في بداية العام الجاري، أعلنت إسرائيل والأردن عن توقيع اتفاقية بشأن إنشاء قناة تربط بين البحر الميت والبحر الأحمر، لتبرز أهمية هذا البحر لإسرائيل إستراتيجيًا من جديد بعد أعوام من سعيها الدؤوب لتعظيم استغلاله في كافة المجالات، التي يمنحها النفوذ المطلوب لصد أي هجوم مستقبلي عربي على إسرائيل من الشرق .

 

أين يقع البحر الميت؟

يقع البحر الميت على عمق 417 مترًا تحت مستوى سطح البحر، وطوله 50 كيلومترًا وعرضه 17، وهو أقرب إلى البحيرة منه إلى البحر على الحدود مع الأردن من الشرق، ومن الغرب يحده إسرائيل والضفة الغربية.

يعدّ من أكثر البحار ملوحة في العالم ويشتهر بالأملاح المعدنية، تبلغ درجة ملوحة مياهها حوالي 33.7 بالمائة.. لذا فهي تحتوي على المياه الأكثر ملوحة في العالم، ما جعلها مقصدًا للعلاج، واحتواؤها على العديد من المعادن ذات الأهمية الإستراتيجية في عملية الصناعة والصادارات.

كيف استفادت إسرائيل من البحر على حساب الأردن؟ 

 

 

يعد طين البحر الميت أبرز المواد المُستخرجة من البحر التي تتعاظم أهميتها في كثير من الصناعات الحيوية، وتعتبر الأردن صاحب النصيب الأوفر من هذه المادة الأولية المهمة في صناعة المُستحضرات    من البحر الميت، المعروفة بمزاياها العلاجية الكبيرة عام 1989، ليصل عدد المصانع المُستخدمة لهذا النوع  نحو 15 مصنعًا توفّر فرص عمل لنحو ألف أردني، ويصل حجم الاستثمار فيها إلى قرابة 10 ملايين دينار أردني (14 مليون دولار تقريبًا).

 

ورغم أن الجانب الأردني من البحر موحل، بجانب تمتع الأردن بوفرة في المواد الأولية الخام وخصوصًا الطين، على عكس الجانب الإسرائيلي حيث الشواطئ صخرية، وتندر هذه المادة إلا أن إسرائيل تستورد طين البحر الميت من الأردن وتنجح في ترويج منتجاته عالميًا،  وارتفعت صادرات إسرائيل من مستحضرات التجميل المصنوعة من هذه المادة  20 مرة عن صادرات الأردن، بالرغم من اضطرارها إلى استيراد الطين من الأردن.

لا تتجاوز صادرات الأردن من مستحضرات البحر الميت 30 مليون دولار سنويًا مقارنة بصادرات إسرائيل من هذه المستحضرات التي تصل إلى 600 مليون دولار، على خلفية  توقيع معاهدة السلام عام 1994، والتي جعلت المصانع الإسرائيلية تقوم بشراء الطين من الأردن وسمحت لها الحكومة بذلك، مما ساهم في ارتفاع صادراتها، بجانب الإهمال الحكومي وضعف التسويق والشح الكبير في المخصصات من كلّ الجهات الحكومية وغيرها للمشاركة في المعارض العالمية للتسويق للمنتجات الأردنية.

ويظهر معهد الصادرات الإسرائيلية والتعاون الدولي، أن هنالك نحو 50 شركة إسرائيلية تعمل في هذا القطاع، وتركز هذه الشركات الإسرائيلية التي تم إنشاؤها لتصنيع مستحضرات التجميل على الأسواق الدولية، وكذلك من خلال افتتاح مكاتب في العديد من الدول للقيام بهذه المهمة وشبكة من الموزّعين، كما توفّر الشركات الإسرائيلية منتجاتها للبيع على الإنترنت .

 

فلسطين.. موطن الشركات الإسرائيلية لاستخدامات البحر

 

 

أسست سلطات الاحتلال الإسرائيلي عددًا من الشركات والمصانع المتخصصة في الاستثمار بموارد البحر الميت على أراضي الفلسطينيين مثل شركة “أهافا”  الإسرائيلية التي تنفذ نشاطاتها الصناعية في مستوطنة “ميتسبي شاليم”  في الضفة الغربية باستخراج الطين من البحر الميت لصناعة مواد التجميل.

في تقرير صادر عن البنك الدولي، أوضح أن إسرائيل تتجاوز حق فلسطين من الثروات المعدنية لصالحها، إذ أوضح بالأرقام أن إسرائيل والأردن تحصلان معا على نحو 4.2 مليار دولار من المبيعات السنوية لهذه المنتجات، وهو ما يمثل 1% من الإمدادات العالمية من البوتاس و12% من إنتاج العالم من البرومين، وأنه إذا أخذنا كمقياس متوسط القيمة المضافة لهذه الصناعات للاقتصاد الأردني والاقتصاد الإسرائيلي، فسيكون بمقدور الاقتصاد الفلسطيني أن يضيف ما قيمته 962 مليون دولار من القيمة المضافة سنويا – أي ما يعادل 9%  من إجمالي الناتج المحلي عام 2011، وما يوازي تقريبًا حجم قطاع الصناعات التحويلية الفلسطيني بأكمله”.

وقدرت وزارة الاقتصاد الوطني الفلسطينية، حجم الأموال المُهدرة نتيجة اعتداء إسرائيل على حصتها من البحر الميت بقيمة مليار دولار أمريكي سنويًا، والتي تأتي في مُقدمتها موارد غنية  كالبوتاس والبرومين.

 البحر الميت.. منفذ إسرائيل البحري لتصدير الغاز

 

 

في فبراير2013، تحولت إسرائيل من دولة مُستوردة للغاز الطبيعي، إلى اكتفائها الذاتي منه، ودولة مُصدرة له بعد اكتشاف فريق بقيادة شركة تكساس نوبل إنرجي الغازَ في حقل تامار في شرق البحر الأبيض المتوسط، والذي يقدّر أنه يحتوي على 9.7 تريليون قدم مكعب من الغاز الطبيعي. يتم تصنيف رؤوس بئر تامار، والتي تحتوي على غاز الميثان، على مستوى عال من النقاء، حيث بلغت قيمة إنتاج الطاقة لكل رأس بئر أكثر من أربعة أضعاف رؤوس آبار النفط السعودي.

من خلال “البحر الميت”، استطاعت إسرائيل أن تجعله المنفذ الرئيسي لها في نقل الغاز الطبيعي إلى الدول المُستوردة، حيث كانت الأردن وجهة التصدير الإسرائيلية الأولى، حيث لن تمثل الكميات المصدرة للأردن سوى جزء من الكميات الإجمالية التي يتوقع أن تصدرها إسرائيل.

وبدأت عملية التصدير بمحادثات سرية في منتصف 2013، بين الشركاء في حقل تامار لنقل الغاز عبر خط الغاز الإسرائيلي الذي يمد الغاز من يام تيثيس (ماري-ب) إلى مصنع أشغال البحر الميت للمواد الكيميائية الإسرائيلي في سدوم، وتمديد خط الأنابيب للوصول إلى أعمال البوتاس في الأردن.

 

سيعمل الخطّ البري على نقل محتويات السفن البحرية، عبر رحلة كالتالي: يتم تفريغ الحمولة من السفن في ميناء إيلات، ثمَّ يتم نقل الحاويات ـ الكبيرة جدًا ـ إلى خط سكة الحديد، ويبدأ القطار رحلته إلى ميناء أشدود، وبهذا تكون محتويات السفن انتقلت من آسيا إلى أوروبا. هذا هو المشروع المفترض أنه ينافس قناة السويس.

 

مشروع قناة الربط بين البحرين الميت والأحمر

في شهر فبراير العام الجاري، وقعت الأردن مع إسرائيل اتفاقًا للمضي قدما في مشروع يرعاه البنك الدولي يتضمن بناء محطة تحلية مياه في خليج العقبة، وخط أنابيب يمتد من البحر الأحمر إلى البحر الميت، يقوم بتحلية المياه التي سيتقاسمها الإسرائيليون والأردنيون. وستنقل المياه المالحة المتخلفة من عملية التحلية إلى البحر الميت عبر خط أنابيب يمتد شمالا 112 ميلا ( 180كيلومترًا).

ستساهم هذه القناة في توفير ستمائة وخمسين مليون دولار سنويًا لإسرائيل مع سد احتياجاتها من الكهرباء، فضلًا عن توسيع الرقعة الزراعية التي ستروَى بالمياه المحلاة مما يساهم في زراعة أراضي النقب، مما سيؤدي تلقائيًا لتوسيع رقعة الاستيطان الإسرائيلي، بجانب أنها ستشكل حائط صد يمنع أي هجوم مستقبلي عربي على إسرائيل من الشرق، وتعزيز مصادر الطاقة الإسرائيلية بهذا الشكل، مع توسع تام في الصناعات الإستراتيجية.

المصادر

عرض التعليقات
تحميل المزيد