تعيش الجزائر منذ سنوات على وقع تداعيات عدم استقرار سوق النّفط وانخفاض سعره في السوق العالمية، وهو ما انعكس بشكلٍ واضح في مُوازنات الدّولة المالية ودفعها لتبنّي إجراءات تقشّفية بهدف امتصاص تداعيات هذا الخلل.
وبالرغم من القدرات الطّاقية الهائلة التي تتمتّع بها الجزائر، كشف تراجع سعر النّفط عن ضعف المنوال التنموي للدّولة في الجزائر، باعتبارها دولة ريعية تعتمد بشكلٍ شبه كلِّيّ على المحروقات والإنتاج المنجمي فهي المصدر الرسمي لمداخيل العملة الصعبة بنسبة تقارب 100 %، بالإضافة لكونها أحد أهم مصادر إيرادات الميزانية بنسبة 75 %.
وفي ظلّ هذه الظّروف الصّعبة التي أنتجها الاعتماد الشبه كلي على موارد الطاقة الكلاسيكية، تكثّف الحديث في الجزائر حول ضرورة مُراجعة مفهوم الأمن الطاقي بما يتماشى مع الواقع الجديد، وتحسّبًا من تفاقم الأزمة الاقتصادية في العالم.
أسباب الأزمة الاقتصادية في الجزائر
تضافرت عدّة عوامل لتفرز الأزمة التي تعيشها الجزائر مع انخفاض أسعار النّفط، المورد الرّئيس للدّولة. أولى المحطّات كانت إبّان الأزمة الاقتصادية العالميّة عام 2008 والتي أنتجها ما يُعرف بأزمة الرّهن العقاري، والتي كانت لها انعكاساتٌ كبيرة على الولايات المُـّحدة الأمريكية، ثم دول الاتحاد الأوروبي لينتهي بها المطاف إلى إفريقيا، وما يسمَّى «دول العالم الثالث» وليشهد العالم انكماشًا ماليًّا عالميًا خفّض في حجم الطّلب على مُختلف السّلع وأهمّها النّفط، ولتكون الدّول المعتمدة على النّفط أكبر المتضررين.
بالتّوازي مع الأزمة الاقتصادية العالميّة، كانت الجزائر تُعاني من تدهور في قيمة العملة المحليّة في السوق المالية العالمية، وهو ما عمّق تدريجيا من عجز ميزانها التجاري ليبلغ خلال الأشهر الـ 10 الأولى لـ 2016 حدود 10 مليار دولار.
في المُقابل، سجّلت الاستثمارات الأجنبية انخفاضًا بنسبة 60 % سنة 2009 خاصّة في القطاع غير الهيدروكربوني، قبل أن تعلن السعودية سنة 2014 عن زيادة حجم إنتاجها النفطي لينتج عنه وفرة العرض مقابل الطّلب وليكون فاتحة لتغيير السلوك الاستراتيجي للدول الأعضاء في منظّمة الأوبك، حيث أصبحت تركّز على الحفاظ على حصّتها في السوق على حساب الأسعار.
وكان لثورة الغاز الصّخري وانطلاق استغلاله، خاصّة في الولايات المُـّحدة الأمريكية، أثرٌ كبير في تراجع الطّلب على النّفط وهو ما عمّق أزمة ضعف الطّلب على البترول مُقارنة بحجم الانتاج وليتواصل ضعف الأسعار.
اقرأ أيضًا: «السعيد بوتفليقة».. الشقيق الأصغر علي بعد خطوات من كرسي أخيه الغائب
حول الوضع الطّاقي في الجزائر
كان ونستون تشرشل أوّل من صكّ تعريفا لمفهوم أمن الطّاقة أو الأمن الطّاقوي الذي ظهر خلال الحرب العالمية الأولى عندما اعتبر أنّ «أمن الطّاقة يكمن في التنوع والتنوع فقط». في مرحلةٍ أولى، كان الأمن الطاقي مُختزلًا في توفير الإنتاج الكافي من الطّاقة بأسعارٍ جيّدة قبل أن يتوسّع هذا المفهوم ليشمل مسألة تأميم الثروات، خاصة في الدّول النامية ومنها الجزائر التي اعتبرت منذ الاستقلال مفهوم أمن الطاقة جزءًا لا يتجزّأ من السيادة الوطنية وتم تأميمه سنة 1964 بقرار من الرّئيس الراحل هواري بومدين.
يرتكز الأمن الطاقوي الجزائري أساسًا على المصادر التقليدية للطّاقة من بترول وغاز: يُقدّر احتياطي النفط بنحو 12.2 مليار برميل، ما يمثّل 0.9% فقط من الاحتياطي العالمي، في حين يحتلّ مخزون الجزائر من الغاز الطبيعي المرتبة العاشرة بواقع 4504 مليار متر مكعب، ويضاف إليهما مخزون ضخم من الغاز الصخري تجاوز 19 ألف مليار متر مكعب.
أمَّا فيما يتعلّق بالإستهلاك، فقد عرف الاستهلاك المحلي للمنتجات النفطية نموًّا قويًّا في العقدين الأخيرين، إذ ارتفع من 8.1 مليون طنّ في عام 2000 إلى 13.4 مليون طن في سنة 2008 أي بمعدَّل يقدر بـ 7% سنويًّا. وخلال نفس الفترة شهدت الجزائر ارتفاعًا في الاستهلاك الوطني للطاقة الكهربائية بنسبة 5.8% سنويا. من جهةٍ أخرى، سجّل استهلاك الغاز الطبيعي خلال الفترة السابقة معدَّل نمو سنوي يقدر بنسبة 3.1% أي بمتوسط سنوي قدره 22 مليار متر مكعب، حيث سجّلت سنة 2008 ارتفاعا يقدر بـنسبة 4.4% بالمقارنة مع سنة 2007.
وأدى تزايد استهلاك الطاقة إلى استيراد بعض المنتجات النفطية كالبنزين والوقود بقيمة تقارب 4 مليار دولار سنويًّا خلال السنوات الأخيرة. وتزامن ذلك مع ارتفاع الأصوات المُحذّرة من مخاطر استغلال الغاز الصخري على البيئة و المائدة المائية وصحة الإنسان.
كل ما سبق دفع صُنّاع القرار في الجزائر للاهتمام بالطاقات البديلة والاستثمار فيها بهدف تقليص حالة التبعية للبترول والغاز من جهة، ولتعزيز الأمن الطاقوي للبلاد تماشيا مع مقولة تشرشل التي وردت أعلاه: «أمن الطّاقة يكمن في التنوع والتنوع فقط».
مسار التحوّل الطاقي
النّفط سائر نحو النّضوب، وهذه هي الفرضية الأكثر تداولًا فيما يخصّ النفط، وهو ما دفع دولًا كثيرة للاستعداد لتلك اللحظة من خلال الاستثمار بحثًا وتنفيذًا في مشاريع الطّاقة النّظيفة حماية لأمنها الطاقوي والاقتصادي، الجزائر كانت إحدى هذه الدول، وحاولت تغطية إشكالية النفط من خلال:
اقرأ ايضًا: هل يسقط النفط الصخري السعودية من فوق عرشها؟
1- الطّاقة الشمسية
تستقبل الجزائر سنويًّا أكثر من 3 آلاف ساعة شمس قابلة للتحويل إلى طاقة حرارية أو كهربائية. وتعود أوّل تجربة معتبرة لاستثمار الطّاقة الشمسية لسنة 1998 عندما تمّ تزويد قرية مولاي حسن في ولاية تامنراست وسط الصحراء بمحطة شمسية لإنتاج الكهرباء بطاقة إنتاجية بلغت 30.7 ألف كيلوواط قبل أن تبلغ 725.5 ألف كيلوواط سنة 2002 لتغطِّي حاجيات قرابة ألف مسكن موزعين على 20 قرية من الجنوب.
وبعد أن كانت الجزائر سباقة في مجال الطاقة الشمسية عربيًّا وإفريقيا، تجاوزتها الكثير من البلدان على غرار مشروع نور بالمغرب، الذي يعدُّ من أكبر المشاريع في هذا المجال على مستوى العالم، بينما بقيت الجزائر حبيسة سياستها الطاقوية معتمدة على النفط إلى جانب تعاملها مع شركات أجنبية احتكرت مجال الطاقة وهيمنت على السوق.
2- الطاقة الهوائية
تم تأسيس أول محطة هوائية بقدرة 10 ميجاوات بمنطقة أدرار في الجنوب الغربي للجزائر بين سنتي 2011 و2013، ثم تم إنشاء محطتين هوائيتين بقدرة 20 ميجاوات بين سنوات 2014 و2015، بالإضافة لبرمجة إنجاز محطات أخرى بقدرة 1700 ميجاوات خلال الفترة 2016-2030.
3- الطاقة الهجينة
في 3 نوفمبر (تشرين الثاني) 2007، تم الإعلان عن بناء المحطة الكهروشمسية لحاسي رمل، وهي محطة هجينة تستعمل الطاقة الشمسية والغاز الطبيعي لإنتاج 180 ميجاوات في المنطقة الغازية حاسي رمل حيث تعد الأولى من نوعها على المستوى العالمي، بالإضافة إلى إنشاء أربع محطات أخرى، طاقة كل واحدة منها 400 ميغاواط. تندرج هذه المحطات في مجال الطاقة الهجينة في سياسة حماية الاحتياطات الجزائرية من الغاز الطبيعي التي استنزفت منها حوالي 48% جراء استعمال الغاز في إنتاج الكهرباء. وبالتالي أصبح الاعتماد على الطاقة الشمسية يشكل خيارًا استراتيجيًّا في ظل ارتفاع تكلفة إنتاج الكهرباء من الغاز الطبيعي مع ارتفاع استهلاك الطاقة الكهربائية في الجزائر إلى حوالي 30 ألف ميجاوات سنويًا.
4- البرنامج الوطني للطاقات المتجددة (2011-2030)
يهدف هذا البرنامج الذي تم اعتماده رسميًّا في مجلس الوزراء المنعقد في مايو (آيار) 2012 وتم تعديله لاحقًا سنة 2015 لإنتاج الكهرباء من مصادر متجددة، لاسيما الطاقة الشمسية والرياح بمعدل سنوي قدره 22 ألف ميجاوات بغضون 2030، ستوجه أساسًا إلى السوق المحلية، فضلًا عن 10 آلاف ميجاوات موجهة للتصدير، وهو ما يمثِّل ما يقارب 27% من حجم الإنتاج الاجمالي للكهرباء المتوقع في 2030 وضعف قدرات الإنتاج التي توفرها شركة الكهرباء الجزائرية.
ويتضمن هذا البرنامج مشاريع للعزل الحراري تشمل 100 ألف مسكن سنويًّا وكذا تحويل مليون سيارة و 20 ألف حافلة إلى استهلاك الغاز الطبيعي السائل. ووفق هذا البرنامج، سيتم بآفاق 2030 نشر الطاقة الشمسية وطاقات الرياح على مستوى واسع مرفوقة على المدى المتوسط بإنتاج الطاقة الشمسية الحرارية والهجينة والطاقة الحيوية والحرارية.
ومن المتوقع أن يسمح البرنامج باقتصاد حوالي 300 مليار متر مكعب من الغاز خلال الفترة بين 2021 و2030 سيتم توجيهها نحو التصدير وهو ما من شأنه أن يوفر إيرادات عالية لميزانية الدولة.
هل تدعّم الطّاقات النّظيفة الأمن الطاقوي في الجزائر؟
كل ما سبق يؤشّر إلى عزم الجزائر تدارك تأخرها في سباق الطّاقة المتجدّدة. وبالنّظر لما تكتنزه من خيراتٍ طبيعية وأساسًا فيما يتعلّق بالطّاقة الشمسية، تبدو مساحات الفعل والانتقال الطاقي شاسعة وممكنة جدًا.
وكان الأمين العام للجمعية العالمية للناقلين الكبار للطاقة الكهربائية ذات القدرة العالية، ألان ستيفن، قد صرّح السنة الماضية بأن الجزائر تتوفر على كل المؤهلات لنجاح برنامجها لتنمية الطاقات المتجدد لا سيما مواردها الطبيعية والمناخية فضلًا عن المجال التكنولوجي.
وبالرغم من إجماع رجال الدّولة وخبراء الطّاقة والاقتصاد بالجزائر حول حتميّة الانتقال الطّاقي والاستفادة من الطاقات المتجدّدة، يرى مراقبون أن هذا المشروع الطّموح سيجد نفسه أمام صعوبات أساسية، لن يكون الحديث عن تدعيم الأمن الطّاقوي ممكنا بدون النّجاح في تذليلها وتجاوزها:
1- لعنة البيروقراطية وسوء الحوكمة
يتذكر الجزائريون بحسرةٍ كبيرة كيف أضاعوا على أنفسهم أكبر مشروع للطاقة الشمسية في العالم وهو مشروع (ديزيرتيك) الذي اقترحه الألمان على الجزائريين قبل أن يتحوّل إلى الجار اللدود المغرب بعد مماطلة السلطات الجزائرية.
نفس تلك البيروقراطية الفاقدة للتقدير الإستراتيجي التي أضاعت المشروع الألماني قد تكون سببًا في تعطيل الحلم الجزائري في الالتحاق بركب الدّول التي أصبحت أقطابًا في مجال الطاقة المتجدّدة. في سياق آخر، تشهد شركة «سونطراك» الحكومية الماسكة بالقطاع الطاقي في البلاد عدم استقرار على مستوى التسيير حيث تداول على رئاستها سبع رؤساء في 6 سنوات، بالإضافة إلى تواتر كشف ملفات فساد متعلّقة بكبار موظّفيها، وهو ما من شأنه أن يؤثر على عمليّة التحوّل الطّاقوي، وفي أحسن الحالات قد يعطّل وتيرة تقدّمها.
2- إشكاليات التمويل
في ظلّ الأزمة الاقتصاديّة التي تعيشها الجزائر نتيجة طبيعية لانخفاض أسعار البترول، وبالنّظر لارتفاع كلفة تنصيب محطّات إنتاج الطّاقة المتجدّدة وحاجتها الدّائمة لأشغال البحث العلمي الدّقيق عالي الكلفة بدوره، قد يتعطّل إنجاز بعض المشاريع لإشكاليات تتعلّق بالتمويل.