من المتوقع أن تكون 2019 سنة حافلة بالمواعيد السياسيّة الحاسمة في المنطقة المغاربيّة، بالإضافة إلى تحدّيات اقتصاديّة وأمنيّة؛ وذلك بسبب الانتخابات التي توصف بالحاسِمة في كلّ من تونس وليبيا والجزائر، إلى جانب الأوضاع الاقتصاديّة الصعبة التي تعيشها هذه الدول، علاوة على التحدّيات الأمنيّة، خصوصًا في ليبيا التي شهدت مؤخّرًا عودة للاشتباكات المسلّحة بين الأطراف المتنازعة. فما هي أبرز التحدّيات التي تنتظر المنطقة المغاربيّة في 2019؟
تونس.. «صراع العروش» بين السبسي ورئيس حكومته الذي يسيطر على المشهد السياسي
ترقّب كبير يسيطر على الساحة السياسية بتونس في سنة 2019؛ إذ من المتوقّع أن تشهد البلاد انتخابات رئاسيّة توصف بالمصيريّة، خصوصًا مع تقدّم سنّ الرئيس التونسي الباجي قايد السبسي الذي يبلغ من العمر 92 سنة، وفي ظلّ الاستقطاب الشديد بينه وبين رئيس حكومته يوسف الشاهد، والذي هو أيضًا من بين المعنيين بهذه الانتخابات حسب بعض المراقبين. وقد شهدت السنة الفارطة معركة «تكسير عظام» بين الرئيس ورئيس حكومته؛ إذ حاول السبسي في أكثر من مرّة إقالة الشاهد من منصبه دون جدوى، وبسبب ذلك حدث انقسام شديد داخل الحزب الحاكم «نداء تونس» بين المؤيّدين للرئيس السبسي والآخرين المنضوين في معسكر رئيس حكومته؛ وهو ما أدّى إلى حالة من الانسداد السياسيّ، التي من غير المتوقّع أن تنفرج، إلا مع نتائج الانتخابات الرئاسيّة المنتظرة السنة القادمة.
Embed from Getty Images
وإلى جانب هذا الانسداد السياسيّ الذي تشهده السلطة، يعيش الشارع تونسيّ غليانًا مستمرًّا؛ إذ شهد شهر ديسمبر (كانون الاول) 2018 احتجاجات كبيرة في عدّة مناطق تونسيّة بسبب ارتفاع أسعار المواد الأساسيّة والضرائب الجديدة، كانت آخر حلقات هذه الاحتجاجات تلك التي وقعت قبل أسبوع في مدينة القصرين، والتي شهدت إحراق أحد الصحافيين لنفسه بسبب الأوضاع الاقتصاديّة والاجتماعيّة المتردّية، وذلك في ظلّ تحذير صندوق النقد الدولي من رفع الأجور ومطالبته الحكومة باتخاذ سياسات ماليّة مُحافظة، وهي المؤشّرات التي قد تعني استمرار هذه الاحتجاجات وتطوّرها بحُكم الموعد الانتخابي في العام القادم. وقد وصف رئيس الحكومة يوسف الشاهد سنة 2019 بـ«الصعبة»، ودعا إلى إعادة الثقة في قيمة العمل، حسب قوله.
ليبيا.. عودة شبح العُنف يرهن مصير الانتخابات
ينتظر الليبيون أن تحمل سنة 2019 تغيّرات سياسيّة كبيرة من الممكن أن تؤدّي إلى إنهاء الانقسام الذي تعيشه البلاد منذ سنة 2014، وتضع حدًّا للحرب الأهليّة والعنف المستمرّ بها؛ إذ من المتوقّع إجراء انتخابات برلمانيّة ورئاسيّة تشارك فيها الأطراف المتنازعة، وذلك بعد أن تعطّلت مساعي إجرائها في العاشر من ديسمبر الماضي لدواعي أمنيّة وسياسيّة. وكانت الأطراف الليبيّة قد اتّفقت في قمّة باريس التي انعقدت في مايو (أيّار) الماضي على إجراء انتخابات تشريعيّة ورئاسية بمشاركة عدّة أطراف ليبيّة، من بينهم المشير خليفة حفتر قائد ما يعرف بالجيش الوطني الليبي، وفايز السرّاج رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني، ورئيس مجلس الدولة خالد المشري ورئيس مجلس النواب عقيلة صالح، فيما رفض سياسيّون وعسكريّون من غرب ليبيا هذا المؤتمر واعتبروه تدخّلًا خارجيًا في الشؤون الداخلية الليبيّة، لكن مساعي هذه الانتخابات قد تأجّلت إلى السنة القادمة.
الوضع الأمنيّ سيكون أيضًا أحد التحدّيات الصعبة التي ننتظر الليبيين في سنة 2019، إذ شهدت البلاد في الآونة الأخيرة وضعًا أمنيًّا متدهورًا، خصوصًا بعد عودة النزاعات المسلّحة في الصيف الماضي داخل العاصمة طرابلس، بين عدّة مجموعات مسلّحة ينتمي بعضها إلى النظام السابق، وبعضها يتبع لحكومة الوفاق الوطني بقيادة السرّاج، بالإضافة إلى التفجير الانتحاري الذي استهدف وزارة الخارجية الليبية قبل أسبوع وتبنّاه «تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)»، وراح ضحيّته ثلاثة قتلى.
الجزائر.. مصير مجهول للانتخابات وأزمة اقتصاديّة متفاقمة
في 22 ديسمبر الماضي نشرت عدّة صُحُف جزائرية أخبارًا تفيد بانعقاد اجتماع على أعلى مستوى حضره الرئيس بوتفليقة، بالإضافة إلى نائب وزير الدفاع والوزير الأوّل وقيادات التحالف الرئاسيّ، وذلك من أجل الاتفاق على عقد «ندوة الإجماع الوطني» لتأجيل الانتخابات الرئاسيّة إلى موعد لاحق، قصد التوافق على مرحلة ما بعد بوتفليقة حسب مراقبين، لكن الحديث عن هذا المشروع قد اختفى تدريجيًا بعدها بأيّام، لتزداد ضبابيّة المشهد السياسيّ في الجزائر، رغم اقتراب موعد الانتخابات الرئاسيّة التي لم يبقَ على موعدها إلا ثلاثة شهور، ورغم ذلك فإنّ الجوّ العام في الساحة الجزائريّة لا يوحي بأيّة مظاهر على اقترابها؛ إذ تغيب الحملات الانتخابيّة والترشيحات القويّة من الأحزاب الكبرى، وسط انشغال الطبقة السياسيّة بالتفاعل مع الأخبار التي تشير إلى تأجيلها.
وتعاني السلطة في الجزائر من انسداد كبير بفعل مرض الرئيس بوتفليقة الذي لا يقوى على أداء مهامه الطبيعيّة مثل المشي ومخاطبة الشعب، علاوة على قيامه بإلغاء عدّة لقاءات مع زعماء وقادة دُول، كان أبرزها ما حدث خلال زيارة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان إلى الجزائر؛ إذ تحدّث بيان للرئاسة الجزائرية عن «زُكام حادّ» أصيب به الرئيس بوتفليقة حال بين لقائهما.
وسط هذا الوضع الصحيّ الحرج للرئيس بوتفليقة، خفتت الأصوات المطالبة بترشّحه لعُهدة خامسة، وانطلقت عدّة مبادرات من أجل تأجيل الانتخابات أو تمديد العُهدة من أجل الوصول إلى توافق بين الأحزاب المختلفة حول خلافة بوتفليقة، وهو ما زاد من ضبابيّة المشهد السياسي؛ إذ إن الجميع يترقّب إن كانت سنة 2019 ستشهد إجراء انتخابات رئاسيّة من عدمها.
الوضع الاقتصاديّ للبلاد سيكون أيضًا أحد أبرز التحدّيات في الجزائر سنة 2019، فقد شهدت أسعار النفط انهيارًا جديدًا في الأسابيع الأخيرة، فبعد ارتفاعه إلى أكثر من 80 دولارًا في شهر أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، تراجع سعر برميل النفط إلى حوالي 50 دولارًا، وهو ما يضع الخزينة الجزائريّة في مأزق جديد، خصوصًا وأنّها تعتمد بشكل شبه كلّي على مداخيل النفط من أجل تحصيل العُملة الصعبة، وهو ما يوحي بسنة اقتصاديّة صعبة على الجزائريين.
المغرب.. تحدّيات اقتصاديّة واحتجاجات نقابيّة في الأفق
تظلّ المشاكل الاقتصاديّة هي أبرز التحدّيات التي تنتظر الحكومة المغربية في سنة 2019، خصوصًا فيما يتعلّق بارتفاع محتمل لأسعار النفط – بالرغم من انخفاضه النسبي في شهر ديسمبر الفائت، بالإضافة إلى الحراك الاجتماعي المطالب بتحسين الظروف المعيشيّة ورفع الأجور، خصوصًا بعد انسحاب النقابات من المفاوضات التي جرت مع الحكومة في الشهور الماضية، وبالتالي قد تدخل عدّة قطاعات في إضرابات واحتجاجات، كما دعت لذلك بعض نقابات قطاع التربية مطلع سنة 2019.
Embed from Getty Images
وقد أنهى المغرب سنة 2018 على وقع جريمة صادمة راح ضحيّتها سائحتان أجنبيّتان جرى قتلهما بطريقة وحشيّة من طرف أفراد رجّحت السلطات انتماءهما إلى تنظيم (داعش). ويتخوّف الكثير من العاملين في قطاع السياحة من تأثيرات هذا الحادث على توافد الزوّار إلى المناطق السياحيّة المغربيّة خشية سلامتهم، خصوصًا وأنّ منطقة وقوع الحادث (أمليل) بضواحي مرّاكش تعدّ وجهة سياحيّة نشطة في المغرب، البلد الذي تمثّل السياحة حوالي 10% من مداخيله.
ومما سبق؛ يتضح أن عام 2019 يحمل في جعبته الكثير من التحديات الفارقة لدول المغرب العربي.
علامات
الجزائر, السبسي, المغرب, المغرب العربي, بوتفليقة, تونس, حفتر, داعش, سياسة واقتصاد, ليبيا, محمد السادس