قبل أيام كانت تمتلئ ساحة جامعة بيرزيت العريقة بكافة مظاهر الحملات الدعائية الانتخابية لطلبتها، الطلبة يرتدون الوشاح الفلسطيني الذي يتغير لونه ليدلل على تنظيم معين، ويرفعون رايات التنظيمات الفلسطينية كل حسب توجهه، يضاف إلى تلك المظاهر كم من النشاطات الانتخابية التي لا تضاهيها أية نشاطات في جامعات أخرى.
هنا «عرس ديموقراطي» لا يقتصر الاهتمام به على الطلبة والعاملين في الجامعة بل إن القادة والشارع الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة يهتمون بهذه الانتخابات، لكونها مؤشرًا حقيقيًّا على موازين القوى السياسية في زمن تكاد تتلاشى فيه الانتخابات سواء العامة أو المؤسساتية.
في العام الماضي، فازت كتلة «الوفاء الإسلاميّة» الإطار الطلابي التابع لحركة المقاومة الإسلامية «حماس» بفارق مقعد واحد عن حركة «الشبيبة»، الإطار الطلابي التابع لحركة التحرير الوطني «فتح»، في انتخابات مجلس طلبة جامعة بيرزيت الواقعة في الضفة الغربية لكن هذا العام، حيث جرت الانتخابات في يوم 18 من أبريل (نيسان) 2019، فقدت كتلة الوفاء مقعدًا واحدًا من عدد مقاعد العام الماضي فتعادلت مع حركة الشبيبة بـ23 مقعدًا لكل منهما من أصل 51 هي مقاعد مجلس الطلبة في الجامعة.
فهذه الجامعة التي تقع في نفس المحافظة التي يقع فيها المقرّ الرئيسي لمكتب الرّئاسة الفلسطينية والسلطة الفلسطينيّة في الضفة الغربية المعروف باسم «المقاطعة» فازت فيها الكتلة الإسلامية، الإطار الطلابي التابع لحركة المقاومة الإسلامية «حماس» 11 مرة منذ عام 1996 -منها السنوات الأربعة الأخيرة-، بينما فازت حركة الشبيبة، الإطار الطلابي التابع لحركة التحرير الوطني «فتح» سبع مرات مع مرتين أثناء مقاطعة كتلة «حماس» للانتخابات، بينما لم تفز أحزاب اليسار في أي انتخابات رغم كون الجامعة من حيث الإدارة والتوجه تحسب على التيار اليساري.
«الآخر ليس عدوي»
بينما كانت أميرة مرسي إحدى طالبات جامعة بيرزيت تمر في الحرم الجامعي حيث تشتد حمى انتخابات الكتل الطلابية، لفت انتباهها طالبان يظهر من شعارات برفقتهما أن أحدهما من كتلة الشهيد ياسر عرفات «فتح» والآخر من كتلة الوفاء الإسلامية «حماس»، وحين سقطت العصبة الانتخابية من يد الأخير سارع لربطها له زميله ابن الشبيبة «فتح».
طلاب من كتلة فتح
أعجبت أميرة بالمشهد السابق فهي التي تنتمى لكتلة «فتح» في الجامعة، لم تحصر علاقتها بالانتخابات بمجرد يوم الانتخاب من أجل فوز مجلس يحقق خدمات مناسبة لها، بل لا تفوت فرصة لمتابعة كل تفاصيل الحملة الانتخابية، فقد حولت كل محيطها لما يظهر توجهاتها، كأن تضع غلاف صفحتها على «فيسبوك» صورة إعلانية لكتلة «الشهيد ياسر عرفات» التي تحمل صورًا لقادة «فتح» والرقم والرمز الخاص لانتخاب هذه الكتلة، أو تتابع وتعقب بكل اهتمام على مناظرات الطلبة الانتخابية.
تقول أميرة التي تقطن في مدينة رام الله عن تجربتها في الانخراط بالحركة الطلابية، أنها «تجربة غنية بالثقافة الوطنية والسياسية والاجتماعية على حدٍ سواء»، فقد تراكم لديها كم معرفي بالحركات السياسية وأذرعتها الطلابية وتاريخها بكل ما تحمله من تجارب ونماذج نضالية، ويجذبها كثيرًا روح العمل والتعاون والوحدة تحت هدف واحد هو مساعدة الطالب وتقديم الدعم المعنوي والمادي والفكري له.
بالطبع تتمنى أميرة الفوز لكتلتها «كتلة الشهيد ياسر عرفات»، وتطمح أيضًا كما تقول لـ«ساسة بوست» بأن تستمر الجامعة باعتبارها نموذجًا يحتذى به بالديمقراطية والنزاهة، مؤكدة على أن جامعة بيرزيت تبقى نموذجًا مثاليًا ومميزًا مقارنةً مع باقي الجامعات الفلسطينية، وتمثل نموذجًا ديمقراطيًا حقيقيًا بعكس جامعات أخرى في الضفة وغزة تحتكر الانتخابات لصالح حركة معينة.
يعتقد ممثل «كتلة الشهيد ياسر عرفات» أحمد نور أنه «في ظل الأزمات التي تحيط بالمجتمع الفلسطيني، إلا أن جامعة بيرزيت استطاعت أن تحافظ على نهجها الديمقراطي المعتاد، ففي انتخابات الطلبة يسمح للجميع أن يشارك في الترشح والانتخاب دون أي ضغوطات، ذاك النموذج الذي يحلم به كل الفلسطينيين في مجتمعهم ككل».
نور وهو عضو اللجنة التحضرية في كتلة «فتح» يرى خلال حديث لـ«ساسة بوست» أن أهم مظاهر التنافس الإيجابي هو القناعة لدى الجميع بأن الشخص الآخر ليس عدوي، بل زميلي واحترم رأيه، وكذلك بإتاحة الفرص لكافة الكتل كي تقدم خدماتها، فعن كتلته يقول إنها استطاعت المشاركة في حل الأزمة المالية لطلبة، وركز شعارها على التطوع، ووصلت لجميع الطلبة بغض النظر عن انتمائهم.
انتخابات جامعة بيرزيت.. «عرس ديمقراطي» حقيقي
تشكل مكانة جامعة بيرزيت، ووقوف إدارتها على مسافة واحدة من الجميع، معايير تجعل الانتخابات الطلابية في محل اهتمام وانتظار من كافة المراقبين، فهذه الانتخابات تجرى في كل عام بموعدها، فلا تؤجل ولا تلغى مهما كانت الظروف، ويشارك فيها كافة الأطراف دون استبعاد أحد.
كما تعود أهمية الانتخابات الطلابية في بيرزيت إلى مكانة الجامعة الوطنية، ولكون طلابها أكثر من غيرها من الجامعات يمثلون مختلف المناطق والطبقات والتيارات، ما يجعل الانتخابات فيها تعكس مؤشرًا عامًا كما أسلفنا. لذلك، قد يبدو غريبًا العلم بأن الحركات الطلابية في جامعة بيرزيت يسمح لها بتقديم عروض عسكرية رمزية تحمل رسائل سياسية، خلال الدعاية الانتخابيّة، وهي عروض يستخدم فيها أسلحة بلاستيكية ومُجسماتٍ لأسلحة، كما يظهر أبناؤها ملثّمين أو يرتدون زيًّا عسكريًّا، وذلك لأن الجامعة لا تنفصل البتة عن تاريخ القضية الفلسطينية، حيث شارك مؤسسوها وطلبتها في الانتفاضات والهبات الشعبية، وهم وقود الصراع مع الاحتلال الإسرائيلي.
يقول رئيس مجلس الطلبة في جامعة بيرزيت أسامة الفاخوري أن جامعة بيرزيت «لا تسمح بأي تدخل خارجي يرجح كفة الانتخابات لصالح فصيل معين، ولا تسمح بوجود أي تهديد مباشر على الطلبة عند التصويت، وتتم الانتخابات فيها بنزاهة وشفافية عالية أمام مرأى وسائل الإعلام»، لذلك يرى الفاخوري أن الجو الذي توفره إدارة الجامعة هو من صنع من الجامعة منفذًا وحيدًا للديموقراطية.
وفيما يتعلق بالمناظرات الطلابية التي تتم قبل الانتخابات بيوم، يؤكد الفاخوري -وهو رئيس كتلة الوفاء الإسلامية «حماس»- أن المناظرة هي من أهم ما يتم في كل انتخابات، حيث تجتمع الخصوم الطلابية المتنافسة على منصة واحدة، وعلى كل كتلة أن تدافع عن برنامجها السياسي والنقابي ونشاطاتها، وتقوي مواقفها أمام الطلبة وبشكل مباشر، وتكمن الصعوبة هنا في أن الكتل الطلابية في النهاية لها برنامج سياسي يتبع التنظيم الذي تمثله في المجتمع الفلسطيني، وعلى كل كتلة أن تدافع بطريقة أو بأخرى عن البرنامج السياسي الذي يتبع لها التنظيم، ويختم بالقول لـ«ساسة بوست»: «المنافسة لا تعني الإقصاء بين الكتل، ولا تعني تفرد أي كتلة».
طلبة من التيار اليساري -المصدر : موقع جامعة بيرزيت
ولكن لماذا فازت كتلة «حماس» في السنوات الأربع الأخيرة؟ يمكنا القول إن السبب الرئيس في فوز هذه الكتلة يعود لإدارة جامعة بيرزيت ولكونها لا تنحاز إلى أي كتلة من الكتل، فلا تمنع إجراء الانتخابات خشية فوز «حماس»، ولا تستخدم نفوذها ولا تسمح لأحد بتزوير النتائج، فيما يعود السبب أيضًا إلى ما يميز نشاطات هذه الكتلة عن غيرها وانفتاحها الاجتماعي، خصوصًا على الطالبات، خلافًا للكتل المحسوبة على «حماس» في مواقع أخرى، حيث تشكل نسبة الطالبات في الجامعة أكثر من 64% من الطلبة.
حذار من «زلات اللسان»
ثمة موقف لا ينساه طلبة جامعة بيرزيت، فكعادة كل انتخابات، حددت في يوم 21 من أبريل 2015 المناظرة الطلابية للكتل الانتخابية في جامعة بير زيت في ذاك العام، وعندما حان موعد إلقاء مناظر كتلة الشهيد ياسر عرفات «فتح» لكلمته زل لسان الشاب حين حاول إحراج كتلة الوفاء الإسلاميّة «حماس» بموقفها السلبي من قضية دعم طالبة أسيرة تدعى لينا خطّاب، فاستبدل اسم الأسيرة باسم الإعلامية الفلسطينية وخطيبة المغنى الفلسطيني محمد عساف لينا قيشاوي.
من يعرف أهمية الأخطاء في تلك المناظرات أو القدرة على إضعاف موقف كتلة من كتلة أخرى، يدرك حقيقة أن زلة اللسان تلك تحوّلت إلى نكتة وسخرية لمدة ثلاث سنوات، وهي السنوات التي كانت فيها الكتلة المحسوبة على «فتح» تخسر الانتخابات لصالح الكتلة المحسوبة على حركة «حماس».
يهتم الفلسطينيون بشكل عام بمناظرات طلبة بيرزيت التي تبث بشكل مباشر، الكثير لا يعينه من يفوز وإنما يمتع عينيه بمشهد ديموقراطي قل نظيره في المجتمع الفلسطيني، وبعضهم يتمتع بمفاجآت هذه المناظرات التي تقوم على استخدام أفعال كل كتلة، وتحويلها إلى نُكت أو معايرة من طرف الخصم، في جوٍّ لا بخلو من منافسة حامية جدًا تصل في بعض الأحيان حد التخوين والتحريض المتبادل نتيجة المُناكافات والمزايدات. فلا ننسى العام الماضي مشهد رفع مُناظر كتلة «فتح» لصورة تُظهر الرئيس الفلسطيني محمود عباس برفقة رئيس الوزراء الإسرائيلي الراحل شمعون بيريز بعد أن خدعه مُناظر «حماس» وحثه على حملها.
في مناظرات هذا العام التي كانت يوم 16 من أبريل 2019، حلت قضايا كقمع حراك «بدنا نعيش» في غزة لإضعاف أسهم «حماس» في الانتخابات، فيما ركز منظرو كتلة «حماس» على مواقف السلطة ورئيسها من التنسيق الأمني وإحباط العمليات الفدائية ضد الأهداف الإسرائيلية.
يقول محمد وهو طالب في جامعة بير زيت أن «أي فصيل موجود في المناظرات هو امتداد لتنظيم خارج أسوار الجامعة، وهو ذراع طلابي يمثل توجه هذا التنظيم وبرنامجه السياسي والوطني، والأحداث الخارجية التي تحدث مع الحركة تؤثر على وضعها في الجامعة، لأن الحركات الطلابية في النهاية هي امتداد لهذا التنظيمات».
ويضيف محمد لـ«ساسة بوست» أن جامعته هي الجامعة الوحيدة التي تتم فيها الانتخابات بشكل ديموقراطي تحت رعاية إدارة الجامعة، فلرئاسة الجامعة دور كبير في أن تمنع أي تدخل خارجي بعكس الجامعات الأخرى، والتي وصل الأمر في بعضها لمنع الانتخابات بسبب الخلاف بين المحسوبين على تيار القيادي المفصول من «فتح» محمد دحلان والمسحوبين على تيار محمود عباس.