ينشغل العالم حاليًا بمكافحة الإرهاب، كخطر يهدد السلم العالمي، بيْد أن هناك تهديدًا آخر لا يقل ضراوة عنه، وتتغافل عنه الحكومات والمجتمعات سواء، متمثلا في “حرب المخدرات”. إنها حرب كسائر الحروب تخلف عشرات آلاف القتلى سنويًّا، وتنشر الرعب والموت في بلدان بأكملها، الفرق فقط أنها حروب “غير معلنة”.
المخدرات تجتاح العالم
«إدمان المُخَدّرات لا يتراجع بل يتسبب بأعداد مرتفعة تاريخيًّا من الوفيّات، وزراعة الأفيون في أعلى معدّلاتها عالميًّا منذ ثلاثينيات القرن الماضي».
بهذه الكلمات لخص تقرير الأمم المتحدة الأخير وضع “المخدرات” في العالم، حيث قدر عدد المتعاطين لها بـ246 مليون شخص، مما يوفر لعصابات المخدرات سوقًا استهلاكية شاسعة للغاية، تبلغ قيمتها السوقية 320 مليار دولار، أي أن %8 من حجم التجارة العالمية تحتكرها سوق المخدرات.
تصنف الأمم المتحدة الأنشطة المتعلقة بإنتاج المخدرات أو التجارة بها ضمن الأنشطة الإجرامية غير المرغوب فيها، التي تدمر صحة الإنسان ونفسيته وتهدد تماسك النسيج الاجتماعي، وتضع الولايات المتحدة الأمريكية خطر “المخدرات” في المرتبة الثانية بعد الإرهاب في قائمة الأخطار التي ترى أنها تمثل تهديدًا لأمنها القومي، كما تخشى من أن تتمكن عصابات المخدرات من أن تستولي على الحكومات والسلطات في بعض الدول اللاتينية المجاورة لها، ما جعلها تبادر في دعم وتسليح الدول اللاتينية في حربها ضد “مافيا المخدرات”، وأحيانا أخرى بالتدخل العسكري مباشرة كما حصل في كولومبيا.
تنتشر تجارة المخدرات في كل مناطق العالم تقريبا؛ يتركز إنتاجها في كل من دول أمريكا اللاتينية وشمال إفريقيا وبعض دول الشرق الأوسط وآسيا، بالإضافة إلى أفغانستان، وتستحوذ السوق الأوروبية والأمريكية على نصيب الأسد في نسبة استهلاك المخدرات، التي تتنوع بين الحشيش والكوكايين والماريغوانا والميثامفيتامين.
عادة ما ترتبط المخدرات بأنشطة إجرامية أخرى مثل أعمال القتل المأجور وعمليات الخطف والسرقة والاتجار بالبشر، وتهريب الأموال وتبييضها وشراء الأسلحة بغرض غير شرعي، بالإضافة إلى المتاجرة في السوق السوداء وتزوير الوثائق، الأمر الذي جعل بعض الدول تعلن حربًا ضروسًا ضد عصابات المخدرات، التي هي الأخرى لا تتوانى في الدخول في حرب حقيقية من جانبها ضد من يقوضون مصالحها، سواء من الشرطة والناشطين أو العصابات الأخرى المنافسة لها، ويبقى المواطنون في غالب الأحيان عالقين بين هذه المواجهات، حيث يموت الكثير جراء الرصاصات الطائشة.
أبرز مناطق «انطلاق المخدرات»
-
المكسيك
في سبتمبر من العام الماضي، كان مجموعة من طلاب الجامعة بمنطقة إيغولا بالمكسيك يقومون بأنشطة تظاهرية يدعون فيها الشرطة والبلدية إلى وضع حد لعصابات المخدرات المنتشرة بالبلد، فما كان من الأخيرة سوى أن أمسكت منهم 43 طالبًا وأحرقتهم أحياء في غابة هناك، كان هذا تحذيرًا كافيًا لمن تسول له نفسه المساس بمصالحها.
لطالما كانت المكسيك البلد المصدر الأول للمخدرات إلى الولايات المتحدة الأمريكية بنسبة 90%، وغالبا ما كانت الحدود بين الحكومة المكسيكية والعصابات غير ظاهرة، لكن بعد وصول الرئيس فيليبيه كالديرون إلى الحكومة في 2006، أعلنت المكسيك حربًا حقيقية ضد عصابات المخدرات وتطهير النظام السياسي والأمني من الموالين لتلك العصابات، كما دفعت بالجيش نحو المناطق التي تسيطر عليها عصابات المخدرات، وقد أيدتها في ذلك الولايات المتحدة ودعمتها بالمال والسلاح والتدريب.
شاهد جانبًا من هذه الحرب
وعلى غير المتوقع، خلفت الحرب ضد المخدرات تزايدًا في أعداد القتلى عاما بعد عام حتى وصلت في 2015 إلى 17 ألف قتيل بين الجيش والشرطة من جهة وعصابات المخدرات المسلحة والمتحالفة من جهة أخرى، دون تحقيق أي حسم يُذكر لهذه الحرب.
يرجع المراقبون هذا الفشل إلى التواطئ والفساد المستشري في جهاز الحكومة والشرطة المكسيكية، وقد بدا ذلك واضحًا في هروب أحد أكثر زعماء “مافيا المخدرات” خطرًا والمطلوبين دوليًّا “تشابو جوزمان”، الذي خصصت الولايات المتحدة من أجله 5 ملايين دولار لمن يدلي بمعلومات تقود إليه، ولكن بعدما تم القبض عليه العام الماضي تمكن من الهرب في أغسطس الأخير من سجن ذي حراسة مشددة، قالت الحكومة المكسيكية إنه “حفر نفقًا في زنزانته ولاذ بالفرار”!
-
البرازيل
تحوز البرازيل على أعلى معدل في العالم من حيث جرائم القتل بـ56 ألف حالة سنويًّا، نصف أعداد حالات القتل متعلقة بالمخدرات أي ما يعادل 28 ألف حالة قتل في العام الواحد.
تنتشر كارتلات المخدرات بضواحي المدن البرازيلية الكبرى كـ”ريو دي جانيرو”، وكثير منها يقع تحت سيطرة عصابات المخدرات بعيدا عن نفوذ السلطات الحكومية.
بدأت الحكومة البرازيلية حملة أمنية شرسة منذ سنوات لطرد عصابات المخدرات من الكارتلات بـ”ريو دي جانيرو” لتأمين استضافة المدينة الألعاب الأولمبية لعام 2016.
وقد استحدثت البرازيل جهازًا أمنيًّا خاصًّا بمكافحة أوكار الإجرام والمخدرات، وهو عبارة عن قوات خاصة على غرار “سوات الأمريكية” مدربة ومسلحة بشكل جيد، تقتحم بعرباتها المصفحة الكارتلات العديدة بشكل يومي، وعادة ما تتواجه مع رجال العصابات المسلحين أيضًا.
في هذه المحادثة تسرد الناشطة المدنية إلونا كارافالو تجربتها في مكافحة المخدرات بالبرازيل.
ينتشر السلاح بالبرازيل، حيث يعد حقًّا قانونيًّا، وقد فشلت الحكومة في حظر امتلاك قطع الأسلحة بعدما أعلنت استفتاءً شعبيًّا عام 2005، وكانت نتيجته رفض اقتراح الحكومة، وهو ما يعرقل القضاء على ظواهر الإجرام وعصابات المخدرات في بلاد السامبا.
-
المغرب
يفيد التقرير الأممي الأخير عن المخدرات أن المغرب، بجانب كل من إسبانيا وهولندا؛ يشكلون البلدان الرئيسية لانطلاق ومرور القنب الهندي في العالم، ويصنف تقرير الاتحاد الأوروبي السنوي الأخير حول المخدرات، المغربَ؛ المصدرَ الأول للحشيش إلى المنطقة الأوروبية.
حسب الأرقام الرسمية المصرح بها في 2013 فإن المساحة المزروعة قدرها 47.196 هكتار، تتمركز في الشمال الشرقي للبلاد، وبالتحديد بمنطقة الريف، المنطقة نفسها التي تصدر أكبر عدد من المهاجرين نحو هولندا وبلجيكا وفرنسا.
وبعكس بلدان أمريكا اللاتينية، فمافيا المخدرات بالمغرب لا تشكل تهديدًا سواء للنظام السياسي أو للأمن الاجتماعي، ما يجعلها مشكلة ثانوية سواء في الخطاب الرسمي أو الإعلام أو في النقاش المجتمعي، ولا سيما أن أنشطتها تقتصر على التصدير إلى الخارج بعيدا عن رقابة الأمن، إذ السوق الاستهلاكية الداخلية ضعيفة للغاية حتى مقارنة بدول مثل مصر والسعودية، ويبدو كما لو أنها تلقى نوعًا ما من القبول الاجتماعي في حواضنها الشعبية لما تدر عليهم من أرباح وخدمات.
هل حان الوقت لإعادة النظر في سياسات مكافحة المخدرات؟
وصف تقرير “مكتب الأمم المتحدة لمكافحة المخدرات والجريمة” لهذا العام نتائج المجهودات المبذولة في الحرب المدعومة من واشنطن على المخدرات في العالم بـ”الفشل الذريع”، حيث أدت على النقيض من المرجو منها إلى تصاعد في العنف والفساد والإفلات من العقاب، وتآكل سيادة القانون وانتهاكات حقوق الإنسان، وازدياد أعمال الاغتيالات والقتل الوحشية، خصوصًا في أمريكا اللاتينية، ما حدا ببعض البلدان إلى المطالبة بإعادة النظر في السياسات العالمية تجاه هذه الظاهرة.
تقترح بعض الجهات بتقنين المخدرات مثلما فعلت جامايكا وهولندا ودول أخرى، وذلك بهدف القضاء على السوق المالية لعصابات المخدرات، ومن ثم تقليل أرباحها ونفوذها، بيد أنه من وجهة نظر واشنطن التي تملك ربع سجناء العالم في زنازينها يعد ذلك استسلامًا أمام “مافيا المخدرات”، وبالتالي فإن واشنطن مستمرة في دعم حديقتها الخلفية بأمريكا اللاتينية في حرب لا هوادة فيها على المخدرات رغم الفشل الذريع.
يتحدث الباحث نيدلمان هنا، لماذا علينا إنهاء الحرب على المخدرات.
بيد أن بعض الباحثين في هذا الشأن يرون أنه ينبغي إصلاح سياسات محاربة المخدرات، بالتركيز على تطهير أجهزة الدولة من الفساد، وتنمية المناطق المهمشة، وتقديم فرص عمل كبدائل للعاملين في هذا المجال، بالإضافة إلى حظر انتشار السلاح، بدل الدخول في حرب عشواء لا تحقق استقرارًا.