بعض تصرفات الأطفال- أحيانًا- قد تشعرك بأنهم لا يتعاطفون معك، فإذا أراد الطفل شيئًا قد يصل به العناد أن يبكي لساعات دون مراعاة للإرهاق الذي تعاني منه والدته أو الشخص الذي يرعاه، مهما أخبروه عن ضرورة تأجيل هذا الأمر؛ فلن يستجيب كل الأطفال لهذا الرجاء، وإذا استجاب أحدهم فربما تكون هذه الاستجابة بدافع الخوف من العقاب وليس تحكيم عقله وضميره.
الأطفال يُضرب بهم المثل في التمركز حول الذات والاهتمام بالنفس فقط، وعندما نرى شخصًا ناضجًا يتصرف بهذه الطريقة دون مراعاة لمن حوله نصفه بأنه «طفل» أو «غير ناضج»؛ الأمر الذي يطرح تساؤلًا مهمًّا في الأذهان؛ هل يولد الأطفال وداخلهم ضمير يوجههم؟ أم أن هذا «الضمير» مفهوم متغير من مجتمع لمجتمع ويجب على الآباء أن يمدوا أبنائهم بالقيم والمعارف التي تندرج تحت بند الضمير في ثقافتهم؟ هذا ما سنحاول الإجابة عنه في هذا التقرير.
ما هو الضمير؟ وهل يولد الطفل به؟
يُعرَّف الضمير بشكل عام بأنه قدرة الإنسان على أن يميز بين ما هو خطأ وما هو صواب، أن يكون مدركًا لمفاهيم مثل الحق والظلم، والضمير هو ما يدفع الإنسان للشعور بالندم بعد أن تتعارض واحدة من أفعاله مع القيم المتفق عليها في الإطار الاجتماعي الذي يعيش فيه.
ورأت العديد من الفلسفات أن الضمير شيء لا يولد به الطفل، إنما هو شيء يجري تحديده وبناؤه وفقًا للتربية التي نشأ عليها الطفل والظروف التي عاشها، وأشار علم النفس للضمير بأنه أداة نفسية تقييمية داخل الإنسان، موضحين أن الطفل يقيم نفسه وفقًا لردود أفعال من حوله عندما صدر منه من تصرفات، ويتتبع رد الفعل الجيد فيسجل الفعل في ذهنه على أنه صواب، ورد الفعل السيئ؛ يكون الفعل المسبب له في قائمة الأفعال الخاطئة في ذهنه.
فالضمير ليس شيئًا محددًا وملموسًا يولد به الإنسان، بل هو عملية تراكمية تحددها العديد من المدخلات الثقافية التي تحدد تشكيل وعي الإنسان، ولذلك ما قد تراه مخالفًا «للضمير» في ثقافتك، قد يكون مدعاة للفخر في ثقافة آخر، ونحن اليوم لن نناقش الأمر من جانب فلسفي عن ضمير الإنسان، بل سنتطرق للأمر من الجانب النفسي.
التعاطف كلمة السر
تخيل أنك تسير في بلد غريب عنك، وفجأة أغشى عليك من التعب، هل سيساعدك أحد؟ مصيرك الآن متوقف على الشخص الذي سيراك ملقى على الأرض وفي حاجة لمساعدة، إذا كان هذا الشخص قد نشأ على الخوف من الغرباء أم مساعدتهم، وإذا كان قد تعلم في طفولته أن مساعدة الآخرين من الصواب، أما إذا كان تعلم في صغره أن تجنب الآخرين هو الأفضل لتجنب المشكلات؛ سيمر بجوار جسدك الملقى دون أن يعطيه اهتمامًا ولن يشعر بالذنب بعد ذلك، لأنه بهذه الطريقة قد نفذ ما قد لقنه إياه والداه من الصغر.
في دراسة أمريكية تابعة لجامعة كانساس، والتي نشرت في العام 2010 تحت عنوان «The Emergence of Conscience in Young Children» أو «ظهور الضمير عند الأطفال الصغار»، تبين أن الطفل يولد بلا ضمير، وهذا الضمير لا ينشأ من خلال الرسائل الأخلاقية الموجودة في الكتب، ولا في حملات التوعية بالمدارس.
وأوضحت الدراسة أن الأطفال يولدون برغبة فطرية في الكلام والمشي والاندماج في نسيج المجتمع، لكنهم يحتاجون إلى عامل محفز لتطوير ضمير يمنحهم الطريقة الأفضل للاندماج في المجتمع، وهذا العامل المحفز يجب أن يأتي من الآباء والمعلمين، والمقربين من الأسرة الذين يحبهم الطفل ويحبونه.
أكثر ما يحتاجه الطفل لبناء ضمير داخله، هو الحب والعطاء والاحتفاء بالحياة، فكلما استطاع الطفل – بحسب الدراسة- الاعتناء بذاته والاستمتاع بالحياة سيتمكن من الاعتناء بالآخرين والاهتمام بمشاعرهم، وركزت الدراسة على أهمية العديد من التصرفات التي يجب أن توجد في حياة الأطفال قبل سن الرابعة، مثل التلامس المستمر، والعناق الحنون، والابتسام في وجهه عندما يقبل على فعل صواب، وما أكدت عليه هذه الدراسة أيضًا أن «التعاطف هو ركيزة بناء الضمير في الأطفال».
وهذه نصائح للآباء
بعد إجراء العديد من الدراسات حول مفهوم «الضمير لدى الأطفال»، وأفضل الوسائل لتطويره وبنائه بداخلهم، منهم دراسة نشرت في منتصف العام الماضي 2021 تحت عنوان «Psychopathic Traits in Childhood: Insights from Parental Warmth and Fearless Temperament via Conscience Development» أو «الصفات السيكوباتية في الطفل وتطوير الضمير»؛ اتفق علماء النفس على بعض الخطوات والنصائح التي يمكن للآباء اتباعها؛ حتى ينجحوا في بناء الضمير وتنميته داخل أبنائهم.
من النصائح التي اتفق علم النفس على أهميتها، هي أن يكون الآباء مثالًا مرئيًّا ومحسوسًا للتعاطف، سواء مع الطفل نفسه، أو في تعاملهم مع الآخرين والغرباء، وتعد تربية الحيوان الأليف الذي يشارك الطفل في رعايته وإطعامه ومنحه الحنان؛ من أكثر الطرق الفعالة في بناء الضمير داخل الطفل تجاه الآخرين.
في المقابل أشار علم النفس أيضًا إلى أهمية وضح حدود وممنوعات للطفل، وتنفيذ العقاب في حالة تخطى الطفل تلك الحدود، لأن هذا من شأنه تعزيز الإحساس بالمسئولية داخل الطفل عن أفعاله، وبحسب خبيرة التربية الأخلاقية دراسيا نارفايز؛ فإن تنمية الشخصية داخل الطفل تتمحور حول الضمير، وقد يعلم الآباء والمعلمون الأطفال حول الفضائل مثل الصدق والإنصاف والمسئولية من خلال المناقشة والممارسة، ولكن عندما يتعلق الأمر باتخاذ الخطوة والقرار؛ فإن «ضمير» الطفل هو الذي سيقرر وضع تلك الفضائل موضع التنفيذ عند الحاجة، ولذلك يجب أن يكون من سن صغيرة قد أدرك أن لأفعاله عواقب ونتائج.
على جانب آخر، إذا كان علم النفس يوصي بالتعاطف في معاملة الأطفال، فإنه يحذر أيضًا من التساهل في التصرفات العنيفة أو العدوانية، سواء كانت تلك العدوانية تجاه جمادات أو حيوانات أو بشر، فيجب أن يعرف الطفل ويدرك أن العدوان ليس الطريقة الصحيحة لحل الأمور، لا للكبار ولا الصغار، ولذلك يجب أن يكون الآباء مثالًا لهذا.
قضاء وقت مخصص للطفل وحده، والاستماع له مهما كانت قصصه غير مفهومة أو تافهة بالنسبة لك؛ من أهم النصائح التي يقدمها علم النفس، ويجب أن تكون ردود أفعال وجهك واضحة عما يحكيه في تلك التعبيرات وردود الأفعال تكون أشبه ببرمجة لعقله لما هو جيد وما هو سيئ.
إذا شعرت بأن طفلك حزينًا بسبب الندم على فعل خاطئ فعله، عليك أن تترك هذا الإحساس بداخله بعض الوقت، حتى لو كان هذا يشعرك بالحزن أو التعاطف معه، فتلك لحظات الندم هي لحظات بناء الضمير داخله، وإذا أقبل على فكرة جيدة لتصحيح الوضع حتى يشعر بأنه أفضل؛ ساعده على تنفيذها.
المهام العائلية المشتركة عاملًا مهمًّا في مرحلة بناء الضمير وتطويره داخل أطفالك، فحتى وإن لم يكن الآباء في حاجة لمساعدة أطفالهم في الأعمال المنزلية، فيجب أن يكون للطفل مهام ثابتة من مسئوليته أن ينفذها يوميًّا.
وكيف تعرف أن ما تفعله ناجحًا؟
كيف تعلم أن عملية بناء الضمير وتطويره فعَّالة ولها نتائج إيجابية لدى أبنائك؟ في دراسة نشرت عام 2010 تحت عنوان «Children’s conscience during toddler and preschool years, moral self, and a competent, adaptive developmental trajectory» أو «ضمير الأطفال خلال سنوات الحبو وما قبل المدرسة»؛ أشارت إلى أن هناك العديد من العلامات التي يمكن البحث عنها في تصرفات الطفل، مثل: التزامهم بالقواعد حينما لا يكون أحد مراقبًا لهم، أو شعورهم بالقلق والحزن على شخص مريض أو حيوان يعاني، أو شعورهم بعدم الراحة عندما يرتكبون أخطاء لم يعاقبوا عليها بعد.
على سبيل المثال، إذا شعر الطفل بعدم الارتياح عند مشاهدة صديقه يتحدث مع والدته بعدم احترام؛ فهذا هو الضمير. يعرف الطفل أنه ليس من الجيد التحدث بهذه الطريقة إلى أحد الوالدين، ويشعر بالعواطف داخل نفسه التي تخبره بأنه ليس صحيحًا، إذا ذهب إلى أبعد من ذلك وأخبر صديقه أن ما فعلته لم يكن صحيحًا، فقد اتخذ خيار التصرف وفقًا لضميره.
قد يبدو الأمر يتطلب الكثير من المجهود منك، في عصر يكون في الآباء تروسًا لا ترتاح في عجلة العمل، لكن ما تفعله الآن مع أبنائك؛ سيكون حصاده قريبًا في عمر المراهقة، ولذلك هذا المجهود – بحسب علم النفس- لا يعد رفاهية أو اختيارًا.