عادلت أهمية سعر صرف الجنيه المصري مقابل الدولار، العام الماضي، الأهمية ذاتها للمواطن المصري في الوصول للسلع الأساسية. فارتهان مستوى معيشة المصريين بقيمة الدولار؛ جاء بعد القفزات الكُبرى التي حققها مقابل الجنيه المصري، والتي انعكست بدورها على موجة غلاء في أسعار السلع الأساسية، فضلًا عن إجراءات الإصلاح الاقتصادي التي اتخذتها الحكومة، مثل زيادة أسعار الوقود، وإقرار قانون القيمة المضافة.

«ساسة بوست» يستشرف عبر هذا التقرير القيمة التقريبية للدولار خلال العام الجديد، واحتمالات الصعود والهبوط، وتداعيات ذلك على أسعار السلع الأساسية، ومستوى معيشة المصريين، والتضخم.

الدولار في العام الجديد: 22 جنيهًا قيمة تقريبية في البنوك

حددت تسع شركات محلية من قطاعات مختلفة، سعرًا تقريبيًّا للدولار في موازناتها التقديرية للعام المُقبل، حيث توقعت النسبة الأكبر من تلك الشركات وصول السعر إلى 21 جنيهًا، فيما رجح آخرون أن تتراوح قيمته بين 17 و20 جنيهًا.

وبينما قدرت شركة جهينه للصناعات الغذائية سعر الدولار المتوقع في العام الجديد بـ21 جنيهًا، توقعت الشركة الدولية للصناعات الطبية (إيكمي) أن يتجاوز الدولار 20 جنيهًا، وهو الأمر ذاته بالنسبة لشركة النيل للمنظفات الصناعية التي وضعت قيمة تقريبية له 20 جنيهًا، وهي القيمة التقريبية لأغلب موازنات الشركات للعام الجديد.

وتوقع سامح الهضيبي، رئيس القطاع المالي بشركة جهينه للصناعات الغذائية، في تصريحات صحافية أن الدولار بشكل عام مستمر في الصعود، وغير قابل للانخفاض في 2017، وسيقترب من 21 جنيهًا، لحين نجاح الحكومة في السيطرة على سوق الصرف، وتقليل الاستيراد.

وأرجع الهضيبي لجوء شركته خلال الأسبوعين الماضيين، لزيادة أسعار منتجات «جهينه» من الألبان والعصائر، إلى ارتفاع تكاليف المواد الخام المستوردة، مشيرًا إلى أن تلك كانت الزيادة الثانية للأسعار في عدة أشهر، وهي زيادة اضطرارية بحسبه، اضطر إليها أغلب المستثمرين، في ظل ارتفاع سعر الدولار للضعف أمام الجنيه.

وكان البنك المركزي قد أعلن في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، تعويم الجنيه، وترك سعره يتحدد وفقًا للعرض والطلب دون تدخل منه، وهو الإجراء الذي رفع سعر الدولار من مستوى 13 جنيهًا يوم التعويم، إلى ما يدور حول 19 جنيهًا خلال الأيام الأخيرة من العام، بعدما كان يبلغ سعره الرسمي في البنوك قبل التعويم 8.88 جنيه.

من وجهة نظر رضا عيسى، الخبير الاقتصادي المصري، فإن الدولار سيواصل ارتفاعه خلال الربع الأول من العام الجديد 2017، ليصل إلى 22 جنيهًا مصريًّا، في ظل السياسات الاقتصادية الحكومية الطاردة للاستثمار، وغياب سياسة رشيدة من جانب البنك المركزي، وكذلك تضاؤل التحويلات من العاملين في الخارج نتيجة لمجمل الأوضاع الداخلية في مصر، بحسبه.

وتبلغ العائدات الحكومية خلال العام الجديد، حوالي أربعة مليارات دولار تقريبًا، تحصل عليها مصر من حزمة القروض الدولية (صندوق النقد، والبنك الدوليين، والبنك الأفريقي)، فيما تبلغ العوائد المتوقعة من بيع السندات الدولارية إلى الخارج حوالي ستة مليارات دولار، وكذلك من المنتظر أن تبلغ التدفقات المتوقعة من بيع شركات القطاع العام والبنوك حوالي عشرة مليارات جنيه.

يضيف عيسى في اتصال هاتفي مع «ساسة بوست»، أن هذه العائدات الدولارية ليست كافية لمواجهة الاحتياجات الدولارية، في ظل تراجع الاستثمارات الأجنبية، وعائدات السياحة، وتخلي الدولة تدريجيًّا عن القطاعات الإنتاجية والسلعية، متوقعًا أن أزمة الدولار ستستمر لبقية العام الجديد، في ظل استمرار نفس الظروف المواتية لارتفاعه.

التضخم في العام الجديد: قفزات جديدة في الأسعار بمعدل 30%

وفقًا لبحث الدخل والإنفاق والاستهلاك، الذي نشره الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في يوليو (تموز) الماضي، فإن نسبة الفقر في مصر بلغت 27.8% في عام 2015، بارتفاع 1.5% مقارنةً مع عامي 2012 و2013، لتصل لأعلى مستوياتها منذ عام 2000، فيما ارتفع معدل التضخم العام السنوي في أغسطس (آب) الماضي إلى 16.4%، في أعلى معدل ارتفاع له منذ عام 2008.

وسجل معدل التضخم لشهر نوفمبر (تشرين الثاني) 20.2%، وهو الشهر الذي شهد قرار التعويم، ورفع أسعار البنزين.

وأرجع الجهاز الارتفاع الأخير في معدل التضخم إلى ارتفاع متباين في أسعار المجموعات السلعية والخدمية، على رأسها مجموعة الأطعمة والمشروبات، التي سجلت ارتفاعًا بنسبة 20.1%.

ووفقًا لبيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، فإن التضخم في أسعار النقل والمواصلات ارتفع بنسبة 21.6% على أساس سنوي في أكتوبر (تشرين الأول)، وكان أحد الأسباب الرئيسية وراء ذلك هو ارتفاع أسعار شراء المركبات بنسبة 39.7%.

«هل يرتفع معدل التضخم في العام الجديد؟»، تجيب عن هذا السؤال هبة الليثي، أستاذ الإحصاء بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية في جامعة القاهرة، لـ«ساسة بوست» وتقول: «معدل التضخم سيشهد زيادةً كبيرةً خلال العام القادم، وقد يصل خلال النصف الأول من عام 2017 لمعدل يتراوح بين 25 و30%»، متوقعةً كذلك أن تقفز معدلات الفقر في الجمهورية إلى 35%، نتيجة القرارات الاقتصادية الصعبة، التي سيمتد تأثيرها السلبي لجميع الطبقات وليس الفقراء فقط، بحسبها.

والتضخم المقصود هنا هو ارتفاع مستمر للأسعار، بحيث يعكس هذا الارتفاع انخفاض قيمة النقود الحقيقية، وليس حجمها المتداول بين الناس.

والإجراءات الاقتصادية الصارمة التي أعلنتها الحكومة، شملت زيادة في أسعار البنزين، والتعويم الكلي للجنيه، وفرض جمارك إضافية على بعض السلع المستوردة، وقبلها زيادة أسعار الكهرباء، وزيادة الضرائب على السلع، عبر قانون القيمة المضافة، بالإضافة للإجراء الحكومي الذي أعلنته الحكومة بشأن خروج الفئات غير المستحقة للدعم.

وتضيف الليثي، التي تعمل كذلك مستشارة لجهاز التعبئة والإحصاء، أن برامج الحماية الاجتماعية التي أعلنت عنها وزارة التضامن الاجتماعي لن تسطيع الوقوف أمام ارتفاع معدلات التضخم، مؤكدًة أن حجم الأموال المنفقة على المشاريع القومية كان ينبغي أن يُنفق على التعليم والصحة للحد من نسبة الفقر المرتفعة.

يُذكر أن معدلات الفقر في الجمهورية ارتفعت خلال العامين الأخيرين لتصل إلى 27.8%، من إجمالي الشعب المصري في 2015/2016، مقارنةً بـ26.3% عام 2012 ــ 2013.

أخيرًا، تعتقد الليثي أن القفزات التي ستشهدها الأسعار في العام الجديد ستتجاوز الارتفاعات التي شهدتها الأسعار خلال العام الحالي، موضحةً أن مئات المستوردين لم يستوردوا على أساس السعر الجديد للدولار مقابل الجنيه، وهو الأمر الذي سيخلق، حسبها، فارقًا جديدًا مع استيرادهم للسلع بناءً على هذا الأمر، خصوصًا مع سعيهم لتعويض الخسائر الكُبرى التي لحقت بهم.

عرض التعليقات
تحميل المزيد