بعض التجاعيد، وقليل من الشعر الأبيض، واكتشاف عدم قدرتنا على فعل أشياء كنا نفعلها بسهولة منذ 10 سنوات ماضية؛ هكذا تداهمنا الشيخوخة، فالتقدم في العمر أمر ليس سهلًا على البشر، سواء لأسباب ظاهرية مثل فقدان نضارة الشكل وزوال مظاهر الشباب، أو بسبب تدهور الصحة وظهور الأمراض المرتبطة بالشيخوخة، وكلما تقدمنا في العمر، فقدنا جزءًا من قدراتنا، ولذلك ظلت الشيخوخة شبحًا يحاول العلماء فهمه ومحاربته، بل التخلص منه أيضًا، ولكن هل يعد هذا ممكنًا؟

فالتقدم في العمر أمر طالما شغل الإنسان في محاولة منه لفهمه والتغلب عليه، إن لم يكن بغرض الظهور بسن أصغر أمام الآخرين، فسيكون بهدف علمي، وهو التغلب على الأمراض المصاحبة للشيخوخة والتي تعوق الإنسان في حياته العملية، وقد أجريت الكثير من الأبحاث في هذا الشأن، ولكن لم تصل دراسة منها إلى حل نهائي لتلك الأزمة التي تواجه البشر، في هذا التقرير نقدم لكم دراسة قد يكون من شأنها أن تنهي معاناة الشيخوخة، فهل سيحدث هذا حقًّا؟

إنفاق 63 بليون دولار على منتجات محاربة الشيخوخة في 2021

في العام 2021 قُدرت المبالغ التي أنفقت عالميًّا على سوق محاربة الشيخوخة بما يقرب 63 بليون دولار أمريكي، وفي إحصائية نشرها موقع «ستاتيستا» تحت عنوان «حجم سوق مكافحة الشيخوخة في جميع أنحاء العالم من 2020 إلى 2026»؛ توقعت الإحصائية أن يصل حجم الإنفاق خلال عامنا الجاري إلى ما يزيد على 67 بليون دولار.

كما أشار الموقع إلى أنه من المقدر أن يشهد سوق مكافحة الشيخوخة معدل نمو سنوي بنسبة 7% بين عامي 2021 و2026، ليصل حجم الإنفاق على محاربة الشيخوخة لـ88 بليون دولار أمريكي بحلول العام 2026.

لكن في الأسبوع الأول من أبريل (نيسان) 2022 نشرت دراسة التي أطلق عليها البعض «قفزة عملية» تحت عنوان «Multi-omic rejuvenation of human cells by maturation phase transient reprogramming» أو «التجديد المتعدد للخلايا البشرية من خلال إعادة البرمجة الجزئية»، وقد شرحت الدراسة كيف طور العلماء في معهد «بابراهام» طريقة يمكن من خلالها «عكس الساعة البيولوجية للخلايا البشرية» لمدة 30 عامًا للوراء، والأهم هو أن الخلايا لم تفقد وظفيتها، وورد في نص الدراسة على لسان مؤلفيها أنه: «لم يسبق أن جرى تقليص عمر الخلايا لمثل هذا العدد من السنوات وظلت محتفظة بنوعها ووظيفتها».

ومن جانب آخر، أوضح باحثون من برنامج «علم التخلق» التابع للمعهد نفسه أنه عبر استخدام النهج المتبع في الدراسة يمكنهم جزئيًّا استعادة وظيفة الخلايا القديمة، وعلى الرغم من أن الأمر مبكر فإن الباحثين يتوقعون أن التطورات المستقبلية في هذا الاتجاه يمكن أن تحدث يومًا ما ثورة في الطب التجديدي.

وتعليقًا على نتائج هذه الدراسة؛ قال وولف ريك العالم الباحث في «علم التخلق» وقائد مجموعة في برنامج أبحاث «علم التخلق» إن لهذا العمل آثارًا «مثيرة للغاية»، وبعد العمل على هذه النتائج والتوسع في بحثها قد نكون قادرين على تحديد الجينات التي تتجدد دون إعادة برمجة، ونستهدف بشكل خاص الجينات المسؤولة عن تقليل آثار الشيخوخة، وهذا النهج يبشر باكتشافات قيمة يمكن أن تفتح «آفاقًا علاجية مذهلة».

لماذا دراسة معهد «بابراهام» فريدة من نوعها؟

في العام 2007 نجح العالم الياباني شينيا ياماناكا الحاصل على جائزة نوبل؛ في أن يكون أول عالم يحول الخلايا الطبيعية، التي لها وظيفة محددة، إلى خلايا جذعية لها قدرة خاصة على التطور إلى أي نوع آخر من الخلايا.

وحاول العلماء من بعده البحث وراء إمكانية محو آثار الشيخوخة لدى البشر؛ وقد أجريت العديد من الدراسات على خلايا البشر والفئران خلال رحلة البحث، ولكن الدراسة الأخيرة كانت المرة الأولى التي ينجح فيها العلم في تقليص عمر الخلايا لما يقرب من 30 عامًا دون أن تفقد الخلية وظيفتها الأساسية، وهذا هو ما يميزها عن باقي الدراسات السابقة.

وقد أكدت التقنيات التي استخدمتها الدراسة أن هذا الكشف لن يكون له الفضل في جعل البشر يبدون أصغر سنًّا فقط، بل إن الأمر سيكون أشمل من مجرد تأثيرات في شكل الجلد؛ ليمتد إلى إمكانية علاج  أمراض مرتبطة بالشيخوخ مثل مرض الزهايمر، و«اعتام عدسة العين cataracts».

ونجحت الدراسة التي اعتمدت في مشوارها البحثي على العديد من نتائج أعمال شينيا ياماناكا، ولكن ما جعلها مميزة عما سبقها من الدراسات هي تغلبها على مشكلة محو هوية الخلية تمامًا، وهذه الميزة هي التي سمحت للباحثين بإيجاد التوازن الدقيق بين إعادة برمجة الخلايا، مما يجعلها أصغر سنًّا من الناحية البيولوجية، مع استمرار القدرة على استعادة وظيفة الخلية الأصلية.

إذ كلما تقدم الإنسان في العمر؛ تنخفض قدرة خلاياه عن العمل، ويراكم الجينوم الخاص به علامات الشيخوخة، والشيخوخة هي عبارة عن تدهور تدريجي في وظيفة الخلية، وهو أمر يقع لكل الكائنات الحية، لكن في هذه الدراسة استطاع الباحثون قياس بعض التغيرات المرتبطة بالشيخوخة بدقة بالغة ما منحهم القدرة على إنشاء ما أطلقوا عليه «aging clocks» أو «ساعات الشيخوخة»، والتي يمكنها أن تتنبأ بالعمر الزمني لأي خلية بدقة عالية في كل من البشر والثدييات الأخرى.

وصرح فريق البحث في نص الدراسة بأن: «هذا يطرح سؤالًا مثيرًا للفضول حول ما إذا كان يمكن عكس السمات الجزيئية للشيخوخة وتجديد شباب النمط الشكلي للخلايا؟»، بمعنى أن الخطوة القادمة لهذه الدراسة إن كانت ناجحة، فسيكون متاحًا للبشر أن يعودوا بالعمر للوراء مدة 30 عامًا شكليًّا وداخليًًّا.

13 يومًا فقط لإعادة برمجة الخلايا مع الحفاظ على وظائفها

كانت عملية إعادة برمجة الخلايا وفقًا لتجارب العالم الياباني ياماناكا تستغرق 50 يومًا، بينما يمكن إنجاز إعادة البرمجة الجزئية –وفقًا لما ورد في الدراسة – في 13 يومًا فقط، وفي هذه المرحلة يجري إزالة كل التغيرات المرتبطة بالتقدم في العمر من الخلايا وتفقد الخلية هويتها بشكل مؤقت، ثم يمنح العلماء بعض الوقت للخلايا المبرمجة جزئيًّا لتنمو في ظل الظروف العادية، وملاحظة إذا كانت وظيفة الخلايا قد عادت أم لا، وبعد فترة من المراقبة أثبت تحليل الجينوم أن الخلايا استعادت وظيفتها المميزة لها ولم تفقدها والفضل يعود للبرمجة الجزئية للخلية.

و«البرمجة الجزئية» هي أمر آخر تتفرد به هذه الدراسة، وله فائدة كبيرة، وهذه عملية إعادة البرمجة الكاملة للخلايا ليست مثالية للعلاجات بسبب فقد الخلايا المعاد برمجتها بالكامل هويتها ووظائفها الخلوية المتخصصة، وعند زرعها في الجسم يمكن أن تصبح هذه الخلايا المعاد برمجتها بالكامل سرطانية.

هذا الكشف يعد فريدًا من نوعه، فهو لن يكون قادرًا فقط على أن يظهر الإنسان أصغر سنًّا، بل ستكون خلاياه تعمل عمل الخلية الأصغر سنًّا نفسه، على سبيل المثال، إذا جرى تطبيق تلك التقنية على جلد البشر، فلن يكون مظهر الجلد شابًا فقط، بل سيستعيد قدرته على الشفاء من الجروح بالقدر نفسه الذي كان عليه منذ 30 عامًا.

علوم

منذ سنة واحدة
تستطيع أن تكبر حجم مخك كما تفعل بعضلاتك.. كيف ذلك؟ وما تأثيره؟

المصادر

تحميل المزيد