يبدو أن دولة الإمارات العربية المتحدة، قد كرست جهدها لأجل إجهاض مسيرة التحول في دول الربيع العربي؛ وذلك في إطار مساعيها لمنع وصول حركات الإسلام السياسي إلى السلطة في هذه البلدان، سواء في مصر أو في ليبيا وربما حتى في تونس.
مؤخرا، اتهم الرئيس التونسي الأسبق منصف المرزوقي الإمارات بأنها “عدو الثورات وممولة الانقلابات” محذرا من أن هناك “قوى خارجية” تتدخل في الشأن التونسي، وأن ذلك لا يحدث في تونس وحدها. ورغم إدانة وزارة الخارجية التونسية لتصريحات المرزوقي، إلا أن تلك لم تكن الواقعة الأولى التي يجري خلالها الحديث حول دور إماراتي في تونس، وعلى الأخص مع الاحتجاجات التي اندلعت مؤخرًا في مدن تونسية، والتي جاءت بعد أسبوع من زيارة المستشار الأمني لولي عهد أبوظبي الفلسطيني محمد دحلان، والجدل الكبير المثار حولها خاصة بعد ارتكاب بعض أعمال العنف.
بداية التدخل الإماراتي
دعمت الإمارات الرئيس التونسي الحالي الباجي قائد السبسي، في مواجهة منافسه منصف المرزوقي، خلال الانتخابات الرئاسية التونسية وفق ما أفادت عدة تقارير صحفية. ورغم وصول السبسي إلى السلطة، إلا أنه لم يتم استبعاد حزب النهضة التونسي من الحياة السياسية التونسية، إذ فوت ما سُمي بـ”تكتيك التراجع للخلف” الذي اتبعه حزب النهضة لتفويت فرصة تكرار سيناريو مماثل لما حدث في مصر، وكما تذكر المصادر التونسية فإن:” النهضة بعدما رفضت تولي زمام المبادرة في الحكم، واتهمت بتركها لفلول النظام السابق، رفعت شعار التوافق الكامل حتى آخر لحظة في المشهد متجاهلة كل هذه المزيدات.”
في الوقت الذي لم يتمكن السبسي من تحقيق آمال الإمارات باستئصال النهضة، فقد أشارت بعض التقارير إلى ضلوع قوى مرتبطة بدولة الإمارات في أعمال عنف طالت دوائر مقربة من السبسي نفسه وفق ما يشير مراقبون إلى حادث أتوبيس الحرس الرئاسي. وقد اتهمت تقاير صحفية لم يتسنَّ لنا التأكد من صحتها بشكل مستقل الإمارات بالتورط في عملية اغتيال السياسي شكري بلعيدن، سوى السعي إلى تفجير حزب نداء تونس من الداخل، بعد قبوله التحالف مع حركة النهضة، حيث تشير مصادر تونسية إلى وجود موالين للإمارات في الحزب، أبرزهم جناح التونسي محسن مرزوق، المحسوب على الإمارات، والذي كان وراء الانشقاق الأخير في صفوف النداء.
ووفقا لما نشره تقرير موقع “ميدل إيست آي “البريطاني، فإن الإمارات حاولت زعزعة استقرار تونس، والتأثير على الرئيس التونسي الباجي قايد السبسي، وحسب التقرير اتضح الأمر من قبل المسؤولين الجزائريين الذين سارعوا لتحذير التونسيين من خطة إماراتية تهدف إلى التدخل في شؤون تونس، وقال مصدر تونسي للموقع أنه: “قامت الدولة الجزائرية بتحذير التونسيين وبشكل واضح، من أن الإماراتيين يحاولون التدخل في الأمن التونسي “وأضاف: “كان الجزائريون واضحين في قولهم إنهم (أي الإماراتيين) قد يحاولون زعزعة استقرار تونس في أي لحظة.”
ويظهر قرار رفض الإمارات في منتصف العام الماضي منع منح تأشيرات لعدد كبير من التونسيين، وحدوث أزمة دبلوماسية بين البلدين، يظهر أن الأزمة تعود إلى الضغط السياسي الإماراتي وليس لأسباب أمنية كما ادعت السلطات الإماراتية.
تأكيدات تونسية
أكدت عدة شخصيات تونسية بدورها وجود خطة إماراتية، هدفها الإطاحة بحركة النهضة الإسلامية في تونس، وهي خطة تأتي ضمن الخطة الأوسع لمواجهة حكومات الإسلام السياسي في الوطن العربي.
آخر المسئولين التونسيين الذي تحدثوا عن دور الإمارات في تونس، هو الرئيس التونسي السّابق منصف المرزوقي، إذ قال: “إن الإمارات تمول الانقلابات وتخلق أحزابا، وهي عدوة الثورات العربية.”
ويقول رئيس حزب المبادرة ووزير الخارجية التونسي الأسبق كمال مرجان: “إن رئيس الوزراء التونسي الحالي، مهدي جمعة، خلال جولته الخليجية، تلقى عروضًا من دولة الإمارات والسعودية للحصول على دعم قوي للاقتصاد التونسي في مقابل قيام حكومته بشن حرب على التيار السياسي الإسلامي الممثل في حركة النهضة”، أما الإعلامي التونسي سفيان بن فرحات فقد أكد أن: “مسئولين إماراتيين حثوا الرئيس التونسي على اتباع النموذج المصري في قمع وإقصاء الإسلاميين، مقابل ضخ المساعدات الإماراتية إلى تونس التي تبدو بحاجة إلى الدعم”، وقال فرحات في حوار له على فضائية “نسمة” التونسية: “أن أبوظبي سعت لإقناع السبسي بمحاولة الاستيلاء على السلطة من النهضة، صاحب العدد الأكبر من البرلمانيين المنتخبين، والذي أمسك بميزان القوى بين “2011- 2014.
من جانبه، اتهم النائب عن حركة النهضة التونسية محمد بن سالم، الإمارات بمحاولة زعزعة الاستقرار في بلاده، وقال: “الإمارات على ما يبدو آخذة على عاتقها إفشال كل تجارب الربيع العربي وتدخلها السافر في مصر لا يخفى على أحد، وهناك تسريبات أخرى على أنها منزعجة من نجاح التجربة في تونس، وأيضا تدخلها الصريح والواضح والمفضوح في ليبيا. وأدان بن سالم ما أسماه “التدخل السافر للإمارات” في أكثر من دولة عربية، بما لا يتناسب مع حجمها، فتونس تعتبر الشقيقة الكبرى للإمارات، وليس العكس. مشيرًا إلى أن الإمارات متورطة بـ “نيتها السيئة “ومساهمتها في الفوضى القائمة في ليبيا، والتي تساهم بشكل غير مباشر في عدم استقرار تونس.
خلية دحلان
وترى مصادر أنه ربما لا يمكن فصل الحديث عن الدور الإماراتي في تونس عن ظهور القيادي الفلسطيني المفصول من حركة فتح محمد دحلان في المشهد التونسي مؤخرا،كما أشارت عدة مصادر صحفية.
وتحت غطاء لقاءات اقتصادية وتجارية، تمكن دحلان بصفته المستشار الأمني لولي عهد أبوظبي من لقاء مجموعة من السياسيين ورجال الأعمال التونسيين في الدار البيضاء، وآخر لقاءاته تلك كان قبل أحداث تونس الأخيرة، إذ أكدت شبكة “تونس الآن “أن: “دحلان أتى لتونس عندما تأكد أن أحزابا قريبة من الإمارات قد هزموا سياسيا؛ بغاية تنفيذ خطتها لإزاحة النهضة من المشهد التونسي”، وذكر تقرير الشبكة أنه “عندما تأكدوا أن هذه الخطة فشلت، وأن النهضة أصبحت جزءا رئيسيا من البناء السياسي التونسي، أتى دحلان ليعلمهم بالخطة الجديدة، وهي تدمير هذا البناء السياسي، والقضاء على التجربة التونسية، وإشاعة الفوضى وإلحاقها بالدول والثورات الفاشلة.”
وتشير الشبكة إلى أن الجهة الداعمة ماديا لهذا المخطط، هي “جمعية المجموعة العربية للتنمية والتمكين الوطني” التابعة للإمارات، ويرأسها حاليا الفلسطيني محمد يحيى شامية، أحد أتباع محمد دحلان .
اغتيال بلعيد
في السادس من فبراير عام 2012، اُغتيل القيادي اليساري التونسي شكري بلعيد، حدث ذلك عندما خرج بلعيد قاصدًا المجلس الوطني التأسيسي، ليشارك في مناقشة قانون العزل السياسي، الذي كان يهدف لإبعاد عدد كبير من رجال الساسة إبان حكم زين العابدين بن علي الذي يعارضه بشده بلعيد.
تسبب اغتيال بلعيد في حالة اضطراب سياسي وأمني بتونس، إذ أطيح على إثره بأول حكومة منتخبة في تاريخ الجمهورية التونسية، وكادت أن يتحول الوضع السياسي إلى انقلاب “عسكري أمني سياسي” يطيح بكل المؤسسات المنبثقة عن انتخابات 23 أكتوبر 2011، لكن المفاجأة المتعلقة باغتيال بلعيد كُشفت في فيلم وثائقي بثته قناة الجزيرة الفضائية بعد شهرين من اغتياله.
إذ أكدت الروايات التي استشهد بها الفيلم الوثائقي أن سائق بلعيد تلقى بعد وقوع عملية الاغتيال بدقائق معدودة مكالمتين هاتفيتين وردتا من دولة الإمارات العربية المتحدة، وقبيل هذا الفيلم كان التونسيون يتداولون روايات مختلفة عن جريمة الاغتيال، ومن ضمن هذه الروايات” :اتهام دولة الإمارات بالضلوع في جريمة الاغتيال، سواء بتدبيرها أو بالوقوف وراءها مباشرة، وذلك بهدف تأليب الشارع والرأي العام والقوى السياسية ضد حركة النهضة الإسلامية التي كانت في الحكم آنذاك.”
يشار أيضًا إلى وجود شكوك حول “هيئة الدفاع عن بلعيد” ذاتها، إذ يتهمها الكثير من التونسيين بأنها “لا تعمل من أجل فك لغز الاغتيال والتوصل إلى الحقائق، بقدر ما أنها تريد فقط كيل الاتهامات ضد حكومة حركة النهضة، التي كانت تحكم البلاد عندما تم اغتيال بلعيد”، ويستشهد على تناقض رواية سائق بلعيد الذي نفى تلقيه اتصالات من الإمارات، بما قاله محامي هذه الهيئة الذي يدعى المحامي نزار السنوسي، إذ قال: “إنه حصل على قائمة بالمكالمات الهاتفية التي وردت وصدرت من وإلى هاتف السائق الظاهري، ليكتشف أن الرجل تلقى بالفعل مكالمتين من دولة الإمارات فور تنفيذ جريمة الاغتيال، لكنهما كانتا من قناة العربية التي تبث من دبي، حيث كانت القناة تريد الحصول على أية معلومات بشأن الجريمة”.
هدية.. سيارتان فاخرتان !!
وثيقتان رسميتان سُربتا من مصلحة الجمارك التونسية في أغسطس (2014)، تظهر تلقي الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي لـ”هدايا” من قبل دولة الإمارات، الوثيقة الأولى طالبت فيها السفارة الإماراتية بتونس تسهيل عملية دخول سيارتين فاخرتين لإهدائهما للسبسي، والوثيقة الثانية تشمل على بيانات السيارتين العائدة ملكيتهما حسب الوثيقة لرئيس حزب نداء تونس والرئيس الحالي.
وتأتي هذه العطايا الإماراتية وفقا لمحللين في إطار مساعي الإمارات لاستقطاب الرئيس التونسي، والمرشح الرئاسي وقتها إلى صفوفها. رغم أن “تقديم الإمارات لهدية كهذه لرئيس حزب نداء تونس يعتبر مخالفة للقانون التونسي الذي ينص الفصل 19 من القانون المنظم للأحزاب السياسية منه على المنع التام لكل “تمويل مباشر أو غير مباشر نقدي أو عيني صادر عن أية جهة أجنبية”، كما ينص نفس القانون على: “يعاقب بالسجن لمدة تتراوح بين سنة وخمس سنوات كل من خالف أحكام الفقرة الأولى والثانية من الفصل 19 أعلاه.
يذكر أن حزب نداء تونس، أصدر بيانا أكد فيه صحة هذه الوثائق، ولكنه برر الأمر أن قبول هذه السيارات قد جاء بسبب التهديد الأمني الذي يتعرض له السبسي، واستنكرت المصادر التونسية هذا التبرير على اعتبار أن “التهديد الأمني للسبسي ليس حديثًا ولا سرًا، وإنما معلن منذ أكثر من سنة”. فيما تشير مصادر أن خلافات قد دبت مؤخرا بين الإمارات والرئيس التونسي بعد أشهر من وصوله إلى السلطة بسبب تعاونه مع حركة النهضة ما دفع إلى سعي الإمارات إلى تفجير تحالف نداء تونس، من آخره ما ظهر في أزمة الانشقاقات الأخيرة داخل الحزب.
وعلى الرغم من أن التظاهرات التي تشهدها تونس في الأيام الأخيرة ترتبط بشكل واضح بمجموعة من المطالبات الاجتماعية والاقتصادية، إلا أن بعض المحللين يميلون لتفسير جنوح بعض هذه التظاهرات إلى العنف إلى عبث خارجي. ومع تواتر الحديث حول ضلوعها في تفخيخ المشهد السياسي التونسي، فإن دولة الإمارات العربية المتحدة تعود من جديد إلى دائرة الاتهام.