يمكن لبريطانيا، إذا رغبت في ذلك، أن تستعيد مكانتها في الاتحاد الأوروبي مرة أخرى في غضون سنوات قليلة.
هكذا صرَّح الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، في خطابٍ طويل ألقاه وسط مجموعة من الشباب في جامعة السوربون المرموقة في العاصمة الفرنسية، باريس؛ حيث وصلت مدة الخطاب لأكثر من ساعة ونصف الساعة؛ والذي قدَّم فيه عددًا كبيرًا من المقترحات لتعزيز التعاون في مجالات الأمن، والدفاع، وحماية الحدود، وضريبة الشركات، واللجوء والهجرة، والاستقرار المالي، وتبادل المعلومات الاستخباراتية.
وانتقد ماكرون الاتحاد الأوروبي في أكثر من نقطة؛ حيث إنه دعا إلى وجود إصلاحات في الاتحاد الأوروبي؛ منتقدًا الوضع الحالي بأنه غير فعَّال، وضعيف، وبطيء، مضيفًا أن خيبة الأمل الموجودة لدى أعضاء الاتحاد يمكنها أن تتلاشى ولكن حين يعمل قادة دول الاتحاد على جعله أكثر سيادية، وموحدًا، وديمقراطية.
اقرأ أيضًا: وقت لا ينفع الندم.. أرقام تُظهر ندمًا أمريكيًا وبريطانيًا على دعم ترامب والبريكسيت

من جانبه، انتقد ماكرون في وقتٍ سابق قرار خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي؛ ففي اجتماعه الأول مع رئيسة الوزراء البريطانية، تيريزا ماي، في مايو (أيار) 2017، عقب انتخابه رئيسًا للجمهورية الفرنسية، اقترح ماكرون أن تتراجع بريطانيا عن قرارها، مؤكدًا أن الباب ما زال مفتوحًا طالما لم تنته المفاوضات حول خروج بريطانيا من الاتحاد.
وفيما يلي خمسة سيناريوهات يمكن لبريطانيا بها أن تبقى في الاتحاد الأوروبي، أو حتى أن تنضم إليه من جديد.
1- تغيير الرأي العام
ويمكن ذلك عن طريق إقناع المؤيدين لبقاء بريطانيا في الاتحاد الأوروبي للمواطنين بضرورة بقاء بريطانيا في الاتحاد، أو بالانضمام إليه من جديد، أي إقناع أكثر من 50% من المواطنين بضرورة وجود بريطانيا في الاتحاد الأوروبي من جديد، وقد حدث ذلك بالفعل منذ الانتخابات التي جرت في الثامن من يونيو (حزيران) الماضي؛ إذ شهدت بريطانيا عددًا من استطلاعات الرأي العام التي ظهر فيها نسب كبيرة مؤيدة للبقاء في الاتحاد الأوروبي، كان أبرزها هذه الانتخابات نفسها؛ حيث أظهرت أن هناك 54% من البريطانيين يفضلون أن تكون بلادهم ضمن صفوف الاتحاد الأوروبي، وجزءًا منه.
غير أن بعض الخبراء يرون أن هذه التغيرات في الرأي العام منذ استفتاء خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي تعتبر تغيرات صغيرة، وليست جوهرية بالمعنى الذي يفيد أن الرأي العام البريطاني ككل، أو حتى كغالبية، مؤيد لبقاء بريطانيا، أو لانضمامها للاتحاد من جديد.
الخبراء في الرأي العام والبحوث الاجتماعية مثل جو تويمان، مسؤول الأبحاث الاجتماعية والسياسية في موقع YouGov يرى أن البلاد الآن في مرحلة وسط، لا يوجد إجماع واضح لبقاء بريطانيا في الاتحاد الأوروبي، ولا يوجد إجماع واضح أيضًا لتركه، مشيرًا إلى أن الأمور يمكنها أن تتغير بشكل كبير في الفترة القادمة، خاصةً مع الوقت الذي يختبر فيه المواطنون الظروف الاقتصادية والاجتماعية لهم، حتى يتسنى لهم تحديد إن كان هذا الخروج من الاتحاد الأوروبي هو القرار الصحيح أو الخطأ؛ فإن تحسنت الأوضاع في الفترة القادمة فسيميل الرأي العام البريطاني للخروج، وإن ساءت الأوضاع، فسيميل الرأي العام للانضمام للاتحاد من جديد، مؤكدًا أن الرأي العام لا يمكن ضمان قراره إلى الأبد.
أمَّا من الناحية السياسية؛ فإن الوزير السابق، ديفيد جونز، والذي كان أحد المؤيدين والمتحمسين لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي يرى أن الرأي العام البريطاني لم يتغير؛ مستشهدًا بنتيجة الانتخابات العامة التي جرت في يونيو (حزيران) الماضي، والتي صوَّت فيها 85% من الناخبين للأحزاب التي أيدت خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.

الوزير السابق ديفيد جونز.
2- إلغاء المادة 50 من معاهدة لشبونة
المادة 50 من معاهدة لشبونة تمثل السبيل لأي دولة تنوي الخروج من الاتحاد الأوروبي، وهي المادة التي وقع عليها قادته يوم 19 أكتوبر (تشرين الأول) 2007 بمدينة لشبونة البرتغالية، ودخلت حيز التنفيذ يوم 1 ديسمبر (كانون الأول) 2009 حتى اكتسبت صفة القانون. ولم تكن هناك قبل تلك المعاهدة أي آلية لخروج أي دولة من عضوية الاتحاد الأوروبي.
المادة 50 لا تتجاوز خمس فقرات، وتنص على أن على أي دولة عضو في الاتحاد الأوروبي راغبة في الخروج من الاتحاد أن تحيط المجلس الأوروبي بهذه الخطوة، وأن تتفاوض على ذلك، على ألا تتجاوز مدة المفاوضات سنتين إلا في حالة موافقة جميع الدول الأعضاء الأخرى على تمديد هذه الفترة. وتنص المادة أيضًا على أن الدولة التي تريد الخروج من الاتحاد الأوروبي لا يحق لها المشاركة في المشاورات داخل الاتحاد حول هذا الموضوع.
المادة تتضمَّن أيضًا أن أي اتفاق لخروج أي دولة من عضوية الاتحاد يجب أن يحظى بأغلبية مشروطة؛ أي 72% من الدول الأعضاء الـ27 المتبقين في الاتحاد الأوروبي مما يمثل 65% من سكان دول الاتحاد، وكذلك بتأييد نواب البرلمان الأوروبي. أمَّا الفقرة الخامسة والأخيرة للمادة 50 فتتطرق إلى إمكانية عودة الدولة التي قررت الخروج من الاتحاد الأوروبي إلى عضوية الاتحاد.

فقد أكد مسؤولون من المفوضية الأوروبية في أحد تقاريرها الصادرة في يوليو (تمّوز) الماضي أنه في حالة تفعيل المادة 50، فإنه لم يمكن إيقافها أو تعطيلها من جديد، لكن اللورد كير، الدبلوماسي البريطاني البارز، وهو أحد الذين شاركوا في صياغة المادة 50 بنفسه، يختلف مع مسؤولي المفوضية الأوروبية؛ حيث قال إنه في الوقت الذي وُضعت فيه هذه المادة تساءل المُشرِّعون إن كانوا في حاجة إلى ذكر شرط أو بند فرعي في المادة، بحيث يشرح ماذا يمكن أن يحدث في حالة غيرت أي دولة رأيها بعد أن فعَّلت المادة 50، وبعد أن أجرت الاستفتاء الخاص بالخروج من الاتحاد الأوروبي، وبعد أن وافق عليه الشعب، ولكنه أكد في الوقت نفسه أنه لا يوجد ما يؤكد ما قاله مسؤولو المفوضية بأنه في حالة تفعيل المادة 50 أنه لا يمكن تعطيلها مرة أخرى.
الجدير بالذكر أنه يوجد طريق آخر خاص بالمادة 50 لبريطانيا حتى تظل في الاتحاد الأوروبي، وهو عن طريق تعديل المادة 50، بحيث يتم تمديد مدة التفاوض على الخروج من الاتحاد لأكثر من عامين، وهي المدة التي نصت عليها المادة. وعلى الرغم من أن اللورد كير بنفسه يظن أن هذا الاقتراح قد يكون بعيدًا تنفيذه في حالة بريطانيا في الوقت الحالي، وربما يمكن تنفيذه في حالة أي دولة أخرى في الفترة القادمة، إلا أنه يؤكد في الوقت نفسه أن الأمر يعود إلى الشعب البريطاني، وقد يقرر الشعب ذلك في حالة تم استشارته، قائلًا إن: الدول الديمقراطية لا يمكنها أن تمنع الديمقراطية أن تتحقق.

(اللورد كير).
وفي الوقت نفسه، يرى عدد من قادة الاتحاد الأوروبي السابقين، أنه من غير المرجح أن يوافق الاتحاد على تمديد مهلة السنتين، لأن ذلك سيعني المزيد من عدم اليقين للبريطانيين؛ مؤكدًا أنه في الوقت نفسه قد يبدو عرضًا مُغريًا للدول الأوروبية الأخرى التي تفكر في مغادرة الاتحاد الأوروبي.
اقرأ أيضًا: بريطانيا في الخليج: الأموال الخليجية أولًا.. وحقوق الإنسان لاحقًا
3- إصلاحات في الاتحاد الأوروبي
يمكن لبريطانيا البقاء في الاتحاد الأوروبي بعد عمل بعض الإصلاحات فيه؛ هكذا صرَّح رئيس الوزراء البريطاني السابق، توني بلير، والذي أكد أن هذا الحل سيكون في مصلحة بريطانيا، وهو الأفضل لها ضمن كل الخيارات المتاحة.
مسؤولو الاتحاد الأوروبي ردوا على هذا التصريح مؤكدين أن الاتحاد له خطط مستقبلية بإجراء بعض التغييرات الكبيرة؛ من ضمنها مزيد من الاستقلالية لدول منطقة اليورو، بالإضافة إلى إنشاء مؤسسة أو هيئة جديدة تكون قائمة على تعاون دول الاتحاد فيما يخص الشئون القانونية، مؤكدين أن هذه الخطط المستقبلية للاتحاد ستكون بعيدة تمامًا عما يريده البريطانيون؛ حيث إن هذه الإصلاحات تجري في الاتجاه المخالف لما يريده البريطانيون، وبالتالي فحتى بعد إجراء إصلاحات على الاتحاد الأوروبي، فلن يكون ذلك هو الحل الأفضل لبريطانيا كما اقترح بلير.
الجدير بالذكر أن بريطانيا على مدار سنوات عديدة عارضت أن يكون هناك تكامل واندماج كامل في الاتحاد الأوروبي، كما أنها لم تدعم أي خطوات تدعم استقلالية منطقة اليورو. ولكن أحد الحلول التي يمكن لها أن تحدث هو إجراء استفتاء جديد على عضوية بريطانيا في الاتحاد الأوروبي في خلال فترة العامين التي نصت عليها المادة 50، وإجراء انتخابات عامة جديدة تفوز فيها حكومة داعمة للبقاء في الاتحاد الأوروبي.
4- سيطرة حزب الديمقراطيين الأحرار
تمنَّى حزب الديمقراطيون الأحرار في بريطانيا أن تكون الانتخابات العامة الماضية، التي جرت في شهر يونيو (حزيران) بمثابة خطوة مهمة لهم في طريق دعوتهم لإجراء استفتاء ثان على عضوية بريطانيا في الاتحاد الأوروبي؛ حيث ظلوا يدعون لذلك من قبل الانتخابات أملًا في أن يحصلوا على عدد المقاعد الأكبر في الانتخابات، مما قد يؤدي إلى إجرائهم استفتاء جديدًا. ولكن المفاجأة أنه لم يحدث أي من ذلك، بل حصلوا على 12 مقعدًا فقط في الانتخابات الأخيرة، غير أنهم ما زالوا يأملون في أن يتم إجراء استفتاء آخر.

من جانبه، أكَّد توم بريك، المتحدث الرسمي باسم الليبراليين الديمقراطيين أن الفترة الحالية والقادمة ستكشف عن الكثير من التحديات التي ستواجه الحكومة البريطانية، وهي التي أصبحت واضحة الآن، والتي ستثبت أن الحل الأفضل هو أن تبقى بريطانيا في الاتحاد الأوروبي، مؤكدًا أنه يجب إعطاء فرصة أخيرة للبريطانيين أن يحددوا مصيرهم، ويصوتوا لقرارهم النهائي.
5- إعادة الانضمام في وقتٍ لاحق
السيناريو الأخير الذي يمكن لبريطانيا القيام به من أجل وجودها في الاتحاد الأوروبي هو انضمامها من جديد في وقتٍ لاحق، دون مزيد من العراك والنقاش على الساحة السياسية والمجتمعية؛ حيث يمكن لها بعد أن تترك الاتحاد الأوروبي رسميًا أن تطلب الانضمام من جديد له مثل أي دول أخرى أوروبية خارج دول الاتحاد.
قد يبدو الأمر سهلًا، ولكن المشكلة هنا أن هذا الأمر قد يستغرق عدة سنوات تتم فيها المفاوضات على الانضمام من جديد، مع إجراء عدد كبير من الاجتماعات، والمقابلات، والتحليلات، والاختبارات لكل ما هو داخل المملكة المتحدة من أجل انضمامها من جديد، مع التأكيد على أن حتى في حالة دخولها من جديد، فإنها لم تتمكن من استعادة الوضع الخاص الذي تتمتع به حاليًا، بالإضافة إلى صعوبة وجودها في عدد كبير من مؤسسات الاتحاد كما هو الوضع في الوقت الحالي.
كما أنه في هذه الحالة، من المتوقع أن تدخل بريطانيا ضمن دول الشنجن، وهي المنطقة التي يُسمح فيها لأي مواطن بالسفر دون تأشيرة دخول خاصة، على عكس بريطانيا في وضعها الحالي، إذ تتطلب طلب تأشيرة خاصة لدخول المملكة المتحدة حتى لو كان من دول الاتحاد الأوروبي نفسها.