من جوار منزلك وببساطة شديدة تبتاع الفاكهة والخضراوات المفضلة لك، أو الأساسية التي تحتاجها في إعداد الطعام، ولكن معظم الناس لا تعرف الرحلة التي تمر بها تلك الفاكهة أو الخضار إلى أن تصل إليك، من زراعة وري، ومعالجة من آفات، وحصاد ونقل.
المرحلة الأخطر في مراحل وصول الفاكهة والخضراوات إليك هي مرحلة الزراعة، خاصة عندما يكون هذا النبات معرضًا لأحد الأوبئة أو الأمراض التي تهاجم المحاصيل، بعضها تكون أمراض معتادة يستطيع المزارع محاربتها، وبعضها قد يتحول إلى وباء تصعب السيطرة عليه.
في هذا التقرير نخبرك عن الأوبئة التي تهدد أطعمتك الأساسية والمفضلة، وبالأخص الظاهرة المنتشرة الآن المعروفة بـ«جائحة الموز».
1- 25 مليار دولار خسارة في محاصيل الموز
يظهر هذا الوباء فجأة، وينتشر بسرعة شديدة قبل أن نلحظه، يدمر كل ما يقابله في طريقه، وينتقل من مكان لآخر بسهولة شديدة، وبسبب وجوده ستتغير أشياء كثيرة ولن تعد كما نعرفها بعد الآن، كلا لا نتحدث عن فيروس «كورونا» بل نتحدث عن «Tropical Race 4»، أو كما يطلق عليه المزارعون «مرض بنما» والذي يهاجم حزمة الأوعية الدموية في نبات الموز.
هذا الوباء عبارة عن فطر يهاجم مزارع الموز، وظهر مؤخرًا منذ 30 عامًا، ولكن خلال السنوات القليلة الماضية، تسارع هذا الوباء فجأة وانتشر في آسيا وأستراليا، والشرق الأوسط وأفريقيا، ووصل إلى أمريكا اللاتينية، حيث تأتي غالبية الموز المشحون إلى شمال العالم، وحتى الآن وصل هذا الوباء إلى أكثر من 20 دولة، وتسبب في خسارة في محاصيل الموز تصل إلى 25 مليار دولار حتى الآن.
هكذا تبدو ثمرة الموز بعد أن يصيبها الوباء
يوضح الباحث في صحة النبات فرناندو غارسيا باستيداس، والذي يعمل الآن في شركة هولندية تعمل على إيجاد علاج لهذا الوباء، أن هذا المرض قبل 70 عامًا هاجم مزارع الموز، وكان واحدًا من «أسوأ الأوبئة النباتية في التاريخ»، مؤكدًا أنه – في ذاك الوقت – ظهر للمرة الأولى في قارة آسيا، ومن هناك انتقل إلى المزارع الكبيرة في أمريكا الوسطى ودمر محاصيلهم تمامًا، وهو ما يحاول العلماء الآن تجنب حدوثه مرة أخرى.
ما يسعى إليه العلماء القائمون على البحوث الخاصة بهذا الوباء ينقسم إلى قسمين: الأول هو إيجاد لقاح يعالج هذا الوباء، وإن لم تنجح تلك التجربة، يأتي دور القسم الثاني من الخطة، وهو إنشاء صنف معدل وراثيًّا للموز، في الحالتين قد تتغير طرق زراعة الموز للأبد، والأهم قد يتغير طعم الموز ولن يعود كما تعرفه الآن.
وفي الوقت الحالي، حتى يُنفذ أي قسم من قسمي خطة إنقاذ الموز من الوباء، فكل ما يستطيعون فعله، هو ما يفعله البشر بالفعل مع فيروس كورونا، وهو وضع خطة تدابير الأمن البيولوجي، مثل تطهير الأحذية قبل وبعد الدخول والخروج من المزارع، ومنع المزارعين من الحركة بين محاصيل الموز، أي ما يعادل غسل اليدين والتباعد الاجتماعي فيما يخص فيروس كورونا.
2- مرض صدأ القمح.. 3 مليارات دولار لمحاربته
القمح من أهم المحاصيل الأساسية التي يحتاجها البشر، ولذلك أي خطر يهدد زراعته قد يعرض البشر إلى مجاعة، ويعد مرض الصدأ الأصفر واحدًا من أخطر الأوبئة التي قد تهاجم محاصيل القمح وتدمره وتعرضه لتلف شديد، وتسبب خسائر كبيرة في المحاصيل.
ويعد هذا المرض من أنواع الفطريات، ويمكن لهذا الفطر أن ينتقل بسهولة لمسافات بعيدة عن طريق الرياح، ولذلك يشكل خطرًا في قدرته على الانتشار السريع في مساحات كبيرة من المزارع، وهناك أنواع مختلفة من صدأ القمح مثل الصدأ الأصفر، والبرتقالي، والأسود، وتلك الفطريات تصيب القمح وأحيانًا الشعير أيضًا.
تعد التغيرات المناخية المسبب الأول لهذا الفطر، خاصة التقلب الشديد في درجات الحرارة وانخفاضها أكثر مما يتحمله النبات، فهذا المرض يصيب محصول القمح نتيجة الضعف الفسيولوجي للنبات.
وفي عام 2017 أظهرت دراستان أصدرتهما مجموعة من العلماء بالتعاون مع منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة، موضحة أن مرض صدأ القمح يمكن أن يتسبب في خسارة بالمحاصيل تصل إلى 100% من محصول القمح، وأكدت الدراستان أن هذا المرض يشهد انتشارًا كبيرًا في مزارع كل من أوروبا وأفريقيا وآسيا.
وأكدت منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة ضرورة التعاون الدولي لمواجهة هذا المرض، والذي ظهرت له سلالات جديدة وبدأت في الانتشار بحوض البحر المتوسط، مؤكدة أن الجهود يجب أن تكون عالمية لمحاربة هذا الوباء لأنه «مصدر الغذاء والمعيشة لأكثر من مليار شخص في الدول النامية».
ولم يمر سوى ثلاث سنوات، حتى اتخذت المنظمة إجراءات حاسمة، ففي منتصف هذا العام 2020 خصصت المنظمة ثلاثة مليارات دولار سنويًّا لأكثر من جامعة ومؤسسة بحثية؛ بغرض الدراسة والبحث عن حلول للقضاء على هذا الوباء الذي يهدد أهم محصول عالميًّا: القمح.
3- آفات الأرز.. تقضي على 30% من المحصول
في دراسة نُشرت عام 2019 أكدت أنه رغم المجهودات العلمية للسيطرة على الآفات الزراعية باستخدام المبيدات، فإن تلك الأمراض التي تهاجم المحاصيل ما زالت قادرة على تقليل الإنتاج الزراعي، أو تقليل جودته، وأدى هذا بدوره إلى خسائر اقتصادية كبيرة، أثرت سلبيًّا في الأمن الغذائي في العالم.
وتتنوع الآفات الزراعية التي تصيب الأرز عن طريق الحشرات والعنكبوت، والمفصليات عديدة الأرجل والرخويات، والنباتات الطفيلية، البكتيريا والفيروسات، وأكدت الدراسة أن هناك ما يزيد على 137 مرضًا وآفة مرتبطة بمحاصيل الأرز والبطاطس، موضحة أن المزارعين يخسرون ما يعادل 30% من محاصيلهم بسبب تلك الآفات، وهذا بعد استخدام المبيدات والإجراءات الوقائية اللازمة.
أشكال مختلفة للآفات الزراعية
الخطير في تلك الآفات التي تصيب الأرز من بين عدد من المحاصيل الاستراتيجية، هي أن معدلات ارتفاع الخسائر في المحاصيل تعد كارثية، وهذا لأن النسبة الأكبر من الخسائر تصيب المحاصيل في الدول الفقيرة، وتقدر بأضعاف الخسائر التي تصيب محاصيل الدول الغنية، ما يشكل خطرًا كبيرًا على الأمن الغذائي في تلك البلاد.
وبحسب تقرير أصدرته منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة في عام 2018؛ ففي كل العالم تُباع منتجات زراعية بقيمة 1.1 تريليون دولار أمريكي، والغذاء يمثل 80% من تلك المحاصيل، والفاقد السنوي المرصود بسبب الآفات في المحاصيل الزراعية العالمية تراوح ما بين 10 و16% أي ما يقدر بـ220 مليار دولار أمريكي، وحتى الآن لم يجد الباحثون حلًّا نهائيًّا لتلك الآفات سوى المبيدات الحشرية، والتي تحد من خطرها فقط ولا تقضي عليها، وفي المقابل تصيب – المبيدات الحشرية – المحاصيل بأضرار بالغة.
4- العفن الهبابي الذي يهدد ثمرة المانجو
المانجو من الفواكة الصيفية المفضلة للعديد من البشر في العالم، ولكن أشجار المانجو تتعرض هي الأخرى لنوع من أنواع الأمراض التي تهدد وصولها إلى مائدتنا صحية وسليمة، وهذا المرض أو الوباء يطلق عليه «العفن الهبابي» ويسميه الفلاحون في مصر بـ«الهباب الأسود» بينما اسمه العلمي هو «البقع السوداء البكتيرية».
شكل المانجو المصاب بالهباب الأسود
ويعد مرض العفن الهبابي الذي يهاجم شجر المانجو من أخطر وأشد الأمراض القادرة على إنهاء تلك الثمرة، وهذا المرض يصيب الثمار والأفرع والأوراق، وتسببه مجموعة من الفطريات، تتغذى على الإفرازات السكرية التي تتسبب في إفرازها من الثمرة، الحشرات الماضية التي تتغذى على أوراق ثمرة المانجو.
وتتميز تلك الفطريات بلونها الأسود الذي يظهر بوضوح على السطح العلوي للأوراق ويظهر نتيجة تكون طبقة سوداء لزجة تتسبب في منع وصول الضوء للثمرة، وبالتالي تمنع قدرتها على التنفس والتمثيل الغذائي، ويتسبب هذا في ضعفها وموتها، وحدوث خسائر كبيرة في الإنتاج، وأيضًا القيمة الاقتصادية للثمار.
وفي عام 2019 أكد الخبراء أن هذا المرض قادر على القضاء على زراعة المانجو في غانا بشكل دائم خلال السنوات الخمس المقبلة، إذا لم تعالج البقع السوداء البكتيرية التي تهاجمه، مؤكدين أن وضع ثمرة المانجو في غانا يعد حالة طوارئ زراعية وطنية، وجاء هذا التصريح من شركة «بلو سكايز» لمعالجة الفاكهة على خلفية الانخفاض الحاد الذي تعرضت له صادرات المانجة إلى سوق الاتحاد الأوروبي منذ عام 2016.