قبل أن يكمل عامه الأول في السلطة، خرج الإيرانيون في احتجاجات مطالبين بإطاحة الحكومة، واستقالة الرئيس الإيراني، إبراهيم رئيسي من منصبه الذي تولاه في أغسطس (آب) 2021 بعد فوزه في الانتخابات الرئاسية التي وصفت حينها بأنها غير تنافسية، وكانت مجرد وسيلة لوصول إبراهيم رئيسي رجل الدين المحافظ إلى الحكم، لاكمال سيطرة التيار الأصولي على فروع القوى الثلاث (التنفيذية، التشريعية، القضائية)، في الجمهورية الإسلامية الإيرانية.

خلال الشهر الماضي، تظاهر عشرات الآلاف من الإيرانيين احتجاجًا على خطة الحكومة الثالثة عشرة، بقيادة إبراهيم رئيسي، والتي تضمنت إلغاء الدعم الحكومي عن الدقيق مما تسبب في ارتفاع أسعار الأرز والمعكرونة متجاوزًا 10 أضعاف، في حال وجدوا من الأساس في المتاجر، هذا بالإضافة إلى رفع أسعار العديد من السلع الغذائية الأساسية مثل (الدواجن، منتجات الألبان، زيوت الطهي، والبيض).

منطقة الشرق

منذ سنة واحدة
الحكومة الإيرانية في مرمى النيران: قصة «خطة إصلاح الدعم» التي أشعلت البلاد

حاولت الحكومة الإيرانية تبرير لجوئها لرفع الدعم عن بعض السلع الغذائية، من أجل تهدئة الشارع الثائر، بمبررات مثل تهريب البضائع، واستغلال أعداء الجمهورية الإسلامية في الداخل والخارج غضب الجماهير من الخطة الاقتصادية الجديدة للحكومة، إلا أن الأمر الذي كان غير متوقع؛ فهو انتقاد حلفاء إبراهيم رئيسي الأقوياء، قراراته الجديدة، وأداء حكومته بشكل عام.

والسؤال الآن: ما الذي يحدث في المشهد السياسي الإيراني والذي دفع المدافعين المخلصين للحكومة من الأصوليين إلى انتقاد أشد لإبراهيم رئيسي وحكومته؟

«تحلى بالشجاعة وقدم استقالتك»

بعد إعلان حكومة إبراهيم رئيسي خطتها الاقتصادية لتعديل الدعم، وما نتج منها من احتجاجات وارتفاع هائل في الأسعار، وندرة في توافر بعض السلع الغذائية في الأسواق الإيرانية، خرجت صحيفة «جمهوري إسلامي»، أو الجمهورية الإسلامية، باللغة العربية، وهي صحيفة ذات توجهات معتدلة، لتسأل الرئيس الإيراني  في افتتاحيتها، اليوم التالي من إعلان الحكومة، «كم من الوقت تحتاج، لتدرك أن البلاد لن تدار بالكلام فقط؟».

بالنظر إلى مرور أقل من عام فقط على وجود إبراهيم رئيسي في منصبه، فإن عنوان صحيفة «جمهوري إسلامي»، الصادم ونشرها انتقادات حادة للحكومة، أمر لم يحدث من قبل تقريبًا منذ تأسيس الجمهورية الإسلامية الإيرانية.

صحيفة «جمهوري إسلامي»، لم تكتفِ بهذا العنوان المثير للدهشة، بل كتب رئيس تحريرها، السيد مسيح مهاجري، مقالًا انتقد فيه إبراهيم رئيسي بشدة، ودعاه إلى التحلي بالشجاعة وتقديم استقالته على الفور. الانتقادات الموجهة ضد حكومة إبراهيم رئيسي، لم تقتصر على جريدة «جمهوري إسلامي» فقط، بل امتدت لتشمل أيضًا أشد حلفائه! فعلى سبيل المثال أصدر الفرع الطلابي قوة الباسيج – وهي قوة مدنية شبه عسكرية أغلب قوامها من الشباب ذكورًا وإناثًا- بيانًا انتقد فيه أداء الحكومة الإيرانية، وجاء في البيان: «لا يستطيع الناس تحمل الزيادة المفاجئة في الأسعار الجديدة، يجب على الحكومة أن تعمل بجد وإخلاص لحل مشكلات الناس».

ثم لم تلبث أن انتشرت الانتقادات الموجهة لحكومة إبراهيم رئيسي في أغلب وسائل الإعلام شبه الحكومية، وإن تباينت حدة هذه الانتقادات من مكان لآخر، كما تولت بعض الصحف مهمة الدفاع عن الحكومة حتى آخر لحظة، إذ حاولت صحيفة «كيهان»، الأصولية والتي يعين الزعيم الأعلى الإيراني، آية الله علي خامنئي، رئيس تحريرها، مباشرة، دعم إبراهيم رئيسي، وألقت باللوم في المشكلات التي تمر بها البلاد حاليًّا، على الحكومة السابقة بقيادة الرئيس المعتدل حسن روحاني.

في هذا الصدد، يقول الصحافي الإيراني الأصولي، محمد إيماني، وهو عضو في فريق عمل صحيفة «كيهان»، لـ«ساسة بوست»: «بالطبع لا يمكن إلقاء اللوم بالكامل على إدارة السيد رئيسي، الذي لم يكمل عامه الأول في المنصب، لسوء الحظ ورثت حكومته كل الميراث السيئ لحكومة حسن روحاني، التي كانت تعلق الآمال على الاتفاق النووي والغرب».

ويرى السيد إيماني، أنه لكي تتخلص حكومة إبراهيم رئيسي مما أسماه «الميراث السيئ لحكومة حسن روحاني»، فهي تحتاج إلى سنوات، فيقول لـ«ساسة بوست»: «نعلم أن مشكلات الناس الاقتصادية قد ازدادت في الفترة الأخيرة، لكن ليس لحكومة السيد رئيسي أي يد بها، إنه يحاول إصلاح ما أفسدته حكومة روحاني، بالإضافة إلى المتغيرات العالمية والتضخم والحرب الروسية الأوكرانية. يجب على الشعب التحلي بالصبر والإيمان بحكومتهم».

على الجانب الآخر، فهناك من يرى في مسألة إلقاء اللوم على الحكومة السابقة، تهربًا من المسئولية، وفي هذا الصدد، يقول صحافي إيراني إصلاحي، لـ«ساسة بوست»، مفضلًا عدم الكشف عن هويته لأسباب أمنية: «الحكومة الحالية وأنصارها يقولون إن حكومة حسن روحاني هي من أفسدت الأمر باعتمادها على الاتفاق النووي، جيد، إبراهيم رئيسي وعد الإيرانيين بأن اقتصاد بلادهم لن يكون مرهونًا بالاتفاق النووي، فما الذي فعله إلى الآن؟ لا شيء».

كان الرئيس الإيراني، قد صرح، مرارًا وتكرارًا، بأن حكومته ستعمل على عدم ربط «مائدة الإيرانيين بالاتفاق النووي»، في إشارة إلى عدم اعتماد الاقتصاد الإيراني على إحياء الاتفاق النووي الإيراني لعام 2015، وربط تعافيه برفع العقوبات الأمريكية عن طهران.

أضاف الصحافي الإيراني الإصلاحي قائلًا لـ«ساسة بوست»: «إلقاء اللوم على حكومة حسن روحاني، مضيعة للوقت، وحجة لا يمكن استخدامها كثيرًا لإقناع الجماهير، الحقيقة أن الحكومة الحالية لا تفعل أي شيء لتسير على الاتجاه الصحيح».

«رحلة تركيا»! صراع رئيسي وقاليباف يخرج للعلن

منذ بدء مباحثات تشكيل إبراهيم رئيسي لحكومته، كانت هناك بوادر تشير إلى بداية الانقسامات والصراعات بين المعسكر الأصولي، المسيطر على السلطة بشكل كامل في الجمهورية الإسلامية الإيرانية، وذلك بعد أن تمكنوا في السنوات القليلة الماضية من السيطرة على القوى الثلاث للدولة (التشريعية، التنفيذية، القضائية).

على سبيل المثال، لم يتمكن إبراهيم رئيسي من الحصول على تصويت بالثقة من أعضاء البرلمان الذي يسيطر عليه الأصوليون، لتمرير عدد من وزرائه المقترحين، ومن بينهم وزير التربية والتعليم.

الصراع على الحصول على الثقة لوزراء حكومة إبراهيم رئيسي لم يتوقف، بل امتد إلى مسألة الاستحواذ على المناصب المهمة في الحكومة. فالأصوليون ليسوا متجمعين  في حزب واحد، وغير متوافقين في العديد من الأمور، لكن جميعهم ساندوا إبراهيم رئيسي للوصول إلى الرئاسة، وفي أثناء تشكيله الحكومة، أراد كل فصيل من الأصوليين نصيبه من الغنائم مقابل الدعم الذي قدمه.

محمد باقر قاليباف – مصدر الصورة: وسائل التواصل الاجتماعي الناطقة بالفارسية

يرى المحلل السياسي المستقل والمقيم بطهران، والذي يفضل عدم الكشف عن هويته، أن الصراع بين الأصوليين بدأ منذ تشكيل إبراهيم رئيسي الحكومة الثالثة عشرة، فيقول لـ«ساسة بوست»، «أراد كل فصيل من الفصائل الأصولية، السيطرة على أكبر عدد من المناصب العليا والوزارات، مما أضعف موقف رئيسي، وجعله يختار وزراءه والمسئولين في حكومته من باب إرضاء أنصاره، لا على أساس الكفاءة والثقة».

لكن مسألة تشكيل الحكومة انتهت، وحصل كل فصيل على نصيبه من المناصب الحكومية، فلماذا لم يهدأ الصراع بين الأصوليين؟

في أواخر شهر أبريل (نيسان) 2022، انتشرت على وسائل التواصل الاجتماعي الناطقة بالفارسية، صور لابنة محمد باقر قاليباف، رئيس البرلمان الإيراني، وزوجته، وهم عائدون إلى طهران من رحلة تسوق في تركيا، وكانوا يحملون العديد من الحقائب التي قيل إنها كانت تخص أغراض المولود الجديد الذي تنتظره ابنة قاليباف.

أثار نشر هذه الصور الكثير من ردود الأفعال الغاضبة بين الإيرانيين الذين يعانون من ارتفاع الأسعار والتضخم وانهيار القدرة الشرائية، في الوقت ذاته الذي تعود فيه ابنة رئيس البرلمان من رحلة تسوق خارجية بعشرات الحقائب!

في حقيقة الأمر، لا تعد الرحلات الخارجية أو رحلات تسوق المسؤولين الإيرانيين وأبنائهم، أو حتى إرسال أبنائهم للتعليم فى الدول الأوروبية أمرًا غير مسبوق؛ فمجتبي خامنئي، ابن الزعيم الأعلى الإيراني، سبق وأن نُشر عنه قبل سنوات تقارير تفيد بزيارته المملكة المتحدة من أجل الاستجمام.

إذن، لماذا أثارت صور ابنة قاليباف وزوجته كل هذه الضجة؟ ومن الذي يقف وراء تسريب هذه الصور، من أجل استغلال سخط المواطنين العاديين على الرفاهية التي يعيش فيها المسؤولون في إيران؟

يقول مصدر مقرب من رئيس البرلمان الإيراني، لـ«ساسة بوست»، مفضلًا عدم الكشف عن هويته: «هناك جهة أمنية متورطة فى قصة ما أسموه (فضيحة رحلة تركيا)». مضيفًا: «بعض وسائل الإعلام نشرت عدد الحقائب الذي كان بحوزة أسرة قاليباف، فمن أين أتوا بهذه المعلومات التي لا يتم الكشف عنها إلا للأجهزة الأمنية ووزارة الاستخبارات؟».

جدير بالذكر، أن السيد محمد باقر قاليباف، كان يشغل في السابق منصب رئيس بلدية طهران، بعد أن تقاعد من منصبه قائدًا للقوات البحرية التابعة للحرس الثوري الإيراني، كما أنه ترشح لمنصب رئيس الجمهورية ثلاث مرات، كان آخرها عام 2017، وبعد ضغط من الجماعات الأصولية، انسحب لصالح إبراهيم رئيسي، الذي كان المنافس الأصولي لحسن روحاني، وقد هزمه الأخير بفارق كبير في الأصوات.

كما أن سجل السيد قاليباف لم يكن ساطع البياض طوال فترات عمله رئيس بلدية طهران، فقد جرى تداول اسمه في الكثير من ملفات الفساد المالي، في بلدية طهران، لكن لم يُتهم اتهامًا رسميًّا ومباشرًا، بالرغم من التحقيق مع عدد من موظفيه في قضايا فساد أخرى.

الحكومة vs البرلمان: الكثير من التسريبات ومن صراع الأجهزة الأمنية!

بعد الضجة التي أحدثتها مسألة نشر صور عائلة قاليباف في المطار، حصلت وكالة «بي بي سي» النسخة الفارسية، على تسريب صوتي للسيد مهدي طائب، يكشف عن الجهة التي تقف وراء تسريب صور عودة عائلة قاليباف من رحلة تركيا، والدوافع من وراء هذه الفضيحة.

في البداية تجب الإشارة إلى أن السيد مهدي طائب، واحد من أقوى رجال الدين الأمنيين في إيران، وأنه هو رئيس مقر «عمار»، أحد التنظيمات أو الجماعات السياسية الأصولية الدينية المتشددة، وأن شقيقه حسين طائب، رئيس جهاز استخبارات الحرس الثوري، ورئيس فيلق أنصار المهدي، الذي مهمته الأساسية، حماية الشخصيات المهمة وكبار المسؤولين في الجمهورية الإسلامية الإيرانية.

الحرس الثوري الإيراني

بالعودة إلى ما جاء في تسريب مهدي طائب، فقد ذكر السيد طائب صراحة أمام رفاقه وهم أعضاء في الحرس الثوري وفيلق أنصار المهدي السابق الإشارة له، أن من يقف وراء تسريب صور عائلة قاليباف في المطار، هو ميثم نيلي، صهر الرئيس إبراهيم رئيسي، والمدير المسئول عن موقع «رجا نيوز»، الإخباري الإلكتروني الشهير.

في هذا الصدد، يقول المصدر المقرب من محمد باقر قاليباف رئيس البرلمان الإيراني، لـ«ساسة بوست»: «ليس من المستغرب أن يكون صهر رئيسي خلف هذه القصة، فمنذ سنوات وموقع «رجا نيوز» يهاجم السيد قاليباف، وتحديدًا من وقت ترشحه للانتخابات الرئاسية عام 2017». ويرى المصدر ذاته، أن الرئيس الإيراني، إبراهيم رئيسي، وأنصاره، يعتقدون أن البرلمان برئاسة قاليباف يعمل ضد الحكومة!

فعلى سبيل المثال، كان محمد باقر قاليباف من أشد المنتقدين لإعلان الحكومة عن تخفيض الدعم، وما تلاه من زيادة في الأسعار، وصرح قائلًا: «إن الارتفاع الأخير في أسعار المعكرونة وغيرها من السلع يعكس عدم انتباه الحكومة لقانون مجلس النواب والميزانية الوطنية المصدق عليها»، وأشار إلى أن «الناس مستاؤون للغاية».

كما نأى عدد كبير من نواب البرلمان، بأنفسهم عن القرارات الأخيرة لحكومة إبراهيم رئيسي، فيقول إبراهيم عزيزي، نائب بالبرلمان الإيراني، وينتمي للتيار الأصولي، لـ«ساسة بوست»: «الناس غاضبون للغاية من الحكومة، جمعنا الكثير من التوقيعات في البرلمان، لعزل عدد من وزراء حكومة رئيسي، لكن هيئة البرلمان لم توافق حتى الآن».

في التسريب الصوتي المشار إليه سابقًا، دافع مهدي طائب عن محمد باقر قاليباف ضد ما أسماه تورط وزارة المخابرات في محاولات إطاحته، قائلًا: «إن السيد خامنئي لديه آراء إيجابية بشأن قاليباف، ويري أنه قادر على تكوين حكومة ثورية جهادية، لكن هؤلاء يريدون إطاحته». فمن «هؤلاء» الذين أشار إليهم مهدي طائب في حديثه المسرب؟

يقصد طائب بهؤلاء، جبهة «بايداري»، أو جبهة «استقرار الثورة»، وهي حزب سياسي أصولي يميني متشدد، تكون في فترة الولاية الأولى للرئيس السابق محمود أحمدي نجاد (2004-2013)، وكانوا من أشد أنصاره، والان من اشد أنصار الرئيس إبراهيم رئيسي.

ينتمي محمد باقر قاليباف، رئيس البرلمان الحالي، إلى ما يسمى بـ«المحافظين الجدد»، وهم تيار يبتعد عن الأصولية المتشددة، ويعتمد أكثر على الشباب المحافظ، ولم يلق هذا التيار أو السيد قاليباف أي ترحيب أو دعم من الأصوليين اليمنيين مثل جبهة «بايداري»، التي ترى أن قاليباف والمقربين منه أمثال السيد مهدي طائب – برغم أن الأخير رئيس لحزب أصولي متشدد لكنه ليس على وفاق مع جبهة بايداري – أنهم يسعون إلى إطاحة إبراهيم رئيسي، كي لا يتولى فترة رئاسية ثانية، وانتخاب قاليباف بدلًا منه.

كما أن جبهة بايداري حتى وإن كانت قد أعلنت رفضها وانفصالها عن الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد بسبب خلافاته وعناده مع آية الله خامنئي، فإن الكثير من أنصار أحمدي نجاد ما زالوا أعضاء في هذه الجبهة، كما أن عددًا كبيرًا من وزراء حكومة رئيسي الحالية، كانوا أيضًا أعضاء في حكومة أحمدي نجاد، وقد سبق وأشرنا إلى هذه المسألة في تقرير سابق.

يقول السياسي الإصلاحي ناصر قوامي، لـ«ساسة بوست»: «الأصوليون يجدون فى قاليباف خطرًا على حليفهم (إبراهيم رئيسي)، كما أنهم يخشون من دعم خامنئي له، لذلك يحاولون تشويه سمعته بشتي الطرق»، ويرى السيد قوامي أن خصوم قاليباف من الأصوليين، نجحوا فى هذا الأمر حتى الآن.

فيقول لـ«ساسة بوست»: «إثارة الضجة حول فساد قاليباف والثراء الذي تعيش فيه عائلته، وتورطه في فساد مع الحرس الثوري، قد يجعل من الصعب على خامنئي أن يدعمه للوصول إلى منصب الرئاسة أو حتى الاستمرار في رئاسة البرلمان مرة أخرى، مما يعني انتهاء حياته السياسية».

تجدر الإشارة، إلى أن تسريب صور رحلة عائلة قاليباف لتركيا، لم تكن المحاولة الأولى لتشويه صورة قاليباف، ففي شهر مارس (آذار) الماضي، جرى تداول تسريب صوتي، لمحمد جعفري، القائد السابق للحرس الثوري، وهو يتحدث إلى صادق ذوالقدرنيا نائب وزير المالية للحرس الثوري، وكان الأخير في التسريب يشتكي لمحمد جعفري من محاولة قاليباف إجباره على الموافقة على تخصيص ميزانية لشيء وهمي للتغطية على فساد إحدى المؤسسات الاقتصادية التابعة للحرس الثوري، وتحديدًا فيلق القدس، وذكر ذوالقدرنيا في التسريب الصوتي، أن القائد السابق لـ«فيلق القدس»، الجنرال قاسم سليماني قال لي «قاليباف يلعنك كل يوم»، بعد عدم موافقة ذوالقدرنيا على ما كان يريده قاليباف.

كل هذه الأمور، والاتهامات والتسريبات، تضر بسمعة قاليباف حتى وإن لم توجه اتهامات رسمية له، لأن من غير الطبيعي أن يرغب آية الله علي خامنئي في دعم مرشح أو مسئول أثيرت ضده كل هذه الضجة، لكن أيضًا هذا الاحتمال من الوارد عدم حدوثه.

إذ يرى المصدر المقرب من قاليباف، أن هناك أجهزة أمنية متورطة في هذا الصراع، فيقول لـ«ساسة بوست»: «هذه التسريبات لا يجري نشرها وتداولها إلا برغبة من وزارة المخابرات، فهناك شيء يجري تحضيره بقوة من قبل مؤسسات وشخصيات أمنية معينة – لن أذكرها- من أجل إطاحة السيد قاليباف. إنهم يريدون الاستحواذ على كافة المناصب».

جدير بالذكر، أن لدى الجمهورية الإسلامية الإيرانية، وزارة مخابرات تابعة للحكومة، ووزارة مخابرات أخرى تابعة للحرس الثوري الإيراني، ويتنافسان في كثير من الأحيان بشكل كبير، هذا بالطبع بالإضافة إلى عشرات المؤسسات الأمنية الأخرى، التي تعمل كل واحدة منها لحساب جهة سياسية معينة.

انهيار نظرية توحيد السلطة!

من خلال رصد ومتابعة الانتقادات والاتهامات المتبادلة بين الأصوليين والتي ازدادت حدتها، خاصة الصراع بين أنصار إبراهيم رئيسي وأنصار محمد باقر قاليباف، فإن هذه الخلافات توضح سرعة انهيار نظرية «توحيد السلطة» التي سعى إليها الأصوليون من خلال استحواذهم على جميع فروع السلطة، وإقصاء غيرهم من المشهد السياسي الإيراني.

Embed from Getty Images

لم يكن أحد داخل إيران أو خارجها يتوقع أن نرى على الصحف ووسائل الإعلام الإيرانية كل هذا الكم الهائل من الانتقادات الموجهة إلى حكومة إبراهيم رئيسي، أو الاتهامات والتسريبات التي يتورط فيها كل فرع من فروع الأصوليين. وإن كان محمود أحمدي نجاد، الأصولي المتشدد، قد تعرض لانتقاد سابق، فهذا لم يحدث إلا خلال فترة ولايته الثانية، والتي شهدت خلافات عديدة بينه وبين المرشد الأعلى الإيراني، أما انتقاد إبراهيم رئيسي، فقد حدث بشكل سريع للغاية.

يرى السياسي الإصلاحي ناصر قوامي، أن الصراع بين الأصوليين كان مفاجئًا فى كثير من الأحيان، فيقول لـ«ساسة بوست»: «بالنسبة للبعض كان من الممكن أن تكون رئاسة إبراهيم رئيسي عاملًا من عوامل التوحيد والسيطرة على السلطة في إيران، لكن تحول الأمر إلى صراع مفتوح على السلطة بين الأصوليين».

ويرى السيد قوامي أن الأصوليين لم يكونوا في يوم من الأيام على قلب رجل واحد، فيقول لـ«ساسة بوست»: «على الرغم من أنهم لم يكونوا موحدين بشكل كبير، فإنهم لم يكونوا منقسمين مثل الآن، وهذا يرجع إلى رغبة كل فصيل من الأصوليين في السيطرة منفردًا على الحكم».

وبالإضافة إلى رغبة كل طرف من الأطراف في الاستحواذ على السلطة، فيمكن القول بأن الوضع الاقتصادي لعب دورًا مهمًّا في الصراع الأخير؛ إذ تعاني حكومة إبراهيم رئيسي من أزمة اقتصادية حادة لا يبدو أن لها حلًّا على المدى القريب، بالإضافة إلى أن الخبراء الاقتصاديين في إيران سبق وأن عارضوا منذ البداية، الرؤية الاقتصادية للرئيس الإيراني، ووصفوها بأنها «ضبابية وغير واقعية».

جدير بالذكر أن الأزمات الاقتصادية كانت من بين أهم المبررات التي كان يستخدمها الأصوليون لانتقاد الحكومات الإصلاحية أو المعتدلة، لكن الوضع مختلف الآن، فهم المسيطرون على مؤسسات الحكم في البلاد، ما يجعلهم معرضين لخطر انهيار قاعدتهم الشعبية.

دولي

منذ سنة واحدة
«استياء الشارع زاد بنسبة 300%».. هل تشهد إيران انفجارًا مجتمعيًّا؟

على عكس الأجيال السابقة من قادة الجمهورية الإسلامية، أمثال محمد بهشتي، وأكبر هاشمي رفسنجاني، الذين كانوا يتمتعون بالقوة والكفاءة لقيادة الحكومة والسيطرة على الانقسامات الداخلية داخل التيارات الأصولية، نجد أن الكوادر التي اعتمدت عليها حكومة إبراهيم رئيسي، أو حتى خصومه في الفصائل الأصولية الأخرى، لا يتمتعون بالكفاءة اللازمة، لتقوية سلطتهم.

كما أن سيطرة الأصوليين المتشددين على الحكم وإقصاءهم للإصلاحيين والأصوليين المعتدلين، وطرد القوى المعتدلة من المعادلة السياسية، دفع الأصوليين إلى الانقسام أكثر من أي وقت سبق.

فهل نشهد ظهور تيارات سياسية جديدة على الساحة الإيرانية؟

هذا الصراع بين الأصوليين، بعد أن سيطروا على جميع مؤسسات الدولة، قد ينذر بتشكيل تيارات سياسية جديدة، يمكنها أن تشارك في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية القادمة، ويعني ظهور هذه التيارات وربما تمكنها من النجاح أيضًا، القضاء على التيارات الأصولية والإصلاحية على المدى الطويل، كل هذه الأمور من شأنها أن تمهد لتغييرات مهمة في الحياة السياسية الإيرانية.

فهل بدلًا من أن تصبح حكومة إبراهيم رئيسي، أحد العوامل الفاعلة لتوحيد السلطة في أيدي الأصوليين، تصير دون قصد، سببًا رئيسيًّا في تغيير سياسي كبير في إيران؟

المصادر

تحميل المزيد