تستورد مصر ما يقرب من 95% من الخامات الدوائية، ومع ارتفاع سعر الدولار بعد قرار الثالث من نوفمبر (تشرين الثاني) 2016 بتعويم الجنيه المصري، الذي أفقد العملة أكثر من 100% من قيمتها، بات من الملح تحريك أسعار الأدوية لتتناسب مع ارتفاع التكلفة، وهو ما حدث لكل السلع في مصر تقريبًا.

وتشير دراسات بعض الشركات، إلى أن حجم الزيادة في تكلفة الإنتاج جراء التعويم، تتراوح ما بين 60% و100%، وذلك بعد حساب كافة عناصر الإنتاج من تعبئة وتغليف وطاقة وأجور عمالة، الأمر الذي دفع الشركات للمحاولة بكل الطرق لدفع الحكومة لرفع الأسعار.

ووسط صراع طاحن دار على مدار الفترة الماضية بين الشركات والصيادلة والحكومة، اشتعلت أزمة أدوية من العيار الثقيل في البلاد، انتهت بشكل جزئي بقرار من وزارة الصحة نهاية الأسبوع الماضي، رفع أسعار ثلاثة آلاف صنف دواء، بزيادة نحو 15% للأدوية المحلية، و20% للأدوية المستوردة.

وجاء القرار بعد أن توقفت شركات الأدوية عن توريد احتياجات المستشفيات الجامعية التي تعالج 30% من الحالات المرضية البسيطة، و70% من الحالات المعقدة كالأورام وعمليات القلب والمخ، وتُنفّذ بها نحو 55% من العمليات الكبرى في مصر، والذي يعتبره البعض نوعًا من الضغط الذي استجابت له الحكومة.

وتخضع أسعار الدواء في مصر، لتسعيرة جبرية تفرضها الحكومة على المصانع وعلى مستوردي الدواء.

محمد عز العرب، المستشار الطبي لمركز الحق في الدواء، أكد أنه يوجد 12 ألف صنف دواء في مصر، إلا أن المتداول فعليًا لا يزيد على خمسة آلاف صنف، وهو ما يعني أن الزيادة التي أقرتها وزارة الصحة، ستطال حوالي ٦٠% من الدواء المتداول بين المرضى.

ويرى المراقبون أن خطوة رفع الزيادة الجديدة ليست المرحلة الأخيرة، بل على الأرجح ستكون هناك مرحلة أخرى من إعادة التسعير على نسبة 15% جديدة من منتجات الشركات بحلول شهر أغسطس (آب) 2017، وهكذا على عدة مراحل كل ستة أشهر، حتى تزيد أسعار جميع أنواع الأدوية بالسوق المصري.

وقال وزير الصحة، الخميس الموافق 12 يناير (كانون الثاني)، إن أسعار الأدوية المصنعة محليًا سترتفع بنسب تتراوح ما بين 30% و50%، موضحًا أن الأدوية التي يبلغ سعرها 50 جنيهًا أو أقل ستزيد بنسبة 50%، مضيفًا أن تلك التي يزيد سعرها على 50 جنيهًا، ولا يتجاوز 100 جنيه، سيزيد سعرها بنسبة 40%، أما بالنسبة للأدوية التي يزيد سعرها على 100 جنيه فسيرتفع سعرها بنسبة 30%.

وأكد الوزير، أن سعر الأدوية الجديدة، المستوردة من الخارج، إذا كان يقل عن 50 جنيهاً فسيزيد بنسبة 50% وإذا كان أكثر من 50 جنيهًا فسيزيد بنسبة 40%.

وقرر الوزير تطبيق فكرة السعرين على الدواء، بعد إقرار الزيادة الجديدة، إذ تُطبّق الأسعار الجديدة على المستحضرات التي ستُنتج حديثًا، حيث ستباع المنتجات الموجودة حاليًا في السوق بالأسعار القديمة، وهو ما أثار جدلًا واسعًا، إذ أكد جورج عطالله عضو النقابة العامة للصيادلة، إن النقابة سترفض قرار وزارة الصحة بوجود سعرين للأدوية، مشيرًا إلى أنه أمر غير قانوني ومخالف لقانون التسعير الجبري.

لماذا يحارب الصيادلة ضد الزيادة؟

وكان إعلان الأسعار الجديدة، بمثابة الشرارة التي أشعلت النار داخل النقابة العامة للصيادلة، التي قررت الإضراب، لكنها علقت القرار لمدة أسبوعين حتى الأوّل من فبراير (شباط) 2017، بعد تدخل رئاسة الجمهورية، فيما قررت الجمعية العمومية الطارئة لنقابة الصيادلة التي عقدت، السبت الماضي:

– رفض قرار التسعير العشوائي الذي أصدرته وزارة الصحة.

– تأكيد قرار الجمعية السابقة بعدم المساس بأسعار أدوية الأمراض المزمنة.

– رفع دعوى قضائية ضد المتحدث الإعلامي بوزارة الصحة لاتهامه الصيادلة بالتلاعب.

– تأكيد التزام الصيادلة بالبيع بسعر واحد لكل صنف وليس سعرين طبقًا لقانون التسعير الجبري.

– رفع دعوى قضائية لإلغاء العمل بتسعيرتين مختلفتين لذات الصنف الدوائي لمخالفته قانون التسعير الجبري.

– ارتجاع كامل الأدوية منتهية الصلاحية من الصيدليات دون قيد أو شرط أو نسبة محددة لمدة عام.

– الموافقة على ربح 23% على المحلي، و15% على المستورد مؤقتًا، وإلغاء ما يسمى بالقوائم الأساسية، وبعد ستة أشهر، إعادة تسعير ورفع هامش الربح إلى 25% و18%.

– المطالبة بإقالة وزير الصحة ورفع قضية عليه بصفته وشخصه.

الصيدلي، مصطفى بسيوني، يؤكد أن قرار وزارة الصحة سيكون سلبي التأثير على الصيدليات، مُوضحًا أن ارتفاع الأسعار سيؤدي إلى ركود شديد، مما سيدفع بالكثير من الصيدليات نحو الإفلاس، قائلًا: «المستفيد الوحيد هي الشركات».

وأضاف بسيوني ل«ساسة بوست»، إن «تطبيق سياسة السعرين يجعل رأس المال يتآكل، إذ إن قيمة الطلبية الجديدة ستكون ضعف القديمة مما سيضطر الصيدلي للإنفاق من رأس المال لشراء الأدوية الجديدة»، مُؤكدًا على أن الأرباح ستتراجع بقوة مع زيادة الأسعار.

ويقول بسيوني إن معظم المرضى أصبحوا لا يشترون سوى 25% فقط من الروشتة، وذلك قبل الزيادة الأخيرة، متسائلًا عما سيحدث بعد الزيادة.

حال المرضى مما يحدث

يرصد مركز «الحق في الدواء»، العديد من الحالات التي لا تستطيع شراء الدواء أو التصرف في ثمنه، إذ إن أكثر المتأثرين من ارتفاع الأسعار هم مرضى السرطان، الذين ارتفعت روشتة علاجهم بالآلاف، إلا أن الصراع الحالي الذي يفترض أن يكون لخدمة المريض، لا يتحدث عن هؤلاء.

وفي تقرير لها رصدت وكالة أنباء الأناضول، آراء سيدات فقيرات، وهن يتحدثن عن حاجتهن لدواء فقدن القدرة على شرائه، وذلك داخل مقر جمعية الشرق الخيرية بحلوان، التي نفذت مبادرة لتوفير الدواء للمحتاجين.

الخمسينية شادية محمد، تروي لمن يشاركنها نفس المطلب، ظروفها المعيشية الصعبة، وكذلك حاجتها كمريضة للسكري، إلى الدواء بانتظام، إذ تحتاج إلى علاج شهري بنحو 300 جنيه، وذلك قبل الزيادات الأخيرة. ورغم أنها لم تتعامل بعد بالأسعار الجديدة، إلا أنها باتت عاجزة عن توفير المبلغ، بسبب غلاء المعيشة، مع ارتفاع أسعار الأدوية.

ولفتت شادية للأناضول، إلى أن دخلها الشهري الذي لا يتجاوز ألف جنيه، لم يعد كافيًا لا للحاجيات الضرورية للحياة، ولا للدواء.

الأزمة بعيون الشركات

في الوقت الذي يرى فيه الصيادلة أن الشركات هي فقط المستفيد من رفع الأسعار، تقف الشركات في موقف الدفاع، من هذا موقف رامز جورج، العضو المنتدب لشركة «لونا»، الذي يرفض التعامل مع منتجي الدواء على أنهم «لصوص» ضبطوا بجريمة رفع الأسعار، رغم أن كل القطاعات طالتها زيادة في الأسعار كما يقول.

ويتساءل جورج: «لماذا توجه للشركات الاتهامات بالسعي لتحقيق أرباح دون وجه حق، في وقت لم يتم اتهام قطاعات كالكهرباء والماء والحديد والأسمنت؟»، على أنها أيضًا سلع استراتيجية كالدواء، شهدت ارتفاعًا في الأسعار.

ويرى عبدالله محفوظ رئيس شركة «المتحدون» للصناعات الدوائية، من أن المشكلة ليست في الدواء فقط، «كل أسعار السلع ارتفعت، بالإضافة إلى ارتفاع أجور العمالة، إذًا كل مدخلات الصناعة ارتفعت أسعارها»، هكذا قال.

على جانب آخر، يُشير محمد عز العرب، مؤسس وحدة الأورام في المعهد القومي للكبد، إلى أنّ المواد الخام ل«كبسولة» الدواء المستوردة من الخارج لا تتكلف سوى 10% فقط من سعر الدواء، متسائلًا: «إذا كان ارتفاع الدولار أثر فقط على نسبة 10% من إنتاج أو استيراد الدواء، لماذا تزيد الأسعار بنسبة 50%؟».

صناعة الدواء في مصر

خلال ندوة نظمتها صحيفة «الأهرام الاقتصادي» في نهاية ديسمبر (كانون الأول) 2016، حذر المشاركون من الاعتماد على الأدوية المستوردة دون إصلاح الخلل في شركات الدواء العامة، لافتين إلى أن حصة هذه الشركات، تقلصت إلى 9% فقط من حجم السوق، في حين ارتفعت حصة الشركات الأجنبية من 49% إلى 60% خلال عشر سنوات، وتستحوذ 30 شركة على 90% من السوق‪.

وأوضح محيى حافظ عضو مجلس إدارة غرفة صناعة الدواء، ووكيل المجلس التصديري للصناعات الدوائية، أن صناعة الدواء تنقسم إلى: «صناعات ابتكارية، وتخترع المركبات الكيميائية، وموجود منها في مصر نحو 12 شركة حاليًا، بالإضافة إلى صناعة الأدوية المثيلة وهي الغالبة في مصر».

وتشير الإحصاءات إلى أن صادرات 154 مصنع دواء لا تتعدى 500 مليون دولار فقط، بينما سبع شركات فقط في الأردن صادراتها تقترب من ملياري دولار، وتبلغ صادرات إسرائيل من الدواء نحو 10 مليارات دولار.

وكانت دراسة صادرة عن المركزي للإحصاء، قد رصدت عدة معوقات وتحديات تواجه صناعة الدواء في مصر، أهما تسعير المنتجات الدوائية، والأدوية المغشوشة والمهربة، وعدم وجود مخطط استراتيجي لتطوير الصناعة الدوائية وربطها بالبحث العلمي، والتقدم المتسارع في علوم وتكنولوجيا الدواء عالميًا.

شبح الشركات الأجنبية

وبعيدًا عن كل هذه الأحداث، تثور حالة من السخط سواء من الخبراء أو الشركات المحلية، حول سطو الشركات الأجنبية التي تستحوذ على النسبة الأكبر من السوق، إذ يسرد محيى حافظ، تاريخ دخول الشركات الأجنبية الذي بدأ في خمسينيات القرن الماضي، قائلًا إن «شركتين فقط كانتا تعملان في مصر في هذا الوقت، وهما شركتا فايزر ونوفارتس أوفارما، ثم جاءت شركة هوكست»، مُوضحًا أن الهدف ممن دخول القطاع الأجنبي هو «نقل التكنولوجيا العلمية الترانسفير، إلا أن ذلك لم يحدث بل اعتمد القطاع الخاص على نفسه وتوسع بشدة بالسوق المصري».

وفي 2016 بلغت نسبة الشركات متعددة الجنسيات العاملة في مصر، نحو 60% من 45% قبل عشر سنوات، ووفقًا لحافظ فإنه بالإضافة إلى الشركات الخليجية، فقد يصبح نصيب هذه الشركات من السوق بعد عشر سنوات أخرى ما بين 75% و80%، وهو ما يُعد احتكارًا كاملًا للسوق.

وتمارس هذه الشركات أدوارًا غير منوطة بها في السوق المصرية، كإنتاج الأدوية المثيلة، مثلها في ذلك مثل الشركات المصرية، وتطرحه بأسعار مرتفعة، بلا مقارنة مع الأسعار المحلية، وهو ما يُمثل «ظلمًا للشركات المصرية، بخاصة في ظل أزمة ارتفاع تكاليف الإنتاج»، على حد تعبير حافظ.

في المقابل، يرى عوض تاج الدين، وزير الصحة الأسبق، أن قياس حجم سوق الدواء يتم وفقًا لمعيارين، الأول هو حجم السوق، والثاني قيمة السوق، مُرجعًا استحواذ الشركات الأجنبية، إلى «ارتفاع القيمة المادية لمبيعاتها، نظرًا لارتفاعها، إلا أنه تبقى السيطرة الفعلية على مبيعات السوق المحلي من نصيب الشركات المحلية»، حسبما قال.

خلل التسعير

يُعتبر التسعير من أكبر المشكلات التي تواجه سوق الدواء في البلاد، والأكثر غموضًا من حيث طريقة حسابه، يُؤكد على ذلك محيي حافظ، الذي قال: «هناك خلل في أنظمة التسعير»، مُخصصًا ما يُعرف ب«التسعير المرجعي»، وذلك بسبب ما يؤدي إليه من تفاوت في أسعار الدواء بين الشركات، قد يصل إلى 100% و300% فرقًا في الأسعار، وهو «ما يعطي الفرصة لشركات تكبر وشركات أخرى تنهار»، حسب قوله.

أحمد زغلول، العضو المنتدب لشركة أكتوبر فارما للأدوية، يُؤكد أيضًا على خطأ في نظام التسعير في مصر: «التسعير موجود في دول العالم، ولكن طريقته في مصر خاطئة»، مُشيرًا إلى أنه «لا يمكن أن يظل السعر دون مراجعة سنويًا، كما أن هناك دولًا تراجع التسعير تبعًا لتغير سعر العملة»، مُحيلًا إلى بند بقرار رقم 499، يُؤكد ضرورة مراجعة الأسعار إذا زاد سعر الدولار بنسبة 15%، «لكن أحدًا لم ينتبه لهذا البند»، وفقًا لزغلول.

وعلى النقيض يرى عوض تاج الدين، إن السبب وراء ارتفاع تسعير منتجات الشركات الأجنبية، مقابل تواضع تسعير منتجات الشركات الوطنية، هو أن الأولى تواصل دائمًا تطوير منتجاتها، وتعكف باستمرار على رفع كفاءة وفعالية، وهو ما ينعكس في النهاية على تكلفة المنتج، ومن ثم تسعيره واستحقاقه لسعر أعلى مقارنة بمنتج مماثل تنتجه شركة محلية، على حد قوله.

وتطالب غرفة الدواء بتوحيد أسعار المنتج «الجنيس»، بمعنى عدم وجود سعرين مختلفين لمستحضر دوائي واحد، وذلك لعلاج التشوهات السعرية لمنتجات الدواء.

إحصاءات هامة

بحسب دراسة عن عام 2013 بعنوان «قضايا الرعاية الصحية بالتطبيق على قطاع الدواء في مصر» أصدرها الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، في الثالث من يونيو (حزيران) 2015 فإن في مصر:

– 71.8 ألف طبيب بشري (العاملين بمديريات الشؤون الصحية) بمعدل 8.4 أطباء لكل 10 آلاف من السكان.

– 25.6 ألف صيدلي بمعدل ثلاثة صيادلة لكل 10 آلاف من السكان.

– 13.5 ألف طبيب أسنان بمعدل 1.6 طبيب لكل 10 آلاف من السكان.

– 120.9 ألف ممرض، بمعدل 14.1 ممرضًا لكل 10 آلاف من السكان عام 2013.

– إجمالي إنفاق الدولة على الصحة 32.7 مليار جنيه عام 2013/ 2014 بنسبة 5.1% من الإنفاق العام.

– نصيب الفرد من الإنفاق على الصحة 377.1 جنيهًا، يمثل 4.7% من نصيب الفرد من الإنفاق العام عام 2013 / 2014.

– نسبة الإنفاق على الصحة من الناتج المحلي الإجمالي 1.4% لعام 2011.

– إجمالي شركات الأدوية التي تعمل بمصر بلغ 52 شركة، منها ثماني شركات في القطاع العام، و44 شركة بالقطاع الخاص عام 2013.

– إجمالي قيمة إنتاج الدواء 19.3 مليار جنيه، يُمثّل 87% من قيمة الإنتاج في بالقطاع الخاص، و13% من القطاع العام.

– 24.3 مليار جنيه زيادة متوقعة في قيمة العجز في الميزان التجاري للأدوية عام 2018، بنسبة زيادة قدرها 123.6% عن عام 2013.

– تأتي مصر في المرتبة 51 بين دول العالم، وبنسبة 0.1% من إجمالي صادرات العالم.

– تحتل مصر المرتبة 44 بين دول العالم، وبنسبة 0.38% من إجمالي الواردات.

عرض التعليقات
تحميل المزيد