تتواصل الأزمة داخل “نداء تونس” بعد استقالة 32 نائبًا برلمانيًّا من الكتلة النيابية للحزب الذي يقود الائتلاف الحاكم منذ عام واحد، والتي سيطر فيها الحزب على مقاليد الحكم، بعد تشريعيات أكتوبر/تشرين الأول 2014 ورئاسيات نوفمبر/تشرين الثاني من نفس العام، والتي توجت “قائد السبسي” رئيسًا بعد فترة عصيبة مرت بها تونس امتدت أكثر من ثلاث سنوات. هذا وتحصلت حركة “نداء تونس” على 86 مقعدًا بمجلس نواب الشعب الجديد من جملة 217 مقعدًا، تصدرت بها المركز الأول في الانتخابات التشريعية لسنة 2014.
ويقود الصراع داخل الحزب نجل رئيس البلاد “حافظ قائد السبسي” في محاولة منه للسيطرة على الحزب وهيكلته وتوسيع نفوذه ضد أمين عام الحزب “محسن مرزوق”، وظهرت الخلافات للعلن منذ مدة لكنها تحولت إلى العنف والعراك بالعصي لأول مرة بين المعسكرين المتصارعين في اجتماع للحزب بمدينة الحمامات.
ويقول ملاحظون إن الأزمة التي يمر بها “نداء تونس” لن تؤثر على عمل الحكومة والبرلمان، بل ستؤثر بشكل مباشر على تماسك الحزب والاستحقاقات القادمة التي ستعرفها تونس، وهو ما يصب في صالح الغريم حركة “النهضة” الإسلامية.
وأكد الموقعون على بيان الاستقالة من الكتلة تمسكهم بدعم حكومة “الحبيب الصيد”، وأعلنت مجموعة الـ 32 أنها لن تتخلى عن النضال داخل الحزب حتى تحقيق ديمقراطية كاملة غير مجزأة، واحترام مؤسسات الحزب والعودة به إلى القرارات المسؤولة من خلال عقد اجتماعات الهيئة التنفيذية. وتشير بعض المصادر إلى طلب قائمة الـ 32 لقاء رئيس الجمهورية “قائد السبسي” في حين تحاول الرئاسة عدم الزج بالرئيس في الصراعات الحزبية، وهو ما من شأنه التأثير على صورة الرئيس لدى الرأي العام التونسي.
وجرى في وقت سابق اجتماع ضم قيادات الحزب محاولة منهم لاحتواء الأزمة، إلا أن الاجتماع لم يتمكن من الخروج بحلول، بل على العكس تطور الأمر إلى الاستقالة واتهامات شديدة لمشاكل تبدو جد عميقة بين المعسكرين وهو ما ترجمه اتهام رئيس البلاد “قائد السبسي” بتوريث ابنه “حافظ” على رأس الحزب بالتنسيق مع مدير الديوان “رضا بلحاج”، وفي آخر التطورات عبر “السبسي” عن غضبه من عدم حضور رئيس الحزب “محمد الناصر” للقاءات الجهوية للحزب، وكذلك طموح الأمين العام المتزايد “محمد مرزوق” خاصة مع خروجه من الرئاسة وتفرغه للحزب.
جذور الأزمة.. متى وكيف بدأ الصراع؟
إن التيارات المتعددة التي تشكل “نداء تونس” والتي جمعتها مصلحة الإطاحة بالنهضة وقطف ثمرة مرحلة الانتقال الديمقراطي الصعبة، لا يمكنها أن تستمر في التعايش التنظيمي طويلًا بحكم المكونات المتصارعة على اقتسام الغنيمة، وتضارب المصالح على مستوى المسؤوليات، والسيطرة على سلطة القرار داخل الحزب بعد ابتعاد “قائد السبسي” عن شؤون الحزب، والذي يعتبر مهندس صورة الحزب الكاسح للاستحقاقات خلال العام الماضي.
ولعل الصراع الحالي الذي اندلع قبل انعقاد أول مؤتمر للحزب دليل على وجود لوبيات قوية داخل الحزب نفسه، ترغب في حسم المعركة قبل التنافس بالمؤتمر الذي سيثبت السلطات ويحدد الصلاحيات ويعيد الحزب إلى السكينة والهدوء.
والصراع الحالي يتمثل في رغبة الجناح الدستوري الذي يقوده نجل رئيس البلاد “حافظ السبسي” في السيطرة على الحزب بعد تعيين الأمين العام الجديد “محسن مرزوق” تخوفًا من سيطرة النقابيين واليساريين على التركة المسمومة لوالده “قائد السبسي”، ورغبة في تسقيف طموحات “مرزوق” التي لا يخفيها.
وينادي القيادي بالحزب “رضا بلحاج” مدير الديوان بالرئاسة، رئيس الحزب “محمد الناصر” بالتفرغ كلية للحزب مقابل التنحي جانبًا من رئاسة البرلمان، مصرحًا أن مسؤولية الأزمة التي يعيشها “النداء” في قيادته وأولها رئيسه. ونقل موقع “العربي الجديد” على لسان “بلحاج” ((من بين أسباب ظهور الأزمة داخل “النداء”، عدم تفرغ الرئيس الحالي لشؤون الحزب، الأمر الذي لم يكن مطروحًا عندما كان قائد السبسي رئيسًا للحزب، لأنه كان دائم الحضور)).
وحول إمكانية إجراء تشريعيات أو رئاسيات مبكرة بسبب هذه الأزمة، فيستبعد المحللون إجراء ذلك دستوريًّا ما دام أن التصويت على الحكومة حظي بأغلبية برلمانية من الائتلاف الحاكم وليس من “نداء تونس” فقط، كما أن المجموعة التي قدمت استقالتها صرحت أنها مع حكومة “الحبيب الصيد” وأنها ما زالت بنداء تونس والاستقالة تعني الكتلة النيابية للحزب داخل مجلس الشعب.
ويتخوف محيط الرئيس التونسي من مسالة المصادقة على مشاريع القوانين بقبة مجلس الشعب، وهل تعتزم مجموعة الـ 32 مساندة كتلة “نداء تونس” والتنسيق معها بخصوص مشاريع القوانين، أم يتواصل الصراع إلى خارج الحزب ويبلغ مداه الملفات الحساسة كالتنمية الاقتصادية والأمن القومي والدبلوماسية.
هل ستؤدي الخلافات إلى تأسيس حزب جديد؟
ولم تستبعد القيادية بالحزب “بشرى بلحاج حميدة” أن تؤدي الخلافات إلى تأسيس كتلة مستقلة أو حزب جديد وأن مجموعة الـ 32 تدرس كامل الاحتمالات التي تمكنها من الخروج بوضع أفضل من الذي يعيشه “النداء”، ومعلوم أن القانون التونسي لا يمنع تشكيل كتل نيابية أخرى بمجلس نواب الشعب، أو التحاق مجموعة جديدة بأخرى، أو ما يسمى بالتجوال السياسي للمنتخبين والبرلمانيين.
وتعرف غالبية الأحزاب التي تعيش على وقع الصراعات –بشكل عام- نهاية تتمثل بانشقاق تيار من الداخل عن الحزب الأم، والخروج للعلن بتأسيس حزب جديد يخدم مصالحه ويتوافق مع أفكاره ورؤاه السياسية، خاصة والمعروف عن “نداء تونس” أنه خليط سياسي غير متجانس ومتناغم في الأفكار والأيديولوجيات، حيث يشكله يساريون ونقابيون ومستقلون ورجال أعمال والدستوريون الذين أطاحت بهم الثورة. هذا الخليط جمعته مصلحة واحدة تمثلت آنذاك بضرورة الإطاحة بحكومة الترويكا التي قادتها “النهضة” الإسلامية.
وتسببت الأزمة في شلل نصفي لأعمال مجلس نواب الشعب على مستوى اللجان خاصة، وتمثل الشلل في الغياب البارز لنواب “نداء تونس” الذي يشكل الغالبية بالبرلمان، وانعكس هذا على عدم قيام بعض اللجان باجتماعاتهم المقررة خلال هذه الفترة مثل لجنة المالية والتخطيط والتنمية، وهو ما يؤثر بشكل مباشر في مناقشة قانون الميزانية لسنة 2016، وتأجل مشروع المصادقة على أهم فصول المشروع المالي.
كيف تستثمر «النهضة» الأزمة لصالحها؟
وفي المقابل يعرف نواب “النهضة” حضورًا مكثفًا بالبرلمان، والمشاركة بكافة لجان المجلس ومناقشة فصول مشاريع القوانين، في إشارة إلى الأريحية التي تعيشها الحركة المحسوبة على تيار الإخوان مقارنة بـ “نداء تونس” التي تعرف صراعات داخلية وصلت لحد استقالة قصمت ظهر الكتلة النيابية.
ولعل أبرز تحدي لـ “نداء تونس” أمام “النهضة” هو الانتخابات البلدية المرتقبة، والتي يرى فيها محللون أن الأزمة التي امتدت وطالت الحزب الحاكم أثرت بشكل مباشر على صورة الحزب وقيادته التي انشغلت بالشأن الداخلي للحزب عوض التحديات الأمنية والاقتصادية التي تعرفها تونس منذ مدة.
ودعا نائب مجلس شورى “النهضة” قيادة “النداء” للتعقل والاهتمام بالشأن العام وتجاوز هذه المحنة، وبدا القيادي بالحركة الإسلامية ممتعضًا من حالة التشرذم والانقسام وهو ما خيّب الناخبين الذين صوتوا لصالح “نداء تونس” في تصريح له عبر موقع “الجزيرة نت”.
ويجري نقاش موسع بحركة “النهضة” من أجل الفصل الوظيفي بين الدعوة والسياسة في إطار التجديد الفكري والوظيفي الذي تقوم به الحركة الإسلامية في الكثير من الأقطار، كما أنها تحاول تجنب الصدام مع السلطة القائمة، وهو ما يعكسه دعمها الكبير لحكومة “الحبيب الصيد” وابتعادها عن اللغط السياسي في محاول لترتيب جيد للبيت الداخلي وتكوين إطاراتها والمحافظة على الحرية والديمقراطية المكتسبة بعد مسار ثوري تكلل بالنجاح مقارنة ببقية دول الربيع العربي.
وبعد الأحداث الأخيرة التي يعرفها البيت الداخلي لـ “نداء تونس” تصبح حركة “النهضة” الكتلة الأولى بمجلس نواب الشعب بـ 86 مقعدًا، بينما تتقلص مقاعد “النداء” من 86 إلى 54 مقعدًا بعد الاستقالات الأخيرة. وهو ما يعتبر إنجازًا لم يكن في الحسبان لدى قيادات “النهضة”، ويعود بالفائدة لها نظرًا للتماسك الذي تعيشه بعيدًا عن مسؤولية قيادة البلاد في هذا الظرف الاقتصادي والأمني الذي تعيشه تونس، وهو ما يحمل “قائد السبسي” وحزبه “النداء” المسؤولية المباشرة أمام الرأي العام لأي أزمة أو تعثر سياسي يهدد البلاد.
علامات
Flexi_team, الترويكا, الحبيب الصيد, السبسي, الغنوشي, النهضة, تونس, عربي, قائد السبسي, نداء تونس