قبل نحو 13 عامًا، قامت وزارة التعليم العالي والبحث العلمي في الجزائر بفرض نظام الـ«LMD»على الجامعات الجزائرية، رغم عدم تهيئة الظروف المواكبة لنجاحها في نظر الكثيرين، رغم أنّ وزير التعليم العالي والبحث العلمي الأسبق «رشيد حراوبية» كان قد صرح لمديري الجامعات قبل الشروع الرسمي في انطلاق نظام «LMD» أنهم أحرارٌ في الانطلاق بهذا النظام متى توافرت لهم الظروف، تمامًا مثلما فعلت فرنسا في تسعينيات القرن الماضي مع جامعاتها، لكن سرعان ما أعلن الوزير حراوبية سنة 2006 البدء حالًا في تنفيذ مشروع «LMD»، بالموازاة مع ذلك شرعت الوزارة في رفع النظام الكلاسيكي من الجامعات الجزائرية تدريجيًا، ليعلن وزير التعليم العالي والبحث العلمي «الطاهر حجار» أن سنة 2018 ستكون آخر سنةٍ تمنح فيها الدكتوراة في النظام الكلاسيكي.
ككلّ بداية موسمٍ جامعي جديدٍ تعيش الجامعة الجزائرية حالة من الغليان جرّاء تزايد الانتقادات على النظام «LMD» من طرف أساتذة وطلبة خريجي النظام الكلاسيكي، زيادة على نقابة الأساتذة الجامعيين، وذلك في نظرهم جراء ما آلت إليه الجامعة الجزائرية من تدهورٍ علميٍ رهيبٍ، وغياب طابع البحث العلمي والإبداع الفكري مع النظام الجديد، وتزداد المقارنات بين النظامين «LMD» والكلاسيكي. «ساسة بوست» نزلت إلى الجامعة الجزائرية، وتستفسر عن القضية في هذا التقرير.
ماهو نظام الـ«LMD»؟
نظام تعليمي جديد تم إنشاؤه في فرنسا تنفيذًا لمشروع «برنامج بولون» الذي يعمل على توحيد النظام التعليمي في دول الاتحاد الأوروبي. انطلق العمل بالنظام في فرنسا سنة 1998، ويتمحور حول ثلاث شهادات هي: L: ليسانس، M: ماستر، D: دكتوراة.
بدأ العمل به بالجزائر منذ سبتمبر (أيلول) 2004، قصد إصلاح النظام الجامعي الجديد المدرج من قبل وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، وذلك بجعل الشهادات وطلبات التكوين والتخصّصات أكثر وضوحًا، إضافةً إلى أنّ هذا النظام المستورد من فرنسا يرمي إلى إحداث انسجامٍ محكمٍ في المسارات الجامعية الثلاثة، مع التسهيل في مقارنة الإجراءات ومحتويات التكوين على المستوى الوطني والدولي ومن بين الأهداف التي طرحتها الوزارة الوصية لهذا النظام:
– تحسين نوعية التكوين الجامعي.
– تلاؤم نظام التكوين العالي مع باقي الأنظمة التكوينية في العالم.
– اقتراح مسارات تكوينية متنوّعة وتكييفها مع الحاجيات الاقتصادية.
– تسهيل حركية الطّلبة وتوجيههم.
– تثمين العمل الذاتي للطّلبة.
– تنصيب إجراءات لمرافقة الطّلبة في أعمالهم.
– تثمين المكتسبات وتسهيل تحويلها.
– تنمية التكوين عبر مختلف مراحل الحياة، إلى جانب التكوين الأوّلي.
– فتح الجامعة والتكوين على الخارج.
الدكتوراة الجزائرية بين فضائح الغش في المسابقات والسرقات العلمية
مع كل بداية سنةٍ جامعيةٍ جديدة تجرى مسابقات وطنية بالجامعات الجزائرية للطلبة للالتحاق بمسار الدكتوراة، ولا تكاد تخلو مسابقات الدكتوراة من الغش والفضائح التي تعصف بها بحسب المراقبين، كان آخرها نجاح ابنة عميد «جامعة ورقلة» وصديقتها التي أحدثت ضجة كبيرة في وسط الأسرة الجامعية، خصوصًا بعد أن تمّ توسيع قائمة المترشحين إلى 381 مترشح؛ لتمكين ابنة المدير من الدخول إلى المسابقة بالرغم من أن ترتيب ابنة العميد كان في المركز 247.
وينتظر أن يوفد وزير التعليم العالي والبحث العلمي، لجنة وزارية إلى جامعة ورقلة، بناء على طلب المشاركين في المسابقة، وكانت وزارة التعليم العالي ألغت نتائج مسابقة دكتوراة في مقياس «السياسات المقارنة» في جامعة «زيان عاشور» بالجلفة الموسم الماضي، وذلك بسبب غش مترشحة بعد تقرير أعدته لجنة تحقيق وزارية عقب تلقي طعن من رئيس قسم العلوم السياسية وعميد كلية الحقوق، وعاشت مسابقات الدكتوراة في السنوات الماضية على وقع عديد الفضائح المدوية أبرزها فضيحة «كلية العلوم الإنسانية والاجتماعية» بجامعة البليدة 2؛ إذ اقتصرت على طلبة جامعة البليدة دون غيرهم من طلبة الجامعات.
ومن جهة البحث العلمي استيقظت العديد من المعاهد والكليات على وقع وقائع بالجملة محورها سرقاتٍ علميةٍ لشهادات ماجستير ودكتوراة مزيفة، تورط فيها أساتذة جامعيون ومسؤولون، إذ اعترف وزير التعليم العالي والبحث العلمي الجزائري «الطاهر حجار» بوجود هذه السرقاتٍ علميةٍ، ودعا في ندوة صحفية من جامعة «سعد دحلب» بولاية بسكرة (جنوب شرقي الجزائر) خلال افتتاح السنة الجامعية الماضية إلى وأد الظاهرة في مهدها عن طريق تفعيل آليات الرقابة والوقاية وتسليط أشدّ العقوبات.
وأشار إلى أن السرقات العلمية قليلة بالجزائر وتم اكتشافها قبل مناقشة أطروحات الدكتوراة، لتشرع وزارة التعليم العالي مؤخرًا في جملةٍ من التحقيقات التي أحيل أغلبُها إلى المحاكم، إضافةً إلى تنصيب مجلس أخلاقيات المهنة الجامعية وخلايا تابعة لهذا المجلس على مستوى كل جامعة، إلى جانب إصدار ميثاق الأطروحة ليحدد واجبات وحقوق الطلبة المسجلين في الدكتوراة واقتناء برامج معلوماتية كاشفة لهذه الحالات.

جامعة عبد الرحمان ميرة بجاية ( شرقي الجزائر) مصدر الصورة ويكيبيديا
وشهدت الجامعات الجزائرية عديد الفضائح المتعلقة بسرقة أطروحات الدكتوراة، كان أبرزها اتهام رئيس المجلس العلمي لكلية الاقتصاد وعلوم التسيير بـ«جامعة البليدة 2» بسرقة علمية في إعداد رسالته لنيل شهادة الدكتوراة، ناهيك عن إلغاء عشرات المناقشات لرسائل دكتوراة ثبت فيها سرقة علمية، وكانت الصحافة الجزائرية أماطت اللثام بداية هذا العام عن فضيحة مدوية تتعلق بأستاذ من «جامعة الشلف»، قام بسرقة أغلب ما ورد في كتاب «تصرفات الرسول صلى الله عليه وسلم بالإمامة»، لمؤلفه رئيس الحكومة المغربية ووزير خارجيتها السابق «سعد الدين العثماني» الذي استنكر هذا الفعل اللاأخلاقي، ما استدعى جامعة الجزائر إلى تقديم اعتذار رسمي مكتوب لصاحب المؤلف.
بين النظام LMD والكلاسيكي.. من الأفضل؟
تعتبر المقارنة بين النظامين «LMD» والكلاسيكي من بين أكثر القضايا التي شغلت النخبة المثقفة في الجزائر، وهذا ما تجلى في عشرات الملتقيات المنظمة سنويًا من طرف الوزارة الوصية على التعليم العالي لشرح منظومة «LMD» والدفاع عنها، وهي الصراعات التي انتقلت بين المدافعين عن النظامين إلى مواقع التواصل الاجتماعي، وفي هذا الصدد يقول عميد كلية العلوم والتكنولوجيا بـ«جامعة ابن خلدون تيارت» البروفيسير «بلفضل الشيخ» أنّ نظام «LMD» جاء ليعطي نفسًا جديدًا للبحث العلمي، وعلى الرغم من عدم تهيئة الأرضية جيدة لتطبيقه، إلاّ أنه يبقى نظامًا للرقي بالبحث العلمي والابتعاد عن نظرية أن الأستاذ الجامعي هو كلّ شيء في الجامعة الجزائرية.
Embed from Getty Images
احتجاجات طلابية كبيرة رافقت تطبيق نظام LMD في الجزائر
من جهته يقول طالب الدكتوراة صاحب أكبر صفحة تجمع الحاصلين على درجة الدكتوراة من الجزائريين على موقع التواصل الاجتماعي فيس بوك «محمد لمين بن بوراس» في حديثه مع «ساسة بوست» عن الفروقات بين نظام «LMD» والقديم قائلًا: «بينما يتميز «LMD» عن النظام القديم بكونه يكمل الحجم الساعي من العمل الذي يجب أن يبذله الطالب في إطار التكوين الذي يتلقاه في مقاييس تخصصه، وهذا العمل الذي ينقسم إلى عملٍ جماعيٍ من خلال المحاضرات والتطبيقات والأعمال الموجهة والندوات العلمية، وعملٍ فرديٍ يقوم به الطالب منفردًا من خلال البحوث والتربصات والتقارير ومذكرات التخرج، فتقسّم المقاييس إلى مجموعة من الأرصدة التي يتم حسابها حسب الحجم الساعي لكل منها».
وأضاف بن بوراس أن «مشكلة البحث العلمي ليست في النظام بل في غياب الرؤية الاستراتيجية الرابطة بين الجامعات وسوق العمل التي تساهم في طرح مشاكلٍ موجودةٍ حقًا على أرض الواقع، لتقوم الجامعة بحل المشكل عبر اقتراح عدة إشكاليات تتم معالجتها في أطروحات دكتوراة متكاملة يشرف عليها أساتذة متمكنون، ويقوم بها طلبة في التخصص»، أما من ناحية المعلومات والجانب النظري يضيف بن بوراس «صحيح قد يكون لطالب الدكتوراة بالنظام الكلاسيكي الحظ الأوفر، لأنه قد قام بمذكرة ماجستير من قبل وله معرفة أكبر في مناهج البحث العلمي وطرق تحصيلها، لكن هذا لا ينفي عدم قدرة طالب «LMD» على تحصيل هذه المعارف خاصة مع شبكة المعلوماتية الكبيرة المنتشرة في الإنترنت حاليًا».
من جهته علّق الأستاذ بجامعة بومرداس «بن عمرة عبد الرزاق» في حديثه مع «ساسة بوست» مقارنًا بين النظامين الكلاسيكي و LMD: «عند المقارنة بين الهدف الرئيسي للأبحاث العلمية في طور الدكتوراة يمكن استخلاص أن شهادة دكتوراة في العلوم أفضل بكثيرٍ من دكتوراة LMD من عدة اعتبارات، أهمها أن الدكتور يكون مؤهًلا لمنصب أستاذ باحث نظرًا لمروره بمرحلتين الماجستير والدكتوراة في العلوم عكس دكتوراة «LMD» التي قانونيًا هي بمثابة ماجستير بصيغة جديدة؛ حيث كلاهما عدد السنوات فيها هو ثلاثة سنوات ونفس طريقة المناقشة وكلاهما يتطلب النجاح فيها المرور عبر مسابقةٍ كتابية ٍمع أفضلية لمسابقة الماجستير من ناحية التنظيم».
Embed from Getty Images
وفي جولة استطلاعية قامت بها «ساسة بوست» في جامعة «زيان عاشور» بالجلفة (جنوبي الجزائر العاصمة) أجمع معظم الطلبة الذين التقيناهم على جهلهم بهذا النظام رغم مرور ثمان سنوات على تعميمه، وفي حديثها معنا قالت طالبة الدكتوراة «عائشة .ب» أن الطالب والبحث العلمي الضحية الأولى والأخيرة لهذا النظام.
وكانت وزارة التعليم العالي والبحث العلمي أقامت ندوة تقييمية لنظام«LMD» مطلع العام 2016 بمشاركة أزيد من 800 مشارك، وجاء في توصيات الندوة التقييمية تلك تحسين التكوين العالي من خلال إعادة النظر في برامج التكوين وأنماطه، إضافةً إلى عقد دورات تدريبية للأساتذة قصد تحسين طرق التدريس، ناهيك عن تحسين الحوكمة الجامعية وضبط النصوص القانونية التي تحكم المؤسسات الجامعية، وعصرنة الخدمات التي تقدمها وكذا إشراك المهنيين في تصميم عروض التكوين وتأطيرها، كل هذه التوصيات تضع وزارة التعليم العالي والبحث العلمي أمام تحديات جديدة، واعتبر الكثير من الباحثين والأساتذة تلك الندوة التقييمية بمثابة اعتراف رسمي بخلل في تطبيق نظام «LMD»:
وأكّد المدير العام للتعليم والتكوين بوزارة التعليم العالي «نور الدين غوالي»، أن نظام «LMD» يعرف نموًا من سنة لأخرى رغم وجود بعض الاختلالات التي يجب استدراكها في البرامج وعروض التكوين التي تتماشى واحتياجات القطاعين الاقتصادي والاجتماعي، من جهته يرى الأكاديمي «سعيد شكيدين» أن نظام «LMD» في الجزائر يحتاج إلى تهيئة الأرضية له من خلال توفير الوسائل اللازمة لتطبيقه، وأكد أنه يجب مراعاة الإمكانيات الاقتصادية والاجتماعية للجامعة الجزائرية، وكذا ضرورة التفكير في كيفية ربط الجامعة بمحيطها الاقتصادي والاجتماعي، بينما ذهب عميد جامعة بجاية البروفيسير مرابط إلى الجزم بنجاح نظام «LMD» بالجزائر.