هل سمعت من قبل عن الدياتومات؟ وكيف يحيا كوكب الأرض بفضلها؟
«أنقذوا الأمازون. رئة العالم تحترق. الأرض تختنق!». ربما سمعت هذه الشعارات والكلمات أثناء الحرائق التي ضربت غابات الأمازون العام الماضي، وقد تكون شعرت بالخوف على الهواء الذي تتنفسه، وأحسست بالقلق كثيرًا على مستقبل الأرض وشكلها مستقبلًا إذا ما ذهبت رئتها وأصبحت رمادًا. وأعتقد أنك قرأت كثيرًا عن الكميات الكبيرة من الأكسجين التي تنتجها غابات الأمازون وتقدر بـ20% من أكسجين الأرض!
لكنك ربما لا تعلم أن هذا الإنتاج الهائل لا يغادرها ويجري استهلاكه فيها، ولا يصلك منها ولا حتى نفس واحد، بحسب ما ذكره أستاذ علوم النظم الإيكولوجية في جامعة أكسفورد، يادفيندر مالهي، في حوار مع «بي بي سي».
بالتأكيد للغابات في جميع أنحاء العالم دور أساسي ومهم في إنتاج الأكسجين الذي نتنفسه، ولولاها لمات ثلث سكان الأرض وغالبية الحيوانات، ولكن هل تخيلت أو هل تعلم أنك في الغالب لا تتنفس الأكسجين الذي تنتجه الأشجار، أو بالأصح هل كنت تعلم أننا نستطيع أن نعيش ونتنفس بدون وجود الغابات والأشجار؟ باختصار رئة الأرض ليست على اليابسة بل تحت البحار، إنها «الدياتومات».
في البداية.. كيف ظهر الأكسجين على الأرض؟
كانت البداية من الانفجار العظيم ومنه تكوَّن الكون كله والمجرات والكواكب والنجوم، ومن بينها كان كوكب الأرض الذي يبلغ عمره حاليًا 4.543 مليار سنة، فقد كان هذا الكوكب على مدى ملايين السنين ملتهبًا وغير صالح للحياة، ولكن بشكل غريب بدأت الحياة تنبض فيه، وكانت البداية من صعود الماء الذي ملأ الأرض كلها وشكَّل المحيطات والأنهار والبرك، ومع ذلك كانت الحياة ما تزال شبه معدومة، إلى أن ظهرت نباتات تدعى الطحالب أو البكتيريا الزرقاء، وهي تعد أبسط أنواع الطحالب وأقلها رقيًّا وأقدمها وجودًا على ظهر الأرض.
يقول عالم الكيمياء الجيولوجية، والباحث في جامعة بنسلفانيا، ديك هولاند: «يبدو أن الأكسجين جرى إنتاجه لأول مرة في وقت ما قبل 2.7 – 2.8 مليار سنة، ولكنه احتاج قرابة 25 إلى 35 مليون سنة حتى استقر في الغلاف الجوي الذي يحتوي على 21% منه، وما تبقى هو من مواد أخرى مثل النيتروجين، والآرجون، وثنائي أكسيد الكربون وبخار الماء والهيدروجين والهيليوم والنيون والزينون، وهذه المواد هي ما تحمي الأرض من الأشعة الخطيرة القادمة من الفضاء.
وقد عملت البكتيريا الزرقاء على مدار هذه السنين الطوال على إنتاج الأكسجين، مما أدى إلى منع التفاعلات الكيميائية المعتمدة على الكبريت من الحدوث، ومن هنا بدأت الحياة تزدهر على الكوكب الأزرق.
توجد البكتريا الزرقاء في كل مكان تقريبًا، وتنتج الأكسجين عبر ما يعرف بالتمثيل الضوئي، باستخدام أشعة الشمس والماء وثاني أكسيد الكربون لإنتاج الكربوهيدرات والأكسجين، وفي الواقع تحتوي جميع النباتات على الأرض على هذه البكتيريا وأيضًا توجد في البحار والأنهار والبحيرات، وعلى الرغم من أهمية هذه البكتيريا في إنتاج الكميات الكبيرة من الهواء، فإنها ما تزال غير كافية، إذن من أين يأتي الهواء الذي نستنشقه؟
كلمة السر: الدياتوم
ذكرنا سابقًا في هذا التقرير أن ما تنتجه الغابات المطيرة في الأمازون من الأكسجين لا يغادره أبدًا، بسبب أنها تحتوي على حياة برية كبيرة جدًّا تقدر بالمليارات من الحيوانات والطيور والحشرات، التي تستهلك هذا الإنتاج كاملًا. الأمر الذي ينطبق على كثير من الغابات الأخرى التي تستهلك ما تنتجه، ولا يصل للإنسان منها شيء.
فحسب إحصاء أجراه فريق في جامعة يال الأمريكية؛ فهناك نحو 3 تريليونات شجرة على الأرض، في حين كان ضعف هذا الرقم موجودًا قبل ظهور الحضارة الإنسانية. إذ تفقد الأرض ما يقدر بحوالي 10 مليارات شجرة سنويًّا بسبب الحرائق والتغير المناخي أو التدخل البشري المباشر بالقطع. وتنتج هذه الأشجار ما يقدر بـ28% فقط من حاجة الأرض من الأكسجين، في حين تأتي 2% من مصادر أخرى، بينما يخرج من البحار ما نسبته 70% من حاجة الأرض، حيث يعيش كائن مجهري حجمه أصغر من الشعرة بأربع مرات، يدعى «الدياتوم»!
والدياتوم له أنواع تقدر بأكثر من 100 ألف نوع، بعضها يعد من الطحالب والبعض الآخر من العوالق النباتية الدقيقة، وهناك أنواع منها تعد من الطلائعيات.
وهو موجود في المحيطات والأنهار المائية العذبة وحتى في التربة الرطبة، وله غلاف من السيلكون أو بشكل أوضح من الزجاج، ويتراوح حجمه بين 2 إلى 200 ميكرومتر، وله أشكال متعددة قد يكون دائريًّا أو متعرجًا أو نجميًّا أو غير ذلك.
حياة الدياتوم لا تتعدى ستة أيام، وبعدها يموت بعد أن أدى دوره في عملية التكاثر وإنتاج الأكسجين. وتقدر أعداد الدياتومات بملايين المليارات؛ إذ تتضاعف أعدادها يوميًّا. والغريب أنه يتكاثر جنسيًّا ولاجنسيًّا، وموته لا يعني النهاية، فله فوائد كثيرة ودورة حياة وموت عجيبة!
هناك أمور لدى الدياتوم ما يزال العلم لا يعرف أسرارها، أولها أشكاله المتعددة والغريبة، وأيضًا هناك أنواع منه لا تستطيع الحركة أبدًا وتتحرك بحركة الماء فقط، وهناك أنواع تتحرك ولكننا أيضًا لا نعلم كيف تفعل ذلك، وكل ما نعلمه أنها تخلف وراءها سائلًا مخاطيًّا، ولكن ما الطريقة التي تساعدها على الحركة، ما يزال لغزًا إلى الآن.
ينتج الدياتوم بمفرده (دون النباتات البحرية الأخرى) ما نسبته 20 إلى 50% من الأكسجين الذي تحتاجه الأرض كل عام؛ إذ إنها من بين جميع الكائنات والأشجار التي تقوم بعملية التمثيل الضوئي تعد الأولى في ذلك، ما يضعها على قدم المساواة مع الغابات المطيرة مجتمعة.
ينتج الدياتوم الأكسجين عن طريق التمثيل الضوئي تمامًا كما تفعل النباتات، وبعض أنواعه ينتج النيتروجين؛ إذ يعيش بالقرب من سطح الماء ويأخذ أشعة الشمس ويبحث عن طعامه، ويتجمع على شكل أسراب هائلة بالمليارات، لكنه لا يرى بالعين المجردة، ومن الممكن أن تسبح معه دون أن تشعر بوجوده!
لكن رواد الفضاء يستطيعون تمييزه؛ إذ يلاحظون أن لون الماء قد تغير إلى اللون الأزرق الفاتح في منطقة ما من البحر بشكل مفاجئ، وقد ينتشر الدياتوم في مساحة تقدر بمئات الأميال.
يستهلك الدياتوم 6.7 مليار طن من السيليكون سنويًّا من المياه التي يعيش فيها؛ إذ يستخدمه غلاف يحيط بجسمه، ويتغذى على ما تسقطه الأمطار وتأتي به الأنهار وأيضًا من خلال الانهيارات الثلجية في القطبين الشمالي والجنوبي، ويعد مصدرًا أساسيًّا لغذاء العديد من الكائنات البحرية الأخرى.
دورة حياة الدياتومات وموته
على مدى ملايين السنين تحورت الأرض، وتغير شكلها، وظهرت قارات واختفت محيطات، وأصبح هناك صحاري وغابات إلى أن وصلنا إلى ما نحن عليه من شكل الحياة على الأرض، ولكن ما علاقة هذا بالدياتوم؟ في الحقيقة أن الدياتوم موجود منذ أن بدأت الحياة على الأرض، وهو أحد أسباب الحياة وأيضًا استمرارها؛ إذ إن حياته فيها حياتنا، أما موته فيملك سر حياة العديد من الغابات.
يموت يوميًّا الملايين من الدياتومات وتتساقط من سطح البحر حتى تصل إلى قاعه، في مشهد يشبه تساقط الثلوج، لكن غلافهم الخارجي أو القشرة السيليكونية لا تذوب ولا تتحل على الإطلاق في الأوضاع الطبيعية، وتتجمع في قاع البحر في طبقات مختلفة تقدر سماكة بعضها بنصف ميل (800 متر) وبعضها أكثر من ذلك، وعبر آلاف السنين يتسبب ذلك بصعود قاع البحر وتتشكل بذلك اليابسة وتتحول إلى صحاري قاحلة ومالحة.
ربما يدور السؤال في ذهنك وما الفائدة من ذلك كله؟ وما هي فائدة قشور الدياتوم الميتة في دورة حياة الأرض والغابات، وللجواب عن هذا السؤال دعنا نتحدث قليلًا عن الصحراء الكبرى شمال أفريقيا والتي تقدر مساحتها بـ9 ملايين كم مربع، ويحدها المحيط الأطلسي من جهة الغرب والبحر الأبيض المتوسط من جهة الشمال، والبحر الأحمر من جهة الشرق.
هذه الصحراء كانت مياه البحر تغطيها بشكل شبه كامل قبل ملايين السنين، ولكنها الآن أصبحت قاحلة ومالحة، وسنويًّا تقذف هذه الصحراء وحدها ما يقدر بـ27 مليون طن من الغبار عبر العواصف الرملية باتجاه غابات الأمازون عابرة المحيط الأطلسي، وهذا الغبار ما هو إلا قشور الدياتوم، والذي يعد من أفضل أنواع السماد والتخصيب لأشجار الغابات، ولولاه لما كانت الأمازون بهذه الحياة.
في حياته يعطينا الدياتوم الهواء، وعند مماته يساعد النباتات على إكمال مهمته التي بدأها. لكن فوائد الدياتوم لم تنته بعد! فله العديد من الاستخدامات الصناعية؛ إذ تستخدم قشرته في صناعة السيراميك والزجاج، ويستخدم في تنقية المياه والتقليل من رطوبة المواد، وأيضًا يستخدم بصفته مواد حشو في البلاستيك والدهانات، وبالتأكيد سماد ممتاز للتربة، ودخل مؤخرًا في صناعة تقنية النانو؛ وذلك لصغر حجم قشرته وسهولة تشكيلها بأشكال وأحجام مختلفة.
وما زال الدياتوم يدهش العلماء؛ إذ اكتشف أن بعض أنواعه تحتوي على فقاعات دهنية صغيرة يستخدمها إذا لم يكن هناك أشعة شمس أو غذاء كافٍ، فتمده بالطاقة اللازمة لإكمال مهمته. لكن المفاجأة أن هذه الفقاعات ما هي إلا قطرات من النفط التي ينتجها بنفسه، والذي من الممكن استخدامها لتشغيل السيارات والطائرات، ولكننا نحتاج لمليارات الدياتوم لإنتاج لتر واحد، وسيكون ذلك مكلفًا للغاية.
علامات
الاوكسجين, البحر, الطحالب, الغابات المطيرة, حرائق, دياتوم, دياتومات, غابات الامازون, كوكب الارض