ألقت أحداث الشغب التي جرت قبل أيام بين الروس والإنجليز في فرنسا، بظلالها على العلاقات السياسية بين البلدين؛ ما قد يتسبب في توترها؛ في ظل وجود أرضية من الخلافات السياسية التي تجمع بين فرنسا وروسيا.

بدأت الأحداث في 11 يونيو( حزيران) الماضي، عندما اندلعت اشتباكات بين  المئات من مشجعي منتخبي روسيا وانجلترا في «مرسيليا»، قبل بدء المباراة، التي جمعت منتخبا روسيا وإنجلترا في الدور الأول لبطولة كأس  أمم أوروبا (يورو 2016)، تلك المباراة التي انتهت بالتعادل الإيجابي بهدف لمثله للفريقين، ولكن أحداث الشغب التي حاوطتها استمرت لثلاثة أيام منذ بدئها.

وشهدت أحداث الشغب استخدام الكراسي وزجاجات الخمر الفارغة، وانتقل جانب منها إلى ملعب المباراة عقب انتهائها، وأسفرت عن إصابة 35 شخصًا، بينهم رجل في حالة حرجة.  ومن جانبها، استخدمت الشرطة قنابل الغاز المسيل للدموع، ورزاز الفلفل؛ لفض أحداث الشغب. كما ألقت القبض على 15 شخصًا خلال أيام الشغب.

رد الفعل الفرنسي والأوروبي تجاه الأحداث

قال المدعي العام الفرنسي لمدينة مرسيليا، إن 150 من المشاغبين الروس، الذين تسببوا في أحداث العنف والشغب، كانوا «مدرَّبين جيدًا، وجاهزين لأحداث العنف الهائجة التي تشتعل بحدة». وتصاعدت الملاحقة القانونية لـعدد من مشجعي المنتخب الروسي؛ عندما أوقفت شرطة مكافحة الشغب الفرنسية، الثلاثاء الماضي، حافلة كانت تُقل مشجعين روس كانوا متجهين إلى مدينة «ليل» الفرنسية؛ لمؤازرة منتخب بلادهم في مباراته أمام «سلوفاكيا».

وألقت الشرطة الفرنسية القبض على 43 مشجعًا روسيًا ،قبل أن تُفرج عن 20 منهم، وتستعد لطرد 20 آخرين من فرنسا. فيما أصدرت محكمة مرسيليا أحكامًا ضد ثلاثة مشجعين روس، بالحبس لمدد تتراوح ما بين عام، و30 شهرًا، مع منع دخولهم إلى الأراضي الفرنسية بعد عامين من انقضاء مدة الحبس.

من جانبه،هدد الاتحاد الأوروبي (ويفا) باستبعاد منتخبي إنجلترا وروسيا من البطولة؛ في حال تكررت مشاهد الشغب بين جمهور الفريقين. وقالت اللجنة التنفيذي، لـ«الويفا»، إنها تشعر بـ«الاشمئزاز»؛ لما وقع من شغب في مدينة مارسيليا. وبعد أيام قليلة من ذلك التهديد، أصدر الاتحاد الأوروبي- الثلاثاء الماضي- قرارًا باستبعاد المنتخب الروسي من البطولة، مع وقف التنفيذ، مع إمكانية دخول القرار حيز التنفيذ؛ إذا تكررت أحداث الشغب والعنف من مشجعي المنتخب الروسي. كما وقّع الاتحاد الأوروبي غرامة قدرها 150 ألف يورو ضد المنتخب الروسي.

روسيا تنزعج وتستدعي السفير الفرنسي: «غير مقبول»

من ناحية أخرى، أعربت روسيا عن انزعاجها من القرارات الفرنسية التي صدرت بحق مشجعين روس، واستدعت السفير الفرنسي، لافتة إلى إمكانية أن تضر تلك القرارات على العلاقات بين البلدين. في الوقت الذي أقرت فيه روسيا بأن انفلات المشجعين في مارسيليا كان أمرًا «غير مقبول»، مُتعهدة بالدفاع عن رعاياها.

واعتبر «سيرجي لافروف»- وزير الخارجية الروسي- إيقاف الشرطة الفرنسية  لحافلة المنتخب الروسي، وإلقاء القبض على 43 «أمرًا غير مقبول على الإطلاق»، على حد تعبير لافروف، الذي أقر بتصرف بعض المشجعين الروس بطريقة «غير مقبولة»، مُشددًا في الوقت ذاته على عدم إمكانية غض الطرف عما وصفها بـ«مساعي التستر» على استفزاز مشجعي دول أخرى، كوطء العلم الروسي، وسب قادة ورياضيين روس.

 

كما استدعت الخارجية الروسية، «جان موريس»- السفير الفرنسي بموسكو- وقالت إنها أخطرته بوجود «تمييز» تجاه المواطنين الروس،  لافتة إلى أن مزيدًا من تأجيج المشاعر المناوئة للروس «ربما يضر بالعلاقات بين فرنسا وروسيا». من جانبه أكد السفير الفرنسي قانونية عملية الاحتجاز، وشفافيتها، ووقوعها أمام السلطات الروسية، وعزم الحكومة الفرنسية والاتحاد الأوروبي لكرة القدم على منع مثيري الشغب من إفساد ما سمّاه بـ«الحفل»، في الإشارة إلى بطولة أمم أوروبا.

وأكّد «الكرملين» ما قاله لافروف، متعهدًا بالدفاع عن حقوق جميع الرعايا الروس. ودعا «دميتري بيسكوف» – المتحدث باسم الرئيس الروسي- مُشجعي بلاده، بعدم الرد عمّا وصفها بـ«الاستفزازات»، مطالبًا إياهم بالالتزام بقوانين الدولة التي يتواجدون على أراضيها. وأفادت وسائل إعلام روسية بأن الرئيس الروسي «فلاديمير بوتين» بحث مع مسؤولين أمنيين الدروس التي يمكن أن تستفيد منها «رواسي» من بطولة أمم أوروبا 2016 قبل أن تنظم روسيا نفسها كأس عالم 2018.

وجاء التعليق الروسي الأغرب على تلك الأحداث، على  لسان «إيجور لابيديف»، عضو اتحاد كرة القدم الروسي، الذي أثنى على شغب المشجعين الروس؛ عندما قال «لا أرى أية مشكلة في المعارك التي خاضها المشجعون، بل على العكس تمامًا، أحسنتم يا رفاق، استمروا في الأمر».

سياق أوسع للخلافات الروسية الفرنسية

يأتي الغضب الروسي من تعامل فرنسا تجاه المشجعين الروس، وسط سياق أوسع من الخلافات بين البلدين؛ إذ لا تتوقف مظاهر الخلافات بين باريس وموسكو على الواقعة الأخيرة، وإنما تمتد لتشمل خلافات سياسية أخرى، وصل بعضها إلى العقوبات الاقتصادية. وأحد أبرز مواطن الخلاف بين البلدين: هو اختلاف توجهات البلدين تجاه الملف السوري؛ إذ تدعم موسكو بقاء الرئيس السوري «بشار الأسد» سياسيًا وعسكريًا، في الوقت الذي ترفض فيه فرنسا ودول غربية بقاء الأسد في السلطة، وتدعم فصائل معارضة له.

أما الخلاف السياسي الأبرز بين روسيا من ناحية، وبين الاتحاد الأوروبي وفرنسا من ناحية أخرى، يتمركز في ضم روسيا لـ«شبه جزيرة القرم» في 2014. ذلك القرار الذي انتقده الاتحاد الأوروبي، ورفض الاعتراف به. وأوقع عقوبات اقتصادية ضد روسيا على إثره. وبموجب ذلك القرار،أوقفت فرنسا صفقة بيع حاملتي طائرات من طراز «ميسترال» لروسيا كانت فرنسا قد صنعتها بناءً على طلب روسي، قبل أن تشتري «مصر» تلك الحاملتين.

 

وبعد أيام قليلة من قرار الاتحاد الأوروبي لـ«كرة القدم» بتغريم روسيا واستبعادها من البطولة مع وقف التنفيذ، مدّد الاتحاد الأوروبي، يوم الجمعة 17 يونيو (حزيران) الجاري، عقوباته المفروضة على روسيا؛ بسبب ضمها لجزيرة القرم  لمدة عام جديد، باستمرار تطبيق القيود على روسيا إلى 23 يونيو (حزيران) 2017. وربط محللون بين تلك الخلافات وواقعة الشغب الأخيرة؛ باعتبارها جاءت لتصفية الخلافات السياسية الروسية مع فرنسا قبل الانتخابات الرئاسية المُقبلة لفرنسا التي تمثل، بحسب محللين، رهانًا لروسيا؛ من أجل شق الصف الفرنسي.

المصادر

عرض التعليقات
تحميل المزيد