منذ تفشي فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19) في ديسمبر (كانون الأول) الماضي؛ كرست الكثير من الهيئات والمؤسسات والشركات جهودها لمكافحة تفشي هذا الفيروس المميت. كان من ضمن تلك المؤسسات، مؤسسات تستخدم أو تطبق تقنيات الذكاء الاصطناعي ومهارات تحليل البيانات الحديثة. وبالفعل وصلت الكثير من تلك المؤسسات إلى نتائج علمية مذهلة، قد تساهم في حلول لأزمة فيروس كورونا.
فقد توصلت التقنيات لتوقع تفشي الفيروس، وتمكن العلماء باستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي من الوصول إلى بعض الأبحاث، للوصول إلى أدوية يمكن استخدامها للتعامل مع الفيروس، واستخدم آخرون الذكاء الاصطناعي في التعقيم ونقل الإمدادات الطبية.
في هذا التقرير نُخبرك كيف ساهم الذكاء الاصطناعي في مكافحة فيروس كورونا المستجد حتى الآن.
الذكاء الاصطناعي توقع ظهور الوباء قبل منظمة الصحة العالمية
في 30 ديسمبر الماضي رصدت برمجيات شركة الذكاء الاصطناعي الكندية «Blue Dot» حول السوق بمدينة ووهان الصينية مجموعة كبيرة من الإصابات بحالات التهاب رئوي من نوع شديد مختلف عن الالتهاب الرئوي المعتاد. أصدرت الشركة – آنذاك – بيانًا صحفيًّا أعلنت فيه توقع حدوث تفشٍ لوباء جديدة في المدينة، وكان ذلك قبل تسعة أيام من بيان منظمة الصحة العالمية الأول، الذي أعلنت فيه تفشي فيروس كورونا المستجد، الذي يصيب الجهاز التنفسي في جسم الإنسان.
وتعتمد برمجيات شركة «Blue Dot» التي تعمل على مدار 24 ساعة يوميًّا، على الذكاء الاصطناعي في معالجة وتحليل البيانات الضخمة؛ فتطبق البرمجيات مهارات التعلم الآلي لانتزاع البيانات من مئات الآلاف من المصادر، بما في ذلك تقارير المستشفيات، والبيانات الصادرة عن منظمات الصحة العامة، ووسائل الإعلام الرقمية، وبيانات تذاكر الطيران العالمية، وتقارير الهيئات الصحية المحلية، والديموغرافيا السكانية. تحليل كل تلك البيانات؛ أعطى مؤشرًا إلى أن هناك وباء جديدًا على مشارف التفشي في مدينة ووهان الصينية، ومن ثم الانتقال إلى بقاع مختلفة في العالم.
وبعد أن توقعت برمجيات الشركة تفشي الفيروس في مدينة ووهان، تمكنت «Blue Dot» أيضًا من التعرف بشكل صحيح إلى المدن التي كانت مرتبطة ارتباطًا كبيرًا بمدينة ووهان، عن طريق تحليل مجموعة مختلفة من البيانات، مثل بيانات تذاكر الطيران العالمية؛ للمساعدة في توقع الأماكن التي سوف يتفشى فيها الفيروس في المراحل القادمة بعد مدينة ووهان، وكانت النتيجة أن هناك 11 مدينة أخرى لديها أكبر معدل من المسافرين من ووهان وإليها هي: بانكوك، وهونج كونج، وطوكيو، وتايبيه، وبوكيت، وسيول، وسنغافورة. في النهاية، وبالفعل كانت هي المدن التي تلت ووهان في أعداد المصابين خارج الصين في تلك المرحلة.
برمجيات الذكاء الاصطناعي تدرس الفيروس بحثًا عن دواء
هناك جزءان مهمان في الفيروس تجري دراستهم للتمكن من الوصول إلى علاج مضاد له؛ الجزءان هما البروتين والمادة الوراثية التي يحتوي عليها الفيروس، وقد استخدم قسم «Deep Minds» في شركة «جوجل» خوارزميات الذكاء الاصطناعي لدراسة البروتين المكون لفيروس كورونا المستجد، وقد أعلن «جوجل» في وقت سابق عن إتاحة تلك الأبحاث مجانًا أمام الجميع.
وفي ناحية أخرى، تطبق العديد من المشروعات البحثية الذكاء الاصطناعي لتحديد العقاقير التي جرى تطويرها في الأساس لمكافحة أمراض أخرى، ولكن يمكن الآن إعادة استخدامها في مكافحة فيروس كورونا المستجد؛ وذلك من خلال دراسة الإعداد الجزيئي للأدوية الموجودة التي يمكن أن تعطل جزيئات الفيروسات التاجية، والتي من ضمنها فيروس كورونا المستجد.
فقد بدأت شركة «BenevolentAI»، وهي شركة لاكتشاف الأدوية مقرها لندن، في تحويل انتباهها نحو مشكلة كورونا في أواخر يناير (كانون الثاني) الماضي، وقد استخدمت مجموعة من برمجيات الذكاء الاصطناعي التي يمكنها الاطلاع على عدد كبير من المؤلفات والأبحاث العلمية، التي تدرس الخصائص الوراثية والبيولوجية للفيروسات، ومقارنتها بآليات عمل الأدوية الموجودة حاليًا في السوق، وذلك لاستنتاج الأدوية المناسبة التي يمكن استخدامها في التعامل مع الفيروس.
في السابق، كانت أنظمة وبرمجيات الشركة تركز على الأمراض المزمنة بدلًا من الأمراض المعدية، لكن الشركة تمكنت من إعادة توجيه البرمجيات من خلال مدها بأعداد هائلة من الأبحاث والدراسات التي أجراها ويجريها العالم في الوقت الحالي عن فيروس كورونا المستجد، وقد تمكنت برمجيات شركة «BenevolentAI» بالفعل من الوصول إلى بعض النتائج، والتي كان منها تحديد نوع البروتين الذي يوجد على سطح خلية الفيروس، وهو بروتين «ACE2».
واقترحت التقنيات أيضًا عددًا من العقاقير التي يمكن أن يكون لها تأثير في فيروس كورونا المستجد، وكان منها دواء يطلق عليه «Baricitinib»، وهو دواء مرخص بالفعل ويستخدم لعلاج إلتهاب المفاصل، ومن خصائص هذا الدواء أنه يبطئ من عملية نقل الفيروسات بين خلايا الإنسان، ويقلل من قدرته على إحداث إصابة خلايا الرئة، ولكن على الرغم من ذلك، فإن هذا الدواء ما يزال يحتاج إلى الكثير من الدراسات التجريبية للوقوف على فاعليته، وتحديد إن كان له آثار جانبية أم لا.
وفي الإطار نفسه، قامت شركة بريطانية أخرى تسمى «Exscienta» بالمضي قدمًا في إنتاج علاج فعال خاص بمحاربة فيروس كورونا المستجد؛ وذلك من خلال إجراء أول تجربة بشرية لعقار صُمم باستخدام الذكاء الاصطناعي، وصرح أندرو هوبكنز الرئيسي التنفيذي للشركة لشبكة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) قائلًا: إن «الأهداف من هذه التجربة هي تطوير الأجسام المضادة واللقاحات بسرعة لفيروس كورونا المستجد، فحص الأدوية الموجودة لمعرفة ما إذا كان من الممكن إعادة استخدام أي منها، وتصميم دواء لمحاربة تفشي الفيروس التاجي الحالي والمستقبلي»، ومن المتوقع أن تظهر النتائج الصحيحة في فترة تتراوح بين 18 و24 شهرًا.
روبوتات وطائرات بدون طيار للتعقيم ونقل الإمدادات الطبية
إحدى الطرق الأسهل والأسرع للحصول على الإمدادات الطبية، حيث يحتاجون إليها أثناء تفشي المرض، هي توصيلها باستخدام الطائرات بدون طيار المعروفة باسم «Drones». وبادرت شركة «Terra Drone» الصينية باستخدام مركباتها الجوية بدون طيار، لنقل العينات الطبية، ومواد الحجر الصحي، للحد من المخاطر بين مراكز مكافحة الأمراض والمستشفيات في مدن مختلفة في الصين، وتستخدم الطائرات بدون طيار أيضًا في حراسة الأماكن العامة، وتتبع انتظام المواطنين والتزامهم بشروط الحجر الصحي وحظر التجوال التي فرضته الحكومة الصينية على بعض المدن؛ للحد من تفشي الفيروس فيها.
تعقيم الشوارع باستخدام الروبوتات في الصين- مصدر الصورة بزنس إنسيدر
وبما أن الروبوتات ليست عرضة للفيروس؛ يجري نشرها لإكمال العديد من المهام مثل التنظيف والتعقيم، وتقديم الطعام والدواء، وقياس درجة الحرارة للمرضى، وذلك لتقليل كمية الاتصال بين البشر، والتي يمكن أن تتسبب في نشر العدوى بينهم. وتستخدم الروبوتات أيضًا الأشعة فوق البنفسجية لقتل البكتيريا والفيروسات بشكل مستقل. وقد جرى الاعتماد على الروبوتات في تنفيذ تلك المهام في أكثر من 40 مستشفى في الصين.