في 24 سبتمبر (أيلول) الماضي، قال رئيس الوزراء المصري شريف إسماعيل، إن حقل الغاز «ظُهر» الواقع في امتياز شروق سيبدأ إنتاج 500 مليون قدم مكعبة يوميًا بنهاية 2017، وذلك وسط فرحة مصرية رسمية، احتفالًا بهذا الإنجاز الذي كثر عنه الحديث منذ اكتشتفه شركة «إيني» الإيطالية، خلال أغسطس (آب) 2015، فهو أكبر حقل غاز طبيعي تم اكتشافه في البحر المتوسط (شمال مصر)، لكن لم يمر الكثير على تصريح إسماعيل، حتى أعلنت شركة «روسنفت» الروسية، عن إكمالها صفقة الاستحواذ على 30% في امتياز شروق، الذي يوجد فيه حقل «ظهر» للغاز، من شركة «إيني».

وفي الواقع لا يعد هذا الخبر جديدًا، إذ قالت وكالة «تاس» الروسية، إن مجلس إدارة «روسنفت» وافق خلال اجتماعه في نهاية العام الماضي على شراء 30% من اتفاقية الامتياز لحقل «شروق» من «إيني»، مطور ومشغل الحقل المصري، ولكن ما حدث هو فقط استكمال الصفقة التي بلغت تكلفتها نحو 1.25 مليار دولار، بحسب «روسنفت»، ومع اكتمال الصفقة في هذا التوقيت بالذات على بعد أيام ربما من باكورة إنتاج الحقل الذي وضع مصر على خارطة الغاز العالمية، يعود سؤال: ما الذي تمتلكه مصر من حقل ظهر، إلى الواجهة من جديد، بعد أكثر من 25 شهرًا من الجدل حول هذا الأمر.

ما هي حصة مصر في «ظهر»؟

في الواقع دائمًا ما تكون عقود استثمارات الطاقة معقدة إلى مدى بعيد وفي الكثير من الحالات تكون هذه العقود سرية، وذلك لما يتمتع به المستثمر من ميزات كبيرة على حساب الدولة التي تمتلك الغاز على أراضيها، وبالنظر إلى الحالة المصرية فيما يخص حقل «ظهر» فيجب في البداية معرفة الفرق بين عقود مشاريع الطاقة في العالم، إذ لها عدة أنواع أهمها: عقود الامتياز وعقود مشاركة الإنتاج وعقود الخدمة مع المخاطرة وعقود شراء المبيع.

وتعتمد عقود الامتياز على إعطاء الشركة حق البحث والاستكشاف في قطعة أرض ممنوحة من قبل الدولة للشركة التي تتولى إجراء كافة الأعمال في الاستكشاف والتنقيب فإذا وجد النفط بكميات تجارية تتحول الشركة إلى التطوير وصولًا إلى مرحلة الإنتاج والتصدير وعلى الدولة تقديم التسهيلات للشركة بدءًا بمنح الأرض إلى تسهيل أعمال الشركة من ناحية جلب المعدات والعمالة الخاصة بها لأجل إكمال العمل وعند الإنتاج والتصدير تُعطَى الدولةُ صاحبة الأرض جزءًا من الأرباح، كما يمكن الاتفاق على منح الدولة جزءًا من الإدارة والإشراف والتعيين والتدريب لعمالتها الوطنية.

والنوع الثاني، يسمى عقود المشاركة في الإنتاج، وهي عقود احتكارية إذا لم تحدد الشروط التي تنتفع منها الدولة المشاركة مع الشركة المستثمرة، فالدولة تحصل بموجب هذه العقود على القليل من المنفعة الاقتصادية إذا لم توضع شروط مناسبة تحفظ لها حقها أمام الشركة المستثمرة، ويتم تحديد نسب المشاركة والعوائد وفق نسب محددة مع حق الحصول على نسبة من العمالة في الشركة وحق التدريب لكوادر الدولة تقوم بها الشركة لصالح الدولة المشاركة، وهذان النوعان هما الأكثر انتشارًا واستخدامًا، خاصة في منطقة الشرق الأوسط وذلك لأن المنافع التي تحققها الشركات الأجنبية من هذه العقود مرتفعة جدًا.

وعلى الجانب الآخر، يوجد ما يسمى عقود الخدمة، وهي صيغة من العقود تتولى الدولة جميع العمليات الكفيلة بالتنقيب عن النفط والإنتاج والتكرير والتصدير، إلا أن الدولة تستعين بشركات تقوم مقام المتعهد لتنفيذ أعمال البحث والتنقيب لصالح الدولة، ولا تعتبر هذه العقود مصدر قبول عند الشركات الأجنبية فهي لا تنتفع منها كثيرًا لذا فإن هذه العقود لا تجلب الاستثمارات المطلوبة، وكذلك الوضع بالنسبة لعقود الشراء المسترجع، إذ يتم استرجاع رأس المال للشركة المستثمرة مع هامش ربح بسيط، بينما تتملك الدولة المنطقة المستثمر فيها بشكل كامل، وتعد هذه العقود أيضًا غير مفضلة بالنسبة للشركات لأنها لا تعتبر ذات ربحية عالية ومنفعة اقتصادية كبيرة.

وغالبًا ما تخوض الشركات مفاوضات ماراثونية مع الحكومات للحصول على أفضل عقد ممكن يمكنها من أكبر قدر ممكن من الإنتاج والربح، وتصل نسبة الاستحواذ إلى 100% من الإنتاج أحيانًا مع إعفاءات ضريبية لمدة سنوات قادمة، وبالنظر إلى حقل «ظهر» في مصر نجد أن الاتفاقية تنحصر على أول نوعين من العقود، إذ تنص الاتفاقية على أن تتحمل الحكومة المصرية 80% من تكاليف الإنتاج، ويتحمل المقاول نسبة 20% من التكاليف، بينما من حق «إيني» الموجودة في مصر منذ عام 1955، التنقيب عن الغاز واستخراجه لمدة 35 عامًا من تاريخ اعتماد عقد التنمية حال الاكتشاف التجاري للغاز.

وبعد أن أصبحت «روسنفت» الروسية تشارك حاليًا في مشروع تطوير «ظهر» بواقع 30%، تحتفظ «إيني» بـ60%، و«بي.بي» البريطانية 10% – كانت قد اشترتها من «إيني» نهاية العام الماضي -، وهذا ما يخص حصص الامتياز، بينما تختلف حصص هذه الشركات من الإنتاج، إذ إن الشركاء الأجانب سيحصلون على 75% (40% + 35%) من حصص الإنتاج خلال السنوات الأولى (ثلاث أو أربع سنوات)، في حين لن تحصل مصر سوى على 25% من حصة الإنتاج.

وكانت مصر قد كشفت سابقًا على لسان المتحدث باسم وزارة البترول حمدي عبد العزيز، أن «إيني» اقترضت مبالغ مالية لتمويل هذا الاستثمار، وأنه عندما تتم عملية الإنتاج من الحقل الجديد، فإن جزءًا من الإنتاج يقدر بـ40% سيخصص لرد النفقات واسترداد الاستثمارات، على مدى ثلاث أو أربع سنوات وعندما يتم الانتهاء من سداد النفقات، تحول الـ40% للشركة القابضة للغازات، وتقسم النسبة المتبقية (60%) ما بين متوسط 65% للشركة القابضة للغازات المصرية، و35% للشريك الأجنبي.

وربما توضح هذه الأرقام، لماذا أن أغلب الاستثمارات الأجنبية التي تدخل مصر في السنوات الأخيرة متمثلة في الطاقة، وذلك لأن الشركات الأجنبية في هذا المجال تحقق أرباحًا ضخمة، وربما لا يكون هناك مجال للخسارة.

ما هو وضع الغاز الآن في مصر؟

يبلغ حجم إنتاج الغاز في مصر، خلال العام الجاري، نحو 5.1 مليارات قدم مكعبة من الغاز الطبيعي يوميًا، ارتفاعًا من 4.45 مليارات قدم مكعبة في 2016، إذ تعد مصر ثامن أكبر مستورد في العالم للغاز الطبيعي المسال حتى الآن، وذلك قبل الإنتاج المنتظر بنهاية العام الجاري من حقل «ظُهر» الذي يعد أكبر حقل للغاز على الإطلاق، باحتياطيات تبلغ نحو 850 مليار متر مكعب من الغاز.

ففي مايو (أيار) الماضي قال وزير البترول المصري طارق الملا، إن الرئيس عبد الفتاح السيسي افتتح رسميًا المرحلة الأولى من مشروع شركة (بي.بي) في منطقة شمال الإسكندرية لإنتاج الغاز الطبيعي بطاقة 700 مليون قدم مكعبة يوميًا، وهو ما رفع إنتاج مصر من الغاز الطبيعي إلى نحو 5.1 مليارات قدم مكعبة من الغاز الطبيعي يوميًا من 4.45 مليارات قدم مكعبة، بينما تتوقع «بي.بي» الوصول بإنتاجها من مشروع شمال الإسكندرية إلى 1.2 مليار قدم مكعبة من الغاز يوميًا في 2019.

ومؤخرًا، قال الملا إن بلاده تعتزم استيراد 80 شحنة من الغاز المسال في العام المالي 2017/ 2018، مقابل 118 شحنة في العام المالي السابق له، إذ تستورد مصر يوميًا بين 1 – 1.2 مليار قدم مكعب يوميًا من الغاز الطبيعي، لتلبية احتياجات السوق المحلية على رأسها قطاع الكهرباء، فيما تسعى لتحقيق الاكتفاء الذاتي في مجال الغاز، ووضعت 2018 ليكون العام الذي تتوقف فيه عن الاستيراد.

ولكن مع النسبة الضئيلة التي ستحصل عليها مصر من إنتاج حقل «ظهر» كيف ستحقق مصر الاكتفاء الذاتي؟ في الواقع يبدو على مستوى الأرقام أن مصر قادرة على تحقيق الاكتفاء الذاتي خلال وقت قصير، ولكن لا يمكن القول إنه اكتفاء ذاتي حقيقي، ففي الواقع تشتري مصر إجمالي حصص إنتاج حقول الغاز في البلاد -باستثناء حصتها من الإنتاج – وذلك بالأسعار العالمية، وتضاف هذه المشتريات إلى مديونية البلاد، ولكن من المنتظر أن تكون الاستفادة الحقيقية في غضون نحو ثلاث إلى أربع سنوات من الإنتاج في حقل «ظهر».

يشار إلى أن الرئيس المصري أقر، في أغسطس (آب) الماضي قانون تنظيم أنشطة الغاز في البلاد، بعدما صادق عليه مجلس النواب المصري في 5 يوليو (تموز) الماضي، ولكن لا تسري أحكام القانون الجديد على اتفاقيات الامتياز البترولية الصادرة بموجب قانون، مما يعني أنه لا يشمل أغلب اتفاقات الغاز مع الشركات الأجنبية العاملة في البلاد حاليًا، بينما يقضي القانون الجديد بإنشاء هيئة عامة، تكون لها شخصية اعتبارية تسمى (جهاز تنظيم أنشطة الغاز) تتبع الوزير المختص.

وتقوم وظيفة الجهاز على تنظيم كل ما يتعلق بأنشطة سوق الغاز بما يحقق توافره، والعمل على إتاحة شبكات وتسهيلات الغاز للغير، وضمان جودة الخدمات المقدمة مع مراعاة مصالح المشاركين في سوق الغاز وحماية حقوق المستهلكين، بحسب القانون، بينما يحظر مزاولة أي نشاط من أنشطة سوق الغاز دون الحصول على ترخيص من الجهاز، ويجب ألا يترتب على منح التراخيص أية ممارسة احتكارية في النطاق الجغرافي لأي من المرخص لهم.

المصادر

عرض التعليقات
تحميل المزيد