أخيرًا، بدأت ملامح تشكيلة الحكومة المغربية تتضح شيئًا فشيئًا، بعد انسداد سياسي لقرابة ثلاثة أشهر، عاش فيها المغاربة بدون حكومة، منذ الانتخابات التشريعية في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2016، التي فاز بها حزب العدالة والتنمية الإسلامي.

الحكومة الجديدة هي نسخة من الحكومة السابقة

منذ أن عيَّن الملك محمد السادس رئيس حزب العدالة والتنمية، عبد الإله بنكيران، من بين أعضاء الحزب الفائز بالحصة الكبرى من المقاعد البرلمانية، بغية تشكيل الحكومة، كما ينص الدستور المغربي، واجه عبد الإله بنكيران صعوبة شديدة في رسم أغلبيته الحكومية، بعدما عجز عن جمع ائتلاف حكومي ذي أغلبية نيابية في البرلمان المغربي.

ولأجل هذا المسعى، استغرقت المشاورات ثلاثة أشهر، في محاولة للبحث عن شركاء حزبيين، ولا يزال المغرب بدون حكومة، بيد أن وضع «البلوكاج السياسي»، يتجه إلى الانفراج، بعدما فاجأ أمس رئيس التجمع الوطني للأحرار، عزيز أخنوش، الرأي العام المغربي بتلقيه عرضًا سياسيًا للمشاركة في التشكيلة الحكومية الجديدة، من رئيس الحكومة المكلف عبد الإله بنكيران، بدون أن يفصح عن طبيعة العرض.

غير أن معطيات مسربة إلى عدد من المواقع المغربية، كشفت بأن هذا العرض يتمثل في تشكيل الحكومة من نفس الأغلبية الحكومية السابقة، وهي تضم حزب العدالة والتنمية الفائز في الانتخابات البرلمانية الأخيرة بـ125 مقعدًا، وحزب التجمع الوطني للأحرار الحاصل على 37 مقعدًا، وحزب التقدم والاشتراكية الحائز على 12 مقعدًا، والحركة الشعبية المالكة لـ27 مقعدًا.

وبذلك يضمن عبد الإله بنكيران تشكيل أغلبية حكومية من خلال هذه الأحزاب الأربعة، التي تحوز في مجموع مقاعدها على 201 مقعد من أصل 395 مقعدًا، وبالتالي بلوغ النصاب القانوني لتشكيل حكومة ذات أغلبية في مجلس النواب، بتجاوزها عدد 198 مقعدًا.

فيما يتجه حزب الاستقلال وحزب الاتحاد الدستوري إلى دعم تشكيلة عبد الإله بنكيران من خارج الحكومة.

وكان حزب التجمع الوطني للأحرار، بزعامة عزيز أخنوش، قد دخل في تحالف مصيري مع الحركة الشعبية وحزب الاتحاد الدستوري، واشترط على عبد الإله بنكيران مشاركة حلفائه الحزبيين لقبول الدخول في تشكيلته الحكومية مع طرد حزب الاستقلال، الذي كان يرغب بنكيران في ضمه لائتلافه الحكومي.

أزمة موريتانيا تحل «البلوكاج» السياسي

كان عبد الإله بنكيران محقًا، عندما قال أثناء زيارته لموريتانيا «رُب ضرة نافعة»، في إحالة منه إلى التداعيات الإيجابية التي أعقبت الأزمة الدبلوماسية بين المغرب وموريتانيا، على خلفية تصريح رئيس حزب الاستقلال، حميد شباط، الذي أثار فيه استياء القيادة الموريتانية من المغرب.

وذلك لأن مسألة انضمام حزب الاستقلال للتحالف الحكومي كانت أبرز نقاط الخلاف بين حزب العدالة والتنمية وتكتل حزب التجمع الوطني للأحرار، ما أوقع البلاد في انسداد سياسي لشهور، إذ سبق لعبد الإله بنكيران أن رفض طلب عزيز أخنوش بطرد حزب الاستقلال من الائتلاف الحكومي قيد التشكيل، حتى لو كلفه ذلك منصبه السياسي، بقوله «إذا فشلت في مهمتي فسأخبر الملك وسأعود إلى بيتي».

وجاءت الأزمة السياسية مع موريتانيا لتجلب غضب النظام المغربي تجاه زعيم حزب الاستقلال، حميد شباط، الذي أثار بتصريحاته حفيظة نواكشوط، مُوَترًا العلاقة بين موريتانيا والرباط.

وهو ما أطاح بحزب الاستقلال من التشكيلة الحكومية المقبلة، بعد أن كان مرجحًا بشكل قوي أن يدخلها، حيث علق حزب العدالة والتنمية عن تخليه عن حليفه، قائلًا في بيان له إن «خدمة الوطن تقتضي الوقوف في الموقع الصحيح من التاريخ وليس في الموقع الحكومي أو غيره».

وكان رئيس حزب الاستقلال، حميد شباط، قد صرَّح في لقاء حزبي له حول تاريخ استقلال المغرب والمناطق التي فقدها بسبب الاستعمار، بأن: «موريتانيا أصبحت دولة وهي أراض مغربية محضة»، ما أثار امتعاض نواكشوط، قبل أن تبادر الدبلوماسية المغربية بطمأنة القيادة الموريتانية على حرص المغرب على سيادة الوحدة الترابية الموريتانية.

وتعتبر قيادة الاستقلال أن الحزب مستهدف من قبل قوى في النظام المغربي، وتسعى إلى إقصائه من التشكيلة الحكومية مهما كلف الثمن، نظير تصريحاته «الجريئة» بشأن الدفاع عن الوحدة الترابية، ووقوفه أمام ما يسميه «قوى التحكم».

بينما يرى بعض المحللين أن إصرار بعض الأطراف على تحييد حزب الاستقلال من الائتلاف الحكومي، جاء كمحاولة انتقام من الحزب لانقلابه فجأة على خط المعارضة السياسية، الممثلة في حزب الأصالة والمعاصرة بالأساس، خلال الفترة الأخيرة، وكذا تجرؤه على اتخاذ مواقف غير معتادة في وجه السلطة، صرح بها بعد أن توبعت قيادات استقلالية بملفات فساد.

دلالات هذا التعثر السياسي

يثير وضع الانسداد الذي عرفه المشهد السياسي المغربي فضول المحللين لاستقاء أسبابه وتداعياته، حيث يرى الباحث في العلوم السياسيّة عبد الرحيم العلام، متحدثًا للمونيتور، أن «السلطة في المغرب تريد حزبًا إداريًّا قويًّا مقرّبًا منها في المعارضة، وحضورًا أقوى لأحزابها داخل الحكومة أيضًا، فالقصر لا يمكن أن يسمح أبدًا بأن تكون هناك حكومة تتألّف من الإسلاميّين والأحزاب الوطنيّة التاريخيّة».

 

فيما تقرأ صحيفة «لوموند» الفرنسية تأخر تشكل حكومة جديد في المغرب بأن له علاقة بإعادة التوازن في الساحة السياسية بالمغرب، بعد مرور خمس سنوات على احتجاجات 2011، التي أفرزت صعود الإسلاميين إلى السلطة. وتنقل الصحيفة الفرنسية عن المحلل السياسي، محمد مدني، قوله: «إن القصر يريد من خلال الملياردير عزيز أخنوش الذي أصبح رئيسًا لحزب التجمع الوطني للأحرار أن يعيد التوازن للحياة السياسية المغربية، والتحكم في عدد من المناصب، وتوسيع نفوذ المؤسسة الملكية داخل تركيبة الحكومة».

بينما ينظر آخرون إلى هذا «البلوكاج السياسي»، بأنه دليل على أن المغرب يمكن أن يشتغل على نحو أفضل بدون الحكومة، وأن الأحزاب السياسية ما هي إلا واجهة ليس لها دور فعلي في تسيير شؤون البلاد الداخلية والخارجية، ما دام غيابها لا يؤثر في سير الأمور، علاوة على أن الانتخابات لا تغير الوضع السياسي بالبلد، حيث تتكرر نفس التحالفات.

ويظهر أن النسخة الحكومية الجديدة التي جاءت على إثر توافقات سياسية، تقلص دور المعارضة السياسية في المغرب، إذ تؤيدها أربعة أحزاب من داخل الحكومة، بالإضافة إلى حزبين من خارج الحكومة، فيما حزبان فقط اللذان يقفان في صف المعارضة، وهما حزب الأصالة والمعاصرة وحزب الاتحاد الاشتراكي، ما من شأنه أن يؤثر على العملية السياسية في المغرب في غياب معارضة سياسية قوية.

عرض التعليقات
تحميل المزيد