيطة.
وفي حالة المثال الذي ذكرناه عن الأخ التوأم، فتخيل أنهما الاثنين في مقدمة سفينة الفضاء ونهايتها، مع فرضية تضعيف هذا الفارق الزمني البسيط إلى ملايين المرات؛ نظريًا ستكون نسبية الوقت تفسيرًا علميًا لتلك اللحظة الغريبة التي تقابل فيها أخاك التوأم وقد تخلف عنك في العمر دون السفر عبر الزمن.